فكر وثقافة

نظرية جان بياجيه ومراحل النمو المعرفي

  • سول مكلود
  • ترجمة: رقية خان
  • تحرير: عبدالله الفهد

تناولت نظرية بياجيه للنمو المعرفي كيفية تشكل الصورة الذهنية للعالم عند الطفل. ولم يكن بياجيه يرى أن الذكاء هو بالأساس سمة ثابتة وموروثة، بل اعتبر النمو المعرفي عملية تحدث بسبب النضج البيولوجي (الحيوي) والتفاعل مع البيئة، ويمر الأطفال خلال هذه العملية بسلسلة من المراحل -حسب بياجيه- هي:

  • المرحلة الحسية الحركية (من الولادة وحتى 18-24 شهر)
  • مرحلة ما قبل الحس/العمليات (من 2- 7 سنوات)
  • مرحلة العمليات الحسية (7 – 11 سنة)
  • مرحلة الفكر الحدسي والعمليات المجردة (من سن 12 فما فوق)

تسلسل هذه المراحل عالمي، أي أنه يسري على مختلف الثقافات ويتبع نفس الترتيب الثابت حيث يمر جميع الأطفال بنفس المراحل بنفس الترتيب (ولكن ليس جميعهم بنفس المعدل).

كيف طور بياجيه نظريته؟

عمل بياجيه في معهد “بينت” في عشرينات القرن الماضي، حيث تمثّلت وظيفته في إعداد نماذج أسئلة باللغة الفرنسية في اختبارات الذكاء الإنجليزي وقد كان مندهشًا بالأسباب التي ذكرها الأطفال عند اجابتهم على الاسئلة التي تتطلب تفكيرًا منطقيًا بطريقة خاطئة، حيث اعتقد أن هذه الإجابات غير الصائبة تكشف فوارق جوهرية بين تفكير البالغين و الأطفال.

خرج بياجيه بمجموعة جديدة من الافتراضات حول ذكاء الأطفال:

  • يختلف ذكاء الأطفال عن ذكاء البالغين في الكيف وليس في الكم، وهذا يعني أنّ الأطفال يفكرون بشكل مختلف عن الكبار ويرون العالم بطرق مختلفة.
  • يشارك الأطفال في تكوين معرفتهم حول العالم، فهم ليسوا مخلوقات سلبية تنتظر من يملأ رؤوسهم بالمعرفة.
  • أفضل طريقة لفهم تفكير الأطفال هي رؤية الأشياء من وجهة نظرهم.

ما أراد بياجيه فعله ليس قياس مدى قدرة الأطفال على العد أو التهجئة أو حل المشكلات، واعتبار هذه المهارات دليلًا على معدل ذكائهم، بل كان أكثر اهتمامًا بالطريقة التي ظهرت عليها المفاهيم الأساسية مثل فكرة العدد والشعور بالزمن والكم وإدراك السببية وما إلى ذلك.

درس بياجيه الأطفال من سن الرضاعة إلى سن المراهقة باستخدام الملاحظة الطبيعية لأطفاله الثلاثة وأحيانًا باستخدام الملاحظات الخاضعة للرقابة أيضًا، ومن خلالهم كتب أوصافًا توضح نموهم المعرفي.

كما استخدم المقابلات والملاحظات السريرية للأطفال الأكبر سنًا الذين تمكنوا من فهم الأسئلة وإجراء المحادثات.

مراحل بياجيه الأربع للنمو المعرفي

تنص نظرية جان بياجيه للنمو المعرفي أن الأطفال ينتقلون عبر أربع مراحل مختلفة من النمو الفكري والتي  تعكس النمو المتزايد لفكر الطفل.

تركز نظريته على فهم كيفية اكتساب الأطفال للمعرفة المتعلقة بالمفاهيم الأساسية مثل وجود الأشياء و العدد و الكمية و السببية و العدالة.

تتضمن مراحل بياجيه الأربع للنمو المعرفي ما يلي:

  1. المرحلة الحسية الحركية
  2. مرحلة ما قبل الحسّ (ما قبل العمليات)
  3. مرحلة الوظيفة الحسية (العمليات المحسوسة)
  4. مرحلة الفكر الحدسي (العمليات المجردة)
  • يمر كل طفل بهذه المراحل بنفس الترتيب، ويُحدّد نمو الطفل من خلال النضج البيولوجي (الحيوي) والتفاعل مع بيئته.
  • في كل مرحلة من مراحل النمو، يختلف تفكير الطفل نوعيًا عن المراحل الأخرى، أي أن كل مرحلة تتضمن نوعًا مختلفًا من الذكاء.
المرحلةالعمرالهدف
المرحلة الحسية الحركيةمنذ الولادة حتى سن 18-24 شهراالتعرف على الأشياء
مرحلة ما قبل الحسمن (18-24 شهر) حتى فترة الطفولة المبكرة (سبع سنين).التفكير الرمزي
مرحلة الوظيفة الحسيةمن سن 7 حتى 11 سنةالتفكير المنطقي
مرحلة الفكر الحدسيمن المراهقة إلى سن البلوغ.التفكير العلمي

على الرغم من أنه لا يمكن تفويت أي مرحلة، إلا أن هناك اختلافات فردية في معدل تقدم الأطفال عبر المراحل، وقد لا يصل بعض الأفراد إلى المراحل المتأخرة مطلقًا.

لم يزعم بياجيه أنه يتم الوصول إلى مرحلة معينة في عمر معين على الرغم من أن أوصاف المراحل غالبًا ما تتضمن إشارة إلى العمر الذي سيصل فيه الطفل العادي إلى كل مرحلة.

المرحلة الحسية الحركية

العمر: من الميلاد حتى سنتين

الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:

  • يتعلم الرضيع أمورًا عن العالم من خلال حواسه وأفعاله (التنقل واستكشاف بيئته).
  • خلال المرحلة الحسية، تتطور مجموعة من القدرات المعرفية، وتشمل هذه: معرفة وجود الأشياء مستقلةً عن إدراكه لها، والتقدير الذاتي، والتقليد، واللعب التمثيلي.
  • تتعلق هذه المرحلة بظهور الوظيفة الرمزية العامة، وهي القدرة على تمثيل العالم عقليًا.
  • في حوالي 8 أشهر، سيفهم الرضيع دوام الأشياء بعيدًا عن إدراكه، وأنها ستظل موجودة حتى لو لم يتمكن من رؤيتها وسيبحث الرضيع عنها عند اختفائها.

خلال هذه المرحلة، يعيش الرضيع في وقته الحاضر، فليس لديه حتى الآن صورة ذهنية للعالم مخزنة في ذاكرته، وبالتالي لا يملك إحساسًا بديمومة الكائنات. فهو إن لم يستطع رؤية شيء سيعتبره غير موجود وهذا هو السبب في أنه يمكنك إخفاء لعبة عن الرضيع أثناء مشاهدته، لأنه لن يبحث عن الشيء بمجرد اختفاءه عن الأنظار.

الإنجاز الرئيسي خلال هذه المرحلة هو إدراك أن الأشياء موجودة مستقلة عن عقله، أي إدراك أن الأشياء موجودة حتى لو لم يكن يراها، وتتطلب هذه المرحلة القدرة على تكوين تمثيل عقلي (أي مخطط ذهني) للشيء.

في نهاية هذه المرحلة ، تبدأ الوظيفة الرمزية العامة في الظهور، حيث يُظهر الأطفال في لعبهم أنه يمكنهم استخدام شيء للبحث عن آخر، وتبدأ اللغة في الظهور لأنهم يدركون أنه يمكن استخدام الكلمات لتمثيل الأشياء والمشاعر.

يبدأ الطفل في تكوين قدرة على تخزين المعلومات التي يعرفها عن العالم واستعادتها وتسميتها.

مرحلة ما قبل الحس

العمر: 2 – 7 سنوات

الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:

  • يكتسب الأطفال القدرة على تمثيل العالم داخليًا من خلال اللغة والصور الذهنية.
  • خلال هذه المرحلة، يمكن للأطفال الصغار التفكير في الأشياء بشكل رمزي، وهذه هي القدرة على جعل شيء واحد مثل كلمة أو شيء، يمثل شيئًا آخر غير نفسه.
  • يهيمن على تفكير الطفل كيف يبدو العالم، وليس كيف يكون العالم. إنهم ليسوا قادرين بعد على التفكير المنطقي (حل المشكلات).
  • يُظهر الأطفال في هذه المرحلة أيضًا “روحانية“، وهذا هو ميل الطفل إلى الاعتقاد بأن الأشياء غير الحية (مثل الألعاب) لها حياة ومشاعر مثل الشخص.

بحلول عامين، يكون الأطفال قد أحرزوا بعض التقدم نحو فصل تفكيرهم عن العالم المادي. ومع ذلك، لا يطورون التفكير المنطقي (أو العملي) المميز للمراحل اللاحقة.

كما أنّ التفكير لا يزال في هذه المرحلة بديهيًا (يستند إلى أحكام ذاتية) وأنانيًا (يتمحور حول نظرة الطفل الخاصة للعالم).

مرحلة الوظيفة الحسية

العمر: 7 – 11 سنة

الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:

  • خلال هذه المرحلة ، يبدأ الأطفال بالتفكير المنطقي في الأشياء المادية.
  • يبدأ الأطفال في إدراك مفهوم “جوهر” الشيء، أي إدراك أنه على الرغم من أن الأشياء قد تتغير في مظهرها، إلا أن بعض الخصائص تظل كما هي.
  • خلال هذه المرحلة، يمكن للأطفال عكس الأشياء عقليًا، على سبيل المثال، كتخيُّل كرة من البلاستيسين (نوع من المواد كالصلصال) تعود إلى شكلها الأصلي.
  • خلال هذه المرحلة، يصبح الأطفال أيضًا أقل تمركزًا حول الذات، ويبدأون في التفكير بالطريقة التي قد يفكر بها الآخرون ويشعرون بها.

تسمى المرحلة حسية لأن الأطفال يمكن أن يفكروا بشكل منطقي أكثر نجاحًا إذا تمكنوا من التلاعب بالأشياء المادية الحقيقية أو صورها الذهنية.

اعتبر بياجيه المرحلة الحسية نقطة تحول رئيسية في النمو المعرفي للطفل لأنها تمثل بداية التفكير المنطقي أو العملي، وهذا يعني أن الطفل يمكنه إدراك الأشياء داخليًا في رأسه (بدلاً من تجربة الأشياء ماديًا في العالم الحقيقي).

كما يمكن للأطفال إدراك مفهوم العدد (6 سنوات)، والكتلة (7 سنوات) ، والوزن (9 سنوات). والإدراك هنا يعني فهم أن الشيء يبقى كما هو في جوهره على الرغم من تغير مظهره. لكن هذا التفكير العملي يكون فعالًا فقط إذا طلب الطفل التفكير في الأشياء المادية، فالأطفال يميلون في هذه المرحلة إلى ارتكاب الأخطاء أو الشعور بالارتباك عند مطالبتهم بالتفكير حول المشكلات المجردة أو الافتراضية.

مرحلة الفكر الحدسي

العمر: 12 وما فوق

الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:

  • يتم تنفيذ عمليات مادية على الأشياء بينما يتم تنفيذ العمليات التجريدية على الأفكار، كما يتحرر الفكر التجريدي تمامًا من القيود المادية.
  • خلال هذه المرحلة، يمكن للمراهقين التعامل مع الأفكار المجردة (على سبيل المثال، عدم الحاجة إلى التفكير في تقطيع الكعك أو تقسيم الحلوى لإدراك مفهوم التقسيم والكسور).
  • يمكنهم اتباع شكل الحجة دون الحاجة إلى التفكير في أمثلة محددة.
  • يمكن للمراهقين التعامل مع المشكلات الافتراضية بالعديد من الحلول الممكنة. على سبيل المثال إذا سُئلوا “ماذا سيحدث إذا صرفنا كل المال في غضون ساعة واحدة؟” فإنهم يمكنهم التكهن بالعديد من العواقب المحتملة.

من سن 12 عام تقريبًا، يمكن للأطفال تهيئة شكل حجة منطقية دون الرجوع إلى محتواها، وخلال هذا الوقت، يطور الناس القدرة على التفكير في المفاهيم المجردة، واختبار الفرضيات منطقيًا.

تشهد هذه المرحلة ظهور التفكير العلمي، وصياغة نظريات وفرضيات مجردة عند مواجهة مشكلة.

تختلف نظرية بياجيه عن نظريات أخرى في عدة أمور:

  • تشرح نظرية بياجيه (1936 ، 1950) للنمو المعرفي كيف يبني الطفل نموذجًا عقليًا للعالم، حيث لم يوافق على فكرة أن الذكاء كان سمةً ثابتة، واعتبر النمو المعرفي عملية تحدث بسبب النضج البيولوجي والتفاعل مع البيئة.
  • تتطور قدرة الأطفال على فهم المشكلات في العالم والتفكير فيها وحلها بطريقة تدريجية.
  • تهتم نظريته بالأطفال وليس جميع المتعلمين.
  • تركز على النمو، بدلاً من التعلم في حد ذاته، لذلك فهو لا يتناول تعلم المعلومات أو السلوكيات المحددة.
  • تقترح النظرية مراحل منفصلة من النمو، تتميز بالاختلافات النوعية، بدلاً من الزيادة التدريجية في عدد وتعقيد السلوكيات والمفاهيم والأفكار…إلخ.
  • الهدف من النظرية هو شرح الآليات والعمليات التي يتطور من خلالها الرضيع، ثم الطفل، إلى فرد يمكنه التفكير باستخدام الفرضيات.
  • بالنسبة لبياجيه، كان النمو المعرفي إعادة تنظيم تدريجية للعمليات العقلية نتيجة للنضج البيولوجي والخبرة البيئية.
  • يبني الأطفال فهمًا للعالم من حولهم، ثم يواجهون تناقضات بين ما يعرفونه بالفعل وما يكتشفونه في بيئتهم.

المخططات العقلية

ادعى بياجيه أن المعرفة لا يمكن أن تنبثق ببساطة من التجربة الحسية، إذ أن بعض الهياكل الأولية ضرورية لفهم العالم، ووفقًا لبياجيه، يولد الأطفال ببنية عقلية أساسية (موروثة) تستند إليها كل المعرفة اللاحقة، والمخططات هي اللبنات الأساسية لمثل هذه النماذج المعرفية، وتمكننا من تكوين تمثيل عقلي للعالم.

عرّف بياجيه (1952, p. 7) المخطط الذهني على أنه:

 “تسلسل عمل متماسك وقابل للتكرار، يتكون من خطوات مترابطة بإحكام، ويحكمها مغزى أساسي”

بعبارات أكثر بساطة، أطلق بياجيه على المخطط الذهني اللبنة الأساسية للسلوك الذكي، أي أنه طريقة لتنظيم المعرفة. وفي الواقع، فمن المفيد التفكير في المخططات على أنها “وحدات” من المعرفة، كل منها يتعلق بجانب واحد من العالم، بما في ذلك الأشياء، والأفعال، والمفاهيم المجردة (أي النظرية).

يقترح (Wadsworth 2004) أن يُنظر إلى المخطط على أنه “بطاقات فهرسة” يتم حفظها في الدماغ، كل منها تخبر الفرد بكيفية التفاعل مع المنبهات أو المعلومات الواردة. فعندما تحدث بياجيه عن تطور العمليات العقلية للشخص، فإنه يشير إلى الزيادات في عدد وتعقيد المخططات التي تعلمها الشخص.

فعندما تكون المخططات الحالية للطفل قادرة على شرح ما يمكن أن يدركه من حوله، يقال إنه في حالة توازن، أي حالة من التوازن المعرفي (الذهني).

شدد بياجيه على أهمية المخططات في النمو المعرفي ووصف كيف تم تطويرها أو اكتسابها. يمكن تعريف المخطط على أنه مجموعة من التصورات الذهنية المترابطة للعالم، والتي نستخدمها لفهم المواقف والاستجابة لها. والفرضية الكامنة وراء هذه المخططات هو أننا نخزن هذه التمثيلات العقلية ونطبقها عند الحاجة.

أمثلة على المخططات

قد يكون لدى الشخص مخطط حول شراء وجبة في مطعم. المخطط هو شكل مخزّن من نمط السلوك الذي يتضمن النظر إلى قائمة الطعام وطلب الطعام وتناوله ودفع الفاتورة. هذا مثال على نوع مخطط يسمى “نص برمجي”، فعندما يكون الطفل في مطعم، يسترجع هذا المخطط من الذاكرة ويطبقه على الموقف. لكن مخططات بياجيه أبسط من ذلك، خاصة تلك المستخدمة من قبل الرضع، ووصف كيف – عندما يكبر الطفل – تصبح مخططاته أكثر عددًا وتفصيلاً.

يعتقد بياجيه أن الأطفال حديثي الولادة لديهم عدد قليل من المخططات “الفطرية/الما قبلية”، حتى قبل أن تُتاح لهم فرصة اختبار الأشياء المادية في العالم المحسوس، فمخططات الأطفال حديثي الولادة هذه هي الهياكل المعرفية الكامنة وراء ردود الفعل الفطرية، فردود الفعل هذه مبرمجة وراثيا فينا.

على سبيل المثال، يعاني الأطفال من متلازمة المص، والذي يحدث بسبب ملامسة شيء ما لشفتي الطفل. سيمص الطفل أي شيء يقابله: الحلمة أو الدمية أو إصبع الشخص. لذلك، افترض بياجيه أن الطفل لديه “مخطط ذهني” لهذه العملية.

وبالمثل، هناك متلازمة الإمساك الذي يحدث عندما يلمس شيء ما راحة يد الطفل، أو عندما يوجه الطفل رأسه نحو شيء يلامس خده، فهذه مخططات فطرية.

عملية التكيف

نظر جان بياجيه (1952 انظر أيضًا Wadsworth، 2004) إلى النمو الفكري باعتباره عملية تكيف مع العالم. يحدث هذا من خلال الاستيعاب والاستدماج والتوازن.

الاستيعاب

عرّف بياجيه الاستيعاب بأنه العملية المعرفية لتلاؤم المعلومات الجديدة في المخططات المعرفية القائمة مع التصورات والفهم، حيث لا تتغير المعتقدات والفهم العام للعالم كنتيجة للمعلومات الجديدة.

هذا يعني أنه عندما تواجه معلومات جديدة، فإنك تفهم هذه المعلومات من خلال الرجوع إلى المعلومات التي لديك بالفعل (المعلومات التي تمت معالجتها وتعلمها سابقًا) ومحاولة ملاءمة المعلومات الجديدة في المعلومات التي لديك بالفعل.

على سبيل المثال، يرى طفل يبلغ من العمر عامين رجلاً أصلعًا، وله جديلتان طويلتان، فيصرخ الطفل الصغير “مهرج، مهرج” (Siegler et al. ، 2003).

الاستدماج

عرّف جان بياجيه الاستدماج على أنها العملية المعرفية لمراجعة المخططات المعرفية القائمة، والتصورات والفهم بحيث يمكن دمج المعلومات الجديدة.

يحدث هذا عندما لا يعمل المخطط الحالي (المعرفة)، ويحتاج إلى تغيير للتعامل مع شيء أو موقف جديد.

ومن أجل فهم بعض المعلومات الجديدة، يمكنك تعديل المعلومات التي لديك بالفعل (المخططات التي لديك بالفعل ، وما إلى ذلك) لإفساح المجال لهذه المعلومات الجديدة.

وعلى سبيل المثال، قد يكون لدى الطفل مخطط للطيور (الريش والطيران وما إلى ذلك) ثم يرى طائرة تطير أيضًا ولكنها لا تتناسب مع مخطط الطيور.

في حادثة “المهرج”، أوضح والد الصبي لابنه أن الرجل لم يكن مهرجًا وأنه على الرغم من أن شعره كان مثل شعر المهرج، إلا أنه لم يكن يرتدي زيًا مضحكًا ولم يكن يفعل أشياء سخيفة لإثارة إعجاب الناس. وبهذه المعرفة الجديدة، كان الصبي قادرًا على تغيير مخططه لـ “المهرج” وجعل هذه الفكرة مناسبة بشكل أفضل لمفهوم قياسي لـ “المهرج”.

التوازن

يعتقد بياجيه أن الفكر البشري كله يسعى إلى النظام وهو غير مرتاح للتناقضات في هياكل المعرفة، بعبارة أخرى، نحن نسعى إلى “التوازن” في هياكلنا المعرفية.

يحدث التوازن عندما يمكن لمخططات الطفل التعامل مع معظم المعلومات الجديدة من خلال الاستيعاب. ومع ذلك ، تحدث حالة غير سارة من عدم التوازن عندما لا يمكن ملاءمة المعلومات الجديدة في المخططات الحالية (الاستيعاب).

يعتقد بياجيه أن التطور المعرفي لم يتقدم بمعدل ثابت، وأنّ الموازنة هي القوة التي تدفع عملية التعلم لأننا لا نحب أن نشعر بالإحباط وسنسعى إلى استعادة التوازن من خلال إتقان التحدي الجديد (الاستدماج).

بمجرد الحصول على المعلومات الجديدة، ستستمر عملية الاستيعاب مع المخطط الجديد حتى المرة التالية التي نحتاج فيها إلى إجراء تعديل عليها.

نظرية بياجية

الآثار التعليمية

لم يربط بياجيه (1952) بشكل صريح نظريته بالمجال التعليمي، على الرغم من قيام بعض الباحثين بتفسير كيف يمكن تطبيق مميزات نظريته على عمليتي التدريس والتعليم.

كان لبياجيه التأثير الأقوى في تطوير السياسية والممارسة  التعليمية. على سبيل المثال، في 1966،  استندت مراجعة التعليم الابتدائي من قبل الحكومة البريطانية على نظرية بياجيه. أدت نتيجة هذه المراجعة إلى نشر تقرير “بولدون” (1967).

فالتعلم بالاكتشاف -فكرة أن يتعلم الأطفال بشكل أفضل من خلال الممارسة والبحث بشكل نشط- كان ينظر إليه على أنه أمر أساسي لتغير مناهج التعليم الابتدائي، كما أن المواضيع التي تكررت في التقرير كانت: التعلم الفردي والمرونة في المناهج الدراسية ومكانة اللعب في تعليم الأطفال والتعامل مع البيئة و التعلم من خلال الاكتشاف وأهمية تقييم التقدم الذي يحرزه الأطفال، وعلى المدرسين أن لا يفترضوا أن ما يمكن قياسه هو فقط الذي له قيمة.

ونظرًا لاستناد نظرية بياجيه على النضج البيولوجي والمراحل، فإن “الاستعداد” هنا فكرة مهمة، حيث ينطبق الاستعداد عندما ينبغي تدريس معلومات أو مفاهيم معينة. وبناء على نظرية بياجيه، لا ينبغي تلقين الأطفال مفاهيم معينة حتى يصلوا إلى المرحلة المناسبة من النمو المعرفي.

ووفقًا لبياجيه (1958) يتطلب كل من الاستيعاب و التكيف متعلمًا فعالًا، لأن مهارات حل المشاكل لا يمكن تلقينها وإنما تحتاج إلى من يكتشفها.

كما ينبغي أن يكون التعليم داخل الفصل الدراسي متمحورًا حول الطلاب، ويتم تحقيق ذلك من خلال التعليم الاستكشافي الفعال، ويكمن دور المعلم في تسهيل عملية التعليم بدلًا من التلقين المباشر. وبالتالي، يجب على المعلمين العمل على تشجيع النقاط التالية داخل الفصل الدراسي:

  • التركيز على عمليات التعلم بدلا من النتائج.
  • استخدام الطرق الفعالة التي تتطلب إعادة اكتشاف و بناء “الحقائق”.
  • اتباع الأنشطة الجماعية والفردية أيضا (عندها يستطيع الأطفال التعلم من بعضهم البعض).
  • استنباط المواقف التي تمثل مشاكل مفيدة والتي تخلق اختلال في التوازن عند الطفل.
  • تقييم مستوى نمو الطفل حتى يتم تحديد المهام المناسبة له.

التقييم الحاسم لنظرية بياجيه

الأدلة المؤيدة

  • كان تأثير أفكار بياجيه في علم النفس التنموي هائلًا، لقد غير كيفية نظر الناس إلى عالم الطفل كما غير طريقتهم في دراسة الأطفال.
  • لقد كان مصدر إلهامٍ للكثيرين الذين جاءوا بعده وتبنّوا أفكاره. فقد أنتجت أفكار بياجيه قدرًا هائلًا من الأبحاث التي زادت من فهمنا للنمو المعرفي.
  • كان بياجيه (1936) أول عالمٍ نفسيٍّ يدرس منهجيةً للتطور المعرفي. وتشمل مساهماته نظرية المرحلة للنمو المعرفي للطفل، ودراسات في الملاحظات التفصيلية للإدراك عند الأطفال، وسلسلة من الاختبارات البسيطة والمبتكرة للكشف عن القدرات المعرفية المختلفة.
  • كانت أفكاره ذات فائدة عملية في فهم الأطفال والتواصل معهم، لا سيما في مجال التعليم

أوجه النقد

  • هل هذه المراحل حقيقية؟ يفضل فيجوتسكي وبرونر عدم الحديث عن هذه المراحل على الإطلاق، مفضلين رؤية النمو كعملية مستمرة. وقد تساءل آخرون عن النطاقات العمرية للمراحل، حيث أظهرت بعض الدراسات أن التقدم إلى مرحلة الوظيفة الحسية ليس مضمونًا.
  • على سبيل المثال، أفاد كيتنغ (1979) أن 40-60٪ من طلاب الجامعات يفشلون في المهام الحسية، ويذكر داسن (1994) أن ثلث البالغين فقط يصلون إلى هذه مرحلة.
  • نظرًا لأن بياجيه ركّز على المراحل العالمية للنمو المعرفي والنضج البيولوجي، فقد فشل في النظر في تأثير البيئة الاجتماعية والثقافة على النمو المعرفي.
  • يستشهد (Dasen 1994) بالدراسات التي أجراها في الأجزاء النائية من الصحراء الأسترالية الوسطى مع السكان الأصليين الأستراليين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 14 عامًا. كلفهم بمتابعة مهام تجريدية وأخرى تعتمد على الوعي المكاني. وجد أن القدرة على التجريد جاءت لاحقًا لدى أطفال السكان الأصليين، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 13 عامًا (مقابل ما بين 5 و 7 سنوات، مع عينة بياجيه السويسرية).
  • ومع ذلك، وجد أن قدرات الوعي المكاني قد تطورت في وقت مبكر بين أطفال السكان الأصليين مقارنة بالأطفال السويسريين. توضح هذه الدراسة أن النمو المعرفي لا يعتمد فقط على النضج ولكن على العوامل الثقافية أيضًا، فالوعي المكاني أمر بالغ الأهمية لمجموعات البدو الرحل.
  • جادل فيجوتسكي -أحد معاصري بياجيه- بأن التفاعل الاجتماعي أمر بالغ الأهمية للنمو المعرفي. وفقًا لفيجوتسكي، يحدث تعلم الطفل دائمًا في سياق اجتماعي بالتعاون مع شخص أكثر مهارة (MKO). يوفر هذا التفاعل الاجتماعي اللغة التي تعد أساسًا للفكر.
  • تعد أساليب بياجيه (المراقبة والمقابلات السريرية) أكثر انفتاحًا على التفسير المتحيز من الطرق الأخرى. قدم بياجيه ملاحظات طبيعية دقيقة ومفصلة للأطفال، ومن بينها كتب أوصافًا لليوميات توضح نموهم. كما استخدم المقابلات والملاحظات السريرية للأطفال الأكبر سنًا الذين تمكنوا من فهم الأسئلة وإجراء المحادثات.
  • نظرًا لأن بياجيه أجرى الملاحظات وحده، فإن البيانات التي تم جمعها تستند إلى تفسيره الشخصي للأحداث. كان من الممكن أن يكون أكثر موثوقية إذا أجرى بياجيه الملاحظات مع باحث آخر وقارن النتائج بعد ذلك للتحقق مما إذا كانت متشابهة.
  • على الرغم من أن المقابلات السريرية تسمح للباحث باستكشاف البيانات بمزيد من العمق، إلا أن تفسير المحاور قد يكون متحيزًا. على سبيل المثال، قد لا يفهم الأطفال الأسئلة، ولديهم فترات تفكير قصيرة، ولا يمكنهم التعبير عن أنفسهم جيدًا وقد يحاولون إرضاء المراقب. مثل هذه الأساليب تعني أن بياجيه ربما يكون قد توصل إلى استنتاجات غير دقيقة.
  • كما أظهرت العديد من الدراسات، استخفاف بياجيه بقدرات الأطفال لأن اختباراته كانت أحيانًا مربكة أو يصعب فهمها (انظر على سبيل المثال ، هيوز ، 1975).
  • فشل بياجيه في التمييز بين الكفاءة (ما يستطيع الطفل القيام به) والأداء (ما يمكن للطفل إظهاره عند تكليفه بمهمة معينة). عندما تم تغيير المهام، تأثر الأداء (وبالتالي الكفاءة). لذلك، ربما يكون بياجيه قد قلل من تقدير القدرات المعرفية للأطفال.
  • على سبيل المثال، قد يكون لدى الطفل فكرة وجود الأشياء مستقلة عن تفكيرهم، ولكنه لا يزال غير قادر على البحث عن الأشياء (لضعف الأداء). عندما أخفى بياجيه الأشياء عن الأطفال، وجد أنه لم يبحثوا عنها إلا بعد تسعة أشهر. ومع ذلك، اعتمد بياجيه على طرق البحث اليدوي، سواء كان الطفل يبحث عن الشيء أم لا.
  • في وقت لاحق ، أفاد بحث مثل (Baillargeon and Devos 1991) أن الأطفال الرضع الذين لا تزيد أعمارهم عن أربعة أشهر نظروا لفترة أطول إلى جزرة متحركة وهو ما لم تتوقعه النظرية، مما يشير إلى أن لدى الأطفال بعض الإحساس بدوام وجود الأشياء، وإلا فلن يحصلوا على أي شيء. توقع ما يجب أن تفعله وما لا يجب أن تفعله.
  • مفهوم المخطط غير متوافق مع نظريات برونر (1966) وفيجوتسكي (1978). كما ستدحض السلوكية أيضًا نظرية مخطط بياجيه لأنه لا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر لأنها عملية داخلية. لذلك، قد يزعمون أنه لا يمكن قياسه بشكل موضوعي.
  • درس بياجيه أطفاله وأطفال زملائه في جنيف من أجل استنتاج مبادئ عامة حول النمو المعرفي لجميع الأطفال. لم تكن عينته صغيرة جدًا فحسب، بل كانت تتألف فقط من أطفال أوروبيين من أسر ذات مكانة اجتماعية واقتصادية عالية. لذلك شكك الباحثون في قابلية تعميم بياناته.
  • بالنسبة لبياجيه، يُنظر إلى اللغة على أنها ثانوية للتفكير والفعل، أي أن الفكر يسبق اللغة. يجادل عالم النفس الروسي ليف فيجوتسكي (1978) بأن تطور اللغة والفكر يسيران معًا وأن أصل التفكير يتعلق بقدرتنا على التواصل مع الآخرين أكثر من تفاعلنا مع العالم المادي.

بياجيه مقابل فيجوتسكي

يؤكد بياجيه أن النمو المعرفي ينبع إلى حد كبير من الاستكشافات المستقلة التي يقوم فيها الأطفال ببناء المعرفة الخاصة بهم. في حين يجادل فيجوتسكي بأن الأطفال يتعلمون من خلال التفاعلات الاجتماعية، وبناء المعرفة من خلال التعلم من الآخرين الأكثر معرفة مثل الأقران والبالغين. بعبارة أخرى، يعتقد فيجوتسكي أن الثقافة والبيئة تؤثران على النمو المعرفي.

تؤدي هذه الأفكار إلى اختلافات في أسلوب التعليم الذي يوصي به كل منهما: قد يوصي بياجيه المدرس بتوفير الفرص التي تتحدى مخططات الأطفال الحالية وأن يتم تشجيع الأطفال على الاكتشاف بأنفسهم.

بدلاً من ذلك، يوصي فيجوتسكي بأن يساعد المعلم الطفل على التقدم عبر منطقة النمو القريبة باستخدام السقالات المعرفية.

ومع ذلك، تنظر كلتا النظريتين إلى الأطفال على أنهم يشاركون في بناء معرفتهم الخاصة بالعالم، ولا يُنظر إليهم على أنهم مجرد متلقين سلبيين للمعرفة. كما يتفقون على أن النمو المعرفي ينطوي على تغييرات نوعية في التفكير، وليس مجرد مسألة تعلم المزيد من الأشياء.

وجه المقارنةبياجيهفيجوتسكي
الثقافة الاجتماعيةيؤكد عليها قليلايوليها المزيد من الاهتمام
البنيويةبنائي معرفيبنائي اجتماعي
المراحلالنمو المعرفي يتبع مراحل عالمية ثابتةيعتمد النمو المعرفي على السياق الاجتماعي
التعلم والنموالطفل “عالِم متفرد”، يطور معرفته من خلال استكشافه الخاص.يتعلم الطفل من خلال التفاعلات الاجتماعية. ويبني معرفته من خلال التفاعل مع الآخرين.
دور اللغةالفكر يسبق ويؤدي إلى تطور اللغةاللغة تقود إلى النمو المعرفي
دور المعلمتوفير فرص للأطفال للتعرف على العالم بأنفسهم (التعلم بالاكتشاف)مساعدة الطفل على التقدم من خلال السقالات المعرفية

اقرأ ايضاً: مقولات جان بياجيه


المراجع

  1. Baillargeon, R., & DeVos, J. (1991). Object permanence in young infants: Further evidence. Child development, 1227-1246.
  2. Bruner, J. S. (1966). Toward a theory of instruction. Cambridge, Mass.: Belkapp Press.
  3. Dasen, P. (1994). Culture and cognitive development from a Piagetian perspective. In W .J. Lonner & R.S. Malpass (Eds.), Psychology and culture (pp. 145–149). Boston, MA: Allyn and Bacon.
  4. Hughes , M. (1975). Egocentrism in preschool children. Unpublished doctoral dissertation. Edinburgh University.
  5. Inhelder, B., & Piaget, J. (1958). The growth of logical thinking from childhood to adolescence. New York: Basic Books.
  6. Keating, D. (1979). Adolescent thinking. In J. Adelson (Ed.), Handbook of adolescent psychology (pp. 211-246). New York: Wiley.
  7. Piaget, J. (1932). The moral judgment of the child. London: Routledge & Kegan Paul.
  8. Piaget, J. (1936). Origins of intelligence in the child. London: Routledge & Kegan Paul.
  9. Piaget, J. (1945). Play, dreams and imitation in childhood. London: Heinemann.
  10. Piaget, J. (1957). Construction of reality in the child. London: Routledge & Kegan Paul.
  11. Piaget, J., & Cook, M. T. (1952). The origins of intelligence in children. New York, NY: International University Press.
  12. Siegler, R. S., DeLoache, J. S., & Eisenberg, N. (2003). How children develop. New York: Worth.
  13. Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society: The development of higher psychological processes. Cambridge, MA: Harvard University Press.
  14. Wadsworth, B. J. (2004). Piaget’s theory of cognitive and affective development: Foundations of constructivism. New York: Longman.
  15. Plowden, B. H. P. (1967). Children and their primary schools: A report (Research and Surveys). London, England: HM Stationery Office.
المصدر
simplypsychology

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى