- كريستيان جاريت
- ترجمة: وحيد زرزوري
- تحرير: لطيفة القعود
ما تجب معرفته
أنا أحسد القرّاء النهمين. فهم يبدون حكماء ومتمرسين. وأيا كان ما يحصل في حياتهم فليسوا أبداً بمفردهم إن لديهم دائماً كتبهم. أمي هي واحدة من هؤلاء الذين يلتهمون الأدب طوال الحياة، والتي تعتبر الكتب رفيقها الذي لا يفارقها.
تروي أمي إصابتها بالسِّل عندما كانت فتاةً في الثامنةِ من عمرها، قبل أن يكون هناك لقاح، وأُرسِلت حينها لتقضي ستة أشهر في دار نقاهة في مارجيت، مبتعدةً أكثر من مئة ميل عن عائلتها، تقول:
“الكتب حفظتني مما لم يكن ليُحتمل، مقدمة لي فرصة الهروب من ذاك السرير إلى مغامرات في حيوات أُخرى وأماكن أُخرى”.
غالبًا ما ينظر القرّاء النهمون إلى ما يقرؤونه من كتب بشغف. تروي (كلير رينولدز) صاحبة مدونة سنواتٍ من القراءة الذاتية: “أولى ذكرياتي في القراءة حازتها أمي الراحلة عندما كانت تصطحبني إلى مكتبتنا المحلية وكِلانا يتناول كتباً بقدر ما نستطيع حمله”، “لم نكن نملك سيارة فيلزمنا التأكد من أن باستطاعتنا حملها جميعاً إلى الحافلة”.
رافق شغف رينولدز بالقراءة في مراهقتها وقادها لدراسة الأدب الإنجليزي في جامعة ليدز، لكن متطلبات الدراسة والعائلة ألمَّت بها ولسنوات عديدة كانت تجد نفسها فيما تدعوه “بريّة القراءة“! من خلال القصص المتناقلة، يدرك العديد منّا الشعور العارم للمهام المتزاحمة في عصرنا وأوقاتنا التي نتوق نحن فيها إلى فسحةٍ لنقرأ المزيد, فنحن نبتاع الكتب فتتراكم عندنا, ولا نقرؤها أبدًا كما عزمنا لاحقًا, حتى أن لليابانيين مصطلحًا لذلك هو: ” تسوندوكو/ ” tsundoku.
– الإحصائيات
توصل استقصاء في الولايات المتحدة إلى أن:
- ما يربو عن ثلث البالغين عبروا عن رغبتهم في قراءة المزيد من الكتب.
- احتلت قراءة الكتب المرتبة الثانية بعد ممارسة الرياضة كأكثر نشاط يتمناه الشباب. وبالمثل في فرنسا.
- 65% من الناس من سن 15 فأكثر قالوا إنهم تمنوا أن يقرؤوا مزيداً من الكتب.
- ترتفع النسبة إلى 77% بين الذين هم بالفعل يقرؤون بمستويات متوسطة.
إذا كنت أحد هؤلاء الأشخاص قد يكون فتح الكتاب أضحى شيئاً يُفعل حين لا تملك شيئاً آخر يشغلك، وهو في الغالب مالا يحصل. إنه كما لو أنك قررت في لحظة ما! وربما دون تفكير واعٍ، إنه على الرغم من حبك للكتب، فإن قراءة الكتب أصبحت هي الأدنى أهمية في حياتك، وإن استطعت فستقحمها في مكان ما في جدولك، وإذا ما زلت متشبثاً ببقايا عادة القراءة، فإني أراهنك أن تحتفظ بها إلى آخر النهار أو ربما فقط إلى يومِ تغدو إلى عطلتك.
لتقرأ مزيداً من الكتب عليك أن تجعلها أولويةً قصوى، مما يعني تغير عاداتك اليومية وروتينك ليتسع لمزيدٍ من القراءة. الأشخاص الذين هم “قرّاء خارقون” بفضل تخصصاتهم كالمحررين الأدبيين وناشري الأدب ومحكّمي جوائز الكتب يثبتون لنا كيف أن مزيداً من القراءة ممكن إذا استطعنا وأردنا أن نعطيها أولوية ًعُليا كافية. تأمل (إد نيدهام)، المحرر السابق لعديد من المجلات كـ إف إيتش إم (FHM) ورولينغ ستون (Rolling Stone)، الذي أطلق في 2018 مجلته الخاصة، سترونغ وردس (Strong Words)، التي تعرض مراجعة ما يربوا عن مئة كتاب في الشهر. نيدهام يقرأ أو يستمع لكل كتاب من الكتب المراجعة، يقول:” فقط يتوجب علي أن أجد وقتاً، فلا مفرّ من هذا…ننشر إصداراً من سترونغ وردس كل ستة أسابيع، وتوصلنا إلى أنني في خمسة من هذه الستة اقرأ في كل أسبوع ما يعادل رواية الحرب والسلام”[1].
عندما تكون قراءة الكتب هي سبيل عيشك أو ضرورة للوفاء بمسؤولياتك، فستصبح الأولوية التي يجب أن تنحني حولها بقية حياتك. ليس عليك الذهاب إلى ما ذهب إليه نيدهام بالطبع، لكن لِتقرأ مزيداً من الكتب فإنه يتوجب عليك التأمل تأملًا جادًا، فيما إذا كنت تمنح هذا النشاط الوقت والتركيز الذي يستحقه في حياتك في ضوء القيمة التي تمنحها للكتب.
يحكي نيدهام: “أحياناً تحتاج فقط إلى الشجاعة الدُنيا لتتخلص من شيء ما لا يستحق الاحتفاظ به في برنامجك اليومي”، “أتذكر (جون ووترز)– صانع أفلام وكاتب أمريكي- يقول: “إنه وجد من السهل حقاً القراءة كل ليلة؛ لأنه لم يكن يشاهد التلفاز أبداً. ذاك ما جعلني أدرك أنه من السهل حقاً التوقف عن مشاهد التلفاز؛ لأنني أفيد من الكتب أكثر مما أفيد من الغالبية العظمى من برامج التلفاز”.
عندما يكون هناك العديد من الخيارات المتزاحمة على أوقاتنا، فمن الجدير أن نذكر أنفسنا بالهِبات الفريدة لقراءة الكتب. اقرأ الجريدة كل صباح وعملي يتضمن قراءة ما لا يحصى من المقالات والنصوص، لكن عندما أتمكن من إيجاد وقت لأغمس نفسي في كتاب قيم غير أدبي، فالتجربة تكون مختلفة تماماً، ستستطيع تقريبا أن تشعر بحضور المؤلف بجانبك في رحلة شخصية فكرية. عند النهاية بطريقة ما فأنت ستجد نفسك قد تغيرت! سترى العالم رؤيةً مختلفة. وعلى الرغم من أن التلفاز وألعاب الفيديو توفر بالطبع مهرباً، فلا شيء يعدل تماماً التهام صفحات رواية جميلة، جالسًا بهدوء في مكان ما سانحاً للكلمات أن تحملك عوالمًا. الشاشات تريك ما يحدث، لكن على العكس! فالروايات تشكل هذه الخيالات في ذهنك، سانحةً لك أن تكون أي أحد وأن تزور أي مكان.
– ما يجب فعله
سيتطلب الأمر منك مجهوداً ملحوظاً لتقرأ مزيداً من الكتب، على الأقل في البداية. لتنجح على المدى الطويل عليك أن تطور عاداتِ قراءة جديدة حتى تصبح القراءةُ شيئاً تفعله بدون اللجوء إلى قوة الإرادةِ والجهد الواعي، لكن قبل الخوض في تفاصيل كيفية فعل هذا، هناك بعض الخطوات التمهيدية لتسهيل الطريق:
- الأولى: هي أن تفكر لماذا تريد قراءة مزيد من الكتب؟
– (بنيامين جاردنر) هو عالم نفس اجتماعي في كلية كينغ في لندن وخبير في علم نفس العادات. نظريته حول تشكيل العادة تبدأ بالحاجة إلى محفز كافٍ. ” فكر لماذا أنت بالتحديد تريد فعل ذلك؟ ما الفوائد المحصلة؟ إجابة أسئلة من هذا القبيل قد تحفزك أكثر”.
هناك شك ضئيل أنك لن تنتفع من قراءة مزيد من الكتب. الناس الذين يقرؤون الأدب الروائي على وجه التحديد يميلون إلى أن يكونوا أكثر فهماً لمشاعر الآخرين وأعظم حساسية أخلاقية؛ ربما بسبب محاكاتهم لحيوات شخصياتٍ معقدة. وقراءة غير الأدبي يزيد في معرفتك ويوسع ذهنك. في الحقيقة قراءة الكتب تعتبر نشاطَ بناءِ احتياطي ذهني، قد يساهم في حمايتك من الزهايمر والأمراض ذات الصلة به. ومع ذلك من المهم التمييز بين الدافع الداخلي/ الجوهري الذي يعني أن تجد متعتك في فعل الشيء لذاته. وبين الدافع الخارجي الذي يكون عندما تُحفَّزُ بنوع من المكسب الخارجي المؤمّل. لاحظ أنك أكثر عرضةً لِأن تنتصر إذا ما كنت تختار كُتباً ذات متعة أصيلة بالنسبة لك لتقرأها وذلك لأنك تعدّها ممتعةً، مُطَمْئِنَةً، شجيةً أو أنها مذهلة ومثيرة فكرياً. ربما يتطلب هذا بعضاً من التجربة والخطأ حتى تعثر على الأسلوب أو المؤلف الذي يلائم ذوقك وأولوياتك.
– (جيمس كلير) مؤلف كتاب العادات الذرية (2018)، يقرّر هذا، ويروي طريقة رائد الأعمال والمستثمر الهندي الأمريكي (نافال رافيكانت) يقول: “اقرأ أي كتاب يحلو لك في البداية”؛ لأن الأمر الحقيقي الذي تصب عليه تركيزك هو بناء عادة القراءة وليس بالضرورة المعرفة. كما لو أنك فقط تريد قراءة روايات رومانسية، رائع! اقرأ ذلك. إذا كنت تريد قراءة الفانتازيا فقط، اقرأ ذلك. اقرأ كل ما يعينك على أن تقع في حب ممارسة دور القارئ أو عادة القراءة. وما إن تقع في حب هذه العادة سيغدو الأمر سهلاً… لديك الآن الكثير من الخيارات لأنها أضحت جزءاً من حياتك.
نقطة أخرى ذات علاقة هي أن تقطع عهداً على نفسك أن تعتزل مالا يُمتعك من الكتب. يقول رينولدز: “أمضيتُ سنواتِ عديدةً في التقاط الكتب التي أخبرني الناس أن عليّ قراءتها، شققت طريقي بِجدٍّ من خلال القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز الأدبية. كنت أحاول المضي قدمًا حتى نهاية كل واحدة منها، حتى ولو لم أكن مستمتعةً بها حقاً. ثم ذات يوم ألقيت كتاباً لم أحبه والتقطت آخر أحبه، ثم أضحت هذه الفكرة هي ما ولدَ عادتي في مدونتي القرائية الذاتية وحينها وُلِد العُرف [2]“.
يضيف كلير:”العديد من الناس يشعرون أنهم عالقون منذ بداية الكتاب؛ لكن الجملة البسيطة التي أحاول تذكرها دائماً هي ابدأ مزيداً من الكتب، وتخلّى عن معظمها، واقرأ الرائع منها مرتين. اعتقد أن هذا سيرضي عديداً من القراء إذا فعلوه”.
- الخطوة التمهيدية الآتية هي: أن تتأمل في محيطك!
ما مدى السهولة بالنسبة لك أن تلتقط كتاباً -ورقياً أو إلكترونياً- وتبدأ بالقراءة؟ يقول كلير: “كلما كانت العادة أكثر سلاسةً، كان من السهل اكتسابها”. هو يوصي ببعض التعديلات على بيئتك أو محيطك الواقعي أو الرقمي حتى تغدو القراءة أسهل وأهون، كأن تجعل تطبيقات القراءة هي الأبرز إبرازًا خاصًا في هاتفك وأن تضع الكتب في الأماكن الأكثر أُلفة أو التي تكرر فيها كثيرًا. “أن تكون محاطاً بالكتب يجعل من السهل التقاطها وتفحصها. إذا أردت أن تمنح شيئاً ما جزءاً كبيراً من حياتك، فاجعل له جزءاً كبيراً من بيئتك”. بالطبع إذا كنت عرضة لتسوندوكو، فهذه إحدى مُذَلِّلات نمط الحياة التي قد أتقنتها بالفعل، فقط حاول أن تتذكر أن تلتقط حقاً هذه الكتب.
- الخطوة التمهيدية النهائية هي: أن تأخذ في عين الاعتبار أهدافَك.
كلير يوصي أن تمتلك أهدافاً متواضعة في البداية لأجل عادتك الجديدة في القراءة. إذا ما حاولت تحقيق الكثير وبسرعة كبيرة فأنت في الغالب ستفشل. “ما أود قوله هو أن تقطع عهداً على نفسك أن تقرأ فقط صفحة في اليوم أو شيئاً مشابهاً لذلك”، كلير يدعو هذا “قاعدة الدقيقتين“. المهم الدخول في عجلة هذا الروتين، حتى وإن كان لـ 120 ثانية؛ هذا النشاط سيكون أكثر عرضة لأن يصبح جزءاً متجذراً من روتينك اليومي. يقول كلير: ” هناك حقيقة جوهرية عن العادات يتجاهلها الناس بالعموم، وهي أن العادة يجب أن تؤسس قبل أن تكون قابلة للتطوير“.
الآن، بعد وضع أساسات لعاداتك الجديدة في القراءة، ثم ووفقاً لنموذج جاردنر[3]، المرحلة الآتية تتضمن انشاء روابط تحفيز حركي، والتي تعني في سياق الكتب أن تقرأ في كثير من الأحيان قراءةً كافيةً في نفس الظرف لوقت كافٍ حتى تتشكل رابطة قوية مكتسبة بين وجودك في ذلك الظرف (أو ذلك الوقت من اليوم) والقراءة.
يقول جاردنر أنك كلما كنت أكثر دقةٍ، زادت احتمالية نجاحك. لأجل ذلك فكر في تفاصيل كيف؟ وأين ستكون قراءتك للكتب؟ على سبيل المثال مع فطورك، أو في القطار إلى العمل، أو مع قهوة منتصف النهار، أو عقب انتهائك من تجهيز الأطفال للسرير، أو بعد العشاء. هذا المحفز للقراءة قد يكون وقتاً ثابتاً -حدثًا أو موقفاً معيناً- يقول جاردنر أنه لا يهم أيهما طالما أن هذه الفرصة الخاصة والمحددة للقراءة تتكرر باتساق في حياتك.
قد تجد أنه من المفيد أن تقيّد يومياتك، كماذا تفعل؟ ومتى؟ طوال أسبوع لترى الأنماط الحالية الموجودة في روتينك اليومي. يقول جاردنر: “معظمنا بالفعل صنعتنا عاداتنا، العديد منا يذهب إلى العمل. نستقل القطار ذاته أو عاداتنا المسائية ووقت النوم هي ذاتها. إذاً بهذا الاعتبار يمكنك إدخال عادتك الجديدة على يومك دوريًا. سيكون الأمر أسهل إذا ما كنت على دراية بما تَهمّ بفعله وكيف؟ ومتى أنت عازم على فعل ذلك؟”.
ما إن تعثر على اللحظات في حياتك اليومية التي تتيح لك أن تبدأ عادة جديدة في قراءة الكتب، تمسك بها واستمر حينها بالقراءة في ذات السياق منتظماً قدر ما تستطيع. يقول جاردنر: “روابط التحفيز الحركي هي لبّ العادة” ويقول: “إذا واظبت على فعلها، فإنك تزيد في تأكيد الرابطة، وكلما قويت الرابطة، كلما تحول التحكم بالسلوك نوعًا من نظام المعالجة الذهنية المجهدة إلى نظام أكثر تلقائية. ستصبح القراءة مدفوعةً بالحافز. تدخل أنت في الظرف المحفز لرابطة القراءة وتبدأ عادةً من غير حتى أن تفكر بما أنت مقدِم على فعله!”.
بينما تبني عادتك الجديدة في القراءة كن واقعياً أمام التحدي القادم، وحاول ألا تثير قلقك أي عثرة وهفوة. يقول جاردنر:” أظن أن الناس يحبطون بسبب الحقيقة التي يعتقدونها أنه سيكون من السهل جداً أن تفعل ومن ثم لا يحافظون على الفعل فببساطة يعتزلون الأمر، لكن إذا ما أخبرتهم بأن الأمر في الحقيقة صعب وسيغدو أسهل، هذا قد يعطي بعض الناس الحافز للاستمرار في السعي، حتى وإن واجهوا -كما تعلم- بعض المصاعب المبدئية”.
– نقاط أساسية:
- ابذل وقتًا في التفكير بدافعك نحو قراءة المزيد من الكتب. كلما عَظُم حافزُك، كلما كنت أكثر عرضة للنجاح. ابدأ بقراءة ما تستمتع به من الكتب، ولا تكن وَجِلاً من اعتزال ما لا يعجبك من الكتب.
- ألق أساس عادتك الجديدة في القراءة هو بجعل الكتب بارزة في بيئاتك الواقعية والرقمية التي تواجهها كل يوم.
- ضع أهدافاً متواضعة، على الأقل في البداية. اهتم بقراءة القليل كل يوم.
- تأمل في روتينك اليومي وعاداتك الحالية. فكر أين يمكنك أن تبني عادتك الجديدة في القراءة، وفي الواقع ستتسلق على عاداتك الحالية. كلما كنت أكثر دقةٍ، عندها كنت عرضةً أكثر للنجاح.
- حاول جاهداً ما استطعت أن تقرأ دائماً كيفما اتفق ذاك الظرف، المكان أو الوقت. في النهاية، ستُشَكل عادةً تلقائيةً جديدةً في القراءة.
- تتبع تقدمك من خلال التعرف على كل يوم تمكنت فيه من القراءة، بدلاً من الإشارة على الكتب المنجزة. عقب أسبوعين، يجب أن تبدأ بالشعور بتجذر عادتك الجديدة بعمق.
- ضع في اعتبارك ما إذا كان محيطك الاجتماعي داعماً لقراءة الكتب. بإمكانك الانضمام إلى نادي كتاب (انظر قسم الروابط والكتب في الأسفل) للدردشة مع قراء يماثلونك في التفكير.
- نَمِّ هويتك كقارئ نهم للكتب. اكتب جملة توضح أي نوع من الأشخاص تريد أن تكون، ومن ثم فكر كيف ستخدم قراءة الكتب هذا الهدف.
- تعلم أكثر!.
بينما أنت في خضم بحثك الجاد لإيجاد الوقت والمكان لتقرأ كُتباً أكثر في حياتك ربما تتساءل كم سيستغرق الأمر ليغدو أسهل؟ في بحثه الخاص الذي يدور حول بناء عادات الأكل الصحيّ وممارسة الرياضة، طلب جاردنر من الناس البدء بممارسة سلوك جديد مرةً كل يوم والإخبار عن كيف كان الشعور؟. “وجدنا عقب أسبوعين أنهم يميلون لقول: آه لقد بدأ الأمر يغدو جزءاً من عاداتي. بدؤوا يشعرون كما لو أنه جزء مترسخ متأصلٌ فيما يفعلونه. لذلك أود القول إن الأمر سيستغرق قرابة الأسبوعين حتى تبدأ برؤية فرق ملموس”.
ربما تتساءل أيضاً عن ما ستتخلّى عنه لتفسح مجالاً لقراءات أكثر في حياتك؟. طالما أنك حالياً لا تجلس كل يوم مدة من الزمن فارغاً من أي شيء، فمن المحتم أنك بينما تزيد في قراءتك للكتب، فإن أنشطةً أخرى عليها السقوط على قارعة الطريق. يمكنك التصدي لذلك مباشرة بالعودة إلى سجل روتينك اليومي بالتدقيق وتحديد مالا ترغب به من عادات مما يمكنك التخلي عنه. ومن المفيد إنشاء حوافز جديدة لتربطها بالقراءة، فيمكنك البحث عن إزالة حوافز العادات غير المرغوب فيها، كأن تبقي على جهاز التحكم بالتلفاز بعيداً عن الأنظار في الدرج أو أن تضع قاعدة وهي ألا تأخذ هاتفك معك إلى الأدوار العلوية. يقول جاردنر: “إدراك أن ذلك (اكتساب عادة جديدة) هو عملية استبدال أمر مفيد للغاية، لكن حينها يتوجب عليك الإتيان باستراتيجياتك الخاصة المبنية على ماهية السلوك القديم، وماهية محفزاته لتفكر في طريقة تحطيم تلك العادة القديمة”.
كلير يوصي بمقاربة أقل مباشرة لاستبدال العادات. يقول: “لا أعلم ما إذا كان من المفيد للغاية أن تركز على ما ستتخلى عنه أو ما الذي ستضحي به. ابْنِ عادتك الجديدة في القراءة، وسيتلاشى ما ليس مهماً تلاشيًا تلقائيًا”. إن بناء عادات جيدة جديدة يشبه النبتة. إحدى النباتات تزاحم الأخرى. إذا ما اهتممت بإنماء النبتة الجديدة، فالعديد من العادات السيئة ستختفي على قارعة الطريق.
إذا كنت قد بدأت في وضع هذا النصائح الواردة في الدليل موضع التنفيذ لكنك تجد صعوبة في المتابعة والاستمرار، فإن الأداة الفعالة التي قد تساعدك على استدامة تحفزك هي: أن تراقب تقدمك. على الأقل في البداية، كلير يقف ضد الإشارة على كل كتاب تقرؤه أو العزم على هدف طموح مبالغ فيه كقراءة عدد معين من الكتب في الشهر الواحد أو السنة. يقول هو من الأفضل أن تطبق “قاعدة الدقيقتين” خاصته، وتَتَبُع تحصيلك الأكثر تواضعاً، كأن تدون كل يوم تمكنت فيه من قراءة صفحة واحدة أو لمدة خمس دقائق فقط. حيث يمكنك تعديل الأمر وفقاً لمستواك (كأن تدون عند الانتهاء من فصل ما أو القراءة لمدة نصف ساعة)، الأمر المهم هو أن تختار هدفاً واقعياً سهل المنال في المراحل المبكرة وأن تتبع نجاحك في بلوغ ذلك.
يقول كيلر: “تصور تقدمك هو أمر فعّالٌ ومثمرٌ يجب أن تتصوره، إن الشعور بالتقدم محفّزٌ جداً للعقل البشري. في تلك اللحظة تود أن تشعر كما لو أنك تتقدم للأمام، إن أمكن؛ لهذا السبب متابعة القراءة اليومية أكثر إنتاجية من متابعة انتهاء الكتاب؛ لأن الكتاب قد يستغرق منك ثلاثة أسابيع، أما بتتبع القراءة كل يوم، فإنك تكتسب حافزاً صغيراً (من التقدم والنجاح) طِوال الطريق”.
فكرة إضافية لمساعدتك على تنمية عادة قراءة الكتب لديك هي: أن تفكر في عالمك الاجتماعي. كما أن جعل الكتب بارزة في بيئاتك الواقعية والرقمية. ستساعدك على إرساء المزيد من القراءة، فإن البيئة الاجتماعية مهمة أيضاً! خاصة لتعميق واستدامة العادة. تقاسم ومشاركة السعادة تضاعفها. إذا لم يكن أحد من عائلتك المباشرة أو أصدقائك يقرأ الكتب، فحينها ستغدو القراءة دوماً نشاطاً سرياً خاصًا، منفصلًا عن علاقاتك الشخصية ومنحشرةً في مكان ما حولهم. إذا كان هكذا حالك، فإني لا أقترح عليك أن تتخلص من أصدقائك، ولكن أقترح أن تبحث عن صديقٍ أو أكثر ممن يقرؤن، كأن تنضم إلى نادي كتاب واقعيًا أو رقميًا (انظر الروابط والكتب في الأسفل). تقول رينولد: “القراءة كانت ولا زالت وسيلة لي لأتواصل مع الناس”.
يرتبط مفهوم التواصل مع القراء الآخرين التفكير في تنمية شعورك الذاتي بنفسك وهويتك كقارئ. بالنسبة للقراء النهمين، حب الكتب هو في الغالب أمرًا محوريًا بالنظر إلى من يكونون، وهذا ما يشكل سلوكهم نحو القراءة والأولوية التي يمحنونها لها في حياتهم. يقول كلير: ” كثيراً ما أقول هذا في سياق العادات والهوية في العموم، كما أن الهدف الحقيقي ليس أن تقطع سباق الماراثون. الهدف هو أن تصبح عدّاءً. صحيح؟ الهدف ليس أن تتأمل بصمت، ولكن أن تصبح متأمّلاً، وهذا مما ينطبق على القراءة تماماً. الهدف الحقيقي لا أن تقرأ 30 كتاباً، بل أن تصبح قارئاً!”.
كلير يوصي بقضاء فترة من الزمن في التفكير في ماهية الشخص الذي تريد أن تكونه، وكيف ستنمي قراءة مزيد من الكتب في تحقيق الهدف. قد لا يكون من الممكن لكل أحد جعل الهدف واضحاً، لكن إذا كنت تعتقد أنه لربما يفيدك، فبإمكانك أن تحاول كتابة جملة مشابهة لـ “أنا ذاك النوع من الناس الذي يحب قراءة الكتب” أو “أنا ذاك النوع من الناس الذي يحب القراءة عن الثقافات الأخرى”، مذكِّراً نفسك مراراً بتلك الهوية. هذه فيما بعد ستزودك بإطار لأفعالك التي تختار فعلها كل يوم. هل فتح التلفاز مباشرة عقب العمل هو مما يفعله مُحب الكتب؟ لا. هل هو التقاط كتاب والقراءة لبضع دقائق؟ نعم. يقول كلير: “ما تفعله -الهوية- عند كل فعل تختار القيام به، هو التصويت لصالح الشخص الذي تريد أن تكونه”. والآن فجأة ترى القراءة في الضوء الأكثر وضوحاً. فالأمر كما لو أني في كل مرة حين ألتقط كتاباً واقرأ صفحة، أكون قد صوتّ لصالح هذا، الهوية الجديدة التي أحاول بناءها”.
تصفح ايضًا وسم: القراءة
– الروابط والكتب :
- مجتمع القراءة الإلكتروني جودريدز Goodreads يعرض مئات من مجموعات ونوادي الكتب. عليك أن تسجل (مجاني) ومن ثم اضغط على بوابة “community”.
- نادي الكتاب المتمرد The Rebel Book Club هو واحد من أشهر نوادي الكتب الواقعية غير الخيالية في العالم، ويعرض مناسبات حية واقعية وافتراضية للأعضاء. أيضاً العديد من الصحف والمؤسسات الأخرى تتيح نوادي كتب افتراضية، كمجموعة القراءة الخاصة بالغارديان (الكاتب سام جورديسون يستضيف نقاشات حية يوم الثلاثاء). أيضاً هناك العديد من نوادي الكتب الخاصة بالمشاهير التي يمكنك تجربتها، إذا كان ذلك مما يروق لك. المشهور منها يتضمن نادي الكتاب الخاص في (أوبرا ويتفري) ونادي (بريس ويذرسبون)، والذي يُستَضاف على انستغرام.
- الكتب الخمسة Five Books تدعوا خبراء ليوصوا بخمسة كتب في مساحة اختصاصهم. حتى تحصل على معلومات مسبقة عن عادتك النامية في القراءة، بإمكانك تفقد الكتب الخمسة التي اختاروها في تاريخ القراءة.
- في هذه المقالة، قراء جودريدز المتفوقين، الذين يقرؤون مئات الكتب في السنة، يشاركون أهم النصائح لقراءة المزيد من الكتب.
- إذا كنت تتنقل باستمرار، ففكر في تجربة Amazon’s Whispersync for Voice – تقدم الشركة أكثر من 30000 عنوان يمكنك قراءتها ككتب إلكترونية بالتوازي أثناء الاستماع إليها ككتب صوتية، مع تتبع تقدمك بسلاسة بين التنسيقين.
- أخيراً إذا كنت تريد قراءة المزيد حول القراءة، فكتاب (ماريان وولف) أيها القارئ عد إلى موطنك: العقل القارئ في عصر رقمي Reader Come Home: The Reading Brain in a Digital World (2018) يلقي نظرة على علم نفس وأعصاب القراءة العميقة في عصر من التشتت الرقمي الشديد.
[1] رواية الحرب والسلم – أو السلام – للأديب الروسي ليو تولستوي. تقع في أربعة أجزاء (المترجم)
[2] المقصود بالعرف هو ما أضحت تتبناه كعرف وتقليد لعادتها في القراءة (المترجم)
[3]– يقصد بنموذج جاردنر: نظرية الذكاءات المتعددة؛ والتي تقول بوجود العديد من الذكاءات وليس على قدرتين فقط هما التواصل اللغوي والتفكير المنطقي واللتين اعتبرتا تقليديا مؤشري الذكاء الوحيدين والمعتمدتان في اختبارات الذكاء (IQ).عام 1990، أشار جاردنر إلى خمس قدرات إضافية وهي، بالإضافة للتواصل اللغوي والتفكير المنطقي، الذكاء البصري/المكاني، الذكاء الموسيقي/النغمي، الذكاء الجسمي/العضلي، ذكاء المعرفة الذاتية/معرفة النفس، ذكاء معرفة الاخرين، ولاحقا، اعترف جاردنر بإمكانية وجود ذكاءات أخرى على العلم اكتشافها. وحتى عام 2016، أضاف جاردنر ذكاءين على النظرية وهما: ذكاء عالم الطبيعة وذكاء التعليم. وكان قد ذكر عن إمكانية اعتبار المعرفة الوجودية كذكاء منفصل، إلا أنه لم يبت بالأمر بشكل حاسم. -الإشراف.