عام

كيف لطفل مزيَّف أن يولد؟

لسنوات، كان نساء على الانترنت ينسجون نظريات مؤامرة عن حمل المشاهير؛ فما الذي أثارهم؟

  • كايتلين تيفاني
  • ترجمة: رغد النهدي
  • تحرير: نورهان محمود
  • تدقيق: أميرة القحطاني

هذا المقال جزء من مشروع ‹‹أرض الظل›› عن نظريات المؤامرة في أمريكا.

لقد تساءلتُ عندما كنت أتصفح موقع تمبلر على هاتفي “لماذا تشير بعض المدونات لأطفال بيندكت كامبرباتش بـ (pilo)؟”. في محاولتي الأولى نطقتها (بيلوه)، وقوبلت بنظرة استغراب، فنطقتها بحروفها بصوت عالٍ.

 وعندها أدركت باتي ما أقصد، فقالت: “هذه مزحه بيننا، نحن نناديهم بيلو واحد، بيلو اثنان، بيلو ثلاثة”. وضحكت مرةً اخرى؛ احمرّت وجنتاها، كما تفعل في كل مرة يُضحكها شيءٌ ما، ولكني لا أزال لا أرى الأمر مضحكًا.

عرفتُ باتي أول مرة باسم المستخدم الخاص بها على تمبلر عام ٢٠١٣ (Gatorfisch)، حيث تضع في حسابها صور حيوانات لطيفة، ومناقشات حول السياسة الليبرالية، من بين عدة أمور أخرى.

باتي في التاسعة والأربعين من عمرها، ولديها طفلة بعمر الثانية عشرة، وحفيد في عمر السنتين.

كتبت لي قبل يومين بعدما طلبت مقابلتها شخصيًا أن زوجها لن يسمح بوجودي في منزلهم؛ لأنني من الممكن أن اخترق أحد حواسيبهم.

أكدت لي بأن “لا شيء يتعلق بشخصي” وأنه فقط يتعامل مع معلومات عالية الحساسية في عمله.

لذا أنا جالسة في مقهى قرب منزلها في رينو-نيفادا، قبل عدة أيام من بدأ فايروس كورونا وإغلاق نشاطات تجارية كهذه.

والسبب الذي يجعلني أسألها هذا السؤال، هو أنه خلال السنوات الماضية كانت باتي من أكثر المدونين كتابة وشهرةً في إبراز أهمية قضية أن زوجة بيندكت كامبرباتش -صوفي هانتر- مجرمة، و تبتزه منذ سنوات للبقاء في زواج صوري.

تعمل باتي في قسم إدارة العمليات في شركة مورتجاج، لكنها لم تُحدّث صفحة لينكد إن الخاصة بها لسنوات؛ لأنها لا تريد للناس في تمبلر أن يتواصلوا مع مديرها الحالي. (طلبت موافقتها لاستخدام اسمها الأول فقط في هذا المقال؛ لأنها تلقت رسائل تهديد إلى عنوان منزلها وأن معلوماتها الشخصية تم نشرها مرارًا وتكرارًا على الإنترنت).

وبعد قضاء شبابها في عدة ولايات جنوبية قبل أن تنتقل لنيفادا بعشرين سنة، اكتسبت لكنة جنوبية تُضفي على المحادثة العادية جاذبية، بل و تجعل ادعاءاتها القاسية أكثر تهديدًا، مثلًا: عندما أخبرتني أنها لاحظت بقع كوكايين على أفرول صوفي هانتر في صورة أُخِذت بعد عدة أيام من إنجابها… أو كما يقال أنها أنجبت.

“حتى لو كان الأمر معروفًا فقط على برنامج تمبلر، أريدها أن تعلم أنها لن تفلت بفعلتها” قالت باتي ذلك بحماسة وكأنها تشارك وصفة عائلية. “أريدها أن تعرف أن أحدًا ما يعرف ما الذي تفعله.”

أنجب صوفي هانتر و بيندكت كامبرباتش مولودهما الأول في يونيو ٢٠١٥ بعد أن أعلن عضو فرقة (ون دايريكشن) لوي توملينسون بشهرين أنه سيحظى بطفل من نزوة سابقة مع بريانا جونغويرث، وهو طفل آخر أيضًا قيل أنه “مزيف” من قبل عدة مدونين على تمبلر، بعضهم لازالوا يرفضون أنه ابن توملينسون الحقيقي، حتى هذه اللحظة مع إنه في الرابعة من عمره .

قبل ذلك في ٢٠١١، السنوات الحماسية الأولى لـمواقع التواصل الاجتماعي أَنتجت نظرية بأن بيونسيه زيفت حملها لتخفي استخدامها أمًا بديلة، وهي نفس التكهنات التي لاحقت حمل كيم كارداشيان الثاني في ٢٠١٥. (من خلال مدير أعمالها ردت بيونسيه على هذه الشائعات ولقبتها بأنها “غبية، سخيفة وخاطئة”، وردت كيم كارداشيان على الشائعات بصورة عارية لجسمها وهي حامل). ومؤخرًا قرر أصحاب نظرية المؤامرة أن ميجان ماركل زيفت حملها بابنها أرتشي. الكثير منهم يشيرون إليه باسم ‹‹دارّين›› إشارةً لدمية طفل تشبه طفل حقيقي، حتى أن اسم دارّين يستخدم في جلسات التصوير عوضًا عن طفل حقيقي. كتب أحد ما على تويتر في يناير “الناس ليسوا أغبياء، إنها مريضة!!!”

الدليل الأساسي لهذه الادعاءات هو غالبًا صورة أو صورتين غير واضحتين، تظهر في إحداهما بطن المرأة الحامل وفي الأخرى تعود لحالتها الطبيعية مع بعض التشوهات. حتى تجعيدة خفيفة في الملابس قد تُرى على أنها دليل على التزييف، وأي أم متوقع ولادتها وتختفي عن عيون العامة خلال حملها يمكن بكل سهولة اتهامها بأنها تُخفي شيئًا ما. الكثير من الصور التي تدعي أنها تكشف الحقيقة إما أنه تم التلاعب بها أو التقطت بزاوية غريبة تثير الشك، ولكنها قد تبدو مقنعة بشكل كافٍ إذا كنت تبحث سريعًا وتريد التصديق. وفي قضية حمل صوفي هانتر بحث محققون هواة في صور لها بملابس السباحة وهي في العطلات الصيفية، وقالو أن بطنها بشكل ما تبدو مقلوبة رأسًا على عقب.

و من أكثر الأصوات تأثيرًا في أخبار و شائعات المشاهير هو مدون و محامي في مجال الترفيه و الإعلام والذي يستخدم اسم “إينتي” كاسم مستعار له. منذ ٢٠٠٦ وهو يدير موقع ‹‹crazy days and nights›› ، يخدم فيه جمهور مخلص يرسلون له أخبار كل يوم على بريده الشبكي، يغيظون فيها المروجين ومديري أعمال الفنانين، الذين يعلمون جيدًا أن إنكار القصة أكثر خطورة من تجاهلها.

يقول لي إينتي: “لا أحب المنافقين؛ مجلتا people›› , TMZ›› مملوكتان لشركات أفلام وشركات تسجيل، ولديهم أجندتهم؛ يعطونك فيها الصورة المزيفة التي تظهر النجوم والمشاهير بصورة مثالية. يسمونها قيل وقال، ولكننا نعرف ما هو القيل والقال الحقيقي. وهذا هو الشي الذي يجعلني مهووسًا ويجعلني أريد الاستمرار في الكتابة، والاستمرار في البحث عن الفجوات.”

ويتابع قائلًا: “من الواضح جدًا” أن بيونسيه استخدمت أمًا بديله لإنجاب بلو أيڤي، ومن “الواضح جدًا” أن لوي توملينسون لم يكتب التغريدة التي أعلن فيها خبر ولادة ابنه؛ إذن من الذي فعل؟ ليام باين، عضو سابق في ون دايركشن، قد يكون أو لا يكون هو والد طفل المغنية شيرل (شيرل ليست سوى سيدة العلاقات المزيفة، لا أثق بأي شيء تفعله، ولكنها لم تجذب انتباهي بشكل كافٍ لأبحث في حياتها). وميغان ماركل كانت “تحتضن بطنها الحامل -أو التي من المفترض أنها حامل- وذلك مع كونها حسب ما قالت في الشهر الثاني، لا يبدو هذا منطقيًا!” وبعدها صوفي هانتر، لا رأي لي في أول طفلين لها، ولكن “هناك طفلها الذي يفترض أنه الثالث اسمه فين، ولد في ٢٠١٩، ولا يوجد أحد سبق وأن رأى الطفل” (مع أن وسائل الإعلام أعلنت في ٢٠١٨ أن هانتر وكامبرباتش يتوقعون طفلهم الثالث، لكن لم يؤكد الثنائي الخبر علنًا، وهم معروفون بخصوصيتهم الشديدة.”

