عام

هوس السعي إلى الكمال

  • نشر: GoodTherapy
  • ترجمة: نهلة بنت سليمان
  • تحرير: محمد عبيدة

غالبا ما يُنظر إلى الكمالية (المثالية) من حيث هي سمة إيجابية، ذلك أنها تزيد من فرصك للنجاح. غير أنها قد تؤدي إلى أفكار أو سلوكات تُقزِّم الذات، وتجعل تحقيق الأهداف أمرا صعبا؛ إذ تسبب التوتر، والقلق، والاكتئاب، وغيرها من المشاكل الصحية النفسية. وقد يجد الأشخاص الذين يسعون جاهدين لتحقيق الكمال –نظرا لشعورهم بالنقص أو الفشل- أن من المفيد التحدثَ إلى طبيب نفسي، وهذا يساعد غالبا على إدارة النقد الذاتي المفرط.

ماهي الكمالية/المثالية؟

غالباً ما تعرّف الكمالية بأنها الحاجة الدائمة إلى أن تكون على الصورة المثالية، أو حتى الإيمان بأن من الممكن تحقيقَ الكمال. و يُنظر إليها عادةً باعتبارها سمة إيجابية وليست نقطة ضعف؛ بل قد يستخدم الناس مصطلح “الكمال الصحي” لوصف أو تبرير السلوك المثالي. وفي هذا السياق، تميز “برين براون” -الكاتبة والأستاذة الباحثة في كلية الدراسات العليا للخدمة الاجتماعية بجامعة هيوستن- بين الكمالية والسلوك الصحي، فتقول: ” إن الكمالية ليست مثل السعي إلى للوصول إلى أفضل ما لديك، فالكمال لا يتعلق بالإنجاز والتطور الصحي”، وتوضح أن الكثير من الناس يتخذون من الكمالية درعا للتهرب من ألم اللوم، أو اتخاذا القرار، أو الخزي.

علامات الشخصية المثالية:

ينخرط أغلب الناس في السلوك المثالي من وقت لآخر، أو في مجالات معينة من الحياة. وقد يشعر الذين يتسمون بالمزاج المثالي في جميع الوقت تقريباً بالحاجة إلى تحقيق الكمال بشكل دائم، كما أنه قد توجد فيهم صفة أو أكثر من الآتي:

  • عدم القيام بتنفيذ أي مهمة إلا عند التأكد من استطاعتهم تنفيذَها بإتقان.
  • النظر إلى المنتج النهائي باعتباره أهم جزء في أي مشروع، ونتيجة لذلك: قد يركزون بشكل أقل على عملية التعلم، أو إكمال مهمة ما بأفضل ما لديهم من قدرات متاحة.
  • لا يرون أن المهمة انتهت إلا عند التأكد من أن النتيجة مثالية وفقا للمعايير المطلوبة.
  • التسويف؛ حيث لا يرغب الأشخاص ذوو الشخصية المثالية البدءَ في مهمة ما حتى يتيقنوا أن بإمكانهم تنفيذها على أكمل وجه.
  • أخذ وقت طويل لتنفيذ مهمة قد لا تستغرق عادةً كل هذا الوقت لإكمالها.

أمثلة على السلوك المثالي:

يرغب معظم الناس في تحقيق النجاح، ولكن العملَ بجد للوصول إلى أهدافك لا يدل دائماً إلى وصولك للسلوك المثالي. يعتقد الأشخاص ذوو الشخصية الكمالية بأن كل ما يفعلونه لا يستحق العناء، ما لم يكن مثاليًا؛ وبدلاً من أن يفتخروا بتقدمهم، أو تعليمهم، أو عملهم الجاد، فقد يقارنون باستمرار عملهم بعمل الآخرين، أو يركزون على تحقيق مخرجات كاملة خالية من العيوب.

وحتى عندما يحصل الأشخاص الذين يتسمون بشخصية مثالية على النتائج المرجوة، فقد يظلون غير راضين، وقد يشعرون بأنهم إذا كانوا مثاليين حقًا فلن يضطروا إلى العمل بجد لتحقيق أهدافهم.

بعض أمثلة هوس الكمال:

  • قضاء ٣٠ دقيقة في كتابة رسالة بريد إلكتروني تتكون من جملتين وإعادةِ صياغتها.
  • الاعتقاد بأن خسارة نقطتين في الامتحان علامة على الفشل.
  • صعوبة الشعور بالسعادة عندما ينجح أشخاص آخرون.
  • التقيد بمعايير إنجازات الأخرين، أو المقارنة بالآخرين بشكل سلبي وغير واقعي.
  • الهروب من الصف، أو تفادي الاعمال الروتينية، لأن من التفاهه بذل جهد بأعمال غير مثالية.
  • التركيز على الشكل النهائي للمنتج بدلاً من عملية التعلم.
  • تجنب لعب لعبة، أو تجربةِ فعالية جديدة مع الأصدقاء، خوفاً من الظهور بأقل من الشكل المثالي.

أنواع الكمالية:

يُعتقد أن هناك أنواعا قليلة مميزة من الكمالية، في حين أن هذه الأنواع تشترك في سلوكيات متشابهة، بيد أن دوافعها ونتائجها تختلف غالباً.  وإليك بعض أنواعها:

الكمالية في المعايير الشخصية: قد يلتزم الشخص الذي يمارس هذا النوع من الكمال بمجموعة من المعايير التي تحفزه؛ وفي الوقت الذي يعتبر فيه البعض الاخر أن هذه المعايير عالية، إلا أنها تحفز الشخص الذي يضعها. ويُعتقد ان هذا النوع من المثالية صحي، لكونه لا يؤدي إلى الإجهاد المفرط أو الإرهاق. بل قد يكون الأشخاص الذين لديهم معايير شخصية مثالية، أقل عرضة لاستخدام العادات الضارة للتعامل مع الإجهاد الناجم عن السعي إلى الكمال. ولا يمتلك الشخص هذا النوع من الكمال إلا إذا كانت أهدافه تجعله يشعر بالنشاط، لا بالإرهاق أو الشلل.

الكمالية في النقد الذاتي: هذا النوع من الكمال أكثر عرضة للتخويف من الأهداف التي وضعها الشخص لنفسه، فبدلاً من أن تشعرهم أهدافهم بالتحفيز، قد يشعرون غالباً باليأس، أو أن أهدافهم لن تتحقق. وتشير الأبحاث إلى أن الكمال في النقد الذاتي من المرجح أن يؤدي إلى المشاعر السلبية، كالضنك والتهرب والقلق وجلد الذات.

الكمالية المتفق عليها اجتماعيًا: يصف هذا النوع من الكمالية -الذي تم دراسته في جامعة يورك عام ٢٠١٤- طلب التميز؛ وغالباً ما يُمارس هذا النوع على العاملين في الوظائف التي تتطلب الدقة القصوى، كالمحامين والأطباء والمهندسين المعماريين، وقد يعاني الأفراد في هذه المهن من أفكار ميؤوس منها مثل التوتر وخطر إيذاء النفس والانتحار.

كما تنطبق الكمالية المتفق عليها اجتماعياً ايضاً على الأشخاص الذين يخضعون لمعايير ثقافية أو اجتماعية عالية، والذين يسعون جاهدين لتحقيق هذه الأهداف غير الواقعية؛ فقد يخضع الطلاب -على سبيل المثال- لمعايير أكاديمية عالية من قبل والديهم؛ وقد يطور المراهقون والبالغون -الذين يشعرون بالضغط للحصول على نوع الجسم الذي يَزعم المجتمع أنه مثالي – سمات كمالية بسبب الضغط الاجتماعي.

مجالات الكمالية:

يمكن للكمالية أن تؤثر على العديد من مجالات حياة الإنسان؛ وغالباً ما يشار إلى أن الكمالية قد تؤثر على مجال واحد فقط، بينما قد تؤثر في بعض الأحيان على مجالات متعددة؛ وفيما يلي بعض مجالات الحياة التي يمكن أن تؤثر عليها الكمالية:

في العمل أو المدرسة: قد يستغرق الأشخاص ذوو الشخصية الكمالية وقتًا أطول من غيرهم في العمل أو المدرسة، لإنجاز مهمة ما. وقد يتجنبون أيضاً البدء في أي مهمة لا يشعرون بالثقة نحو إنجازها، وقد يكون هذا غالباً لرغبتهم في إتمام المهام بشكل مثالي.

في العلاقات الحميمية أو الصداقات: يمكن للكمالية أن تجعل الأشخاص يضعون معايير غير واقعية على أحبائهم، وقد تجلب لهم إجهادا إضافيا وضغطا على العلاقات.

في النشاط البدني: غالباً ما تشجع الرياضة وألعاب القوى على الكمالية في الرياضات الفردية، كالجمباز، أو سباقات المضمار؛ وقد تكون الكمالية شائعة بشكل خاص في هذا المجال، لأن الرياضي غالباً ما ينافس نفسه.

الوسط أو البيئة المحيطة: قد تدعو الحاجة إلى أن يكون المنزل أو الفناء نظيفًا طوال الوقت، غير أن هذا يمكن أن يتسبب في قضاء الفرد وقتا وجهدا كبيرين للحفاظ على نظافة بيئته المحيطة به، أو ما يتناسب مع معاييره الجمالية.

في النظافة والصحة: المثير للسخرية أن هذا النوع من الكمالية قد يسبب مشاكل صحية؛ فعلى سبيل المثال، قد يتوقف شخص ما عن تنظيف أسنانه لأنه فشل في القيام بذلك في مرة واحدة. قد يؤدي أيضاً هذا النوع من الكمالية إلى اضطرابات الأكل، مثل هشاشة العظام، حيث يشعر الأفراد بأنهم مجبرون على الالتزام بنظام غذائي صحي صارم.

في فحص كيف يتكلم الشخص أو يكتب: عندما يكون الشخص مثالياً في طريقة التحدث أو الكتابة، فقد تقل جودة حديثه أو كتابته؛ ومن الممكن أن يتسبب ذلك في عدم حديث أو تجنب الكتابة خوفاً من ارتكاب أي خطأ.

في المظهر الجسدي: يتسبب هذا النوع من الكمالية في قلق الشخص بشأن الزينة الشخصية او أناقته. وقد يستغرق ساعات في اختيار الملابس أو تصفيف شعره. كما يمكن أن يؤدي هذا النوع من الكمالية إلى اضطرابات الأكل والإدمان على ممارسة الرياضة.

ما الذي يسبب الكمالية؟

يمكن أن تساهم العديد من العوامل في تطور الكمالية؛ ومنها:

  • الخوف المتكرر من رفض الاخرين، أو الشعور بعدم الأمان وعدم الاكتفاء.
  • مشاكل الصحة العقلية، كالقلق، أو اضطراب الوسواس القهري. فقد وُجد أن هناك علاقة بين الوسواس القهري والكمالية. لكن ليس جميع من يعانون من الكمالية يعانون من الوسواس القهري والعكس كذلك.
  • إذا كان أحد الوالدين يُظهر سلوكا مثاليا، أو يقوم بالتعبير عن رفضه عندما لا يحاول أطفالهم بشكل مثالي. بل إن بعض الآباء قد يشجعون أطفالهم على النجاح في كل مجال، وهم بذلك يغرزون الجنوح المثالي فيهم، إلى حد يمكن اعتباره إساءة إليهم.
  • قد يواجه الأشخاص المضطربة علاقتهم مع والديهم -عندما كانوا صغارا- صعوبة في تهدئة أنفسهم كبالغين؛ وقد يواجهون صعوبة في تقبل نتيجة جيدة على أنها جيدة إذا لم تكن مثالية.

يشعر الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الإنجازات العالية أحيانا بضغط كبير للارتقاء الى مستوى انجازاتهم السابقة، هذا غالباً يقودهم الى الانخراط في السلوك المثالي. وقد يشعر الأطفال الذين يُثنى عليهم بشكل متكرر لإنجازاتهم، بالضغط لدوام هذا الإنجاز مع تقدمهم بالعمر، مما قد يؤدي إلى جعل المثالية هدفا لهم.

فإذا شعرت أن من المحتمل أن يكون لديك بعض سمات الكمالية التي تسبب لك حزنا يومياً، فاعلم أن بِمُكنَتِك تغيير سلوكك وعاداتك المثالية، كما أن بإمكانك تعلم المواقف الأكثر صحة حول أهدافك ومعاييرك، بمساعدة طبيب نفسي موثوق به.

اقرأ ايضاً: سأتولى هذا الأمر! الكمالية وأخطارها

المصدر
goodtherapy

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى