فكر وثقافة

ليس كل النقد حماسة دينية غير عقلانية

  • جو ديلير
  • ترجمة: علي آدم عيسى
  • تحرير: عبد الله الهندي

في ظل أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وسنوات بوش، نشأت حركة من المثقفين والمدونين ومستخدمي اليوتيوب العامين قلقين مما اعتبروه صعودًا للأصولية، لقد أُقلقوا من الإسلام الأصولي الذي يزعزع استقرار العالم، والمسيحيين المحافظين في الداخل الذين يحلون الفصل بين الكنيسة والدولة. أصبحوا معروفين باسم الملحدين الجدد.

بينما كان العديد من الملحدين القدماء (مثل: نيتشه) قلقين بشأن الآثار الاجتماعية لعالم بلا إله؛ كان الملحدون الجدد قلقين من الآثار الاجتماعية المترتبة على شخص تقي بشكل مفرط. وسعوا إلى تسريع وتيرة تراجع الدين. الشيء المضحك: أنه في حين أن هذه الحركة (التي ربما تبدو كأنها مجموعة من الليبراليين الراديكاليين في محاولة لتدمير الدين)= أصبح معظمهم -في خلال عقد واحد فقط- من المتسللين اليمينيين، تاركين وراءهم شبكة الإنترنت معدة لوصول اليمين المتطرف.

كان الآباءُ المؤسسون للإلحاد الجديد الفرسانَ الأربعةَ (وهي مجموعة مؤلفة من عالم الأحياء ريتشارد دوكينز، وعالم الأعصاب سام هاريس، والكاتب كريستوفر هيتشنز، والفيلسوف دانييل دينيت). اتجه دوكينز وهاريس بقوة إلى اليمين، بينما كريستوفر هيتشنز -وبسبب آرائه حول الإسلام- أصبح مهووسا بالقتال، وقال إن «الحرب المقدسة هي أكبر تهديد للحضارة،  ونحن، بالإضافة إلى الفرقة العسكرية 82 المحمولة جواً و الفرقة العسكرية 101، المقاتلون الحقيقيون للعلمانية في الوقت الحالي، هم الذين يقاتلون حقا العدو الرئيسي، بدلاً من حشد البابا أوربانوس الثاني القوات إلى الأراضي المقدسة، إنه رجل يكره البابا ولكن لديه نوايا مماثلة.

كان أحد مبادئ تأسيس الملاحدة الجدد هو التزامهم بإيجاد «الحقيقة» باستخدام الحقائق والمنطق. وقد انتقلت هذه العقلية إلى شخصيات عامة يمينية أخرى، مثل: «الشبكة الفكرية المظلمة»، التي يمتلك سام هاريس عضويتها الآن، في حين أن البحث عن الحقيقة مثير للإعجاب -بالطبع-، إلا أن هناك نوعا معينا من المنطق الملتوي في النهج الذي تتبعه هذه المجموعات؛ إنهم مهرة في توظيف الحيل البلاغية لجعل أتباعهم يعتقدون أن نقاط الحديث الخاصة بهم عميقة.

لقد بدأ هذا الأمر مع الملاحدة الجدد وميلهم إلى توجيه انتقادات مبتذلة للدين؛ مثل: «لا يمكنك إثبات الله». لقد كانوا قادرين على تحويل الإفادات المنفعلة لكل ملحد في سن المراهقة يتحدث بها لوالديه= إلى حركة فكرية، وبنفس الطريقة التي تتعامل بها الشبكة الفكرية المظلمة وحججها الواهية حول العرق ومعدل الذكاء.

اتبع دوكينز نهجاً مشابهًا، كما تزايد تحيزه الجنسي. وتعليقاته الغريبة عن الاغتصاب جعلت الليبرالين منزعجين. وفي السنة الماضية غرد قائلاً: الاستماع إلى أجراس وينشستر الجميلة (واحدة من الكاتدرائيات التي تعود إلى العصور الوسطى) ألطف كثيرا من الصوت العدواني لـ«الله أكبر» أم أن هذا مجرد تربيتي الثقافية؟. وفي النهاية، امتدح المسيحية (عدوه القديم)، متنكراً بصدق لرهاب الإسلامية.

مزيج من التشدد  (المكتشف حديثا) ووجهات النظر المحافظة حول العرق والجنس؛ أدت بكثير من الناس إلى تجاهلهم، هم -وخاصة دوكينز وهاريس وأتباعهم- أصبحوا -وعلى نحو متزايد- يكافحون الصوابية السياسية، ونقلوا اليمين بشكل عام. وينطبق هذا الأمر على العديد من رواد اليوتيوب الحاليين المنتمين لليمين المتطرف، الذين بدؤوا أنماطا معاديةً للنظرية الخلقوية. كما بدؤوا بتشغيل  بعض منصات يوتيوب السياسية القديمة، التي كانت تجذب مجتمع الشباب الغاضب عبرالإنترنت، والتي أصبحت اليوم حجر الأساس لليمين المتطرف.

المشكلة الأولى التي واجهتها المجموعة: كون نسختها من الإلحاد لم تكن حول عدم التصديق بالله؛ ولكنها حول خلق دين جديد، لا وجود فيه للإله، يقوم على العلم و«الحقيقة».

في مدرستي الثانوية، كان هناك طالب يحمل كتاب دوكينز [وهم الإله]، والذي أصبح الكتاب المقدس للحركة، وطالب آخر يحمل الكتاب المقدس، كلاهما -وعلى حد سواء- نصّرا معتقداتهما. لقد فشل الملاحدة الجدد في إدراك أن مشكلة الدين ليست بالدرجة الأولى وجوده، وإنما  كيف يمكن إنشاء هياكل السلطة المتعسفة وتبريرها. وفي جدالهم حول هذا الامر، لم ينجحوا في تفكيك ديناميكيات القوة، ولكن حاولوا تغيير المبرر -بكل بساطة-.

هاريس، ودوكينز، وهيتشنز، كلهم يتمتعون بعقول خارقة، وهم كتاب غزيرو الإنتاج، ولكن بسبب فطنتهم (التي غالبا ما أصبحت صدى للغطرسة الفكرية) أصبح الفرسان الأربعة مجموعة نخبوية من الرجال البيض الفاشلين في توجيه النقد. وعندما يواجهون بتهافتاتهم المنطقية الواضحة؛ فإنهم يرفضون هذه الهجمات باعتبارها «صحيحة سياسيا ولكن غير علمية».

قصة الإلحاد الجديد تعكس واحدة من حسن نوايا الحركات الاجتماعية بهدف محاربة الأصولية، ولكنها يمكن أن تصبح شيئاً أكثر شراً عندما تخيم الأنا على قراراتهم.

على الرغم من اعتقادهم بأن العلم والمنطق والعقل كانوا إلى جانبهم، إلا أنهم اعتقدوا أن كل الانتقادات= كانت حماسة دينية غير عقلانية أو صوابية سياسية ذات ثقافة ليبرالية.

المصدر
dailyillini

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى