- انتقاها: مضحي بن عبيد الشمري
الحديث السابع
عن ابن عباس قال: كانَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – أَجودَ الناسِ بالخير، وكانَ أَجودُ ما يكونُ في رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ، وكانَ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ في رمضانَ حتى يَنْسَلِخَ، يعرِضُ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْقرآنَ، فلَرسولُ الله حين يلقاه جبريل أَجوَدُ بالخيرِ منَ الريحِ المرسَلةِ.
فيه فوائد:
- قال الإمام الشافعي: أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم. (الشافي لابن الأثير 251/3).
- قال المهلب: فيه بركةُ مجالسةِ الصالحين، وأن فيها تذكار لفعل الخير، وتنبيهًا على الازدياد من العمل الصالح، ولذلك أمر عليه السلام بمجالسة العلماء، ولزومِ حِلَقِ الذكر، وشَبَّهَ الجليسَ الصالحَ بالعطّار؛ إن لم يصبك من متاعه لم تعدم طيب ريحه. (نقله عنه ابن بطال في شرحه 4/22).
- قال ابن الملقن: فيه زيارة الصالحين وأهل الفضل ومجالستهم وتكرير زيارتهم وتواصلها إِذَا كان المزور لا يكره ذَلِكَ، ولا يتعطل به عن مهم هو عنده أفضل من مجالسة زائره، فإن كان بخلاف ذَلِكَ استحب تقليلها. (التوضيح 2/362).
- فيه بركة أعمال الخير، وأن بعضها يفتحُ بعضًا، ويعينُ على بعض، ألا ترى أن بركةَ الصيام ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي عليه السلام وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة. (ابن بطال – شرحه 4/23).
- قال ابن بطال: قال عبد الواحد: ونزولُ جبريلَ في رمضان للتلاوة دليل عظيم لفضل تلاوة القرآن فيه، وهذا أصلُ تلاوة الناسِ للقرآنِ في كلِّ رمضان، تأسيًا به صلى الله عليه وسلم. (شرح ابن بطال 4/23).
- كان رسولُ الله – عليه السلام – يقرأ القرآنَ على جبريل من أوله إلى أن يختم.. ليكونَ سنةً في حق الأمة؛ ليجدد التلامذة على الأستاذين قراءتهم. (المظهري – المفاتيح 3/57).
- فيه مُذَاكَرَةُ الْفَاضِلِ بِالْخَيْرِ وَالْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِزِيَادَةِ التَّذْكِرَةِ وَالِاتِّعَاظِ. (ابن حجر – الفتح 9/45).
- فيه أن المؤمنَ كلما ازدادَ عملاً صالحًا وفتح له باب من الخير فإنه ينبغي له أن يطلب بابًا آخر، وتكون عينه ممتدة في الخير إلى فوق عمله، ويكون خائفًا وجلاً، غير معجب بعمله، طالبًا للارتقاء في درجات الزيادة. (ابن بطال – شرحه 4/23).
- فِيهِ أَنَّ مُدَاوَمَةَ التِّلَاوَةِ تُوجِبُ زِيَادَةَ الْخَيْرِ. (ابن حجر – الفتح 9/45).
- قال ابن الملقن: لما كان يدارسه القرآن= زادت معاينته الآخرة فأخرج ما في يده من الدنيا. (التوضيح 2/361).
- جاء في بعض الروايات في الصحيح أن عرضَ القرآنِ كان ليلًا، قال ابن رجب: فيه أن المدارسةَ بينه وبين جبريل كانت ليلًا، وهذا يدلُّ على استحبابِ الإكثارِ من التلاوةِ في رمضان ليلًا؛ فإن الليلَ تنقطعُ فيه الشواغل، ويجتمعُ فيه الهم، ويتواطأُ فيه القلبُ واللسانُ على التدبر؛ كما قال تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلا). (لطائف المعارف ص: 169).
الحديث الثامن
عَن أَبي هُريرةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قالَ: قَالَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لم يَدَعْ قوْلَ الزُّورِ وَالعملَ بِه والجهلَ، فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعامَهُ وشرابَهُ”.
فيه فوائد:
- بوب عليه ابنُ حبان فقال: “ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِاجْتِنَابِ الْمَحْظُورَاتِ، لَا بِمُجَانَبَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ فَقَطْ”. (صحيحه 8/257). وقال المظهري: الغرضُ من الصيامِ كسرُ النفسِ بتركِ الطعام، والغرضُ من كسرِ النفس: تركُ المَنَاهي، والغرضُ المعظَّمُ من الصيام: تركُ المناهي التي هي مُحرَّمةٌ، لا تركُ الطعامِ والشرابِ اللذَين هما مباحان. (المفاتيح في شرح المصابيح 3/24).
- قولُ الزور هو: الكذب، وهو محرمٌ على المؤمنين.. ودلَّ قولُهُ صلى الله عليه وسلم: “فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامَه وشرابَه” على أن الزورَ يحبطُ أجرَ الصائم. (ابن بطال – شرحه 9/250). وقال أيضًا: ليس معناهُ أن يؤمرَ بأن يَدَعَ صيامَهُ إذا لم يَدَعْ قولَ الزور، وإنما معناهُ التحذيرُ من قول الزور. (4/23).
- قوله: “والعملَ به”؛ أي: بالزور، أرادَ به جميعَ الفواحش؛ لأن كلَّ ما نَهَى الله عنه، فمَن عملَه فقد فعلَ مخالفةَ الله تعالى، والمخالفة: هي الكذبُ في الحكم، وحصولُ الإثم. (المظهري – المفاتيح في شرح المصابيح 3/24).
- فيه من الفقه: أن الصائمَ مأمورٌ بتنزيهِ صومِهِ عن أن يَجْرَحَه بشيء من فلتاتِ لسانه، حتى إن شهادةً تبلُغُ في إفسادِ الصومِ إلى أن يقولَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – “فليس لله حاجة”: فإنه كلامٌ يشيرُ إلى مغاضبةٍ عليه، مع العلمِ بأنَّ اللهَ عز وجل لا حاجة به إلى صيام صائم، وإنما ذَكَرَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – هذا إعلامًا لمن فعله أن الله سبحانه قد بلغ غضبُهُ على شاهدِ الزورِ إلى ألا يراهُ معدودًا في الصائمين. (ابن هبيرة – الإفصاح 7/321).
- قال ابن تيمية: بَيَّنَ -صلى الله عليه وسلم- أن اللهَ تعالى لم يحرِّمْ على الصائمِ الأكلَ لحاجته إلى تركِ الطعامِ والشرابِ، كما يُحَرِّمُ السيدُ على عبيدِهِ بعضَ مالِه، بل المقصودُ: محبةُ اللهِ تعالى، وهو حصولُ التقوى، فإذا لم يأتِ به فقد أتى بما ليس فيه محبةٌ ورضا، فلا يثابُ عليه، ولكنْ لا يعاقبُ عقوبةَ التارك. (منهاج السنة 1/549).
- فيه دليلٌ على أن الكذبَ والزورَ أصلُ الفواحش، ومعدِنُ المناهي، بل قرينُ الشرك، قال تعالى: (فاجْتنبواُ الرجْسَ منَ الأَوثِان واجتِنُبوا قوْلَ الزُّورِ) وقد عُلِمَ أن الشركَ مضادُّ الإخلاص، وللصومِ مزيدُ اختصاصٍ بالإخلاص، فيرتفعُ بما يضادُّه. (الطيبي – الكاشف عن حقائق السنن 5/1591).
الحديث التاسع
عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنُى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَيَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا؛ أَشَارَ إِليَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ! فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ؛ لقد كُنَّا معَ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – شَباباً لا نَجِدُ شَيْئاً، فـقَالَ لَنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ؛ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
فيه فوائد:
- قوله: “إن عثمان دعا ابن مَسْعُودٍ وَاسْتَخْلَاهُ فَقَالَ لَهُ” هَذَا الْكَلَامُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ بِمِثْلِ هَذَا؛ فَإِنَّهُ مِمَّا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ. (النووي – شرح مسلم 9/174).
- قوله: ” هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ” فيه التكْنية، وهذا من بابِ الإجلالِ والتكريم. (العثيمين – التعليق على مسلم 2/1018).
- قوله: ” هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟” فِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الصَّاحِبِ هَذَا عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَهُوَ صَالِحٌ لِزَوَاجِهَا. (النووي – شرح مسلم 9/174).
- فِيهِ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الشَّابَّةِ لِأَنَّهَا الْمُحَصِّلَةُ لِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهَا أَلَذُّ اسْتِمْتَاعًا، وَأَطْيَبُ نَكْهَةً، وَأَرْغَبُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ، وَأَحْسَنُ عِشْرَةً، وَأَفْكَهُ مُحَادَثَةً، وَأَجْمَلُ مَنْظَرًا، وَأَلْيَنُ مَلْمَسًا، وَأَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُعَوِّدَهَا زَوْجُهَا الْأَخْلَاقَ الَّتِي يَرْتَضِيهَا. (النووي – شرح مسلم 9/174).
- البِكرُ: الذي لم يتزوج من الرِّجال والنِّساء؛ يقال: رجلٌ بِكرٌ، وامرأةٌ بِكرٌ، والبكرُ أيضًا: أوّلُ الأولاد؛ كما قال الشاعر: يا بِكرَ بِكرَينِ ويَا خِلبَ الكَبِدِ … أصبحتَ مِنِّي كذِراعٍ مِن عَضُد. (القرطبي – المفهم 4/81).
- يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُعَاشَرَةَ الزَّوْجَةِ الشَّابَّةِ= تَزِيدُ فِي الْقُوَّةِ وَالنَّشَاطِ، بِخِلَافِ عَكْسِهَا: فَبِالْعَكْسِ. (ابن حجر – الفتح 9/107).
- فيه ما يدلُّ على أن الرجلَ الشيخ: لا ينبغي أن يستضعفَ نفسَه عن التزويج؛ فإن الاختيارَ له في ذلك للثواب، لأنهن يُرْجَى منهن الولد. (ابن هبيرة – الإفصاح 2/12).
- فيه أن عبدَ الله بنَ مسعودٍ لما قال له عثمان ذلك، أجاب بجوابٍ يصلُحُ أن يكونَ عذرًا له إن هو فعل؛ وعذرًا له إن لم يفعل؛ لأنه ذَكَرَ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج” فذكر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر الشبابَ بالتزويجِ، ثم علله بما يشملُ الشبابَ وغيرَه: من قوله: “فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج”، ويصلُحُ أن يكونَ عُذرًا له في تركِهِ النكاحَ= لأنه خَصَّهُ بالشباب في قوله: “يا معشر الشباب”، فكأنه قال: عندي دواء الترك؛ وهو قوله – صلى الله عليه وسلم -: “فليصم”، فإذا كان ذلك للشباب؛ ففي الشيوخِ أولى، فيجوزُ أن يكونَ هذا الاعتذارُ منه في الترك لأجل قوله: “أن نزوِّجَكَ جاريةً شابة”، فكان هذا كالعذر عن تزويجه الشابة؛ لكونه قد شاب، لقوله: “تذكرك بعض ما مضى”. (ابن هبيرة – الإفصاح 2/13).
- إِخْرَاجُ الْحَدِيثِ لِمُخَاطَبَةِ الشَّبَابِ: بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ قُوَّةِ الدَّاعِي إلَى النِّكَاحِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ، بِخِلَافِ الشُّيُوخِ، وَالْمَعْنَى مُعْتَبَرٌ إذَا وُجِدَ فِي الْكُهُولِ وَالشُّيُوخِ أَيْضًا. (ابن دقيق العيد – إحكام الأحكام 2/169).
- قوله: “فليتزوج” أمرٌ، وظاهرُهُ: الوجوب، وبه قال داودُ ومَن تابعه، والواجبُ عندهم العَقدُ -لا الدخول-، فإنه إنما يجب عندهم مرةً في العمر، والجمهورُ: على أن التزويجَ مندوبٌ إليه، مُرَغَّبٌ فيه على الجملة، وقد اعتبره بعض علمائنا بالنظرِ إلى أحوال النَّاس، وقسَّمه بأقسام الأحكام الخمسة، وذلك واضحٌ. (القرطبي 4/81).
- “الباءة” والباة: من أسماءِ النكاح، سمي به؛ لأن الرجلَ يتبوأُ من أهله، أي: يتمكنُ منها، كما يتبوأُ من داره. (التوربشتي- الميسر في شرح مصابيح السنة 3/737).
- قال ابن بطال: ندب النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأمته النكاح، ليكونوا على كمالٍ من أمرِ دينهم، وصيانة لأنفسهم في غضِّ أبصارِهِم، وحفظ فروجهم، لِمَا يُخْشَى على من زين الله في قلبِهِ حُبَّ أعظمِ الشهوات، ثم عَلِمَ -عليه السلام- أن الناسَ كُلَّهَم لا يجدون طَولًا إلى النساء، وربما خافوا العنتَ بفقدِ النكاحِ= فعوضهم منه ما يُدَافعون به سَورةَ شهواتهم، وهو الصيام، فإنه وِجَاء، والوجاء: القطع، يعني أنه مَقْطَعَةٌ للانتشارِ وحركةِ العروقِ التي تتحركُ عند شهوةِ الجماع. (ابن بطال – شرحه 4/25).
- الْوِجَاءُ هُوَ رَضُّ الْخِصْيَتَيْنِ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ.. وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْوِجَاءِ بَلْ سَمَّى الصَّوْمَ وِجَاءً؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَدْفَعُ شَرَّ الْجِمَاعِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْوِجَاءُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. (ولي الدين العراقي – طرح التثريب 7/8).
- قال ابن حجر: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ قَامِعٌ لِشَهْوَةِ النِّكَاحِ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَزِيدُ فِي تَهْيِيجِ الْحَرَارَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ، لَكِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ؛ فَإِذَا تَمَادَى عَلَيْهِ وَاعْتَادَهُ سَكَنَ ذَلِك. (فتح الباري 4/119).
- قال الطيبي: كان من الظاهرِ أن يقول: “ومن لم يستطع فعليه بالجوع، وقلةِ ما يزيدُ في الشهوة وطغيانِ الماء من الطعام”، فعدل إلى الصوم= إدماجاً لمعنى عبادةٍ هي برأسِهَا مطلوبة، وليؤذِنَ أنَ المطلوبَ من نفسِ الصوم: الجوعُ وكسرُ الشهوة. (الكاشف 7/2257).
- قد يستدلُّ به على جوازِ التعالجِ لقطعِ الشهوة؛ كتناولِ الكافورِ ونحوهِ من الأشياء. (الخطابي – أعلام الحديث 2/950). قال ابن الملقن: وينبغي أن يُحْمَلَ على دواءٍ يُسَكِّنُ الشهوةَ دونَ ما يقطعُهَا أصالةً. (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 8/119).
- استنبط القرافيُّ من قوله “ومن لم يستطع فعليه بالصوم” أن التشريكَ في العبادات في النية لا يقدحُ فيها بخلاف الرياء؛ فقال: “وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” أَيْ: قَاطِعٌ، فَأَمَرَ بِالصَّوْمِ لِهَذَا الْغَرَضِ؛ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – فِي الْعِبَادَاتِ. (الفروق 3/23).
- يؤخذُ من تنصيصه -عليه الصلاة والسلام- تحريمُ الاستمناء، وهو المشهور، وسئل مالك عنه وعن المرأة تجعل في نفسها تستعفُّ به، فتلا قوله -تعالى- (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) إلى قوله: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، حكاه الزناتي عنه في “شرح الرسالة”. (ابن الملقن – الإعلام 8/120). وقال ابن العطار: واستدلَّ الشافعي – رحمه الله بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)) على تحريمِ الاستمناء؛ لأنه غيرُ داخل في الاستثناءِ من الحافظينَ لفروجهم. (العدة 3/1253).
الحديث العاشر
عَن أَبي هُريرَةَ رضيَ الله عَنْهُ قَالَ: قالَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: “صُوموا لِرُؤيَتِهِ، وَأَفْطِروا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ غبِّيَ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثِينَ”.
سبق الكلام عن فوائده في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
الحديث الحادي عشر
عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رضيَ الله عنها أَنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – حَلفَ لا يدخلُ على بعض نِسائِهِ شَهراً، فَلمَّا مَضى تِسعةٌ وعِشرونَ يَوماً، غَدا عَليهنَّ، أَوْ راحَ، فقيلَ لَهُ: يا نَبيَّ الله، إنَّكَ حَلَفْتَ أنْ لا تَدْخلَ عَلَيْهنَّ شَهراً! فقالَ: “إنَّ الشَّهرَ يكونُ تِسعةً وَعشرينَ يَوماً”.
فيه فوائد:
- ذكره البخاري في الصوم وبوب عليه قائلًا: “باب قوله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا”، وفيه ما سبق بيانه من أن الشهرَ يكونُ تسعةً وعشرين، ويكون ثلاثين.
- ذكره البخاري في مواضع، وبوب عليه في أحدها بقوله: “بابُ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءَهُ في غير بيوتهن”، قال المهلب: هذا الذى أشار إليه البخاريُّ من أن الهِجرانَ لا يكونُ إلا في غير بيوتِ الزوجات، من أجلِ ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه انفرد عنهن في وقتِ الهِجرانِ في مَشْرُبَةٍ واعتزل بُيُوتَهُنَّ، وكأن البخاريَّ أراد أن يستنَّ الناسُ به في هجرِ نسائهم لما فيه من الرفقِ بالنساء؛ لأن هِجرانَهُنَّ مع الكونِ في بيوتِهِنَّ آلمُ لأنفسهنَّ، وأوجعُ لقلوبهنَّ، لِمَا يتطرقُ إليه من العتابِ والغضبِ والإعراضِ، ولما في غَيبَةِ الرجلِ عن أعينهنَّ من تسليتهنَّ عن الرجالِ. انتهى. (نقله ابن بطال في شرحه 7/324). وَتعقبه ابن الْمُنيرِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُرِدْ مَا فَهِمَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْهِجْرَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبُيُوتِ وَفِي غَيْرِ الْبُيُوتِ. (فتح الباري 9/301). قال عياض عن كلام المهلب في استحباب الهجر في غير البيوت وأنه أخفُّ ألمًا لأنفسهن: الأمر بالعكس أولى، بل بُعدُهُ عنهن أغيظُ لهنَّ وأشدُّ حسرة. (إكمال المعلم 5/43).
- قال ابن حجر: ومن اللطائفِ أنَّ الحكمةَ في الشهرِ؛ مع أن مشروعيةَ الهجرِ ثلاثةُ أيام: أن عِدَّتَهُنَّ كانت تسعة، فإذا ضُرِبَتْ في ثلاثة كانت سبعةً وعشرين، واليومان لمارِيَة؛ لكونها كانت أمة، فنقصت عن الحرائر. (فتح الباري 9/290).
- فِيهِ تَذْكِيرُ الْحَالِفِ بِيَمِينِهِ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا ظَاهِرُهُ نِسْيَانُهَا. (حجر 9/292).
الحديث الثاني عشر
عن أبي بَكْرَةَ رضيَ الله عنهُ عَنِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: ” شَهرانِ لا يَنقصان، شَهرا عيدٍ: رمضانُ، وذو الحِجَّةِ”.
فيه فوائد:
- قَالَ أَبو المُطَرِّفِ القُنازعي: رَأَيتُ فِيما نَقَلَهُ أبو عُبَيْدٍ أَنَّهُ قالَ: “شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وذُو الحِجَّةِ”، يعني: لا يَنْقُصَانِ مِنَ الأَجْرِ، يُؤْجَرُ الصَّائِمُ والعَامِلُ فِيهِما وهَمُا نَاقِصَانِ، كَمَا يُؤْجَرُ فِيهِما وَهُمَا كَامِلاَنِ، وهذَا تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ. (تفسير الموطأ للقنازعي 1/280). قلت: ورجح الخطابيُّ قولَ أبي عبيد هذا؛ ثم قال: وقد قيل: معناه أنه لا يكادُ يتفقُ نقصانُهُما في سنةٍ واحدة، فإن كان أحدُهُما ناقصًا كان الآخرُ تامَّ العدد. قال الأثرم: وكان أحمدُ يذهب إلى هذا، قلتُ: وفي هذا نظر، والأولُ هو وجهُ الحديث، والله أعلم. (أعلام الحديث 2/949). وذكر ابنُ الجوزيِّ في (كشف المشكل 2/11) أقوالًا أربعة، وزادها القرطبي حتى أوصلها إلى خمسةِ أقوال (المفهم 3/145).
- قال ابن حجر: رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَرَوْنَ الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ، فَإِذَا كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ تَرَوْنَهُ نُقْصَانًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُقْصَانٍ. (فتح الباري 4/125).
- قال العيني رحمه الله: إِن قلتَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الشَّهْرَيْنِ بِالذِّكْر؟ قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا خصهما بِالذكر لتَعلُّقِ حكمِ الصَّوْمِ وَالْحجِّ بهما. (عمدة القاري 10/286).
- قال ابن العربي بعد ذِكْر القولين المشهورين: والمسألة قريبة، لا يتعلّقُ بها حُكْمٌ ولا عِلْمٌ ولا عَمَلٌ، فإنّ الأَجْرَ كامِلٌ باتِّفَاقٍ، وما وراء ذلك تعبٌ غيرُ مُثْمِرٍ لمعنى. (المسالك 4/166). لكن قال ابن حجر: فَائِدَةُ الْحَدِيثِ: رَفْعُ مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ شَكٍّ لِمَنْ صَامَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَوْ وَقَفَ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِمْكَانَ الْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ اجْتِهَادًا، وَلَيْسَ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ثَبَتَتِ الرُّؤْيَةُ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيسُ مَثَلًا، فَوَقَفُوا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا شَهِدَا زُورًا. (فتح الباري 4/126).
- إِن قيل: كَيفَ سمي رَمَضَانُ شهرَ عيد، وَإِنَّمَا الْعِيدُ فِي شَوَّال؟ أجَابَ عَنهُ الْأَثْرَمُ بجوابين: أَحدُهُمَا: أَنه قد يُرَى هِلَالُ شَوَّال بعد الزَّوَالِ فِي آخرِ يَوْم من شهرِ رَمَضَان. وَالثَّانِي: أَنه لما قَرُبَ الْعِيدُ من الصَّوْمِ أَضَافَهُ إِلَيْهِ، وَالْعربُ تسمي الشَّيْءَ باسمِ الشَّيْء إِذا قَرُبَ مِنْهُ. (ابن الجوزي – كشف المشكل 2/11). قلت: ورجح ابنُ حجرٍ الثاني، ثم قال: وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْمَغْرِبُ وِتْرُ النَّهَارِ” أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ، وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَيْلِيَّةٌ جَهْرِيَّةٌ، وَأَطْلَقَ كَوْنَهَا وِتْرَ النَّهَارِ؛ لِقُرْبِهَا مِنْهُ. (فتح الباري 4/126).
- فيه حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الثَّوَابَ لَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى وُجُودِ الْمَشَقَّةِ دَائِمًا، بَلْ لِلَّهِ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِإِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالتَّامِّ فِي الثَّوَابِ. (ابن حجر – الفتح 4/126).
الحديث الثالث عشر
عن أَبي هُريرة رضيَ الله عَنهُ عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ: “لا يَتَقدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رمضانَ بصومِ يَومٍ أوْ يَوَمينِ، إلاّ أنْ يَكونَ رجلٌ كانَ يَصومُ صَومَهُ فَلْيصُمْ ذلكَ اليومَ”.
فيه فوائد”:
- فيه إفرادُ الفرضِ عن غيره؛ لئلا يُشَبَّهَ التطوعُ بالفرض. (ابن هبيرة – الإفصاح 6/214).
- فِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا فعل النَّصَارَى فِي صومهم، فَإِنَّهُم زادوا فِيهِ، وتحذيرٌ من مثلِ ذَلِك، وَأمرٌ بِالْوُقُوفِ على حُدُود الشَّرْع. (ابن الجوزي – كشف المشكل 3/390).
- فِيهِ صَرِيحُ الرَّدِّ عَلَى الرَّوَافِضِ، الَّذِينَ يَرَوْنَ تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ “رَمَضَانَ” اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ. (ابن دقيق العيد – إحكام الأحكام 2/7).
- فِيهِ تَبْيِينٌ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ، الَّذِي فِيه “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ”، وَبَيَانُ أَنَّ اللَّامَ لِلتَّأْقِيتِ، لَا لِلتَّعْلِيلِ، كَمَا زَعَمَتْ الرَّوَافِضُ. (ابن دقيق العيد – إحكام الأحكام 2/7).
- فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ الْمُعْتَادَ إذَا وَافَقَتْ الْعَادَةُ فِيهِ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ: أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ. وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَادَةُ بِنَذْرٍ أَوْ بِسَرْدٍ عَنْ غَيْرِ نَذْرٍ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ: “إلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ”. (ابن دقيق العيد – إحكام الأحكام 2/7).
- إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ= لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِمَّنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ. (ابن حجر – الفتح 4/129).
الحديث الرابع عشر
عَنِ البَرَاءِ رضيَ الله عَنهُ قالَ: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لاَ يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ)، وكانَ أَصْحابُ مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا كانَ الرَّجلُ صائماً؛ فَحَضَرَ الإفْطارُ فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ؛ لم يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولا يَوْمَهُ حَتَّى يُمسيَ، وَأنَّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةَ الأَنْصارِيَّ كانَ صائماً، فَلَمَّا حَضَرَ الإفْطارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقالَ لَها: أَعِنْدَكِ طَعامٌ؟ قَالَتْ: لا، وَلكنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وكان يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيناهُ، فجاءَتْهُ امْرَأتُهُ، فَلمَّا رَأَتْه قالَتْ: خَيْبَةً لكَ، فَلمَّا انْتَصَفَ النَّهارُ غُشِيَ عَليهِ. فَذُكِرَ ذلك للنَّبيِّ- صلى الله عليه وسلم – فنزَلتْ هذهِ الآيةُ: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) فَفَرحُوا بِها فَرحاً شَديداً، ونَزَلَتْ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ).
فيه فوائد:
- قال ابن حجر: ظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ مَمْنُوعًا فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ لَيْلًا، مَا لَمْ يَحْصُلِ النَّوْمُ، لَكِن: بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ.. فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: “كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ” عَلَى الْغَالِبِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. (فتح الباري 8/182)
- قول قيس لامرأته: “أعندك طعام؟” فيه دليل على أن شأنَ الطعامِ موكولٌ إلى الزوجة.
- قوله تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ) إنما كان الجماعُ والأكلُ خيانةً للنفس؛ لأن وبالَ المعصيةِ عائدٌ على النفس؛ فكأنه قيل: ظلم نفسه، ونَقَصَها حقَّها من الخير. (ابنُ رسلان – شرح سنن أبي داود 10/249).
- قولُ امرأةِ قيس: “ولكنْ أنطلقُ فأطلبُ لك” فيه دليلٌ على خروجِ المرأةِ لحاجةِ زوجِها. (ابنُ رسلان – شرح سنن أبي داود 10/250) قلت: ولا يخفى أن هذا في حالِ وجودِ عذرٍ للزوج؛ كما حصل لقيسٍ رضي الله عنه هنا.
- قال الكرماني: إن قلتَ: ما وجهُ المناسبةِ بينهما -يعني قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)- وبين حكايةِ قيس؟ قلتُ: لما صار الرفثُ حلالًا= فالأكلُ والشربُ بالطريقِ الأولى، وحيث كان حِلُّهُما بالمفهوم= نزلت بعدَه “وكلوا واشربوا”؛ لِيُعْلَمَ بالمنطوقِ تصريحًا بتسهيلِ الأمرِ عليهمِ، ودفعًا لجنسِ الضرر الذي وقع لقيسٍ ونحوِه، أو المراد من الآيةِ: هي بتمامِهَا إلى آخِرِها؛ حتى يتناولَ: (كلوا واشربوا). (الكواكب الدراري 9/94).
الحديث الخامس عشر والسادس عشر
عَنْ عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ رضيَ الله عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) عَمَدْتُ إلى عِقالٍ أَسْوَدَ، وإلى عِقالٍ أَبْيَضَ، فجَعَلتُهُما تَحْتَ وِسَادَتي، فَجَعَلتُ أَنظُرُ في اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبينُ لي، فَغدوتُ عَلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، لما أصبح، فذكرتُ له ذلك، قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأسود من الخيط الأبيض؟ أهما الخيطان اللذان جعلتُ تحت وسادتي؟! قال: “إن وسَادكَ لعريضٌ إن كان الخيطُ الأَبيضُ والأَسْودُ تحتَ وسادكَ! إنَّكَ لعريضُ القفا إن أبصرتَ الخيطينِ”، ثُمَّ قالَ: “لا إنَّما ذلكَ سَوادُ اللَّيْلِ، وبَياضُ النَّهارِ”.
وعَنْ سَهلِ بنِ سَعدٍ قالَ: أُنْزِلَتْ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ولمْ يَنْزِلْ (مِنَ الْفَجْرِ)، فَكانَ رجالٌ إذا أرادوا الصَّومَ، ربطَ أحدُهمْ في رجلِه الخيطَ الأَبيضَ، والخيطَ الأَسودَ، ولَمْ يزَلْ يأْكُل حَتَّى يَتَبينَ لَهُ رؤيَتُهُما، فأَنْزلَ الله بعدُ: (مِنَ الْفَجْرِ)، فَعلموا أنهُ إنَّما يَعني اللَّيلَ والنَّهارَ.
فيهما فوائد:
- بوب عليه ابنُ حبانَ في صحيحه على حديث عدي قائلًا: “ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَبَايَنُ لُغَاتُهَا فِي أَحْيَائِهَا”. (صحيحه 8/242).
- فيهما وجوبُ التوقفِ عند الألفاظِ المشتركة، وطلبُ البيانِ فيها، وأنها لا تُحْمَلُ على أظهرِ وجوهِهَا، وأكثرِ استعمالاتها= إلا عند عدمِ البيانِ فيها، وَكَانَ الْبَيَانُ حَاصِلًا بِوُجُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (القاضي عياض – إكمال المعلم 4/25).
- قال ابن تيمية: قال الإمامُ أحمد: أكثرُ ما يَغْلَطُ الناسُ من جهة التأويلِ والقياس”، قال ابن تيمية: فالتأويلُ: كحالِ هؤلاءِ الذين تأولوا القرآن على غير تأويلهِ، والتأويل في الألفاظ المسموعة= كالقياسِ في المعاني المعقولة. (بيان تلبيس الجهمية 5/460).
- قوله صلى الله عليه وسلم لعدي: “إن وسادَك لعريض” أي: إنْ جعلتَ تحتَ وِسادِكَ الخيطينِ اللذينِ أرادَ اللهُ – وهما الليلُ والنهارُ – فوسادُك الذي يعلوهُما ويغطِّيهِما عريض. (عياض – إكمال المعلم 4/26).
- قَالَ ابنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ جَوَازُ التَّوْبِيخِ بِالْكَلَامِ النَّادِرِ الَّذِي يَسِيرُ فَيَصِيرُ مَثَلًا، بِشَرْطِ صِحَّةِ الْقَصْدِ، وَوُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَ أَمْنِ الْغُلُوِّ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ الْقَدَمِ إِلَّا لمن عصمه الله تَعَالَى. (نقله عنه ابن حجر في فتح الباري 4/133).
- قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثُ عَدِيٍّ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ نَزَلَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ من الْخَيط الْأسود بِخِلَافِ حَدِيثِ سَهْلٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَفْعِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْإِشْكَالِ.. ثم قال: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَدِيثَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ؛ فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الْآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفَجْرِ: أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُ الْخَيْطَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: (مِنَ الْفَجْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: (يَتَبَيَّنَ). (المفهم 3/147).
الحديث السابع عشر
عن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنهُ قالَ: قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: “تَسحَّروا فإن في السَّحورِ بركة”.
فيه فوائد:
- سمي سَحورًا؛ لأنه قرب السحر، وكانوا يسمونَه الغداء؛ لأنه بدل منه، قاله الداودي. (نقله ابن الملقن في التوضيح 13/131).
- بوب عليه البخاريُّ قائلًا: “بابُ بركةِ السحورِ من غير إيجاب”، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْحُكْمِ إِنَّمَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ إِذَا ثَبَتَ الِاخْتِلَافُ، أَوْ كَانَ مُتَوَقَّعًا، وَالسَّحُورُ إِنَّمَا هُوَ أَكْلٌ لِلشَّهْوَةِ وَحِفْظِ الْقُوَّةِ، لَكِنْ لَمَّا جَاءَ الْأَمْرُ بِهِ= احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْإِيجَابِ. (نقله ابن حجر في الفتح 4/139).
- قال النووي: فِيهِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَمَّا الْبَرَكَةُ الَّتِي فِيهِ فَظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّي عَلَى الصِّيَامِ، وَيُنَشِّطُ لَهُ، وَتَحْصُلُ بِسَبَبِهِ الرَّغْبَةُ فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الصِّيَامِ؛ لِخِفَّةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ عَلَى الْمُتَسَحِّرِ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَاهُ. (شرح مسلم 7/207).
- أخرج أبو داود وغيره بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة عَنِ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “نِعْمَ سَحُورُ المُؤْمِنِ التَّمْرُ” وبوب عليه ابنُ حبان قائلًا: “ذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ لِمَنْ أَرَادَ الصِّيَامَ أَنْ يَجْعَلَ سَحُورَهُ تَمْرًا”، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا مَدَحَ التَّمْرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِأَنَّ فِي نَفْسِ السَّحُورِ بَرَكَةٌ، وَتَخْصِيصُهُ بِالتَّمْرِ بَرَكَةً، عَلَى بَرَكَةِ. (الكاشف 5/1590).
الحديث الثامن عشر
عن عبد الله بن عمرَ رضيَ الله عنه: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – واصَل، فَواصَلَ الناسُ، فَشقَّ عليهم، فَنهاهمْ. قالوا: إنَّكَ تُواصلُ؟ قالَ: “لستُ كَهيئتكمْ، إنِّي أظَل أُطعَمُ وَأُسْقَى”.
فيه فوائد:
- قال أبو الوليد الباجي: قَوْلُهُ إنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ الْوِصَالِ -يُرِيدُ وِصَالَ صَوْمِ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ-، وَظَاهِرُ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَالتَّحْرِيمَ، إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ تَلَقَّوْهُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ وَاصَلُوا بَعْدَ نَهْيِهِ لَهُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا فَفِي هَذَا دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ: لَمْ يُخَالِفُوهُ بِالْمُوَاصَلَةِ كَمَا لَمْ يُخَالِفُوهُ بِصَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَاصَلَ بِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَاصَلَ بِهِمْ. (المنتقى شرح الموطأ 2/60).
- قوله: “أطعم وأسقى” يحتمل وجهين: أحدُهما: يريدُ أني أُعَانُ على الصومِ وأقوى عليه، فيكونُ ذلك بمنزلةِ الطعامِ والشرابِ لكم، والآخر: أن يكونَ أرادَ الطعامَ الذي يؤكلُ، والشرابَ الذي يُشرب= كرامةً من الله واختصاصاً. (الخطابي – أعلام الحديث 2/955)، وزاد ابن العربي وجهًا ثالثًا فقال: أي يُطعمني من الرّي والشِّبع، فأكونُ بحالِ مَنْ أكلَ؛ لأنّ الطَّعامَ ليس من شرْطِهِ أنّ يُشْبِع، وإنّما يُحْدِثُ البارئ تعالى الشِّبَعَ والرّيَّ عند تناولهما. (المسالك 4/215). قال النووي: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا. (شرح مسلم 7/213).
- قال ابن القيم مرجحًا للقول الأول: الْمُرَادُ بِهِ مَا يُغَذِّيهِ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَعَارِفِهِ، وَمَا يَفِيضُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ، وَقُرَّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ، وَتَنَعُّمِهِ بِحُبِّهِ، وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ غِذَاءُ الْقُلُوبِ، وَنَعِيمُ الْأَرْوَاحِ، وَقُرَّةُ الْعَيْنِ، وَبَهْجَةُ النُّفُوسِ وَالرُّوحِ وَالْقَلْبِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ غِذَاءً وَأَجْوَدُهُ وَأَنْفَعُهُ، وَقَدْ يُقَوِّي هَذَا الْغِذَاءُ حَتَّى يُغْنِيَ عَنْ غِذَاءِ الْأَجْسَامِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ كَمَا قِيلَ: لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا … عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ الزَّادِ || لَهَا بِوَجْهِكَ نُورٌ تَسْتَضِيءُ بِهِ … وَمِنْ حَدِيثِكَ فِي أَعْقَابِهَا حَادِي || إِذَا شَكَتْ مِنْ كَلَالِ السَّيْرِ أَوْعَدَهَا … رُوحُ الْقُدُومِ فَتَحْيَا عِنْدَ مِيعَادِ (زاد المعاد 2/31).
- قال ابن العربي: إنما نهى عن الوصال لأنه يشبه فِعَالَ أهلِ الكتاب، ويضعفُ الأبدان، والمقصود: العبادةُ مَعَ بقاءِ القوة، وإنما واصلوا بعد نهيه عن الوصال= لأنهم فهموا منه أنه كان نهي رِفْق، لا نهي عزم، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – “فَصْلٌ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهْلِ الْكِتَابِ أكْلَةُ السُّحُورِ”، ولذلك استحب مالك الفطر= لمخالفةِ أهل الكتاب. (القبس ص478).
- يُفهمُ من النهي عن الوصال: كراهيةُ التجوُّعِ، وكلِّ ما يهضِمُ من قوى الإنسانِ التي يعبدُ اللهَ عز وجل بها. (ابن هبيرة – الإفصاح 4/138).
- فيه أن الأتباعَ إذا رأوا من متبوعِهِم شيئًا مخالفًا لما أمرهم به، أو نهاهم عنه= سألوه عنه، وفيه أنَّ المتبوعَ يبيّنُهُ لهم، ويذكرُ لهم علَّتَه. (ابن العطار – العدة شرح العمدة 2/889).
- فِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – “إنَّك تُوَاصِلُ”، دَلِيلٌ عَلَى اسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، فَطَلَبُوا الْجَمْعَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي النَّهْيِ وَفِعْلِهِ الدَّالِ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ؛ فَأَجَابَهُمْ بِاخْتِصَاصِ فِعْلِهِ بِهِ، وَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى غَيْرِهِ. (ولي الدين العراقي – طرح التثريب 4/131).
- فِيهِ جَوَازُ مُعَارَضَةِ الْمُفْتِي فِيمَا أَفْتَى بِهِ إِذَا كَانَ بِخِلَافِ حَالِهِ وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُسْتَفْتِي بِسِرِّ الْمُخَالَفَةِ. (ابن حجر – الفتح 4/205).
- فِيهِ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ حِكْمَةِ النَّهْيِ. (ابن حجر – الفتح 4/205).
- فِيهِ ثُبُوتُ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) مَخْصُوصٌ. (ابن حجر – الفتح 4/205).
هذا وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.