عام

ما الذي يصعُب جدًا فَهمُه عن الوعي؟

استضفنا أنطونيو داماسيو وأنيل سيث معًا لمشاركة تَصَوُّراتهم حول السُؤَال الأكبر لعلم المخ والأعصاب

  • كريستن فرينش
  • ترجمة: بسمة مخدوم
  • تحرير: معتز عبد الله

لأنّك تستطيع قراءة هذه الكلمات، فمن الآمن القول أنّك تمتلك الوعي، والذي يُقصَدُ به سحر الإدراك بأنَّك على قيد الحياة وبأنَّك واعٍ وأنّك أنتَ لا أحدٌ غيرُك. فالوعي هو رائحة عطر الصنوبر في الِّشتاء، والإحساس باللون الأزرق في السماء، وذكرى أُولَى المشاعر، وإثارة عرضٍ استثنائيّ، وهو أيضًا كلُّ التجارب النوعيّة الغنيّة غير القابلة للوصف التي تجعل الحياة تَستَحِقُّ العيش، تنساب عبر الزمن وتربط بين لحظةٍ وأُخرَى.

لكن بينما قد نكون على درايةٍ وَثِيقَةٍ بما يقُصَد بالوعي، فإنّ تفسير سبب وُجودِه أو كيفيّة نشأته عن العمليّات البيولوجيّة الفيزيائيّة مسألةٌ أُخرَى. فهَذِه الأسئلة قديمةٌ قِدَمَ أرسطو، وبعد آلاف السِنِين لا زلنا لا نملك أيّ إجاباتٍ حتميّة. وخلال حِقبَةٍ مُمتَدّة من التاريخ كانت مسألة طبيعة الوعي -على الأغلب- حصرًا على الفلاسفة والشعراء؛ فلم تُؤخَذ على محمل الجِدّ كمبحثٍ منطقيٍّ في البحث العلمي بسبب صُعوبة -إن لم تَكُن استحالة- إجراء التجارِب. لكن على مدى العُقُود الثلاثة الماضية تغيَّر الحال، حيث بدأ علماء المُخ والأعصاب بإحراز قليلٍ من التقدُّم الحقيقيّ في فهم الأسس العصبيّة للوعي (القواعد العصبية المسؤولة عن إنتاج الوعي) وظواهرها المُصَاحِبة لها.

قدّم عالمان من علماء المُخ والأعصاب مساهماتٍ كُبرى في تفسير الوعي على مرِّ الأجيال، هما أنطونيو داماسيو وأنيل سيث. فقد فسَّر داماسيو من خلال كُتُبه خطأ ديكارت و”الترتيب الغريب للأشياء” الأُسُس العصبيّة للأحاسيس والعواطف واتِّخاذ القرار. أمّا العالم سيث فقد ترك بَصمَته في المجال من خلال توضيح آلية الدُماغ على خلفيّة التجرِبة الإدراكيَّة الحِسِّيّة وعلى وجه الخصوص في الرُؤية والتجربة الذاتيَّة. فنشر كِلا العالمان كتبًا في أواخر السنة الماضية تتعمَّق وتُوضِّح اكتشافاتهما للمُخ والوعي. يُقدِّم سيث في كتابه “ما أنت عليه: العلم الجديد للوعي” نَظَرِيّته “الهلوسة المُتَحَكَّم بِها” والتي يَقصِد بها أنَّ تجاربنا الإدراكيّة الحسيّة للعالم ماهي إلا اختراعاتٌ ابتدعها المُخ ويَتَحَكَّم بها نظام التوقُّعات، والتي تجعل حالة الوعي مُرتبِطةً ارتباطًا وثيقاً بالجُزء الداخليّ من الجسم الحيّ. ويُحدِّد داماسيو في كتابه “الشعور والمعرفة: لجعل عقولنا واعية” مصطلح الوعي ليوضح ويناقش كيف أنّه مَبنِيٌّ من المشاعر الأساسية كالألم والجوع والعمليّات التفاعليّة التي تجمع بين العمليّات الفيزيائيّة والعقليّة المُنتَجة من المُركّبات الكيميائيّة المُتركِّزة في الأعضاء الداخليّة.

فأعددنا جلسة محادثةٍ على تطبيق (زووم) مع العالِمَين. وطرحنا عليهما الأسئلة لمشاركة وجهات نظرهما المعنيّة حول الوعي وأيضاً قاما بطرح الأسئلة على بعضهما البعض، وتقديم مراهناتهما حول ما إن كُنّا نستطيع حلّ أصعب المشاكل حلًّا نهائيًّا.

كبدايةٍ، أودّ أن أطرح سؤالاً لكلٍ منكما حول عناوين كتبكما المعنيّة. لذا يا أنطونيو ماذا تقصد ب “الشعور والمعرفة “؟

أنطونيو داماسيو:” أعتقد أنّ البشر باستطاعتهم أن يكونوا واعين دون الشعور بذلك. فالمشاعر الاسْتِتْبَابيّة مثل الجوع والعطش والألم أو السعادة هي بحدّ ذاتها أمور مُستشعرة فطريًّا وعفويًّا، وإلّا فلن يكون لها أيُّ قيمةٍ لتُضيفها لنا. وأمّا المعرفة فهي ما ينتُج عن المشاعر، فهذه المعرفة الفطريّة تُساعدنا على إدارة والتعامل مع الحياة. على سبيل المثال: إن كنت تشعر بالألم، فهذا يوحي لك بالمعرفة التطبيقيّة حول ما يجب فعله لاحقًا لتنجوا. وهذا ما أردت التقاطه بأقل عدد ممكن من الكلمات.”

وأنت يا أنيل ماذا تقصد بعنوان كتابك ” ما أنت عليه “؟ 

أنيل سيث: ” لطالما كان لعملي تركيزٌ مزدوجٌ على التجارِب الإدراكية الحِسِّيّة للعالم من جانب -حيث الرؤية هي النموذج الأسهل للاختبار- ومن ثَمَّ الذات والعواطف. والأخيرة مستوحاةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ من أعمال أنطونيو. لكن مع مرور الوقت تحوَّلت اهتماماتي أكثر فأكثر حول فهم ما تعنيه الذات. فإذا عُدنا إلى أيّام الطفولة وجدنا أنفسنا نتساءل (لماذا أنا هي أو هو وليس شخصًا آخر؟ ماذا سيحدث لي بعد أن أموت؟ هل عالمي هو عالمُ أي أحدٍ آخر؟). فهذه أسئلةٌ أساسيّةٌ جدّاً والتي أعتقد أنّنا جميعًا نسألُها لكنّنا غالباً ننسى أمرها حين ننضج ونصبح غافلين عن التعَلُّم والسؤال عنها. لذلك أردت ارجاع أنفسنا إلى هذه القضيّة الأساسية حول ما يعنيه أن تكون ذاتًا في العالم “

الوعي أبسط مما نتصوُّره؛ لذا لا توجد هناك مشكلة صعبة.

إحدى النقاط التي يبدو اتفاقكما عليها اتفاقًا تامًّا، هي أنَّ الوعي عبارة عن ظاهرة جسديّة داخليّة، تحدُث بسبب أجسادنا البيولوجيّة وليس بالرَّغم عنها وأنَّ لدينا تجربةً فريدةً في إدراك كوننا على قيد الحياة في هذا العالم، والتي تُعدّ إعادة تصورٍ حديثةٍ نسبياً للعلاقة بين العقل والمادّة التي تَدِين بالفضل الكبير لأعمال أنطونيو. لكنك تتناول فكرة التجسيد بطرقٍ مختلفةٍ في كتبك المعنية. لذا ما هو دور الجسد في الوعي؟

داماسيو: “كما تعلمين، فإن من حثّني على إصدار كتابي ” الشعور والمعرفة ” هو طلب من محرري لتأليف كتابٍ يستعرض أفكاري في شكلٍ بسيطٍ سهل الفهم. ويُقدّم كتابي السابق ” الترتيب الغريب للأشياء ” العديدِ من الأفكار التي أناقشها في الكتاب الجديد، لكن هنالك ما هو جديدٌ وهو هجين المشاعر والوعي. وما أعنيه بهذا أنَّه على عكس الأنواع المباشرة من الإدراك مثل الرؤية – وهي أحادية الاتجاه إلى حد كبير- فإن المشاعر وكذلك الوعي ينشآن من خلال دمج الإشارات من داخل الجسم مع إشارات الجهاز العصبي. وهذه فكرة جوهرية بسبب أن معظم التقارير عن الوعي تعتمد اعتمادًا حصريًّا على العمليات العصبية أكثر من التفاعل بين العمليات العصبيّة والجسديّة كما أقترح”.

سيث: “اتّفق مع أنطونيو وآخرين في أنّ الوعي متأصل في طبيعتنا كأنظمةٍ حيًّة وكضرورةٍ بيولوجيّةٍ أساسيّةٍ للبقاء على قيد الحياة يومًا بعد يومٍ. لكن من الأفكار المُتَميّزة التي أبحث فيها في كتاب “ما أنت عليه”، مفهوم أنّ جميع الأشياء في التجربة الإدراكيّة الحسية للذات والعالم هي عبارة عن تنوع للتنبؤ القائم على الدماغ والتي أسميتها ” الهلوسة المتحكم بها “. وفي الأساس نحن لا ندرك أبدًا الواقع الموضوعيّ كما هو، عوضًا عن ذلك، تتلقّى أدمغتنا الإشارات من داخل الجسم ومن البيئة ومن ثَمَّ تقوم بإجراء التوقعات حول ما تعنيه هذه الإشارات بناءًا على التجرِبة السابقة. فإنّ هذه التنبُّؤات التصاعُديّة والتنازليّة تُصحَّح باستمرار حيث يتلقى الدّماغ المزيد من التنبُّؤات الحسيّة والإشارات الخاطئة. كان لهذه الفكرة تاريخٌ طويلٌ مع حدثٍ بارزٍ في القرن التاسع عشر عندما تحدث هيرمان فون هيلمهولتز عن التنبّؤات المرئيّة كعمليّة للدماغ لإيجاد أفضل تخمينٍ واستنتاجٍ حول ما هو موجودٌ في البيئة“.

داماسيو: “الطريقة التي ذكرتها به للتو يا أنيل، وحتى إن لم يكُن لديك آلةٌ للتنبُّؤ تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية فالوعي سيَظهر كذلك، شَرِيطة أن يكون لديك طريقةٌ للوصول إلى المعلومات من داخل جسمك، وحينها ستكون واعيًا بالحاجة إلى التنبُّؤ أم لا. لذا أتساءل ماذا يضيف محتوى التنبُّؤ إلى التجربة الحقيقية للوعي؟”.

سيث: “هذا سؤالٌ مذهل. فَرضِيَّتي هي أنّ مُحتويات الوعي – سواءًا أكانت متصلةً مع العالم أو الذات- تكون محمولةً عن طريق التنبُّؤات التصاعُديّة والتنازلية؛ لذا فالتنبؤات لا تُضيف فقط إلى تجرِبة الوعي بل تقوم بإحضار هذه التجارب. لاختِبار هذه الفرضيّة علينا السؤال: ما الذي يُشكّل الحدّ الأدنى من النّظام التنبُّؤي في الدماغ؟ بالنسبة لي، في الحدّ الأدنى يتضمّن النظام التنبُّؤي ترميز الدماغ لنموذجٍ توليديٍّ لعالمه أو جسمه، هذا النموذج قادرٌ على توليد التنبُّؤات حول الإشارات الحسيّة والتي يمكن مُعايرتها بالبيانات الحسيّة. وأمّا بعد ذلك فهي مسألةٌ تجريبيّة سواءًا كانت التجارِب الإدراكيّة تتطلب نماذج توليديّة أو أنّ الأشكال الأبسط للتفاعل بين الدماغ والجسم تكفي. فأنا مهتم بكيفية تماشي مفهوم تنبُّؤات الدّماغ والنماذج التوليديّة مع مفرداتك يا أنطونيو، على سبيل المثال مُفردة “الصُّوَر” التي تستخدمها لوصف أنماط المعلومات الحسيّة وهي المكوّنات الذهنيّة الأكثر وفرةً. ربما هنالك نوعٌ من التناغم هنا؟”

داماسيو: “ليس لديّ أدنى شكٍّ أنّ التنبؤات تلعب دورًا مُهمًّا في عمليّاتنا العقليّة، لكن لا أراها ضروريّةً بذلك القدر لظهور هذا الوعي”.

قد قلت يا أنطونيو ردًّا على سؤالي الأول أنّ المشاعر تكمُن في صميم الوعي وهي في الحقيقة مُدرَكَةٌ فطريًّا، هل تتفق مع ذلك يا أنيل؟

سيث: “أنا أيضًا أؤمن بأن المشاعر والعواطف ضروريّةٌ لعمليّات تنظيم الحياة والخبرة الواعية، لكن أريد التأكُّد من فهم ما يعنيه أنطونيو عندما يقول بأن المشاعر مُدرَكة فطريًّا لأنّني أعلم بأن هناك مناقشات وافرة في مجالنا حول ما إذا كانت بعض المشاعر مُدرَكةً أو غير مُدركة. أعتقد -من الناحية المفاهيميّة- أنّ هنالك متسعًا لآليّات الرقابة التنبُّؤية التي تُنظّم أجسامنا وترشد سلوكيّاتنا تحت سجلّ الوعي”.

داماسيو: “لتجنُّب الخلط، أعتقد أنّنا بحاجةٍ إلى التميِيز بين المشاعر والعواطف. ولديّ تعريفٌ دقيقٌ نسبيًّا للمشاعر التي أرى أنّها مُرتبطةٌ ارتباطًا أساسيًّا بتنظيم حالة الحياة داخل كائنٍ حيٍّ مُعَيّن، فالجوع والعطش والألم والسعادة من الأمثلة البارزة على ذلك والتي أُسمِّيها المشاعر الاستتبابية. فالمشاعر هي تجارب ذاتيّة أمّا العواطف فأعتقد بأنها شيءٌ مختلفٌ تمامًا، فهي تشكيلاتٌ من الأفعال المُتحقّقة في وجوهنا وأجسادنا والتي يمكن أن يلاحظها الآخرون. فالعواطف عُمومِيّة، ومن الأمثلة البارزة على ذلك: الفرح والخوف والغضب. لذا هل من الممكن أن تملك عواطف غير مُدركة؟ لا أعتقد ذلك”.

سيث: “نعم، أُناقش في كتابي أن هنالك طيفًا من العواطف التي يُمكن رؤيتها موجودةً على تدرُّجٍ بين الشعور والمعرفة. على سبيل المثال وبناءًا على تعريفك فمن الأرجح أن يكون الحزن بمثابة عاطفة، لكن أؤمن بأنه يكمن أيضًا في عالم المشاعر. إنّه شيء داخليّ جدًّا ويمكن أن يكون غير مُعَبَّرٍ عنه. أمّا الإحباط فيكمُن أكثر قوّة ً في عالم العواطف كما يتطلب من الدماغ أن يَتوقّع شيئًا أفضل ممّا اتّضح وهو مُنحَنىً أكثرُ تعقيدًا. ومن ثمَّ فنحن البشر نأسَفُ أيضًا ويمكننا حتى أن نشعُر بندمٍ استباقيّ وهذا ما يُضيف مستوياتٍ أخرى من التعقيد الإدراكيّ ومستوياتٍ أخرى من المعرفة”.

هل تودّ القول بأنّ هذه الحالات الأكثر تعقيدًا من العاطفة تمثل “مراحل” أعلى أو أكثر تعقيدًا للوعي؟

سيث: “أنا شخصيًّا متشكّكٌ للغاية في هذا النوع من التصنيف لمستويات الوعي الأعلى والأدنى، لكن بالطبع هنالك القليل من الصواب فيه، ما لم نتفق على أنّ البشر بمعنىً ما أكثرُ وعيًا لنقل من النمل مثلًا، فنحن نفتقد بعض الأشياء المهمة جدًا حول طبيعة الوعي. لكن لتحسين تلك الملاحظة علينا التعامل مع الوعي على أنّه مماثلٌ لدرجة الحرارة ونقول (هنالك مقياسٌ واحدٌ للوعي، يشغلُ نطاقًا من الصفر المُطلق إلى أيّ شيءٍ آخر) وأعتقد أنّه يأخذ الأمور بعيدًا جدًّا. وهذا ما يهمّ عندما نُفكِّر في إمكانيّة الوعي لدى الرُضَّع والحيوانات الأخرى، وكذلك لدى البشر البالغين. وقد يكون الرُضَّع والحيوانات غير البشرية أقلّ وعيًا في بعض الأبعاد، على سبيل المثال في قدرتِهم على الانخراط في السفر الزمنيّ العقليّ وربما تجربة أشياء مثل النّدم، لكنّهم قد يكونون أكثر وعيًا بطرقٍ أخرى، وربّما يكون الوجود الحالي لبيئتهم الإدراكيّة أكثر وضوحًا. وبشكلٍ عام، يُفكّر الناس أيضًا في أشياء مثل حالات التخدير أو الحالات التأمُّلية على أنها أعلى مراحل الوعي، لكنّه تفسيرٌ مجتمعي مشبعٌ بقيمةٍ أخلاقيّةٍ أو معنويّةٍ وأعتقد أن الوعي فكرةٌ متعدِّدة الأبعاد”.   

داماسيو: ” أتفق بالكامل مع أنيل، حيث تُعتَبر إشكاليّةً عندما يتحدث الناس عن مستوياتٍ أعلى من الوعي أو زيادة الوعي في العالم. فالناس يستخدمون أفكارًا مختلفة ًجدًا تؤدي إلى زيادة التعقيد “.

لا تفسر النظرية الروحية الشاملة (مذهب فلسفي عند اليونانيين) في الحقيقة أي شيءٍ على الإطلاق.

حدّد ديفيد شالمرز المشكلة الأصعب للوعي في سنة 1995، وهي لماذا وكيف تنشأ التجربة الإدراكيّة من الأساس الفيزيائي المادي، والتي تعود جذورها إلى اليونان القديمة وتستمر في تحيير علماء المخ والأعصاب والفلاسفة. وأنت تذكر يا أنيل في كتابك أنّ المشكلة الصعبة هي المنهج الخاطئ لفهم الوعي والإعتقاد أننا يجب أن نركّز طاقتنا على ما تسميه بالمشكلة “الحقيقية للوعي ،وهي لماذا يقود نمطٌ معين من نشاط الدّماغ أو أيّ عمليّة جسديّة أخرى إلى نوعٍ معيًّن من التجربة الإدراكيّة. فماذا تعتقد يا أنطونيو حول تكوين المشكلة الصعبة؟

داماسيو: “أعتقد أنّ وصف أنيل للمشكلة الصعبة يعدُ لطفًا كبيرًا منه، فأنا أقلُّ كرمًا منه إلى حدٍّ ما، وأعتقد أنه فعلًا عائقٌ صعبٌ. كما أرى أن تأطير المشكلة الصعبة – ما يجعل من المستحيل تفسير الوعي من خلال علم الأحياء أو حتى الاتفاق على ما هو ضروريّ لتفسير ذلك – من المُرجَّح أن يكون مسؤولاً عن الجاذبيّة التي يعاني منها الناس حاليًا تجاه النظرية الروحية الشاملة. هل تتفق على ذلك يا أنيل؟”

سيث : “أعتقد بأنّ المشكلة الصعبة تقوم بعمل ٍجيّدٍ بتشكيل الحدس المشترك حول الوعي، ولكن نعم أعتقد أيضًا أنّ تكوينه يُشكِّل عائقًا لإحراز التقدم، حيث يقود أخذ المشكلة الصعبة ظاهريًّا الناسَ بشكلٍ طبيعيٍّ ومفهومٍ إلى تبنّي بعض المواقف الميتافيزيقيّة المُبالَغ فيها نسبيًّا، والنظرية الروحية الشاملة تُعَدُّ إحدى هذه المواقف وهي فكرة أنّ الوعي أساسيّ وواسع الانتشار. المشكلة الأساسيّة مع النظريّة الروحيّة الشاملة بالنسبة لي هي تقريبًا بحكم التعريف، حيث لا يمكن أن تُوَلِّد أيّ تنبُّؤات قابلةً للاختبار، ولا تُفسِّر أيّ شيءٍ على الإطلاق. لذا فهو طريقٌ غير منتجٍ للغاية لاتّباعه إذا كنت تحاول إحراز تقدُّمٍ علميٍ تدريجيّ بشأن مشكلةٍ ما. وهناك موقفٌ ميتافيزيقيّ آخر مبالغٌ فيه يتّخذه بعض الناس وهو الوهم، وهو التفكير بأنّ الوعي غير موجودٍ حقًا – على الأقلّ ليس كما نفهمُه – وأنه لا توجد “مشكلة ” على الإطلاق عندما يتعلّق الأمر بالوعي. على الرّغم من ذلك فإنّني أجد نماذج مبالغًا فيها وغير مُستَساغةٍ من الوهم كالنظريّة الروحيّة الشاملة، بينما هنالك نماذج أكثر اعتدالًا في الوهم وأكثر فائدةً، على سبيل المثال: يمكننا أن نكون ساذجين بشأن ما نحاول شرحه عندما نشرح الوعي”.

هل تستطيع أن توضح لنا أكثر يا أنطونيو حول لماذا تعتقد أن المشكلة الصعبة هي “عائق”؟

داماسيو: “المشكلة الصعبة تجعل الأمر يبدو كأنّ الوعي مستحيلٌ فهمه، ولا ينتُج عنه أيّ شيء. فكلُّ دليلٍ لدينا أنّ العلم قد حلّ ألغاز الكون تدريجيًا، ولا أرى لماذا على الوعي أن يكون مختلفًا عن ذلك. وأعتقد بأن ما يثير إمكانيّتنا بأن نكون واعين في هذه اللحظة – بمعرفتي أنّني أتحدّث إليك وأرى وجهك على الشاشة والعكس صحيحٌ – مرتبطٌ ارتباطًا أساسيًّا بالتأثير، وهو إحساسٌ متواصلٌ باستمرارية الحياة في جسدي الحيّ. ولدينا أيضًا الأسباب الأخرى للاعتقاد بأنّ ذلك الإحساس الأساسيّ يُنتَج إلى حدّ كبيرٍ تحت مُستوى القِشرة الدماغيّة. ومن ثَمَّ يُصبح متوفّرًا لقشرتنا الدماغيّة بواسطة تراكيب تحت القشريّة مثل المهاد (كتلةٌ في الدماغ) والحصين (تغضُّن صغير في الدماغ). وجوهر عملية الوعي في الواقع أبسط ممّا يريد الناس صنعه، وحقًّا لا توجد مشكلةٌ صعبة “. 

هل من الممكن أن نمتلك عواطفَ غير مُدركة؟ لا أعتقد ذلك.

سيث:” اتّفق معك بعض الشيء على ذلك، وأعتقد بأن تحدّي فهم الوعي هو أبسط ممّا صُنِع أحيانًا. قارِن دراسة الوعي فقط بشيءٍ مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائيّ الذي يتّجه الآن إلى نقطة لاغرانج (وصل الآن بنجاح إلى النقطة الثانية من مدار لاغرانج) ويهدف إلى تقديم ملاحظاتٍ عن بعض الأحداث الأُولى في الكون بما في ذلك تكوين المجرّات الأولى. إنّه إنجازٌ هندسيّ مجنون؛ لأنّه من الصعب حقًّا الحصول على بيانات للزمن المبكر للكون، ناهيك عن إجراء تجربةٍ محكمة. وفي حالة الوعي يمكن الوصول إلى الدماغ نسبيًّا فإنه هنا تمامًا وليس بذلك الصِغَر أو الكِبَر. فبإمكاننا تخدير الناس لإخفاء الوعي ومع ذلك سيعودُ مجددًا، أو بإعطائهم منشّطات فيتغيّر الوعي ثم يعود مرّةً أُخرى. بطريقةٍ ما، يمكن الوصول إلى الوعي بشكلٍ ملحوظٍ لدراسته.

لكنّني أيضًا لا أعتقد أنّ الأمر بهذه البساطة، لسببين رئِيسَين: أوَّلهما أنّ البيانات ذات الصّلة بالوعي هي بياناتٌ خاصّة وذاتيّة، وهذا لا يعني أن علم الوعي شيءٌ مستحيل لكنّه يعني أنّ البيانات يصعب جمعُها فقط. والسبب الثاني أنّ المشكلة الصعبة لها جاذبيّة بديهيّة لا يمكن إنكارها، وأنّه من الصحيح أنّ الوعي لا يبدو نوعًا من الأشياء التي يمكن تفسيرها من حيث العمليّات الفيزيائية. لكن حقيقة أنّ شيئًا ما يبدو غامضًا الآن لا يعني أنّه سيبدو غامضًا دائماً، ونهجي هو شرح خصائص الوعي واحدًا تلو الآخر بدلًا من التعامل معها على أنّها لغزٌ مخيفٌ وكبير. وهذا يعني حلّ الخصائص بدلًا من حل المشكلة الصعبة وهنا يُعدّ التركيز على التأثير والشُعور مفيدًا للغاية.

اتّفق بقوّةٍ مع أنطونيو حول وجود أساسٍ عاطفيٍّ للوعي البشريّ كلّه، فنحن نتصوّر العالم من حولنا وأنفسنا بداخله من خلال وبسبب أجسادنا الحيّة. لكن إلى أيّ مدىً يمكننا أن نأخذ هذا التعبير؟ وهل يعني ذلك أنّ الكائنات الحية فقط هي التي يمكن أن تكون واعيةً وهو مذهبٌ فلسفيّ يُعرَف بالطبيعيّة البيولوجية؟ حتى أنّ هنالك من يذهبُ إلى أبعد من ذلك ويقول بأنّ كل الكائنات الحية واعية وهذا ما يُدعى بعلم النفس البيولوجيّ وهو نوعٌ بيولوجيّ مكافئٌ للنظريّة الروحيّة الشاملة والذي لا أرى أيّ مبرّرٍ له.

أعتقد أنّ هنالك أيضًا إغراءً لتوقُّع المزيد من علم الوعي أكثر ممّا تقدّمه التفسيرات العلميّة عادةً وذلك بسبب أنّنا نحاول تفسير أنفسنا. في الميكانيكا الكمّية أو الفيزياء يكون الناسُ أكثرَ تقبُّلًا لفكرة أنّ النظريّات الناجحة يمكن أن تكون غير بديهيّة. لكننا بطريقة ما نريد أن يكون تفسير الوعي بديهيًّا تمامًا “.

داماسيو:” حسنًا، نحن نعرف ما يوفّره الوعي حيث يسمح لي بإحالة التصوّرات والأفكار والحسابات إلى كائنٍ حيّ محدّدٍ – أنا – إنّه يُمركِز عقلي في جسدي، فكيف ينجز هذا العمل الفذ؟ ويكُمن جوهر ذلك في استمراريّة المشاعر الاستتبابيّة والإيجابيّة والسلبيّة والمحايدة وفيما تُقدّمه بشكلٍ طبيعيٍّ كتحديدٍ مستمر وعفوي للكائن الحيّ باعتباره (منشأ) العقل وبمعنىً آخر التجربة الإدراكيّة. وبالطبع فإنّني على علم تامٍّ بحقيقة أنّ الكثير من التفاصيل تحتاج إلى أن تُوضَّح لكنّني لا أرى باستحالة ذلك على الإطلاق. على سبيل المثال، من أجل توليد المشاعر فإنّنا نحتاج إلى الأعصاب المُحِيطِيَّة والعمود الفقريّ وجذع الدماغ (مثل عقدة العصب الثلاثيّ التوأم) ومجموعةٍ متنوّعةٍ من النوى في أساس جذع الدماغ (مثل النوى المُذنَّبة). وأُراهن أنّ أساسيات الشعور يُحصَل عليها بالفعل من العمليّات التي تُولِّدها تلك المكوّنات للجهاز العصبي “.

حسنًا، هذا يؤدّي تمامًا إلى سؤالٍ أردت أن أسألكما إيّاه على حدٍّ سواء، وهو ما إذا كنتما على استعدادٍ للمراهنة على أن الوعي يمكن حلُّه في النهاية؟ قام كريستوف كوش بمراهنة ديفيد شالمرز بالنبيذ على تمكّن العلماء من تحديد “الارتباطات العصبية” للوعي بحلول عام 2023. وتنبّأ فرانسيس كريك أنّنا سنكون قادرين على شرح الوعي بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. وقد عَرَضت يا أنطونيو المراهنة للتوّ على أننا سنجد أنّ مناطق معيّنةً من الدماغ تُنتِج أساسيّات الوعي. لذا تساءلت إذا كنت تراهن الرجال، فما نوع المراهنات التي ستجريها حول ما إذا كان ومتى بإمكاننا حل الوعي؟

سيث: “لقد خسر الناس الكثير من زجاجات النبيذ للقيامِ بأنواع المراهنات هذه “!

نعم، أنا متأكّدةٌ من ذلك

سيث:” سأعطي إجابةً مُحيِّرةً بشكلٍ مزعج وتعتمد على كثيرٍ من الأشياء وفي بعض الأحيان تعتمد حتّى على اليوم. أستيقظ في صباح بعض الأيّام ويبدو لي الوعي غامضًا كما كان دائمًا، وفي أوقاتٍ أُخرى أسمع الناس في مجتمعٍ أكاديميٍّ يقولون ” نحن لا نعلم شيئًا حول كيفيّة توليد الدماغ للوعي ” وهذا يزعجني فعلًا عند سماعه.  فقد أحرزنا تقدمًا ضخمًا خصوصًا في آخر عشرين أو ثلاثين سنةً في معرفتنا حول كيفيّة ارتباط الوعي مع علم تشريح الأعصاب وعلم وظائف الأعضاء كما وضّحه أنطونيو للتو. وأنا متفاءلٌ جدًّا أنّنا سنستمر ونسعى لاكتشاف وفهم المزيد، وستستمر الأسئلة التي سنطرحها حول الوعي في التطور كذلك. ولا أعتقد أنّنا سنحظى بلحظة ( يوريكا ) حيث يُقدِّم أحدهم الإجابة ويقوم بتجربةٍ واحدةٍ ومن ثَمَّ نعود جميعًا إلى المنزل “.

ماهي التجارب التي تودّ ابتكارها إذا كانت الإمكانيات والتمويلات غير محدودة؟

سيث: “يُواكِب العلم دائمًا بطريقةٍ ما التكنولوجيا المتاحة. وإحدى الأشياء التي لا تزال تنقصنا في علم المخ والأعصاب، ليس فقط في دراسة الوعي هي القدرة على قياس النشاط في الدماغ بدقّةٍ مكانيّة عالية، ودقّةٍ زمنيّةٍ عالية كلٌ في آنٍ واحد . فنحن نستطيع فعل شيء واحدٍ في العادة أو واحدٍ ونصف من هذه الأشياء الثلاث، لكن لكونها أكثر سهولةً فهنالك بعض التجارب الأكثر إثارةً للاهتمام ستحدث في المستقبل القريب وهي مُصَمَّمة لتحريضِ نظريات الوعي ضد بعضها البعض. ونحن نملك بالفعل عددًا من النظريّات المُرشّحة، منها ما تُدعَى نظريّة مساحة العمل العالميّة والتي تفترض أنّ الوعي يحدث عندما تُبثّ المعلومات في الشبكات القِشرِيّة بطريقةٍ معيّنة. وهناك أيضًا نظريّة المستوى الأعلى للوعي والتي تفترض أنّ الوعي كلّه يدور حول مناطق الدماغ، مُمثِّلةً النشاط في مناطق الدماغ الأخرى بطريقةٍ معيّنة. وهنالك نظريّات قائمةٌ على التأثير مثل نظريات أنطونيو، وهنالك النظريات القائمة على التنبّؤ من بينها نظريّتي وهي مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بنظرية أنطونيو. فالتحدي هو إيجاد تلك التجارب التي تُحكِّم بين هذه النظريات المختلفة. فعندما كان مجال الفيزياء يبحث ما إذا كانت النسبية ستصمد أم لا، ابتكروا تجرِبةً تُحكِّم فعلًا بين الميكانيكا النيوتونيّة والنسبيّة الآينشتاينيّة”.

داماسيو: “اتّفق معك يا أنيل في الأيّام الجيّدة والسيّئة. هنالك أيّامٌ جيدة عندما يتملّكُك بعض الصفاء بخصوص تقنية ممكنة من شأنها أن تساعد في تفسير طبيعة الوعي، أمّا الأيام السيئة فهي عندما تُدرك أنّ عمل التجربة الصحيحة لاختبار تلك التقنية سيكون إمّا مستحيلًا أو مُعقّدًا جدًا. لكن يأتي يومٌ جيدٌ آخر عندما نتغلّب فعلًا على تلك المشكلة ونصنع اكتشافًا منيرًا. إنه لأمرٌ مذهلٌ للغاية ما تعلّمناه – على سبيل المثال – عن خصائص الجهاز العصبيّ المُحِيطِيّ الذي يُوجِّه الإشارات من أيّ مكانٍ في الجسم إلى الدماغ، وهو مسؤولٌ عن المشاعر الاستتبابية التي أُنفِق الكثير من الوقت لدراستها والتفكير بها.

على سبيل المثال، تمتلك عقدة العمود الفقريّ التي تنقل المعلومات من سائر أجسامنا إلى مركز الجهاز العصبيّ عدّة خصائص فريدةً من نوعها، حيث تتعرّض مباشرة للجُزَيْئَات المُنتشِرة في مجرى الدم. أليس هذا مثيرًا للاهتمام؟ فقشورنا الدماغيّة مَحميّة من الجسم للغاية بواسطة الحاجز الدماغيّ الدمويّ؛ لذا فالعديد من الجزيئات ممنوعةٌ من دخول القشرة، ومع ذلك تتعرّض كل هذه الخلايا العصبيّة في العقدة مباشرةً لدورة الدم، وهذا مذهل للغاية. وإنّه لأمرٌ مُذهِلٌ أيضًا أن ندرك أنّ غالبيّة الخلايا العصبيّة في الجهاز العصبيّ المحيطيّ هي خلايا عصبيّة عتيقة متجددة العمر وأنها مختلفة تمامًا عن الخلايا العصبيّة المسؤولة عن رؤيتنا أو سمعنا. مع ذلك فإن هذه الخلايا العصبيّة القديمة تفتقر تمامًا إلى الانعزال. فليس لديهم الميلين لحماية توصيل النبضة كما أنها منفتحةٌ على التواصل غير التشابكيّ. وأعتقد أنّ هذا المزج المباشر للإشارات من الجهاز العصبيّ والجسم ينتج التهجين الذي ذكرته سابقًا. وتعطيني هذه الأنواع من الاكتشافات الأمل في أنّنا نقترب من علم وظائف الأعضاء التفصيليّ للشعور وبالتالي فهم الوعي”.

اقترحت في كتابك يا أنيل أنّ المستوى الأساسي للوعي هو تجربة البقاء على قيد الحياة فقط والتي باستطاعتنا أن نسميها صدى الروح، وهنالك تلك المقالة الرائعة حول ذلك. وأنت تذكر أتمان في الهندوسية، الذي يتفكر في جوهرنا الداخليّ ويعتبره بمثابة روحٍ أكثر من فكرة. لذا تساءلت إن كان هنالك أيُّ للإيمان بالروح من ناحية مفاهيم الوعي الخاصة بك؟

سيث: “أعتقد أنّ هنالك ضرورةً لإعادة تأهيل هذا المفهوم، فإحدى صيغ الروح هي أنّها جوهرٌ غير ماديّ لك يمكنه النجاة من موت الجسد وقد تقفز إلى جسمٍ آخر وربما تُعِيد تجسيد نفسها وما إلى ذلك. وغالبًا ما يرتبط هذا النوع من الروح بالعقلانيّة والهويّة الشخصيّة، لكن هنالك العديد من المفاهيم الأخرى للروح حيث تكون أقلّ ارتباطًا بالإدراك والتفكير وترتبط ارتباطا وثيقًا بالجسم والعمليّات الجسديّة مثل التنفس. لذا نعم أعتقد أن هنالك مكانًا لها، لكنه مكانًا أكثر تجسيدًا وأكثر بيولوجيّة “.

ما رأيك في ذلك، أنطونيو؟

داماسيو: “أتفق على ما وصفه الفلاسفة واللاهوتيّون أنّ الروح تأسرها مشاعر البقاء المُستمِرّة، وهو ما ذكرتُه سابقًا. فالمشاعر مثل الجوع أو العطش هي مشاعر عابرة، ولكن إذا توقّفنا للحظة وراقبنا ما يدور في أذهاننا بعناية حينها سندرك أنّ (الشعور بالوجود فقط) موجود ٌ باستمرار. وعندما لا يكون هذا الشعور موجودًا، فأنت كذلك غير موجود وهذا ما يحدث عندما يُغمى عليك أو عندما تخضع للتخدير حيث يختفي الوعي”.

هذا السؤال موجهٌ في الغالب إليك يا أنطونيو، فأنت عالم مخٍ وأعصاب وفيلسوفٍ في ذات الوقت.  ولطالما كان هذان المجالان على خلافٍ تاريخيّ بشأن موضوع الوعي . لذا أتسائل كيف توضح الفلسفة موقفك من الوعي؟

داماسيو: “أُكِنُّ احترامًا كبيرًا لهذا العلم ولتسمية نفسي بالفيلسوف، فأنا لم أُدَرّب قطّ كفيلسوف. بالطبع أنا أحبّ الفلسفة، وأعتقد أنّ علماء الأعصاب لا يمكنهم دراسة الوعي بشكلٍ صحيحٍ إذا كنّا لا نعلم تاريخ معالجة المسألة في الفلسفة. لكنّ الفلاسفة لم ينظروا دائمًا لعلم الأعصاب في الوعي في عملهم الخاص. وهذا أمرٌ مُؤسِف لأنّ علم الأعصاب لديه الكثير من الحقائق المُثبَتَة للمساهمة بها”.

سيث: “ربما قبل عشرين أو خمسة وعشرين عامًا كان من المَشرُوع تمامًا أن تكون فيلسوفًا للعقل، تتحدّث عن الوعي دون الانخراط حقًّا في علم الأعصاب، وكان من المعقول أن تكون عالم أعصاب مُهتَمًّا بالوعي دون أن تكون بالضرورة مثقفًا في الفلسفة. لكنّ هذا تغيّر، وهو تغيُّر نحو الأفضل حتّى أنّ بعض الفلاسفة أصبحوا يجرون التجارب. ولتكون عالمًا جادّا للأعصاب في مجال الوعي يجب أن تكون متقبلًا لوجهات النظر الفلسفية وأن تعرف المجال وأن تكون منفتحًا على تبادل الحوار. فقد أصبح التداخل بين علم الأعصاب والفلسفة أكثر تماسكًا، وهو أمر واعدٌ للغاية بالنسبة للمجال. في الواقع هنالك الكثير من الحديث المُتَبَادل بين الفلسفة وعلم المخ والأعصاب والعلوم الطبيّة والسريريّة أيضًا. ولم يدخل أطبّاء التخدير اللعبة إلّا مُؤخّرًا نسبيًّا، مُتحَدِّثين مع علماء الأعصاب والفلاسفة الآخرين حول ما يفعلونه. وعودة إلى السؤال “هل حققنا تطور؟”، أود أن أقول أنّ هذا مدعاةٌ للتفاؤل”.

داماسيو: “أوافق على ذلك بالتأكيد”.

المصدر
nautil.us

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى