عام

عن الثروة والكفاءة والتعاطف

  • د. فيرونكا تايت
  • ترجمة: حوريّة عمر موسى
  • تحرير: روان ناصر

تأهّل المرشّح الديمقراطي الثريّ مايك بلومبيرغ للمشاركة في المناظرة الرئاسيّة، حيث طرح المشاركون عدّة أسئلة حول الثروة بعدما سمعوا الحُجج التي أُثيرت ضد بلومبيرغ في المناظرة، إذ طرح الطرف الأول من المناظرة سؤالًا هامًّا يقول: هل من الأخلاقيّ أن يكون المرء ثريًّا؟

وإجابة على هذا السؤال فسّر الجمهوريون والديمقراطيون الثروة باتجاهات مختلفة، وهو ما نجده في الاستطلاع الذي أعدّه:  Pew Research Center

حيث طُرح على المشاركين السؤال التّالي: لماذا يُصبح الشخص غنيًّا؟

أجاب أغلب الجمهوريين أنّ المثابرة في العمل تُحقق للمرء الغِنى، بينما أجاب الديمقراطيون أن السبب يعودُ إلى مزاياهم الشخصيّة.

وفيما يتعلّق بالأسباب التي تُؤدي إلى الفقر، أجاب الجمهوريون أنَ السبب وراء الفقر هو التقاعس عن العمل، بينما ردّه الديمقراطيون إلى الظّروف الصّعبة التي يواجهها الفرد في حياته.

لقد نشأتُ مؤمنة “بالحُلم الأمريكيّ”، وكنت أعتقد أنّ الكفاح في العمل هو السبيل الوحيد لتحقيق الثروة، لأجد بعد ذلك أن تفكيري كان قاصرًا لأنني أرجعت الأمر إلى أسبابه الظاهرة، إذ تشير نتائج الأبحاث الأخيرة إلى أنّ 50% من أفراد العقد الثالث يكسبون أكثر ممّا كسب آباؤهم، في حين تبيّن الدراسات أنّ 90% من “الأطفال” الذين ولدوا عام 1940 جنوا أكثر من آبائهم، وعلى الرغم من القصص التي تُحكى عن تحقيق الثروات والتي يرغب الكثيرون في تصديقها، تختلف الفرص على نطاق واسع بالاعتماد على المهن التي شغلها جيل الآباء.

قد يعترض البعض بقولهم إنّ الجيل الحالي لديه طموحات أقل وتقدير زائد للمزايا والمكتسبات الشخصيّة مقارنةً بالأجيال القديمة، ومع ذلك تشير البيانات إلى أن جيل الألفيّة يكسبون أقلّ بـ20% من جيل طفرة المواليد[1] في نفس المرحلة الحياتيّة على الرغم من تحقيقهم لدرجات عليا في التعليم.

يواجه الجيل الجديد تحديّات مُختلفة فيما يتعلّق بالواقع الاقتصادي -فضلًا عن العيوب التي يتصف بها هذا الجيل- حيث تعتمد أنظمة الشركات اليوم على نظام الدوام الجزئيّ وعلى عقود العمل المؤقتة، ويواجه الأفراد العوائق القانونيّة التي صعّبت من اتّحادهم في نقابات مهنيّة للمطالبة في حقوقهم، وكذلك ارتفاع تكاليف السّكن والأقساط الدراسيّة بوتيرة أسرع من الحدّ الأدنى للأجور، ناهيك عن القفزة الواسعة في نسبة الأجور بين رؤساء العمل والموظفّين من 30:1 عام 1978م لترتفع إلى 299:1 عام 2014م.

إنّ المثل العليا الشائعة حول الكفاءة والنجاح وتحقيق الذات في الثقافة الأمريكيّة، تُغري الأفراد بتصوّرات مثاليّة حول تحقيق الثروة، إذ تصوّر أنّ الأثرياء حققوا ثروتهم بالعمل الجادّ والجهود الكبيرة، ولكن ذلك لا يعكس الصورة كاملة، فقد بيّنت إحدى الدراسات عام 2017 أنّ 60% من الأشخاص الأثرياء حققوا ثروتهم بسبب ميراثهم العائلي لا باجتهادهم الشخصيّ.

ما تزال بعض مزايا الناجحين خافية في ظلّ هذه الثقافة التي تحتفي بالثروة الماليّة وتعدّها من أهمّ المكتسبات الشخصيّة للفرد الحديث، لقد عملت بجدّ لأحصل على الدكتوراة في مجال علم النفس الاجتماعيّ، ومن العدل أن تثّمن الأسباب التي لعبت دورًا في تحقيق بعض المنجزات، إذ بالرغم من قلّة ذات يد والديّ، فقد ربّياني في بيئة سليمة وآمنة وفّرت لي غذاءً صحيًا، وحياة مستقرّة، وطفولة هانئة، ممّا أكسبني شخصيّة مستقرّة ونفسيّة سويّة وجسدًا سليمًا، فهذا يعدّ نجاحًا وإن لم يكُن كذلك بمعايير الحُلم الأمريكيّ.

 

امتلاك الثروة ومبررات الاستحقاق

تشير الأدلّة إلى أنّ امتلاك الثروة بالحظّ أو بالجُهد الشخصيّ، يزيد من مبرّرات الفرد لحصوله عليها، فيما يعرف بمغالطة العالم العادل، إن أولئك الذين يتربعون على قمّة السُلم الاجتماعيّ ممن يملكون المال والقوّة والتأثير يجدون العالم عادلًا بينما يجده الواقعون في أسفل السلّم ظالمًا وسالبًا لحقوقهم.

برهن الباحث بول بف على ذلك من خلال تجربة، إذ أعطى بعض المشاركين في لعبة المونوبولي المزيد من الأموال كميزة إضافيّة، وحينما سأل المشاركين عن سبب (استحقاقهم) لهذا الفوز، وصفوا مقدرتهم على اتّخاذ قرارات ذكيّة، مقللين من دور الميزة الإضافية التي نالوها، إنّ أولئك الذين يؤمنون بعدالة العالم وأنّ بإمكانك الحصول على كلّ ما ترغب ما دمت تكافح لأجله= هم أغلب من يبرر انعدام المساواة وهم الأكثر لومًا للضحيّة، وهذا ما تناولته المؤلفة السياسيّة سارة كيندزوير عندما قالت:

 “إن النظر إلى الغِنى على أنه فضيلة، والفقر على أنه نقمة= هو الباب الذي يدلِف الأيدولوجيّون لتبرير معاقبة المرضى والفقراء، لكن الفقر ليس جريمة ولا مثلبة شخصيّة، وإن أولئك الذين يتركون الناس على حافّة الموت هم أحق الناس وصمًا بالنقيصة لا أولئك الذين يكافحون من أجل لقمة عيشهم”.

فتراهم يلومون الفقراء على ظروفهم الشخصّيّة، متجاهلين العواقب الجسديّة والنفسيّة والعصبيّة المُحتملة جرّاء الفقر، يرتبط هذا الأخير بصحة الفرد خاصة إذا عانى منه في السن ما بين 0-2 سنة، فقد أظهر المسح الدماغيّ لعيّنة من الأطفال -بمدخول عائلي متدنِ وآخرين بمدخول عائلي مرتفع-، فروقًا لافتة للنظر في الأجزاء الدماغيّة المتعلّقة بالذاكرة والمعالجة اللغويّة واتخاذ القرارات وضبط النّفس، كما أنّ آثار القلق المُزمن الذي يعاني منه بعض الفقراء مُهلكة، إذ تُخفّض من الوظائف المعرفيّة، حيث أظهرت إحدى الدراسات التي أقيمت على زارعي قصب السّكر في الهند، أنّ الأداء الإدراكي للمزارعين اعتمد على اختبارهم قبل الحصاد أو بعده، حيث يعتمد مزارعو القصب على الحصاد الذي يُجنى مرة واحدة في السنة لكسب 60% من مدخولهم.

إنّ إدراك حقيقة أن الثروة لا تُشير إلى (الجدارة) أو الاستحقاق قد تؤدي إلى آثار مهمّة في السياسة العامّة، إذ أُبلغ بعض المشاركين في استطلاع سويديّ أن نصف الأثرياء ورثوا أموالهم من الآباء أو الأجداد، وأنّ غالب الأثرياء السويديين حصّلوا ثرواتهم بما ورثوه من أموال أو عقارات، ودعمت العيّنة التي أبلغت بهذا فرض ضريبة التركات على الأثرياء مقارنة بأولئك الذين لم يبلّغوا بذلك، كما أشار البحث إلى أنّ تفسير الثروة بالاستحقاق والجهد الشخصيّ، يزيد من التأثير السياسيّ للأثرياء مقارنة بالتأثير الذي يحوزه المواطنون العاديّون.

حين تُناقش السياسات المتعلّقة بزيادة الضرائب على الأثرياء، لا بُدّ من تذكَر أن للمال تداعياته الخطيرة فيما يتعلق بمستوى السعادة الفرديّة، ومن هنا يجب استخدام البيانات لمعرفة السياسات الصحيحة المتعلّقة باحتياجات الأمم، “فلا بد لأولئك الذين يتنعمون بلبوس الغِنى والصحة والعافية أن يُعينوا أولئك الذين يشقون في شظف العيش”.


[1] جيل طفرة المواليد Baby Bomber generation مصطلح يصف الأفراد الذين ولدوا في الفترة بين 1946- 1964م. المترجمة.

المصدر
psychologytoday

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى