فكر وثقافة

مستقبل الرأسمالية

  • بيتر كوي – بلومبيرغ
  • ترجمة: علي آدم عيسى
  • مراجعة: مصطفى هندي
  • تحرير: عز الدين بن سراج

 

إن الرأسمالية تخلق الرخاء؛ فقد مكّنت مليارات الناس من عيش حياة أفضل من حياتهم في ظل المَلَكية القديمة من خلال توجيه الطاقات إلى الإنتاج والابتكار، إلا أنها تركز السلطة في أيدي المالكين أصحاب المليارات والشركات متعددة الجنسيات الذين لا تهمهم إلا مصالحهم، وتتحمل كذلك تبعة اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويرى الكثيرون أنها لا تختلف كثيرًا عن المحسوبية، وهيمنة أصحاب المصالح الخاصة على الحكومة من قبل.

وترى إحدى المعسكرات أن الحلَّ تنظيفُ الرأسمالية بإيقاف الدعم والحماية التي تقدمها الحكومة للشركات، وتفكيك الاحتكارات، وكسر الروتين، ويرى معسكر آخر أن الحكومة بحاجة إلى القيام بدور أكبر لأنه لا يمكن الاعتماد على دافع الربح لدى الرأسماليين لتلبية احتياجات المجتمع.

الموقف الآن

لقد تحولت اللامساواة في توزيع الثروة إلى سلاح ذي حدين، فمن ناحية ساعدَ تضييقُ التفاوت بين الدول على: صعود الصين، والهند، والدول الأخرى التي تحولت إلى الرأسمالية، والأسواق الحرة، وفي الوقت نفسه اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء داخل تلك الدول بصورة كارثية.

وبشكل عام، يمتلك النصف الأفقر من العالم أقل من 1% من ثروة العالم، في حين يمتلك 1% من البالغين ما يعادل 47% من ثروة العالم.

إن الرأسمالية والأسواق الحرة تواجه تحديات من كل من: اليسار، واليمين، فيرى كلٌ من: بيرني ساندرز، وإليزابيث وارن -عضوا مجلس الشيوخ الأميركي ومرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة- أن النظام الاقتصادي مزورٌ لصالح الأثرياء.

وفي معسكر اليمين، وصف الرئيس دونالد ترامب نفسه بـ”رجل التعريفة الجمركية” ويهدف إلى تقييد الهجرة، على الرغم من أن التدفق الحر للسلع والأشخاص هو وقود النمو في الاقتصادات الرأسمالية.

ويقول الملياردير ومؤسس شركة Bridgewater Associates أكبر محفظة وقائية في العالم راي داليو: إن الاستياء من التفاوت الصارخ في الثروة= يمكن أن يتحول إلى ثورة.

وقد استهدف استطلاع أبريل 2019م جمع آراء المشاركين حول الرأسمالية، لا سيما الشباب وكانت النتائج:

#الأسود: إيجابي #الوردي: محايد #الأزرق: سلبي #الأصفر: لا أعرف
الرأس مالية

الخلفية التاريخية

إن مبنى الرأسمالية هو رغبة أصحاب الممتلكات في تحقيق الربح؛ حيث يمتلك الأفراد والشركات الأراضي والآلات وغيرها من الأصول (رؤوس الأموال)، فيستأجرون عمالاً لتوظيف هذه الأصول في الإنتاج وخدمات البيع.

ومن الناحية النظرية -وفي الممارسة العملية غالبًا- يدفع التنافس على جذب العملاء أصحاب رؤوس الأموال إلى أداء أفضل؛ فاليد الخفية للسوق الحرة هي التي توجههم، لا الحكومة.

وقد كتب الاقتصادي الإسكتلندي آدم سميث في عام 1776م: “لا ننتظر من الجزار أو بائع الجعة أو الخباز أن يوفر لنا عشاءنا فقط لأنه يهتم بنا، بل بسبب الفائدة والربح الذي يجنيه مقابل توفير هذا العشاء”

 كما دعا الخبير الاقتصادي الأميركي ميلتون فريدمان في سبعينيات القرن العشرين إلى كون الهدف الوحيد للشركات= تعظيم أرباح المساهمين رهناً باتباع القانون.

وقد تبنت مجالس إدارة الشركات هذه الرسالة إلى حد كبير، لكن منذ ذلك الحين كانت هناك حركة متنامية نحو ما يسمى برأسمالية أصحاب المصلحة، والتي تطالب الشركات بموازنة مصالح المساهمين مع مصالح الموظفين والعملاء والمجتمع، وفي آب/أغسطس 2019، أيدت جمعية Business Round-table -وهي جمعية تضم كبار المسؤولين التنفيذيين في الولايات المتحدة- هذه الفكرة متخلية عن دعمها لوجهة نظر فريدمان؛ فألمانيا مثلًا تفرض أن تمثل المجالس الإشرافية التي تتخذ القرارات الاستراتيجية في الشركات الكبرى 50% من الموظفين.

الحجة

إن إصلاح فساد السوق الحرة سيؤدي إلى المزيد من الرأسمالية؛ فإن تفكيك عمالقة التكنولوجيا من شأنه: فتح الطريق أمام المنافسين، ومن شأن تخفيف التعريفات الجمركية أو إلغائها بالكامل: إفادة الفقراء الذين ينفقون حصة أكبر من دخلهم على المنتجات المستوردة، ومن شأن تخفيف القيود المفروضة على أنواع المنازل التي يمكن بناؤها: جعل المساكن أكثر وفرة بأسعار معقولة، ومن شأن القيود المفروضة على ممارسة الضغط: منح الشركات التي ليس لها توجه سياسي فرصة أكثر إنصافاً.

 والعديد من هذه الإصلاحات يدعمها أشخاص من اليسار المعتدل مثل اليزابيث وآرن، التي تصف نفسها بأنها “رأسمالية حتى النخاع”

وفيما يتعلق بالضرائب، فالرأسماليون منقسمون: يرى البعض أن خفض الضرائب سوف يؤدي إلى المزيد من النمو والازدهار.

ويستشهد آخرون بالدول الاسكندنافية ذات الضرائب المرتفعة نموذجا على إطلاق العنان للمشاريع الخاصة لخلق الرخاء، ثم استخدام الضرائب لتعويض التفاوت في الدخل الذي هو نتيجة حتمية عن هذه الممارسة.

وثمة نهج آخر -بالإضافة إلى (أو بدلا من) جعل الرأسمالية تعمل بشكل أفضل- أن تتولى الحكومة أجزاء معينة من الاقتصاد حيث يفشل النظام الرأسمالي في توفير الاحتياجات الأساسية.

وفي ظل هذه الرؤية: سوف تبني الحكومة المزيد من المساكن بدلاً من مجرد توفير التسهيلات والحوافز لشركات البناء، ومن شأن ذلك أن يضمن وظائف للأشخاص الذين تم تسريحهم من القطاع الخاص؛ مما يجنب الدولة انخفاض العمالة كلما تباطأ نمو الاقتصاد.

وفي الولايات المتحدة تقدم وجهة النظر هذه السبب المقنع لإلغاء خليط من الخطط الصحية المعتمدة على القطاع الخاص التي تترك أكثر من 30 مليون شخص غير مؤمنٍ عليهم، واستبدالها بتغطية تقدمها الحكومة للجميع، كما أنها وراء الضغط من أجل التعليم الجامعي المجاني، أوالخالي من الديون لرفع مستوى غير القادرين.

وهذه الأفكار التي تأتي من اليسار، وأما عن اليمين؛ فإن حركة “المحافظة الوطنية” سوف تقتحم الأسواق الحرة من خلال الانخراط في التخطيط الصناعي وحماية الصناعات الرئيسية من المنافسة الأجنبية.

والنتيجة: من اليسار من يعتنق الرأسمالية، ومن اليمين من لا يثق بها.

 

قائمة المراجع

– في كتابه “مستقبل الرأسمالية: مواجهة القلق الجديد”، يقول أستاذ الاقتصاد بول كولير إن التصدعات الاقتصادية العميقة من شانها ان تمزق نسيج المملكة المتحدة والمجتمعات الغربية الأخرى.

– يركز الخبير الاقتصادي توماس فيليبون في كتابه “الانعكاس العظيم: كيف استسلمت أميركا للأسواق الحرة” على ضرورة تركيز قوة الشركات.

– بلومبرغ بيزنس ويك يدرس سبعة إصلاحات ممكنة للرأسمالية الأميركية.

 

 

اقرأ ايضاً:
لماذا تجعلنا الرأسمالية نشعر بالخواء؟ .. تاريخ موجز للسعادة يبيّن لنا الأسباب
روحانيات الحياة: رومانسية العصر الجديد والرأسمالية الاستهلاكية

المصدر
bloomberg

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى