عام

وهم الذكاء الاصطناعي: لماذا يتفوق البشر على الآلات

  • فيليب بول
  • ترجمة: نوضا عبد الرحمن
  • تحرير: محمد اليوسف

إضافةً إلى لعبه دوراً رئيسياً في فك رموز شيفرة إنجما في حديقة بلتشلي خلال الحرب العالمية الثانية وفي تصور أجهزة الكومبيوتر الحديثة، يدين عالم الرياضيات البريطاني آلان تورنغ بشهرته للاختبار الذي ابتكره عام 1950، حيث يتساءل عما إذا كان بإمكان الخبراء من البشر التمييز بين الذكاء البشري والاصطناعي استناداً إلى الأسئلة المطروحة وعلى الردود في المحادثات. نال الاختبار الذي سماه تورنغ “لعبة المحاكاة” شهرةً واسعةً بعد 15 عاماً، وذلك في رواية الخيال العلمي “هل تحلم الروبوتات بخرفانٍ آلية؟” لِـ فيليب ديك. لكن تورنغ اشتُهِر أيضاً بانتحاره عام 1954 والذي من المحتمل أن يكون قد دُفِع إليه عن طريق العلاج بالهرمونات والذي طُلب منه تناوله كبديل للسجن بسبب المثلية الجنسية (باعتبارها خطرًا أمنياً)، ولم تنل عبقرية تورنغ حقها من التقدير حتى وقتٍ قريب. ففي عام 2009، اعتذر جوردون براون نيابةً عن الحكومة البريطانية عن المعاملة التي لقيها تورنغ. وفي عام 2014، سطع نجم تورنغ مرة أخرى عندما لعب الممثل بنديكت كومبرباتش دوره في فيلم “لعبة المحاكاة”. وفي عام 2021، ستكون صورة تورنغ الوجه البارز لورقة الخمسين جنيهًا إسترلينيًا الجديدة.

قد يكون تورنغ مشهوراً الآن، لكن الاختبار الذي قدّمه لا يزال يُفهَم – على نطاقٍ واسع – على غير مُراده. لم تكن لعبة المحاكاة لتورنغ وسيلةً عمليةُ لتمييز البشر عن الآلات المحاكية لهم، ولكنها تطرح تساؤلاً ينبع من تصوّرٍ افتراضي للنظر فيما إذا كان بإمكان الآلة أن “تفكر”. إن لم يكن بإمكاننا ملاحظة أي شيء في استجابات الآلة يتيح لنا تمييزها عن البشر، فما هي الأسس التجريبية التي يمكننا تقديمها لننفي عنها القدرة على التفكير؟ وبغض النظر عن السياق المستقبلي، إلا أن هذا يعيدنا إلى الرأي الفلسفي القديم القائل بأننا لا يمكن أن نستبعد إمكانية أن يكون أي شخص آخر هو مجرد إنسانٍ آلي مفتقرٍ للوعي ولكنه بارعٌ في محاكاتنا. وهذا يعيدنا أيضًا إلى البديهية الذاتية لديكارت والقائلة بأن كل ما يمكنني التأكد منه هو نفسي فقط.

لا يولي باحثو الذكاء الاصطناعي اليوم اهتمامًا كبيرًا لاختبار تورنغ، بل تم تجاوزه بالفعل في بعض الظروف. وليس من المألوف اليوم أن نتساءل عما إذا كنا نتواصل عبر الإنترنت مع بشر أو مع نظام ذكاءٍ اصطناعي، بل إن بعض الروبوتات استطاعت أحياناً خداع الخبراء من البشر مثل الروبوت “يوجين جوستمان”، والذي تظاهر بأنه مراهقٌ أوكراني، ونجح في خداع لجنةٍ من قضاة المجتمع الملكي في عام 2014 حتى يعتقدوا بأنه بشرٌ حقيقي. مضت ست سنوات على تلك الحادثة الفريدة من نوعها في عصر ثورة الذكاء الاصطناعي، والتي اعتُبِرت حادثة ثانوية لا صلة لها بالمجال.

وكما يشير المؤلفان غاري ماركس وإرنست ديفيز في كتابهما “إعادة تشغيل الذكاء الاصطناعي” أن السبب وراء رغبتنا في أن يكون الذكاء الاصطناعي مشابها للإنسان هو تطوير أداء الآلة وليس محاكاة شخص ما. وبصفته عالمًا في الإدراك، يعد ماركس أحد أكثر النقاد إدراكًا لضجيج الذكاء الاصطناعي، بينما يشتهر ديفيز كعالم حاسوب بارز؛ ولهذا كان الاثنان في وضع مثالي لإضافة بعض الواقعية لهذا المجال المعرض للمبالغات.

معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم – سواء المخصصة للترجمة اللغوية أو لعب الشطرنج أو قيادة السيارات أو تمييز الوجوه أو التشخيص الطبي – تنشرُ تقنيةً تُعرَف بتعلّم الآلة machine learning. وما يسمى بالشبكات العصبية الملتفّة – وهي محاكاةٌ على رقائق السيليكون لشبكة الخلايا العصبية المترابطة بشكل قويٍّ في أدمغتنا – ويتم تدريبها آليًّا لاكتشاف الأنماط في البيانات. وخلال التدريب، تتم موازنة قوة الروابط بين خلايا الشبكة العصبية إلى أن يتمكن النظام من التصنيف بدقة. ويمكن هذه الأنظمة أن تتعلم على سبيل المثال تمييز القطط في الصور الرقمية، أو إنشاء ترجمة مقبولة من الصينية إلى الإنجليزية.

ورغم أن الفكرة التي تقوم عليها تعلم الآلة والشبكات العصبية تعود لعقود، إلا أن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي قلّت شهرته مع بزوغ شمس “التعلم العميق” والذي يعتمد جوهريًّا على إضافة المزيد من طبقات الخلايا العصبية بين المدخلات والمخرجات. ولهذا يستطيع برنامج DeepMind   من   AlphaGo هزيمة اللاعبين البشر المحترفين في لعبة اللوحة المعقدة Go، وتعتبر ترجمة جوجل الآن أفضل بكثير من إصدارها القديم غير المتقَن (ورغم ذلك لا تعدُّ حتى الآن متقنةً تماماً لأسبابٍ سأعود إليها لاحقاً).

في الذكاء الاصطناعي، قدّمت ميلاني ميتشيل نبذةً عن تطور هذا المجال وحالته الراهنة. وتشرح عالمة الحاسوب – التي بدأت حياتها المهنية من خلال إقناع معلم العلوم المعرفية دوغلاس هوفستادتر ليشرف على رسالتها في الدكتوراه – كيف أن التوقعات الكبيرة في هذا المجال لم يتم تحقيقها منذ أواخر الخمسينات وحتى بزوغ شمس التعلم العميق. وهي تشرح أيضًا السبب في أن الإنجازات المذهلة التي حققها الذكاء الاصطناعي حتى وقتنا الحاضر تصطدم اليوم ببعض الحواجز بسبب الفجوة بين التخصص الدقيق والذكاء العام المشابه للإنسان.

المشكلة هي أن التعلم العميق ليست لديه أي طريقة للتأكد من اتّساق قراراته مع المنطق السليم، ولذا قد يرتكب أخطاءً مضحكة. ويصف ماركس وديفيز ذلك كما لو كان “عالِماً أبله، له قدراتٌ إدراكية خارقة، لكن فهمه العام متدنٍ جداً”. في تصنيف الصور، لا يمكن أن يؤدي هذا الخلل إلى نتائج غريبةٍ فحسب، بل من الممكن أيضًا خداع النظام الآلي بتزويده بنماذج معقدة تم تصميمها بدقة، حيث يمكن تعديل النقاط الضوئية “وحدات البكسل” بطرق تجعل تمييزها عن الأصل أمرا بالغ الصعوبة، ولكن الذكاء الاصطناعي يصنفها خطأً بثقةٍ بالغة، على سبيل المثال، صورةٌ لشاحنةٍ صغيرة أو جرو يعتبرها النظام الآلي صورة نعامة. وعلى نفس المنوال، يمكن إنشاء الصور بطريقةٍ تجعلها تبدو للعين البشرية عشوائية تماماً، لكن الذكاء الاصطناعي يعتبرها صورة لطاووس أو لحيوان المدرع.

تصبح نقاط الضعف هذه مثيرةً للقلق خصوصاً عندما يتخذ الذكاء الاصطناعي القرارات بتقليدٍ أعمى تبعاً للانحياز البشري، على سبيل المثال، عندما تصر معالجات الصور الرقمية على أن شخصاً ذو عيون شرق آسيوية قد رمش!. وقد حذرت ميتشيل – كما فعل ماركس وديفيز – من أن مخاطر الذكاء الاصطناعي لا تتعلق بعمليات الاستحواذ على الروبوت على غرار Skynet ولكنها تتعلق بالتطبيقات اللاواعية للأنظمة غير الملائمة. وحتى لو كان نظام الذكاء الاصطناعي يبلي بلاءً حسناً بما يمثل 99% من حالاته، إلا أن الفشل الذي يقع فيه أحياناً يمكن أن يكون كارثياً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقيادة السيارات أو الفحوصات الطبية.

يناقش هؤلاء المؤلفين حاجتنا لصنع أنظمة تشابه البشر أكثر وأكثر في تفكيرهم، وهي نظرةٌ شائعة عند كثيرٍ من باحثي الذكاء الاصطناعي، ولكن المشكلة هنا هي أنه ليس من الواضح كيف يمكننا حل هذه المعضلة؟

لسببٍ واحد، هو أن أسلوب التعلّم عند البشر يختلف عنه عند الآلات. الأطفال الصغار لا يحتاجون أن يشاهدوا عشرة آلاف صورة لقطط أو كراسي حتى يتمكنوا من تمييزها بدقة. بل حتى اليوم، يختلف اللغويون حول كيفية استنتاج الأطفال للقواعد البنائية والنحوية المعقدة للغة من خلال تعليمٍ بسيط. لسببٍ واضح، نحن البشر لا نحدد الأنماط آلياً في المدخلات إلى فئاتٍ في المخرجات. ولكن نقوم بتطوير التوقعات وإجراء التنبؤات استنادًا إلى شعور بديهي بكيفية عمل العالم المادي.

نحن البشر نستنتج أشياء غائبة عن الأنظار، نتوقع المسارات، ونعلم أن الزجاج الساقط على الرخام سينكسر، ولكنه لن ينكسر إن سقط على السجاد. فضلاً عن ذلك، يمكننا غالباً التمييز بين مجرد مخ التتابع وبين العلاقة السببية. فنحن نعلم أن المطر ليس سبباً في أن يضع الناس المظلات، ولكن رغبتهم في أن لا يبتلوا هي ما تدفعهم إلى ذلك. وهذا يوصلنا إلى مكوّنٍ آخر مهم من مكونات الإدراك حيث أننا كبشر نطوّر نفسيةً عن الآخرين، وهو ما يسمى غالباً بنظرية العقل. حيث نعتقد أننا نعرف ما هي “الخوارزميات” التي توجه اختيارات الآخرين وأفعالهم. ونعرف أن نتوقع الأمور المفاجئة مثلاً عندما تحاول أم منزعجة رعاية ثلاثة أطفالٍ صغار أثناء التحدث على هاتفها وهي تقود باتجاه نقطة تقاطعٍ على الطريق.

وبسبب مثل هذه التوقعات، يمكننا الكشف عن الغموض اللغوي، فمثلاً يمكننا أن نعرف على من يعود الضمير “ـها” في الجملة: “كانت ماري قلقة بشأن جدتها لأنها كانت مريضة”، ونحن نعلم أن علينا ألا نأخذ السخرية اللفظية على محمل الجد حين يُقال (“ياله من أمر رائع!”). وبسبب هذه المعرفة الضمنية، لن نخطئ أبدًا في وصف صورة جرو على أنها صورةٌ لنعامة. تقول ميتشل أن الترجمة (سواءً كانت لغوية أو مجازية) “تتضمن نموذجاً عقليّاً عن العالم الذي تتحدث عنه”.

وقد حاول بعض الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي بناء مثل هذه القدرات من خلال تزويد أنظمتهم بقوائم طويلة عن حقائق الحياة. لكن هذا المشروع محكومٌ عليه بالفشل (كما يشهد أداء هذه الأنظمة)، لوجود الكثير من المعلومات دائماً حولنا. ويعتقد باحثون آخرون أنه بدلاً من الروبوتات الجاهزة، فإن الحل هو بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تتطلب تعليماً مثل الأطفال، بمعنى أن نمنحها القدرة على التعلم من خلال “التجربة”، بدءًا من أبسط الحالات. بل إن تورنغ اقترح أن أفضل طريق لتطوير آلة قادرةٍ على التفكير قد يكون من خلال التطور المعرفي الشبيه بما عند الأطفال، وبعض الأبحاث الحديثة اليوم في الذكاء الاصطناعي تنطوي على التعاون مع علماء النفس في المجال التنموي والذين يحاولون استنتاج القواعد الأساسية التي نستنتجها واستخدامها في دراسة العالم.

تكشف النظرة العامة لميتشل أنه ما من شيءٍ ثوريٍّ خاص بأنظمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن اقتراحات ماركس وديفيز بشأن كيفية “إعادة تشغيل” الذكاء الاصطناعي تعدّ كلها سديدةٌ للغاية. وفي الواقع، فإن كثيراً من توصياتهم تلك يتم استعراضها بالفعل من قبل بعض الشركات مثل IBM. السؤال الهام هنا هو إلى أي مدى يمكن للآلات الاستغناء عن البشر والقيام بمهامها مكتفيةً بذاتها؟ هل سيكون باستطاعة نظام ذكاء اصطناعي تقديم ترجمة لنص أدبي، على سبيل المثال، ترجمةً ليست دقيقةً فحسب، بل متذوقةً للمعنى أيضًا، ما لم يكن لديه فهم حقيقي لما تتحدث عنه القصة؟

ولكن إلى أي مدى يمكن أن يبلغ هذا الفهم؟ يحب باحثو الذكاء الاصطناعي التحدث عن الذكاء “المماثل للذكاء البشري”، والذي تعترف ميتشل بأنه “حقًا بعيد المنال”. ولا زلنا حتى الآن، لا نعلم معنى هذا ما لم يكن النظام واعياً بنفسه؛ وبالتأكيد، لا يمكن تحقيق هذا الأمر ببساطة بمجرد تفوق الأنظمة الآلية في لعبة المحاكاة. وكما قال لي مؤخرًا أحد الفيزيائيين العاملين في مجال تعلم الآلة أن هذا سيكون بمثابة أن نتصور أننا إن استطعنا أن نزيد من سرعة طائرة إلى حدٍ كبير، فإنها ستضع بيضة في النهاية.

ومع ذلك كله، شاع الاعتقاد اليوم بأنه كلما زادت أنظمة الذكاء الاصطناعي في تعقيدها وقدراتها المعرفية، سينتج لنا في نهاية المطاف وعيٌ مماثلٌ للوعي البشري. وفقًا لكريستوف كوخ، عالم الأعصاب في معهد ألين لعلوم الدماغ في سياتل، فإن هذه هي الأسطورة الشائعة في عصرنا، وهي أن الوعي في أنظمة الذكاء الاصطناعي مجرد اختراق ذكي. ومن هذا المنطلق يقول كوخ: “نحن آلات تورنغ ولكننا مصنوعون من اللحم، ولا تدرك الروبوتات برمجتنا الخاصة”.

يتحدى كتاب كوخ “شعور الحياة نفسها” تلك الفكرة. وقد تعاون كوخ مع رائد الحمض النووي وعلم الأعصاب فرانسيس كريك، وهو الداعي إلى نظرية عن الوعي تسمى نظرية المعلومات المتكاملة والتي طورها في الأصل عالم الأعصاب جوليو تونوني. يعتقد كوخ أن النظرية تثبت أن الآلات التي تم إنشاؤها على غرار تقنية رقاقة السيليكون الموجودة لدينا لا يمكنها أن تصبح واعية، بغض النظر عن قوة المعالجة المذهلة التي تمتلكها. ويرى كوخ بأن علينا أن نفصل افتراضاتنا عن الذكاء عن تلك المتعلقة بالوعي. يمكننا – على سبيل المثال – أن نتخيل وجود أنظمة واعية تفتقر للذكاء، والعكس صحيح. وحتى لو قمنا بصنع آلات محاكيةٍ لدماغٍ حقيقي فإن هذا سيكون مثل خطأ غولم، كما يعبر عنه كوخ بقوله: قد تكون الآلة بارعةً في اختبار تورنغ، لكنها في نفس الوقت فاقدةٌ للوعي.

وهنا، على كوخ أن يمتلك صورةً محددة وواضحة عن الوعي وأن يصفَه كما يصف المشاعر حتى يصدُق في دعواه. كل تجربة للوعي لها خمس خصائص أساسية ومميزة، يمثّل كوخ على هذا بقوله: أن تكون التجربة موحدة، وفريدة من نوعها، وذات مضمون محدد (مثلا: “هذا الجدول أزرق، وليس أحمر”).  وفي محاولةٍ للاستدلال على نوع التقنيات المادية اللازمة لدعم هذه الميزات، تحصر نظرية المعلومات المتكاملة ذلك في قوة النظام على إحداث تغييرٍ في حالته الذاتية. وكما يقول كوخ: الوعي هو “قدرة النظام على أن يتصرف في حالته ويؤثر في مستقبله.”

إذاً الوعي خاصية جوهرية، وليس نتيجةً لبعض العمليات الحسابية. وخاصية التأثير هذه تعتمد على بنية الشبكة. إذا كانت المعلومات يتم تزويدها باتجاه واحد فقط لتحويل المدخلات إلى مخرجات، كما هو الحال في أجهزة الكمبيوتر الرقمية، فإن نظرية المعلومات المتكاملة تصر على أنها يمكن أن تنتج ذكاءً مفتقرًا للوعي فقط. يتطلب الوعي تزويدًا عكسيًّا في الدائرة – وهو شيء غامض في الدماغ، ولكنه موجود في منطقة في الجزء الخلفي من قشرة الدماغ والتي يتوقع كوخ أنها المركز المادي للوعي.

إحدى السمات البارزة لنظرية المعلومات المتكاملة هي أنها تجعل الوعي مسألة تتفاوت إلى درجات. فقد يحتوي أي نظام قائم على بنية الشبكة المطلوبة على مقدار من الوعي. يعتقد كوخ أن “الوعي هو خاصية أساسية للمادة الحية” وقد نالت وجهة النظر هذه قدرًا من السخرية على أنها نزعة ذهنية، لكن كوخ لا يعني أن الوعي ينتشر بالتساوي في كل مكان. في نظرية المعلومات المتكاملة، يمكن أن يوجد قدر كبير من الوعي فقط في بعض الأشياء، ليس في أدمغة البشر فحسب، بل في بعض الحيوانات الأخرى أيضًا، ولكن ليس في أجهزة الذكاء الاصطناعي الحالية القائمة على السيليكون.

نظرية الوعي هذه واحدة فقط من بين وجهات نظر عديدة عن الوعي، وليس هناك حتى الآن أي إشارة على وجود حل للمشكلة بين علماء الأعصاب أو فلاسفة العقل. وهذه نقطة غامضة للغاية في التفاصيل النظرية، ولا يعود هذا فقط إلى الآثار المترتبة على “آلات التفكير”.

يعد تشخيص الوعي لدى المرضى المصابين بالغيبوبة أو التلف الدماغي أو في حالات الخمول الذهني أمرًا حيويًا لاتخاذ قرارات بشأن رعايتهم. وقد أنتج عمل تونوني على نظرية المعلومات المتكاملة طريقةً لاختبار الوعي عن طريق إرسال نبضاتٍ مغناطيسية تشبه رنين الجرس حول قشرة الدماغ. يقول كوخ: إن العقل اللاواعي “يعمل مثل جرس ضعيف أو معطوب”.

إذًا، يرى كوخ أن اختبار تورنغ ليس له صلة بتشخيص الحياة الداخلية، بل إنه يعني أن حلم ما بعد الإنسانية بتضمين عقل الإنسان في دائرة كمبيوتر (خالدة) هو مجرد خيال. وفي أفضل الأحوال، يمكن لهذه الدوائر أن تحاكي مدخلات ومخرجات الدماغ لكنها لا تتمتع بأي خبرةٍ على الإطلاق. ولن تكون “سوى برمجة ذكية ووعي زائف يتظاهر بتقليد الناس على المستوى الفيزيائي الحيوي”. لذلك، يعتقد كوخ أن هذا هو كل ما يمكن أن يصل إليه الذكاء الاصطناعي. قد تهزمنا هذه الأنظمة في لعبة Go وفي الشطرنج، وقد تخدعنا في التفكير بأنها على قيد الحياة، لكن هذه الانتصارات ستكون دائمًا انتصارات جوفاء، لأن الآلة لن تستمتع بها أبدًا.

المصدر
prospectmagazine

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى