- ندوة أدارها: ديفيد تشالمرز
- ترجمة: زينب عبد المطلب
- تحرير: نورهان علاء الدين
هل سينظر كل نظام ذكي محتمل إلى ذاته أو سينمذج نفسه بطريقة ما على أنه يمتلك عقلا؟ هل ستكون لغة العقل حتمية في نظام الذكاء الاصطناعي الذي يحتوي على نوع ما من النموذج الذاتي؟ إذا كنت قد حصلت للتو على نظام ذكاء اصطناعي يقوم بنمذجة العالم ولا يدخل نفسه في المعادلة، فقد يحتاج إلى لغة عقلية للحديث عن أشخاص آخرين إذا أراد أن ينمذجهم وينمذج نفسه من منظور “الشخص الثالث”. إذا كنا نعمل من أجل التوصل إلى الذكاء الاصطناعي العام، فمن الطبيعي أن يكون لدينا أنظمة ذكاء اصطناعي مع نماذج خاصة بهم، لا سيما النماذج الذاتية الاستبطانية، حيث يمكنهم معرفة ما يحدث بشكل ما من منظور الشخص الأول.[1]
لنفترض أنك تفعل شيئاً يؤثر سلباً على نظام ذكاء اصطناعي، شيء ما يعني عند الإنسان العادي أنه يسبب الضرر والألم؛ سيقول لك نظام الذكاء الاصطناعي “من فضلك لا تفعل ذلك؛ هذا سيء للغاية”. بالاستبطان، نجد أنه نموذج يدرك أن شخصا ما تسبب في واحدة من تلك الحالات التي يطلق عليها ألم. هل ستكون النتيجة الحتمية للنماذج الذاتية الاستبطانية في الذكاء الاصطناعي أن يبدأوا في نمذجة أنفسهم على أنهم يمتلكون شيئاً مثل الوعي؟ أعتقد شخصياً أن هناك شيئاً ما يتعلق بآليات النمذجة الذاتية والاستبطان التي ستؤدي بشكل طبيعي إلى هذه البديهيات، حيث سينمذج الذكاء الاصطناعي نفسه على أنه واعٍ. والخطوة التالية هي ما إذا كان الذكاء الاصطناعي من هذا النوع سيختبر الوعي بشكل طبيعي بكونه محيراً إلى حد ما، أي: كشيء يحتمل أن يكون من الصعب التوفيق بينه وبين الآليات الأساسية الضمنية ويصعب شرحه.
ديفيد تشالمرز أستاذ جامعي في الفلسفة والعلوم العصبية ومدير مركز العقل والدماغ والوعي في جامعة نيويورك؛ عُرف بعمله في الوعي، بما في ذلك صياغته لـ “معضلة” الوعي.
ديفيد تشالمرز: لقد جمعنا جون معاً للحديث عن العقول المحتملة – العقل عند الإنسان وفي أنظمة الذكاء الاصطناعي ومختلف العقول- وليس العقول الموجودة فقط، ولكن أيضا تلك التي يمكن أن توجد. أُفكّر في عقل الكائن الحي، وخاصة العقل البشري. نعلم جميعاً أننا نملك عقلاً. عندما يتعلق الأمر بأنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي ليسوا متأكدين تماماً مما يجب عليهم فعله، حيث تُثار جميع أنواع الأسئلة: ما هو؟ كيف سيكون نظام الذكاء الاصطناعي إن كان له عقل؟ ما هو مشروع البحث؟
اليوم، سأتحدث فقط عن منظور التفكير في العقل ومشكلة ثنائية “العقل والجسد” التي تُقدّم أيضاً برنامجاً بحثياً في الذكاء الاصطناعي قد يساعدنا على فهم بعضٍ من الحيرة الفلسفية الكبيرة حول العقل وعلاقته بالدماغ.
لدينا هذه الأجسام وهذه الأدمغة التي تعمل بشكل جيد، ولكن لدينا أيضاً عقول. فنحن نرى ونسمع ونفكر ونشعر ونخطط ونتحرك ونعمل؛ نحن نمتلك وعيا. بالنظر من الخارج، نرى آلية مضبوطة بشكل منطقي ودقيق. لكن من الداخل، نرى جميعًا أن أنفسنا تمتلك عقلاً وشعوراً وتفكيراً وتجربة ووجوداً، وهو أمر أساسي جداً بالنسبة إلى تصورنا عن أنفسنا، كما أنه يثير العديد من الإشكالات الفلسفية والعلمية. عندما يتعلق الأمر بتفسير الأمور الموضوعية من الخارج – السلوك وما إلى ذلك – فإنك تجمع بعض الآليات العصبية والحاسوبية، ولدينا نموذجٌ لتفسيرهم.
لكن عندما يتعلق الأمر بتفسير العقل -ولا سيما الجوانب الواعية للعقل- يبدو أن النموذج القياسي في جمع الآليات وشرح أشياء مثل العمليات الموضوعية للسلوك= يعاني من فجوة تفسيرية. كيف تمنحك كل تلك المعالجة تجربة ذاتية، ولماذا يبدو الأمر وكأن شيئاً من الداخل لم يتم تناوله مباشرة بهذه الطرق؟ هذا ما يصفه الناس بمعضلة الوعي، وذلك في مقابل -مثلا- المشكلات السهلة لتفسير السلوك.
يمكن أن يتشعب النقاش بعد ذلك في آلاف الاتجاهات. هل يمكنك شرح التجربة الواعية بالنظر إلى الدماغ فقط؟ هل تتطلب شيئاً جديداً بشكل أساسي؟ هل هي موجودة أصلاً؟ في الآونة الأخيرة، كنت مُهتماً بالتوصّل إلى هذا الأمر من اتجاه مختلف قليلاً. لدينا مشكلة الوعي الأولى، ومن ثم غالباً ما يكون من الصعب على باحثي الذكاء الاصطناعي أو علم الأعصاب أو علم النفس أن يقولوا “هناك مشكلة هنا، لكنني لست متأكداً تماماً مما يمكنني فعله حيالها”.
المنظور التي كنت أفكر فيه مؤخراً هو أن أرتقي بالمستوى درجة؛ ولا أعرف من أين أتى هذا الشعار “أي شيء يمكنك القيام به، يمكنني أن أقوم بما هو أفضل منه” يُنسب أحياناً إلى المشرف على أطروحتي، دوغ هوفستادتر، لكنني لا أعتقد أنه هو. ورأيته منسوباً إلى رودولف كارناب، لكنني لا أعتقد أنه هو أيضاً. على أي حال، كنت أفكر مؤخراً فيما أسميه مشكلة الوعي. تستكشف مشكلة الوعي من الدرجة الأولى كيف أدت كل هذه المعالجة إلى تجربة واعية. تسأل المشكلة المنشغلة بذاتها لماذا نعتقد بوجود مشكلة الوعي، وعلى وجه الخصوص، لماذا نتجول هنا وهناك قائلين أن هناك مشكلة في الوعي.
الإيمان بالوعي والإيمان بمشكلات الوعي منتشرٌ على نطاق واسع. لذا، سيكون من المتوافق مع هذا النهج، بالمناسبة، أنه سيكون بأكمله وهم أو كلام فارغ. ومع ذلك، يوجد مشكلةٌ نفسيةٌ مثيرةٌ للاهتمام. من حقائق السلوك البشري أن الناس يتجولون قائلين أشياء مثل “مرحبا، أنا واعٍ” ويطوفون ويخبرون بعضهم البعض عن تجاربهم الذاتية. حتى عند الأطفال، يمكنك أن تلحظ مواقف مُحيّرة مختلفة يمكن أن تربطها بالتجربة الواعية. كيف لي أن أعرف أن تجربتي مع اللون الأحمر هي نفس تجربتك مع اللون الأخضر؟ هل يمكن لشخص لديه رؤية محكومة بالأبيض والأسود فقط معرفة كيف تبدو تجربة اللون الأرجواني؟ هذه حقائق عن السلوك البشري.
هناك مشروعٌ بحثي مثيرٌ للاهتمام للغاية في محاولة دراسة هذه البديهيات عند البشر البالغين، عند الأطفال، عبر الثقافات، عبر اللغات، في محاولةٍ لمعرفة ما هي المعطيات المتوفرة حول الحيرة بالضبط، وما هو أكثر أهمية، في محاولة للعثور على الآليات التي تُولّد هذا النوع من السلوك. من المُفترض أن تكون هذه حقيقة عن سلوك البشر. السلوك البشري قابل للتفسير في نهاية المطاف. يبدو أنه يجب أن نكون قادرين على إيجاد الآليات المسؤولة عن هذه الحيرة المُعرَب عنها حول الوعي. من حيث المبدأ، هناك مشروع لعلم النفس، وعلم الأعصاب، وللذكاء الاصطناعي لمحاولة إيجاد آليات حسابية معقولة تتناسب مع الحالة البشرية، وشرح ما يحدث داخلنا لعله ينطبق بعض الشيء على الذكاء الاصطناعي أيضاً.
يمكنك العثور على عددٍ من الأعمال التي تُجرى الآن في علم النفس وعلم الأعصاب والفلسفة التي تؤثر على ذلك. لا أعتقد حتى الآن أنه تم طرحها في برنامج بحثي، لكنني كنت أحاول الدفاع عنها مؤخراً لأنها جزء طيّع يمكننا فهمه من مشكلة العقل والجسم. الشيء الذي يجعلها طيّعة هو أنها في نهاية المطاف جزء من السلوك الذي يمكننا قياسه ويمكننا البدء في محاولة تفسيره، وهو أمر يصعب القيام به بالنسبة إلى الوعي بشكل عام.
هناك أناس يعملون على ما يسمى “بالوعي الاصطناعي”، يحاولون إنتاج وعي في الآلات، لكن سؤال المعايير برمته صعبٌ للغاية في هذه الحالة. في حالة الإنسان، بالنسبة لعلم الأعصاب وعلم النفس، تبدأ مع شخص تعرف أنه واعٍ وتبحث عن الارتباطات العصبية للوعي والآليات المحتملة. لكن في أنظمة الذكاء الاصطناعي، لا تبدأ بنظام تعرف أنه واعٍ أصلا؛ فمن الصعب جداً معرفة المعايير التشغيلية التي تريد تلبيتها لكي تعتبر نظامًا ما واعيًا.
لذا، إليك معيار تشغيلي محتمل فيما يشبه الحيرة التي نُعبر عنها حول الوعي. بمجرد حصولك على نظام ذكاء اصطناعي يقول “أعلم من حيث المبدأ أنني مجرد مجموعة من دوائر السيليكون، ولكن من منظور شخصي، أشعر وكأنني أكثر من ذلك بكثير”، ربما نكون قد بدأنا نفهم آليات الوعي. بالطبع، إذا حدث ذلك من خلال شخص ما يبرمج آلة لتقوم بتقليد السلوك البشري السطحي، فلن يكون ذلك شيقاً للغاية. من ناحية أخرى، إذا توصلنا إلى ذلك من خلال محاولة اكتشاف الآليات التي تؤدي المهمة نفسها في حالة الإنسان والحصول على نظام ذكاء اصطناعي يُنفذ تلك الآليات، فعندئذ نجد من خلال عملية طبيعية نسبياً، أن هذا النظام 1- يجد نفسه واعياً؛ 2- ترتابه الحيرة تبعاً لهذه الحقيقة؛ أو سيكون ذلك مثيراً للاهتمام على الأقل.
هل سينظر كل نظام ذكي محتمل إلى ذاته أو سينمذج نفسه بطريقة ما على أنه يمتلك عقلا؟ هل ستكون لغة العقل حتميةُ في نظام الذكاء الاصطناعي الذي يحتوي على نوع ما من النموذج الذاتي؟ إذا كنت قد حصلت للتو على نظام ذكاء اصطناعي يقوم بنمذجة العالم ولا يدخل نفسه في المعادلة، فقد يحتاج إلى لغة عقلية للحديث عن أشخاص آخرين إذا أراد أن ينمذجهم وينمذج نفسه من منظور “الشخص الثالث”. إذا كنا نعمل من أجل التوصل إلى الذكاء الاصطناعي العام، فمن الطبيعي أن يكون لدينا أنظمة ذكاء اصطناعي مع نماذج خاصة بهم، لا سيّما النماذج الذاتية الاستبطانية، حيث يمكنهم معرفة ما يحدث بشكل ما من منظور الشخص الأول.
لنفترض أنك تفعل شيئاً يؤثر سلباً على نظام ذكاءٍ اصطناعي، شيء ما يعني عند الإنسان العادي أنه يسبب الضرر والألم؛ سيقول لك نظام الذكاء الاصطناعي “من فضلك لا تفعل ذلك؛ هذا سيءٌ للغاية”. بالاستبطان، نجد أنه نموذج يدرك أن شخصًا ما تسبب في واحدة من تلك الحالات التي يُطلق عليها ألم. هل ستكون النتيجة الحتمية للنماذج الذاتية الاستبطانية في الذكاء الاصطناعي أن يبدأوا في نمذجة أنفسهم على أنهم يمتلكون شيئاً مثل الوعي؟ أعتقد شخصياً أن هناك شيئاً ما يتعلق بآليات النمذجة الذاتية والاستبطان التي ستؤدي بشكل طبيعي إلى هذه البديهيات، حيث سينمذج الذكاء الاصطناعي نفسه على أنه واعٍ. والخطوة التالية هي ما إذا كان الذكاء الاصطناعي من هذا النوع سيختبر الوعي بشكل طبيعي بكونه محيراً إلى حد ما، أي: كشيء يحتمل أن يكون من الصعب التوفيق بينه وبين الآليات الأساسية الضمنية ويصعب شرحه.
لن أفترض أنه من المحتّم أن يختبر نظام الذكاء الاصطناعي نفسه بهذه الطريقة ويصدر هذه التقارير. فعلى أية حال، هناك الكثير من البشر الذين لا يصدرون هذه التقارير. لكن لدى البشر على الأقل بعض الآليات الأساسية التي تميل إلى دفعهم في اتجاه إدراكهم أنهم يملكون هذه الظواهر العقلية الغريبة والمثيرة للاهتمام، وأعتقد أنه سيكون من الطبيعي جداً أن يفعل الذكاء الاصطناعي ذلك أيضاً. هناك مشروع بحث هنا لباحثي الذكاء الاصطناعي أيضاً، وهو توليد أنظمة ذات نماذج معينة لما يجري داخلهم ومعرفة ما إذا كان هذا قد يؤدي بطريقة ما إلى التعبير عن الإعتقاد بأشياء مثل الوعي والتعبير عن الحيرة حياله.
حتى الآن، البحث الوحيد الذي أعرفه في هذا الاتجاه هو مشروع صغير تم إجراؤه العام الماضي من قبل اثنين من الباحثين، لوك مولهوسر وباك شليجريس. حاولا بناء مبرهنة نظرية بسيطة، نظام برمجي بسيط لديه بعض المُسلّمات الأساسية لنمذجة تصوره عن اللون وعملياته الخاصة. سيعطيك جُمَلا مثل “هذا أحمر درجته كذا وكذا”، وسيعرف أنه قد يخطئ في بعض الأحيان. فيمكن أن يقول “يظهر لي أن اللون الأحمر درجته كذا وكذا”، ومن عدد معين من المُسلّمات الأساسية تمكنوا من جعله يُعبّر عن بعض الحيرة، مثل، “كيف يمكن لتجربتي مع هذا الاحمرار أن تكون نفس تجربة هذه الدائرة التي أستند إليها؟”
لن أقول أن هذا النظام البرمجي البسيط يكرر أي شيء مثل آليات الوعي البشري ووصولنا الاستبطاني إليه. ومع ذلك، هناك مشروع بحثي هنا أشجع أصدقائي في الذكاء الاصطناعي على النظر إليه بمساعدة أصدقائنا من علم النفس وعلم الأعصاب والفلسفة.
في نهاية المطاف، بالطبع، ماذا يعني كل هذا؟ لنفترض أننا وجدنا الآليات التي تولد تقاريرنا حول كوننا واعين وحيرتنا حول الوعي، هل سيحل هذا المشكلة بطريقة أو بأخرى؟ يريد شخص مثل دانيل دينيت بالتأكيد اتباع هذا الاتجاه. كل هذا وهمٌ كبير في تفسير هذه الآليات. وبذلك تكون قد شرحت الوهم وشرحت مشكلة الوعي.
هذا اتجاهٌ واحد يمكنك اتباعه، ولكن ليس عليك اتباع هذا الاتجاه حتى تكون هذه المشكلة المنشغلة بذاتها مثيرة للاهتمام. يمكن أن تكون واقعياً بحتاً حول الوعي بالمعنى الفلسفي، معتبراً أن الوعي حقيقي. هذه التقارير هي حقيقة عن السلوك البشري، ويوجد آليات تقوم بتوليدها. إذا كنت واقعياً بشأن الوعي، مثلي، فإن الأمل سيكون في أن الآليات التي تولد تقارير الوعي والحيرة حياله ستكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بآليات الوعي نفسها.
أرى أن هذا يشكل تحدٍ لنظريات الوعي، ولدينا مليون نظرية بهذا الشأن. ربما تكون نظرية تكامل المعلومات، ربما تكون مساحة عمل عالمية، ربما تكون قدراً مشتركا من هذا وذاك. لكي تكون نظريتك عن الوعي معقولة، يجب أن تكون قادرا على تقديم سردية معقولة عن السبب وراء أن آلية الوعي المقترحة نفسها يمكن أن تلعب أيضاً دوراً في توليد تقاريرنا عن الوعي، وإلا فسيكون من الغريب أن التقارير ستكون مستقلة عن الظاهرة نفسها.
ليس من الواضح بالنسبة لي أن العديد من النظريات الحالية تُلبي هذا المعيار. بالنظر إلى على سبيل المثال، نظريات تكامل المعلومات، ليس من الواضح بالنسبة لي لماذا يُحتمل أن تُنتج هذه النظريات التي يتم فيها دمج المزيد والمزيد من المعلومات نظاماً لإعداد هذه التقارير، ويبدو أن التقارير يمكن أن تنفصل عن تكامل المعلومات في طرقٍ مختلفة ومثيرةٍ للاهتمام. لذا، أرى هذا على الأقل على أنه تحدٍ لنظريات الوعي، فضلاً عن أنه تحدٍ لبحوث الذكاء الاصطناعي والفلسفة.
* * * *
رودني بروكس: لا يبدو هذا منشغلاً بذاته بقدر ما يكون فائقاً. إنه إجراء يتبع طريقة القوائم. الفائق هو المفتاح التالي بعد المنشغل بذاته. لم أقرأ ما يكفي من كتاباتك لمعرفة ما إذا كنت تعتقد أن الثدييات لديها قدرٌ من الوعي.
تشالمرز: أنا أعتقد ذلك.
بروكس: أظن أنك لا تتوقع أن يتمكن الكلب من الإخبار عن وعيه. لذا، أليس هذا سقفاً عالياً للوعي، إذا كنت تريده أن يخبر عن نفسه؟
تشالمرز: لا أعتقد أن أي شخص يجب أن يقدم تقارير كشرط ضروري لوجود الوعي، بالطبع. في أغلب الأحيان، نحن واعون ولا نسير هنا وهناك نخبر الآخرين بذلك، يفترض أن الأطفال واعون جيداً قبل أن يتمكنوا من الإخبار بذلك.
بروكس: ما هو العمر الذي يبدأ فيه الأطفال الإخبار عن وعيهم؟ هل لديك أي فكرة؟
تشالمرز: يعتمد ذلك على ما تضعه في الحسبان، هل تتحدث عن الوعي بشكل عام، أي المستوى المجرد؟ هذا يأتي متأخراً نسبياً. مثلا: في أي سن يبدأ الأطفال الحديث عن الألم؟
أليسون غوبنيك: إذا كنت تتحدث عن أشياء مثل الاختلافات بين الحالات الذهنية والحالات المادية، فحين يبلغ الأطفال الثالثة من العمر يقولون أشياء مثل “إذا كنت أتخيل قطعة نقانق، لا يمكن لأي شخص آخر رؤيتها حينها يمكنني تحويلها إلى برغر؛ ولكن إذا كانت نقانق حقيقية، ويمكن لأي شخص آخر رؤيتها فلا يمكنني تحويلها إلى شيء آخر من خلال التفكير بذلك فقط”. يوجد مجموعة من الدراسات حول فهم الأطفال للفرق بين ما هو ذهني ومادي، الأطفال يعتقدون أن الأشياء الذهنية لايمكن للجميع رؤيتها، وأنه يمكنك تغييرها بأنواع محددة من الطرق، في حين أنك لا تستطيع فعل ذلك مع الأشياء المادية، ويحدث هذا في سن الثالثة أو الرابعة تقريباً.
هناك مجموعة كاملة من الأبحاث التي قام بها جون فلافيل، حيث تسأل الأطفال أشياء مثل “إذا كانت إيلي تنظر إلى الحائط في الزاوية، هل تعتقد أن شيئا ما يحدث داخل عقلها؟” حتى حوالي الثامنة أو التاسعة من العمر- وهو وقت متأخر على مقياس النمو العقلي- يبدأون بقول أن شيئاً ما يدور في ذهنها عندما تجلس هناك ولا تتحرك.
يمكنك أن تثبت ذلك حتى بالمثال الاستبطاني؛ على سبيل المثال، إذا كنت تقرع جرساً بانتظام – كل دقيقة يُقرع الجرس – ثم يتوقف، وتقول للطفل “ما الذي كنت تفكر فيه الآن؟”يقول الأطفال “لا شيء”. تسألهم إذا كانوا يفكرون في الجرس ويقولون لا فقط. هناك مقتطف جميل حيث يقول فيه طفل أن الطريقة التي يعمل بها عقلك هو أن هناك لحظات صغيرة حيث يحدث شيء ما في عقلك، تُفكّر، ثم لا يحدث شيء في الواقع. وجهة نظرهم الذاتية هي أنه وعيٌ إذا كنت ترى، أو تتحرك، أو تتخيل بشكل آني. ولكن إذا لم تفعل ذلك، وإن لم يكن متصلاً، فمعنى ذلك أنه لا شيء يحدث. لذا، لديهم نظرية للوعي، لكن يبدو أنها مختلفة.
تشالمرز: من المهم فصل الحدس بشأن العقل والوعي بشكل عام عن الحدس بشأن ظواهر معينة مثل الشعور بالألم أو رؤية الألوان أو التفكير. من المحتمل أن يبدأ الحدس حول الظواهر المعينة لدى الأطفال في وقت أبكر بكثير من التعبيرات على مستوى العقل أو الوعي بشكل عام.
نيل غيرشنفيلد: ما رأيك في اختبارات المرآة على الفيل والدلفين من أجل الشعور بالذات؟
تشالمرز: هذه اختبارات محتملة للوعي الذاتي، والتي، مرة أخرى، هي عتبةٌ عالية. هناك الكثير من الحيوانات التي لا تنجح بها. لذا، هل نقول ليس لديهم وعي ذاتي؟ لا، ربما فقط لا يجيدون التعامل مع المرايا.
غيرشنفيلد: ولكن هل تعتقد أن هذا الاختبار للإحساس بالذات قابل للخطأ؟
تشالمرز: هذا دليل جيد على أن الحيوانات التي تنجح به لديها أنواع معينة من التمثيلات الذاتية المميزة، نعم. لا أعتقد أن الفشل فيه يشكل أي علامة على عدم امتلاكها لذلك. وسأميز أيضاً الوعي الذاتي، وهي ظاهرة معقدة للغاية قد يختبرها البشر وعدد معين من الثدييات، من التجربة الواعية العادية للعالم، التي نكتسبها من تجربة الإدراك والألم والتفكير العادي. الوعي الذاتي هو مجرد مكون واحد من عناصر الوعي.
كارولين جونز: أريد أن أربط الموضوع بالسؤال الذي طرحه رود، لأن مسألة الإخبار ومسألة الذات متمايزتان. كانت إحدى أفكاري المسيطرة حول مسألة الإنسان الذي قام ببرمجة الكمبيوتر ليقوم بالإخبار. عندما تُخبر سيارتي بأن البطارية منخفضة، هل تدرك أنها تشعر بانخفاض شحن البطارية؟ لا، لقد برمجتها لتقول لي أنها تحتاج إلى رعاية. أريد فقط أن أقترح عليكم مفهوم الرعاية الذاتية. عندما يشعر الإنسان بالألم، لا يحتاج إلى إخبار أي شخص آخر بما حدث.
أتساءل عما إذا كان ذلك يمكن أن يكون مساهمة لهندسة الوعي في الذكاء الاصطناعي حيث أنه ينسى الإنسان الذي قِيل له أن يقدم التقارير له ويقول بدلاً من ذلك، “إن بطاريتي منخفضة نوعاً ما. ما الذي يمكنني فعله حيال ذلك؟ “أتساءل عما إذا وجدت هذه النمذجة الداخلية – حيث تتحدث ذاتياً، وتكتب تقريراً ذاتياً، وتخطط ذاتياً ، وتؤدي نوعاً من العمل الذاتي – هل سيكون النموذج البشري بتلك الأهمية.
تشالمرز: نوع من الاتصال بدوافعك الخاصة واهتمامك الذاتي؟
جونز: صحيح. بعبارة أخرى، ما فهمته من الكتاب هو أن هناك أشكالًا للذكاء الاصطناعي بدأت في إنشاء تقارير ذاتية وإصلاحات ذاتية.
غوبنيك: حتى الأنظمة البسيطة تفعل ذلك. بشكل أساسي، أي شيء معقد بشكل بسيط سيُنظم عملياته الخاصة.
جونز: أعتقد أنني أوصي الفلاسفة بأن يشككوا في نموذج تصميم آلية إعداد التقارير هذه.
غوبنيك: لكنها ليست آلية إعداد التقارير. يقوم الذكاء الصناعي بما تصفه بالضبط: “هذا خطأ. لدي بعض الأدلة على أنني أقوم بخطأ، لذلك سأقوم بتعديل ما أقوم به بناءً على ذلك”.
تشالمرز: نحن لم نصل بعد إلى هذا المستوى من العقل والمفردات العقلية. لكي تُستخدم المفردات العقلية، ربما يجب أن تُدمج في أنظمة الإعتقاد، والرغبة، والتقييم، والسعي إلى الأهداف، والإدراك الموجودة عند البشر.
جوبنيك: إليك اقتراح يا ديفيد، وهو يتعلق بالأطفال الذين يرفضون أن يخلدوا إلى النوم. أحد الأشياء التي تُميز الأطفال بشكل واضح، بما في ذلك الأطفال في سن مبكرة، هو أنه عندما يكون لديهم دافع قوي وواضح بشكل لا يصدق للذهاب إلى النوم، فإنهم لا يريدون أن يخلدوا إلى النوم. إذا كنت تتحدث مع الأطفال، حتى الأطفال الصغار، فمن الصعب جداً ألا تستنتج أن السبب وراء عدم رغبتهم في النوم، هو أنهم لا يريدون أن يفقدوا وعيهم. الأمر أشبه بـ “لقد تمكنت من فعل ذلك لمدة عامين فقط، ولا أريد التوقف حقاً” لا أعرف ما إذا كانت المخلوقات الأخرى تشترك بذلك أم لا.
تشالمرز: هذا من البديهيات المتعلقة بفكرة الوعي، أنه يقوم بشيء خاص يعطي حياتك قيمة.
جوبنيك: لدى نيك همفري مقترح مثير للاهتمام على غرار هذه الاتجاهات، حيث أن الوعي مرتبط بأشياء مثل عدم الرغبة في الموت، وهذا هو السبب وراء الحدس المنشغل بذاته.
تشالمرز: إذن، يُعتقد أن ذلك يوّلد بالفعل مشكلة الوعي، لأننا لا نريد أن نموت.
فرانك ويلتشيك: نعلم أننا سنذهب إلى النوم، إلا أننا لسنا متأكدين تماماً من أننا سنستيقظ.
إيان ماك إيوان: يوجد محادثة مستمرة بين آدم والراوي. آدم لديه عيون مثيرة للاهتمام بشكل خاص – زرقاء مع قصبات سوداء رأسية صغيرة – وفي كل مرة يتحدث فيها الراوي مع آدم، فإنه ينظر في عينيه هاتين، متسائلاً عما إذا كان بإمكان آدم أن يرى بنفس الحس الذي نرى به. بعبارة أخرى، هل تعمل عيناه مثل الكاميرات؟ هل يرى مثلما ترى الكاميرا؟ وهذا مجرد مجاز. هل يسمع مثلما يسمع الميكروفون؟ يطرح على نفسه السؤال، من يقوم بالرؤية؟ ولكن بمجرد أن يسأل نفسه هذا السؤال، عليه أن يطرح سؤالاً عن وسائله الخاصة. من يقوم بالرؤية عندي؟ لا يوجد قزم (أُنَيْسيان
homunculus) جالس هناك ليرى، لأنه يجب أن يكون هناك شخص داخله ليرى ما يراه القزم. من الواضح أن هذا تم التعامل معه بإسهاب في القرن السابع عشر والتخلص منه.
وأخيراً، يتفقون على أن ما يتشاركونه في جذر وعيهم هو المادة. لدى الراوي خلايا عصبية، ولدى آدم مجموعة كاملة من النسخ الأخرى لها، لكن منبع كليهما هو طبيعة المادة، وعليهم التوقف هناك. لا يمكنهم أن يستمروا أبعد من ذلك.
تشالمرز: أعتقد، على الأقل من الناحية الاجتماعية، عندما يتعلق الأمر بإيجاد الذكاء الاصطناعي، سيصبح هذا السؤال عملياً بمجرد وجود أنظمة ذكاء اصطناعي في وسطنا. سيكون لدى الناس نقاشات حول ما إذا كانت هذه الأنظمة واعية بالفعل. حقيقة أنهم يمكنهم أن يروا ويمكنهم التحدث عما يرونه، كل ذلك سيساعد قليلاً، لكن هذا لن يكون كافياً لإقناع الكثير من الناس بأن هذه الأنظمة كائنات واعية. بمجرد الحصول على أنظمة ذكاء اصطناعي تهتم بوعيها لدرجة أنها تقول أشياءًا مثل: “من فضلك لا تطفئني، ولا حتى لبعض الوقت”، أو حين تبدأ في الشعور بالحيرة حول وعيها، قائلة: “أعلم من حيث المبدأ أنني مجرد آلية، لكنني أختبر نفسي على هذا النحو”، وهذا يحمل وزناً اجتماعياً كبيراً في إقناع الناس بأن هؤلاء كائنات واعية لديها أخلاقيات.
جوبنيك: لدى نيك بعض الأمثلة المتعلقة بالرتب العليا من الثدييات (القرود) التي تقوم بأشياء مثل أخذ صخرة غمرها تحت الماء، والنظر إلى الماء على الصخور والشعور به كشيء يفعله الكائن الأعلى من الثدييات بوضوح، حيث أنه من الصعب جداً معرفة الأهمية الوظيفية لهذا الفعل، بخلاف تقييم تجربة الشعور بأيديهم في الماء والإمساك بالصخور. إذا تطورت هذه الأشياء تلقائياً، فقد تكون طريقة مثيرة للاهتمام للتفكير فيها.
تشالمرز: علامات الاستمتاع بتجربة، والشعور بأن هذا ما يجعل حياتي تستحق العيش.
سيث لويد: هناك شيء واحد يتكرر في كلامك ومناقشتك بعد ذلك وهو أن هناك العديد من أنواع الوعي المختلفة. هل من المفيد أن نصرّح ببساطة أنه لا يوجد شيء واحد نسميه الوعي؟
لقد أجريت محادثة حول الوعي مع طبيبة تخدير، وأشارت إلى أنه إذا كنت طبيب تخدير، فإنك لن تعتبر الوعي شيئاً واحداً بالتأكيد، لأنه يجب أن يكون لديك أربعة عقاقير مختلفة للتعامل مع الجوانب المختلفة للوعي التي ترغب في تعطيلها. يُستخدم أحدها ليفقد الناس وعيهم فقط. ولكن سيزال بإمكان الأشخاص الشعور بالأشياء والمعاناة من الألم، لذلك لديك عقار آخر لمنع الشعور بالألم. إلا أنه سيزال بإمكان الأشخاص أن يكوّنوا ذكريات خلال فقدانهم الوعي وعدم شعورهم بالألم، لذلك يجب أن تعطيهم عقارا آخر أخرى لكي يفقدوا الذكريات. في بعض الأحيان يقدمون لك عقاراَ إضافياً خاص ليجعلك تشعر بالراحة عند الاستيقاظ. لذا فإن كلاَ من هذه العقاقير مختلفة تماماً عن بعضها البعض، لها وظائف مختلفة، وتعطّل جوانب مختلفة من الأشياء التي نسميها “الوعي”.
تشالمرز: إن تدبير الفلاسفة القديم هنا هو أن يقوموا بالتفريق. لم أكن أرغب في إدخال الكثير من المصطلحات هنا، ولكن في فلسفة وعلم الوعي، هناك لغة قياسية إلى حد ما الآن. أنت تفرق بين مختلف أشكال الوعي. على سبيل المثال، هناك وعي اعتيادي-التجربة الأولية-الوصول إلى الوعي، وهو مسألة الوصول إلى الأشياء واستخدامها للتحكم في السلوك، وهناك تكوين الذكريات؛ وعي تأملي-التأمل في حالاتك العقلية- وبالطبع، وعي ذاتي، أي وعيك بنفسك. هذه التصنيفات لابد من تمييزها. إن نوع الوعي الذي أميل إلى التركيز عليه هو الوعي الاعتيادي الذي يعني (دور الخبرة). مع ذلك، بالطبع يمكنك البدء في تقسيم الوعي الاعتيادي إلى مكونات، لذلك هناك وعي حسي، وهناك وعي إدراكي، وهناك وعي وجداني. لا تجعلني أبدأ في الحديث عن الفروق. أوافق، هناك الكثير من التصنيفات لتمييزها.
في الواقع، يعتبر سؤال التخدير شيقاً جداً، لأنه يُشعِر أن ما يقوم بالمهمة الأصعب في كثير من الحالات في التخدير، هو بالتأكيد أشياء مخيفة، مثل مفقدات الذاكرة؛ الأشياء التي تمنعك من تكوين الذكريات. إنها تقوم بالمهمة الأصعب، وربما بعض المسكنات التي تمنع الشعور بالألم، وبالتأكيد الشلل الذي يمنع حركاتك. ولكن هل يمنعك أي من هذه الأشياء من أن تكون واعياً؟
جونز: أهم شيء بالنسبة لي هو ما يقدمونه لك حتى لا تهتم. هناك مجموعة كاملة من العمليات الجراحية التي تكون خلالها في حالة تأهب تام، ولكن ما أعطوه لك هو من أجل ألا تهتم. إنه شعور غريب للغاية. كل شيء يحدث، حتى أن هناك بعضاً من الألم، إلا أنك لا تهتم وحسب. لا أعرف أين يصنف الفلاسفة تلك التجربة. هل تقع في المجموعة الفرعية الوجدانية؟
تشالمرز: أميل إلى أن أقول أنها الوجدانية لأنها قيمة، تجربة القيم والأهداف. ولكنها أيضاً متعلقة بالوعي التفاعلي، وهو الشعور بالحركة. أنت لم تعد تتحرك.
بروكمان: في مؤتمر (Om) في عام 1973، والذي ربما كان أول مؤتمر سيبراني ما بعد ميسي – كان بيتسون وفون فورستر المنظمين – خاطب جون ليلي هذا الأمر قائلاً: “الطريقة التي تتعامل بها مع تثبيط الوعي سهلة للغاية: مضرب بيسبول”.
بيتر جاليسون: هذا من المثير للاهتمام لأنه(الوعي) عند تقسيمه، يمكننا أن نرى أن بعضاً منه ليس بمشكلة يمكن أن نواجهها عند إعداد الآلات لتقوم به، مثل تعطيل الذكريات، وهذا لا يبدو كشيء يصعب تطبيقه في الآلة، أو الشلل، عدم القدرة على تحريك بعض المحركات أو الأطراف الاصطناعية أو شيء ما، لا يبدو الأمر صعباً في الآلة.
ميزة هذه الفروق التي كنت تميزها للتو هي أنها تعزل الجزء الذي يبدو غريباً ومقلقاً بالنسبة لنا. عندما نقول، “الآلات ليس لديها وعي”، فإننا لا نقصد بالتأكيد أن الآلات لا يمكنها صنع الذكريات، أو الآلات لا تصاب بالشلل، فتصبح غير قادرة على التأثير على مشغلاتها الحركية. فهي شيء مثل المُكوّن الواعي بذاته.
تشالمرز: أود أن أقول أن مكوّن الوعي الاعتيادي، التجربة الأولية والذاتية، قد يشمل الوعي الذاتي، لكنني لست متأكداً من ذلك. إذا اتضح أن الآلة تعاني من الألم ولديها تجربة بصرية مع العالم، من النوع الذي نقوم به، فسيكون ذلك رائعاً. هذا جزء مما يهمنا بشأن الوعي الآلي. بالتأكيد، الشيء الذي يبدو أكثر حيرة بالنسبة لي في الواقع ليس الوعي الذاتي، في حد ذاته، إنه مجرد التجربة الذاتية المباشرة.
جاليسون: إذن، هل تعتقد أن سنجاباً قد يعاني من الألم؟
تشالمرز: نعم. من المؤكد أن السنجاب لديه نوع ما من التجربة الذاتية. السؤال هو في أي نقطة سيحدث ذلك في أنظمة الذكاء الاصطناعي؟
بروكس: قبل بضع دقائق، كنت تتحدث عن أن هذه ستصبح مشكلة حقيقية عندما تكون لدينا أنظمة ذكاء اصطناعي، ولكنها أصبحت مشكلة في وقت أبكر من ذلك، لأن حُكم الناس يوجههم بطرق غريبة. لقد رأينا ذلك في مختبري في التسعينيات مع أشخاص يتفاعلون مع روبوت COG ومع روبوت Kismet.
تشالمرز: بالمناسبة، هناك الكثير من النتائج النفسية التي تُظهر أن الشيء الأول الذي يقنعنا بأن النظام واعٍ، هو ما إذا كان لديه عيون. لذا، أنت تمر بمجموعة كاملة من الأنظمة المختلفة، فإذا كانت لديها أعين، فهي واعية.
ويلكززيك: هل أنت نباتي؟
تشالمرز: لست كذلك. كنت أعتقد أنني لا يجب أن آكل أي شيء لديه وعي، لكن وجهة نظري هي أن الوعي منتشر جداً في مملكة الحيوان وربما خارجها؛ هناك الكثير من الأبحاث الآن حول الأشياء المثيرة للإعجاب التي يمكن للنباتات القيام بها.
ماك إيوان: سوف نجد أنه من الصعب جداً ألاّ نعزو الوعي لكائن، إذا بدا أن لديه نظرية ذهنية وبدا أنه يفهمنا.
تشالمرز: ربما هناك ذكاء اصطناعي يحاكي بعض السلوكيات السطحية. أفكر في نظام ذكاء اصطناعي صغير من الكرتون يدْرس لاختبار تورينج، ويقرأ كتاب Talk Like a Human . ربما يمكنه تعلم جملة أو جملتين بشكل سطحي لإقناعنا بأنه واع، ولكن لكي يعكس جميع إحساساتنا وتعابيرنا عن أنواع الوعي، لا يقتصر المشروع على عكس التعبيرات السطحية فحسب، بل عكس الآليات الأساسية. بمجرد أن أصبح لدي ذكاء اصطناعي قائم على الآليات الموجودة في البشر ويؤدي إلى ظهور النطاق الكامل للتعبير، لست متأكداً من مقدار ما يمكنني طلبه أكثر من ذلك.
بروكس: كانت تجربتي المبكرة في الثمانينيات عندما كنت أصنع روبوتات تشبه الحشرات تتعلق بالسرعة. لذا، إذا اصطدم الروبوت بالحائط وتراجع وقام بذلك مرة أخرى ببطء، فسوف يسأل الناس عن الخطأ فيه. ولكن إذا فعل ذلك بسرعة، سيقولون أنه يبدو مخيباً للآمال.
جونز: في عام 1943، صوّر فريتز هايدر وماريان سيميل هذا في فيلم الرسوم المتحركة القصير.
واجهة سايبورغ هي شيء يجب أن تدخل إلى علم المستقبل هنا، لأنه إذا قمت بتوصيل مستشعر الأشعة تحت الحمراء ثم قمت بمشاركته مع جهاز الكمبيوتر الخاص بي ولدينا منصة استثنائية معيّنة بيننا، في أي مرحلة يقوم وعيي بالدوران؟ في أي مرحلة أقوم بإسقاط بعض قدراتي التأملية في الجهاز، بعد أن قمت بمشاركة بعض إمكانيات الميكنة المحددة وما إلى ذلك. هذا ينطبق على مفهوم فرانك الجميل للبيئة المتطورة. نحن مصرون على التفكير في هذا “الآخر” على أنه كومة من المعدن الذي سيصل في نهاية المطاف بطريقة ما. ولكن ماذا لو قمنا بتدريسه، وماذا لو كنا نشاركه ونتبادل تصوره مع تصورنا، ثم نوقفه عندما ننام؟ هذا احتمال يمكن أن يساعد الفلاسفة تخيله، لأنه يحدث بالفعل.
تشالمرز: لقد قمنا بالفعل بإفراغ الكثير من معرفتنا في أجهزتنا؛ الذكريات والتخطيط والتنقل.
جونز: قام فنان بزرع شيءٍ في جذع دماغه حتى يتمكن من سماع الألوان لأنه مصاب بعمى الألوان. أي جزء من وعيه بالألوان يوجد في الشريحة، في جهاز تحسين القوقعة؟ تتطور هذه الأسئلة بالفعل في علاقاتنا مع الآلات، لذلك قد نفكر أيضاً فيما إذا كنا سنتخذ موقفاً تربوياً فيما يتعلق بذلك.
تشالمرز: خاصة عندما تكون هناك واجهات حاسوب دماغية هامة. ستكون هذه هي النقطة التي يبدأ فيها الوعي بالامتداد إلى أجهزتنا.
جونز: السؤال هو هل امتلك طفل أفيرون المتوحش وعياً، أليس كذلك؟ لم يكن هناك أي إنسان ليقول له، “هل تشعر بالألم؟ أوه، هل أنت جائع؟ هل هذه حالتك الداخلية؟” هذه بيئة تربوية تغذي وتعلم وتطور الوعي. لذا، أعتقد أننا يمكن أن نفعل ذلك مع الآلات.
اقرأ ايضاً: وهم الذكاء الاصطناعي: لماذا يتفوق البشر على الآلات
[1] – منظور الشخص الأول: هو أن يحكي الشخص موقفا ما من وجهة نظره مستخدما “أنا” أو “نحن” بحيث يكون هو طرفا فيه؛ أما منظور الشخص الثالث: فهو أن يحكي الشخص موقفا باستخدام “هو” أو “هم” دون أن يدخل نفسه طرفا في السردية. (المراجع)