عادة لا نسمي مواقع أخبار المشاهير على أنها ركن مظلم من الإنترنت، ولكن جو الغموض المختلق عمدًا يحيط إينتي و “مصادره”. ولا يختلف كثيرًا عن (QAnon)، كما أن الإذاعة الصوتية خاصته (البودكاست) الذي يقدم ٢٠ حلقة في الشهر على الأقل يقتصر فقط على الاشتراكات مدفوعة الأجر على (Patreon)، ويبدأه بتحذير يقول: “أهلًا بكم إلى عالمي، أدخل على مسؤوليتك. “

في صيف ٢٠١٤، بعد سنة من مشاركة باتي في برنامج تمبلر، شوهدا كامبرباتش وهانتر لأول مره معًا، وخُطِبا بحلول شهر نوفمبر، كان جمهور كامبرباتش في حالة فوضى عند سماع الخبر “انقلب تمبلر رأسًا على عقب، فكان من المستحيل ألا ترى شيئًا لا يتعلق بخبر خطبتهم”.

بعض المعجبين كانوا مسرورين من قصة الحب السريعة، وآخرين كانوا شاكيّن أنها مجرد خدعة علاقات عامة، وأخذوا يمشطون الإنترنت بحثًا عن أدلة. أعادوا نشر (GIFs) لهانتر تبدو فيها خارجة من الغرفة بغضب أو عابسة في وجه خطيبها، وما أثار شكوكهم هو حسابات معجبي هانتر التي ظهرت فجأة .

بعد أن كشفت هانتر عن بطنها الحامل في مهرجان أفلام بالم سبرينغ العالمي، لفت معجبو كامبرباتش الانتباه سريعًا إلى حقيقة أنهم ذهبوا للحفل كل على حِدى، كما نشروا لقطات الفيديو التي بدا فيها كأنه متفاجئ برؤية بطنها “النظرة على وجهه… والنظرة التي على وجهها، كانت ردة فعلي: يا إلهي، إن أحدًا ما يحاول توريطه” في هذه النقطة، قالت إنها لا تعتقد أن وينستاين هو السبب، وأنها تعتقد أن هانتر أصبحت وغدة. وفي هذه اللحظة توقفتُ عن كوني فقط مشاهِدة، وبدأت أدون عن الأمر”.

تجاوز متابعو باتي الألف متابع، وبدأت (المصادر) بالذهاب لها في كل مرة يفتقرون للمعلومات، “في كل مره أشكك فيها، يأتي أحد مصادري إليّ، أو شيء ما يحصل ويعود بي إلى نفس الموضوع.”

“أعتقد أني وقعت في دائرة مغلقة، ولا أعتقد اني سأخرج منها.”

وليس كل من دوّن عن أفعال صوفي هانتر يتفقون على تفسير واحد، فمن بين “المشككين” الذين أطلقوا هذا الاسم على نفسهم، هناك من يعتقد أن زواج كامبرباتش وهانتر هو دعاية اتخذت لمنحنى خاطئ، أو أنه زواج كلاسيكي تعيس فقط، ولكن باعتقادهم أن كل الأطفال حقيقيون.

وهناك من يعتقد أنها مذنبة بعدة جنايات ومؤامرات إجرامية سينمائية. (لنكن واضحين: لا يوجد أي دليل يدعم أي من هذه الادعاءات عن زواج هانتر أو حملها أو أي نشاط إجرامي مفترض. ومدير أعمالهما هانتر رفض الرد على عدة طلبات للتعليق على الأمر).

قالت باتي: “هناك كلام يقال أنها في نقطة ما كانت بائعة هوى، ومن الممكن أنها لا تزال”، وأضافت بأنه قيل لها: أن في بداية علاقتهما أبقت هانتر كامبرباتش مدمنًا على المخدرات للتحكم به .

باتي تعتقد أنها تعرف عنوان ال IP الخاص بها وأنها تتبعته طائرًا إلى أوساكا ثم اليابان لمدة يوم وبعدها رجع إلى مكانه سابقًا.

قالت باتي: “كنت أتحدث إلى أحد مصادري، وقيل لي أنها متورطة مع ناس قذرين موجودين في تجارة البشر” موضحةً هدف هانتر من تلك الرحلة المفترضة.

“وهكذا كيف أرى الموضوع، لم أقل بالضرورة أنها متاجرة بالبشر، ولكنها كانت تتسكع مع أشخاص كانوا جزءًا من شبكة المتاجرة بالبشر. وأنا أظهرت الأمر. وأقول: افهمها كما تشاء”

رغم أن الصورة الشعبية لصاحب نظرية المؤامرة هي رجل في قبو منزله، أو معجب مهووس بأليكس جونز يكتب إلى أن يلجمه العرق في موقع (Reddit)، إلا أن النساء كان لديهم -دائمًا-أفكارهن الملفتة و المرعبة عن الكيفية التي يمكن أن يعمل بها العالم بسرية.

وكما يفسر العالم السياسي مايكل باركون في كتابه عام ٢٠٠٣ (نظرية المؤامرة: ثقافة السرديات الكارثية في أمريكا المعاصرة)، من المحتمل أنه لم يكن ممكنًا أن يسمع أي أحد في الولايات المتحدة الأمريكية عن «المتنورين»[1] لولا منظرة المؤامرات البريطانية نيستا ويبستر، إحدى رواد نظرية المؤامرة الأمريكية، وكتبت على نطاق واسع عن جهود المتنورين لصنع حكومة العالم الشيوعي بقيادة جماعة يهودية، وأيضًا على إشعال الحرب العالمية الأولى . في كتابه أرجع باركون الفضل إليها وإلى منظرة مؤامرة أخرى باسم إيديث ستار ميلر لمساهماتهما فيما يعرف بـ “المفهوم الخاص نوع من الإدارة المتشابكة من أصحاب نظريات المؤامرة اللذين يعملون خلال شبكة في مجتمعات سرية”، التي منذ ذلك الحين جسدت عقودًا من نظريات المؤامرة الأمريكية .

قال إيرين كيمبكير، بروفيسور تاريخ في جامعة ميسيسيبي للنساء ومؤلف كتاب « Big Sister: Feminism, Conservatism, and Conspiracy in the Heartland.»: “لا يوجد الكثير من الدراسات التي تركز على علاقة النساء  بمعتقدات نظريات المؤامرة، أعتقد أن هنالك مفهوم شائع بأن المؤامرة  بشكل كبير هي عالم الرجال، ولكني لا أرى أن هذه هي القضية”

ركز كتاب كيمبكر على الموجة النسوية الثانية في الغرب الأوسط في ١٩٧٠.[2] الذي جعل النساء التقليديات يتمسكن بأنهن جزء من مؤامرة لصنع عالم تحكمه حكومة واحدة، ودمج الجنسين والقضاء على حياة العائلة المسيحية.

ما وجدته هو نساء منغمسات تمامًا في نظرة تآمرية عالمية، فقد كان لديهم نشرات إخبارية يشاركن فيها أفكارهن التآمرية مع بعضهن البعض، وكانت لديهن قائمة كتب، ويكتبن مقالات، وهذه كلها كانت منظمات نسوية، أود أن أقول أننا بحاجة لإعادة التفكير في الصورة النمطية التي تقصر عالم المؤامرة على الرجال.

إن النساء قادرات بشكل مذهل على خلق نظريات مؤامرة ونشر نظريات مؤامرة والتصديق بنظريات المؤامرة. ولا أعتقد أن هنالك فجوة جندرية في هذا الأمر.

إن الفرق بين نظرية تزييف نساء مشهورات لحملهن ونظرية مؤامرة سياسية مفترضة ليس شكليًا أو جوهريًا، بل فقط اختلاف في الأسماء. بعض المدونين على (تمبلر) يشيرون للمؤمنين بنظرية الطفل المزيف بأنهم birthers»» (وهي كلمة تستخدم لوصف الأشخاص الذين يروجون للمعتقد بأن أوباما ولد خارج الولايات المتحدة) بهدف الاستشهاد بالحقيقة الخطيرة المنكرة التي تمثلها تلك الكلمة.

مع أن النساء التي درستهم كيمبكر كن خائفات من تدخل الحكومة، وليس التلاعب من قبل نجوم هوليوود.

النمط الأساسي للدراسة يشير إلى أن المؤامرات بكل أنواعها تحكي عن أن هناك جماعة قوية ثم تنسج رواية حولها بقصد فهم نوع السيطرة على بعض أحداث العالم الغامضة.

وغالبًا يكون بسبب الغضب أيضًا. فالنظريات الحديثة عن أطفال “المشاهير المزيفين” تأتي مع تشكيلة من الامتعاض تجاه نفاق المشاهير، و عدم مصداقية وسائل الإعلام، والثقة التي يتمتع بها النخبة وتمكنهم من الفوز بأي شي يريدونه. كتب أحد معجبي ون دايريكشن على (تمبلر) “شيرل ستستغل هذا الوضع إلى أن نصبح كلنا عبارة عن غبار.. إلا لو كنت أعاني من تسمم أحادي أكسيد الكربون أو أصبت بجرح في رأسي، فأنا لن أصدق أن علاقة شيرل و لوي كانت علاقة حقيقية”.

إن من يُعرّفون أنفسهم بـ «المشككين» بزواج كامبرباتش يسمون الأشخاص الذين يدافعون عن هانتر بـ (مربو الأطفال) بسبب الطريقة التي يدللونها بها، باتي أيضًا تسميهم مطاردين، وأنهم من النوع الذي يجمع المناديل التي يمخط فيها كامبرباتش و يتخيلون أنهم واقعون في حبه. (الميل الرومانسي لا يعلب دورًا في فتنة باتي الشخصية).

وفقًا لباتي فإن (مربي الأطفال) قد هددوها بإخبار مديرها بنشاطاتها على الإنترنت، واقترحوا عليها أن تقتل نفسها، أطلعتني على بعض الرسائل المجهولة ، وبعدها أطلعتني على رسالة أخرى تعتقد أنها من هانتر. (من الواضح أن الرسالة ليست منها).

تنظر باتي إلى أعمالها كأعمال إنسانية عظيمة: فهي تعتقد أن بفضحها نرجسية هانتر فهي تساعد أشخاصًا آخرين ليروا أنه تم التلاعب بهم. فهي عرفت نساء نرجسيات طوال حياتها، من بينهم رفيقة سكن في الكلية، وزميلة عمل سابقة، بالإضافة إلى زوجة أخيها السابقة، والتي تدعي أنها تركته مفلسًا، وزوجة والدها السابقة التي -حسب قولها- حاولت قتله.

تقول باتي: “في أي وقت أقول أني سأتوقف، يبدأ التلاعب من جديد. لا، سأبقى هنا، لدي الكثير من الناس يتواصلون معي ليقولوا لي: ”يا إلهي لأنك نبهتِنا لهذه الأشياء، و تعليقًا على ما نراه في هذه الصور، فقد جعلتِني أدرك أني أملك شخصًا كهذا في حياتي”، أو “دائمًا ما شعرت أني أفقد صوابي والآن أعرف أنه تم التلاعب بي”.

بالرغم من أن كامبرباتش بنفسه كان واضحًا أنه يكره ما يقوله الناس عن عائلته على الانترنت،

لا تزال باتي غير مبالية. من الواضح أنه ليس سعيدًا بها -تقول باتي- ولكن المعلومات لا تزال تتدفق. إنه تقريبًا كما لو كان يشفر كلامه، ويجعل الناس يعلمون أنه لا مانع في أن تصل تلك الأشياء لها. بخلاف ذلك، لماذا لا يتجاهلها وحسب؟ (كما الحال مع أغلب نظريات المؤامرة، كل شيء جزء من الرواية، حتى الاشياء التي قد تبدوا انها تدحض الرواية).

هي ليست متأكدة أنه شخصيًا قد قرأ مدونتها، ولكنها تعتقد أن عددًا من أصدقائه قد قرؤوها، وهي متأكدة بنسبة 99.99% أن هانتر قرأتها.  وأيضًا وزارة العدل قرؤوا ما تكتبه وفقًا لبحوث عنوان ال IP الخاص بها. هذا هو نوع الاهتمام الذي يجلبه العمل المميز كواحدة من القلة الذين يفهمون،  ومستعدون لأن يفضحوا المؤامرات السرية في المجتمعات المتقدمة — رغم أن باتي تعبر عن تواضعها وتقول أنها كانت غالبًا متحدثة باسم أبحاث ومعلومات هؤلاء الأشخاص. فهي أيضًا لديها القدرة على التعامل مع المضايقات التي تتعرض لها؛ لا يفعل ذلك الجميع، ولكنها تفعلها لأجلهم.

تخبرني باتي “قيل لي من قبل شخصين أنهم سمعوا هانتر تقول أشياء لكامبرباتش جعلتهم يرغبون في ضربها؛ لأن ما قالته كان فظيعًا تمامًا”، وذلك عندما سألتها عما إذا كان توجد أدلة تدين هانتر بأنها وغدة وعنيفة.

وتعود لحديثها السابق قائلةً أن تجد هؤلاء الأشخاص كان صديقًا لكامبرباتش وأراد أن يضرب هانتر رغم أنه لم يريد أن يضرب امرأة في حياته. رغم أنها استحضرت فكرة العنف ضد هانتر، إلا أنها لم تشجع الفكرة بشكل صريح. ولكن هانتر ليست الوحيدة، فهي تخبرنا بقصة عن زميلة لها في العمل “عندما تخرج من الغرفة، ويذهب الناس، أريد ان أمسكها من رأسها وأضربها بالجدار.”

وعندما سألتها عما إذا كان أي من هذا يبدو كميول مازوخية بالنسبة لها، قالت لا، فهي تصنف نفسها كنسوية، وبالنسبة لها فهانتر هي التي “تجعل حقوق المرأة تتراجع وتجعل الجميع يبدون بمنظر سيء”.

هذا هوا الخيط الذي يربط مؤامرات (تمبلر) بالمحادثات الأوسع السائدة على الانترنت. في عصر حيل الإنستغرام و الماركات الشخصية و الصورة فوق كل شيء، ما هو الشيء الذي نمضي فيه وقتًا أكثر من أن نضبط العرض الذاتي ( self presentation ) الخاص بالنساء.

لم يخترع الإنترنت المؤامرة، لكنه جعل انتشار نظريات المؤامرة سهلًا وممتعًا قال تيد كاسابلانكا الذي كتب في (E! News) لمدة عقدين: “لديك الكثير من المجانيين يتواصلون معك قائلين لديهم معلومات سرية، لا تحتاج لأخذ وقت، لإجراء مكالمة أو لأن تكتب خطابًا. كل ما عليك فعله هو ضغطة زر وأنت تعرف أنك صنعت هَيجان”

المعلومات التي بدأ يستقبلها بعد نهضة مواقع التواصل الاجتماعي كانت أكثر غرابة من ذي قبل. ولكن ليس هذا فقط “بل رأينا الكثير من المنافقين”، والكثير من “أنها تفعل هكذا وهي خاطئة، أو هي تفعل كذا وأنا أكرهها”.

هذه المحادثات منتشرة على الإنترنت، ولكن (تمبلر) على وجه الخصوص هو  منصة عملية  للنظريات المعقدة، والقائمة على الأدلة، بسبب تصميم إعادة التدوين الذي يشبه دمية الماتريوشكا، والذي يسمح لمجموعة من المدونين ببناء طبقة بعد طبقة بتسلسل سريع على أحد أعمال المؤلفين. كما أنه أيضًا معزول، ويصعب البحث فيه مقارنة بتويتر. أيضًا فهم البرنامج أصعب على الغرباء حتى مقارنةً بريديت.

يسمح للمستخدمين بتعريف أنفسهم بأسماء مستعارة، وأيضًا يُسمح لهم بتغيير هذه الأسماء وقتما أرادوا، وأيضًا مسموح للمستخدمين بالحصول على أكثر من هوية في وقت واحد. وهذا يسهل جميع أنواع التعبير عن الرأي، والكثير منه مفيد للمجتمع.

أصبحت المنصة ذات قوة ثقافية لأنها صنعت مكانًا منعزلًا لمجتمعات المثليين (LGBTQ). ولكن أيضًا هذه الحالات ممكن أن تكون السبب في النميمة والشكوك، كما يستحيل أن تحاسب شخص  بعينه على ما يصدر منه.

قبل مواقع التواصل الاجتماعي، كانت احتمالية “إثبات” تورط أحد المشاهير في مؤامرة أمرًا نادرًا.

المثال المبكر على ممارسة أشخاص عاديين جمع “الأدلة “ونشرها على الإنترنت هو معجبو (lord of the rings) في بداية الثمانينيات، الذين استخدموا لقطات شاشة من (DVD) خلف الكواليس وأيضًا سهلة الوصول من قبل مصوري المشاهير لنشر القضية في (LiveJournal) الذي يتميز بتشكيلة من نجوم واقعين في الحب، وبالتحديد إلايجاه وود ودومينيك موناغان، ويتبعهم ڤيغو مورتينسن وأورلاندو بلوم.

هذه النظريات غالبًا تكون مثارة من قبل صحفيي أخبار المشاهير مثل كاسابلانكا، الذي كتب في ذلك الوقت “سمعتم بالقصص، أليس كذلك؟ كل ذلك المرح الشرس الذي كان فرسان (lord of the rings) يقومون به؟”

في عام 2014، كتبت طالبة الدكتوراه بجامعة لانكستر، آنا مارتن، عن هذه القصص أنها “أدب النجوم”، ووصفت جاذبيتها: “تسمح تلك السرديات بتخيلات -ليس فقط الثروة والترفيه- ولكن أيضًا عن الحياة التي يكون الحب فيها هو الهم الوحيد”. بالنسبة لها، كانت نقطة التحول التي يسعى فيها كاتب قصص المعجبين جاهدًا لتحويلها إلى وثائقي، أكثر إثارة للاهتمام من القصص نفسها. لقد تخطى مجتمع المعجبين بالرحلات بين العوالم في (Lord of the Rings) خط الخيال إلى مرحلة “الإثبات بالأدلة” بسبب ثروة المعلومات والصور التي أتاحها الإنترنت. إن احتضان صناعة الترفيه للقطات من وراء الكواليس وحملات التسويق المتقنة التي تركز على المعجبين والامتيازات الموسعة التي يتمتعون بها في “عوالم” خاصة بهم بالتزامن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وبدء عصر ذهبي جديد لشائعات المشاهير، كل ذلك “أنتج جمهورًا مهيأ لمتابعة الوقائع المنظورة المعقدة عبر منصات تواصل مختلفة، وهم قد اعتادوا على متابعة القصص التي تتطلب منهم القيام بتجميع الأسطر والتفاصيل معًا”.

أضفى سمت الـ (master post)، (archives)  في (تمبلر) على هذه المشاريع إحساسًا بالأهمية والهبة. فنظريات المؤامرة هنا كأي مكان آخر تميل لأن تتشابك، وباتي لديها اهتمام بميغان ماركل فقط لأنها تؤمن أنها و هانتر يتشاركون اتصالات شريرة من خلال نادي النخبة (soho house) .

وكتبت مدونة أخرى من الشكاك تستخدم اسم (Aeltrileaf)عن ماركل، مشيرة لها بـ (ماجوت). هي تنشر مؤامرت سياسية أيضًا بما في ذلك ما ينشر على (QAnon)، والتي لا تتفق معها باتي ولكنها تدافع عنها، حيث تقول عن (Aeltrileaf) أن عائلتها من المكسيك ولديها سبب جيد بألا تثق في الحكومة الأمريكية. هذه نقطة غير معقولة، ولكن هناك بعض من الحقيقة فيها، فحتى أسوأ نظريات المؤامرة تقول شيئًا عن أنظمة السلطة والتوقيت الذي خرجت فيه.

إن اللهجة النسوية الضارية حول كراهية هانتر ليس لأنها امرأة، ولكن لأنه يجب انتقاد النساء بحرية مثل الرجال، ويبدو واضحًا أن تلك النظرة ولدت من ثقافة وبيئة إعلامية لديها فكرة مشوهة عما يعنيه “أخذ النساء على محمل الجد”، كما أنهن لازلن يكافحن لمناقشة وضعهن كزوجات وصديقات وأمهات.

تقول كيمبكير: “من المؤكد أن النساء اللاتي جمعت معلومات عنهم لن يتفقن على أنهم معادون للنساء، فالمهاجمون سيقولون أنه هؤلاء النساء اللاتي يطلقون أسماء سيئة على الأخريات هم المصابون ببغض النساء، وهناك فكرة تقول أنه يجب أن يكون هنا نساء مثلهم ليتعاملوا مع النساء الاخريات؛ لأنهم يرون الحقيقة. “

المشهور المتلاعب هو في الحقيقة التصنيف الوحيد في نظريات المؤامرة الذي تهتم به باتي؛ فهي ترسم الحدود لما هو مناسب أن يتم التكهن به وما هو غير المناسب. فهي تجد أنه من غير المعقول أن علاقة مايكل شيين خدعة، أو أن كيانو رييڤز أيضًا خدعة. من الخطير أن نقترح أن فايروس كورونا صنع فقط للتخلص من حملة البدوفيلين العالمية. ومن الخطير أن تقول أن هيلاري كلينتون تأكل الاطفال، أو أن ميرل سترييب هي القسيسة الكبرى في طائفة شيطانية. ومن الخطير أن تقول أن الحكومة الأمريكية هي من خططت لحادثة ٩/١١، أو أن التطعيمات تسبب التوحد. لكن تبقى هذه مسؤليتها أن تتحدث عن هانتر، لأن لا أحد سيفعل. الصحفيون الذين تكلموا في الماضي تم تهديدهم للسكوت، وكما تقول باتي الجميع خائف.

قالت لي باتي بينما استعد للرحيل: “في الحقيقة أنا متفاجئة نوعًا ما أنه لم يتم التواصل معك أو طلب منك أن تتركي الموضوع، لأكون صريحة”،  فذكرتها أني لن أثبت أن هانتر فعلت أي شي من الأشياء التي تدعيها، أومأت لي وقالت: “أنا متفهمة، متفهمة بشكل تام و كامل  فنحن لا نملك الدليل لنخرج قائلين “لا يوجد طفل” أتفهم هذا، ولكن أعتقد أن هناك أدلة كافية تبرهن لماذا نحن مشككون“.


[1] – جمعية سرية تأسست في 1 مايو 1776 فيما يسمى آنذاك (عصر التنوير). و”المتنورون” اسم يشير إلى عدة مجموعات، سواء التاريخية منها أو الحديثة، وسواء كانت حقيقية أو وهمية، فمن الناحية التاريخية فإنه يشير تحديدًا إلى فرقة المتنورين في مدينة إنغولشتات بولاية بافاريا في ألمانيا، وأما في العصور الحديثة فالمتنورون أصبحت كلمة تستخدم للإشارة إلى التآمر أو (تنظيم المؤامرة المزعومة). يؤكد أصحاب نظرية المؤامرة أن المتنورين لا يزالون موجودين اليوم، ولهم تأثير غير عادي على الحكومات، وأحد الأدلة على وجودها، وجود العين على الهرم الموجود خلف ورقة النقد من (فئة 1 دولار)، وقد أصبح الشعار الذي يشار به إلى المتنورين اليوم. ومعظم المعتقدات حول المؤامرة نتجت من النظر إلى تأثير المتنورين على النظام وتأثيرهم إلى حد كبير على الماسونية آنذاك. إن وجود الهرم ذي العين المشعة وكذلك البومة (وهي موجودة أيضًا في واجهة ورقة الدولار في الطرف العلوي الأيمن) بات افتراضًا واسع النطاق في أغلب الروايات على أنه من الممكن أن يكون هناك ترابط ما منذ زمن بعيد. يعتقد البعض أن أعضاء رئيسيين ممن قاموا بتشكيل حكومة الولايات المتحدة كانوا من ضمن المتنورين، مثل توماس جيفرسون وبنجامين فرانكلين، وأن من الواضح أن مدى ذلك التأثير قد امتد إلى حكومات العالم. ويقول الكاتب الألماني بايبز إنه عند مناقشتك لأحداث العالم ستجد أن المتنورين لهم دورٌ نشطٌ في معظم الأحداث الكبرى. عبر التاريخ اكتسب المتنورون شعبية في الآونة الأخيرة مع رواية دان براون (ملائكة وشياطين)، وهذه المؤلفات تتناول المتنورين باعتبارهم موضوعًا مثيرًا للاهتمام، حيث صور براون الحرب الاستعمارية بين المتنورين والكنيسة الكاثوليكية الرومانية، التي لا تبين فقط الصراع بين المسيحية والإلحاد بل على وجه التحديد الصراع بين العلم والدين، وهو ما يعترف به الكثير من اصحاب نظريات المؤامرة. -المراجع.

[2] – تشير الموجة النسوية الثانية، من حركة تحرير المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى فترة نشاط نسوية، بدأت مع بدايات عقد الستينيات من القرن العشرين واستمرت حتى نهاية السبعينيات من القرن ذاته. شأنها شأن الموجة النسوية الأولى التي كافحت من أجل حصول المرأة على حق التصويت، ارتكزت الموجة الثانية بشكل أساسي على التغلب على العقبات القانونية وصولًا إلى المساواة والمطالبة بحق المرأة في الاقتراع وحقوق الملكية، إلا أنها كانت ذات نطاق أوسع وذي تنوع في القضايا والموضوعات، مثل: عدم المساواة غير الرسمية (في الواقع) والجنس والأسرة ومكان العمل والخلاص من التمييز القانوني تبعًا للجنس، حتى تطرق الأمر بطريقة مثيرة للجدل بشكل كبير إلى الحقوق الإنجابية. إضافة إلى ذلك، فقد حاولت أن تضيف تعديلًا في المساواة في الحقوق في دستور الولايات المتحدة. واتبعتها الموجة النسوية الثالثة. يرتبط أوج فترة الموجة الثانية بشكل علم بصدور كتاب كيت ميليت عن السياسات الجنسية عام 1969، إلا أن العديد من الأفكار التي أثّرت على هذه الموجة الثانية، وكذلك العديد من الأفكار التي سعت بعض النسويات لمواجهتها وتحديها، يمكن تتبع أصولها إلى كتاب سيمون دي بوفوار “الجنس الآخر”عام 1949 وفي كتاب “اللغز الأنثوي” عام 1963 لبيتي فريدان. -المراجع.

المصدر
theatlantic

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى