عام

بين الاكتئاب والقلق

القلق هو الدافع وراء الاكتئاب، لأنّه لا يخضع للسيطرة الواعية

  • د. ديفيد هانسكوم
  • ترجمة: سليمى العلوي
  • تحرير: أسامة خالد العمرات

القلق والاكتئاب وجهان لعملة واحدة، فالاكتئاب يوصف بأنّه مجموعة من الأعراض التي سببها القلق الحاد.

بما أنّ القلق يوصف على أنّه شعور ناتج من ارتفاع هرمونات التوتّر وارتفاع نشاط الجهاز العصبي المستقل (Autonomic Nervous System)؛ فهو إذاً مصطلح وصفيّ ولا يعد تشخيصاً ولا حتى مصطلح الاسترخاء، والذي يصف جلوسك تحت الشمس وجسدك يسبح في هرمونات الأوكسيتوسن (oxytocin) والسيروتونين (serotonin) وغابا (GABA) وهرمون الدوبامين (dopamine).

وهذه الهرمونات مع الجهاز العصبي المستقل، هي مركز الاستجابة للنجاة الذاتيّة وغير الواعية، والتي تعتبر فعّالة أكثر من المخ الواعي والعاقل.

وبما أنّ الخطر على المخ يشكل نفس ردة الفعل للخطر على الجسد؛ فإنّ التعرّض لهرمونات القلق قد يكون مستمراً، وردّة الفعل هذه لا يمكن التحكّم بها؛ ولكن هناك طرقٌ لتعديل المدخلات على المخ والعقل، يمكنها أن تُحسّن الوضع.

 

لماذا يعد التعبير عن القلق المستمر اكتئاباً؟ 

كل الناس المصابين بالاكتئاب لديهم شعور بالقلق (مع أنّه يمكن كبحه عن طريق الغضب)، ولكن ليس كل من يشعر بالقلق يصاب بالاكتئاب.

  • إحدى الإشارات الأولى على وجود الاكتئاب: هي الاستيقاظ في الصباح الباكر وعدم القدرة على الرجوع للنوم مرةً أخرى؛ بسبب الأفكار المتسارعة في المخ والمرتبطة بالقلق.
  • وبسبب هذه الأفكار المزعجة؛ يمتلئ الجسد بهرمونات القلق، والتي تجعل جسمك في حالة تأهب ويقظة، ومن ثَمَّ تمنع جسدك من الخلود للنوم.
  • عدم نومك؛ هو عَرَضٌ أساسيٌ من أعراض الاكتئاب.
  • في النهاية، تصبح قدرتك على التركيز منخفضة، والسبب هو خليط من الأفكار المزعجة والتي تملأ عقلك مع الأرق.

هذه الأعراض، تمثّل الاكتئاب في مراحِلِه البسيطة إلى المتوسطة، والقلق الشديد يستمر إلى أن يصبح غير محتمل. ومن منظور البقاء والنجاة؛ فإنّ الهدف من القلق هو صنع ذلك الشعور غير المريح، والذي يجبرك أن تأخذ ردة فعل ضد هذا التهديد، لكنّ الناس لديهم مشكلة، وتتمثّل في أنّ التهديد العقلي يستقبله المخ بنفس الطريقة التي يستقبل فيها التهديد الجسدي.

لكن، نحن كبشر، لا نستطيع الهرب من أفكارنا، فعندما تشعر بأنّك محاصر بالقلق؛ فهذا يخلق شعوراً باليأس والإحباط لديك، وتتساءل عاجزاً: متى ينتهي كل هذا؟!

 

أعراض متقدمة للاكتئاب:

  • فقدان الشهية وفقدان الوزن؛ فالأدرينالين يقلل من وصول الدّم إلى مسار القناة الهضمية.
  • انخفاض الطاقة، والعجز العام؛ فامتلاء جسدك بكل هذه الهرمونات الكيميائية؛ يجعله في حالة انتباه مستمر، وهو ما يُنهِك جسدك ويتعِبه، إنّه كمحاولة الركض ميلاً كاملاً.
  • أعراض جسدية مختلفة ومنتشرة في الجسد، فالتأثير المباشر لهذه الهرمونات يكون على أعضاء الجسد.
  • العزلة الاجتماعية، وهي موثّقة على أنّها تسبب ألماً طويل الأمد، الألم العاطفي يُعالَج في المخ بنفس الطريقة التي يُعالَج بها الألم الجسدي، والرّفض مؤلم ولا شكّ. القلق يمنع الناس من الخروج والاحتكاك بالآخرين.
  • أفكار انتحارية، مثل وضع خطّة لتنفيذ الانتحار، والبدء في تطبيقها.

 

والآن قد فهمت، ما نسمّيه بالاكتئاب، هو في الحقيقة مجموعةٌ من الأعراض الناتجة عن الارتفاع المستمر في هرمونات القلق والتوتر.

 

لماذا من المهم تحديد المسمى الصحيح لهذا التشخيص؟

لمعالجة الاكتئاب بشكل ناجح؛ علينا أن نركّز على أصل المشكلة وهو القلق، القلق لا يعتبر تشخيصاً هو -فقط- حالة من ارتفاع الهرمونات الكيميائية، وبما أنّ ردّة الفعل للنجاة والتي تكون غير واعية هي أقوى بمئات وآلاف المرات من العقل الواعي؛ عندها لا يمكن التحكم بها عن طريق إزالة التّدخلات المعقولة.

 

إذاً، كيف نقلل من التوتر؟

تقليل التوتر يكون بتقليل هرمونات القلق الكيميائية.

ولتحقيق ذلك، هناك طريقتان: وهي طرق مباشرة تهدئ من الجهاز العصبي. إحدى هذه الأساليب تتضمن الحضور والوعي العقلي بكل ما يدور في المخ من أفكار، وبكل ما يقوم به الجسد من تصرفات والتأمل وفنون الدفاع عن النفس والرياضة والأدوية على المدى القصير.

الصّنف الثاني من الأساليب لتخفيف التوتر: هي بإخماد هذه التفاعلات الكيميائية التي تحدث في المخ عن طريق استغلال المرونة العصبية التي يتميز بها المخ البشري، فبدلاً من أن تقوم بِردّة فعل تلقائية تجاه القلق، اخلق مساحة بين المسبب لهذا القلق وبين ردة فعلك، وحوِّل تركيزك لخيارات أكثر فاعلية تجاه هذا المسبب للقلق.

وإحدى الأمثلة الكلاسيكية على ذلك، هو العلاج المعرفي -السلوكي: بحيث أنّه يجب عليك معرفة ما يقلق راحتك ويشوّه تركيزك؛ وبعدها تصنيفه، وتستبدل ردّات فعلك غير المعقولة بردّات فعل أكثر وعياً، هذه الطريقة التصويرية، والتي تجعلك ترى ما تفعل وكيف تصرّفت عندها، مع الاستمرار عليها سيبدأ مخك بالتغيّر والتصرّف بسلوك أفضل حينها.

 

اللغة مهمة

دراسة كبيرة أجريت عن طريق (deHeer)، حيث أُجري بحث في السجل الوطني للمرضى في هولندا، واختير ٢٩٨٠ مريضاً منهم؛ وصُنّفوا على النحو التالي، حتى يدرسوا العلاقة مع الآلام المزمنة:

  1. بدون أمراض نفسية.
  2. متعافٍ من الاكتئاب أو القلق.
  3. مريض بالاكتئاب.
  4. مريض بالقلق.
  5. اكتئاب أو قلق خطير ويؤدي للوفاة.

 

فقط ٥.٧٪ منهم قالوا بأنّهم لا يشعرون بالآلام، إحدى خلاصات الدراسة “أنّ الاكتئاب والقلق يرتبطان مع نفس مسارات الأمراض المسببة للألم، وكلُّ منهم له تأثير على الآخر”، والعجيب في الأمر أنّ الأشخاص المتعافين من الاكتئاب والقلق ما يزالون يعانون من الآلام المزمنة، على عكس الأشخاص الذين لا يوجد لديهم أمراض نفسية.

 

تغيير اللغة

فكّر في تغيير اللغة، القلق هو الألم. معظم الناس يتعاملون معه بشكل معقول، حتى ولو كان الشعور غير مريح. وفي المرحلة التي يصل فيها للذروة، فإنّه يشوّه جودة حياة الفرد، ويصبح شعوراً غير محتمل، والنتيجة النهائية، مجموعة من الأعراض التي ذكرت سابقاً؛ وهو ما ندعوه بالاكتئاب.

ولكنّ القلق هو المشكلة، وليس التشخيص. هناك أمراض نفسية مختلفة هي نتيجة محاولة التعايش مع القلق، هذه الدراسة تدعم الدليل القائل: أنّ استمرارية ارتفاع هرمونات القلق، يؤدي لأعراض جسدية، مثل: زيادة الألم بسبب سرعة التوصيل العصبي (Chen) مع تأثيرات مدمّرة على جودة الحياة والصحة (Fredhaim)

عندما نفصل بين التصنيفات التشخيصية للقلق والاكتئاب والألم، فإنّنا نزيل التركيز عن أنّ السبب الأساسي هو القلق الحاد. الخيار البديل لذلك، أن نقول بأنّ الجلوس في حالة تأهّب واحتراس مرتفع؛ تجعل الموادّ الكيميائية العصبية تنتج مجموعة من الأعراض، منها الاكتئاب. ومن مظاهر حالة الارتفاع هذه، حدوث أمراض عقلية وجسدية مزمنة.

وأكثر الطرق فعالية لعلاج الاكتئاب، هي باستخدام إحدى الطرق الفعالة لتهدئة الجهاز العصبي.

اقرأ ايضاً: الهشاشة النفسية .. ضحايا جيل مأزوم نفسيًا

المصدر
psychologytoday

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى