عام

إدمان المشاهدة وتهرب نتفلكس من المسؤولية

  • ديبورا دي سوزا
  • ترجمة: حنان حمد
  • تحرير: عبير الغامدي

لعبت نتفلكس دورًا كبيرًا في انتشار عبارة “إدمان المشاهدة”، والتي تعني مشاهدة حلقات العرض التلفزيوني على التوالي ودون انقطاع، بدلاً من مشاهدتها في وقت عرضها الأسبوعي. حتى أنها صاغت في أحد الأوقات مصطلحًا آخر وهو “ماراثون المشاهدة”، والذي يعني أن يهدف المشاهد إلى إنهاء موسم كامل من عرض تلفزيوني في غضون 24 ساعة، وذلك بحسب ما ورد في بيان صحفي تابع لنتفلكس[1].

مؤخرًا بدأت الشركة في التراجع عن استخدام هذين المصطلحين، إن لم تكن بدأت تتخلى عن هذه الممارسة.

 

العادة الجديدة

لقد بُحَّت أصوات الخبراء وهم يُحذّرون من ممارسة هذه العادة الجديدة “إدمان المشاهدة”، ناهيك عن خطورة “ماراثون المشاهدة”. حيث نشرت مجلة Reader’s Digest  قائمة تشتمل على المخاطر الصحية المحتملة من جراء إدمان المشاهدة، ومنها:زيادة في المشاكل الصحية، والعزلة الاجتماعية، وضياع الوقت. ومع ذلك فقد دخل استخدام “إدمان المشاهدة ” إلى وسائل الإعلام، إما كعبارة تُذكر أو كعادة يمارسها الفرد. حيث نشرت PCMag.com في منتصف عام 2018، مقالاً بعنوان “22 نصيحة لتعزيز إدمانك للمشاهدة”، ومن الواضح أن هذا المقال لمساعدة المشاهدين الذين أصيبوا بالعجز عن اختيار ما يناسبهم من البرامج؛ بسبب الكم الهائل من العروض التلفزيونية التي تستحق المشاهدة من وجهة نظرهم.

وقد أُضيف هذا المصطلح إلى قاموس اكسفورد الإلكتروني عام 2014.كما أنه يوجد العديد من التقييمات لعروض تلفزيونية صُنّفت وفق درجة استحقاقها لإدمان المشاهدة، وقوائم أخرى تزخر بأفضل ما يمكن إدمان مشاهدته.

وهنا بعض النقاط الرئيسية:

  • كرّرت نتفلكس الترويج لعبارة “إدمان المشاهدة”، والتي تعني مشاهدة حلقات العرض التلفزيوني دون توقف، وذلك بداية عام 2013.
  • كثيرًا ما شجع الرئيس التنفيذي ريد هاستنقز على إدمان المشاهدة، واصفًا الأمر بأنه هروب من الواقع غير المرحب به، كما أن كلمة “إدمان” ذُكرَت أكثر من 15 مرة في البيانات الصحفية للشركة عام 2017.
  • غالبًا ما تستخدم نتفلكس بياناتها لنشرمعلومات تتعلق بـ”إدمان المشاهدة”، وأيضًا لتخزين المعلومات الخاصة بالعروض التلفزيونية المدمن عليها؛ لإنتاج محتوى جديد.
  • بعد أن اتضح التأثير الضار والمتزايد لإدمان المشاهدة على جودة النوم والحياة الاجتماعية، فقد ابتعدت نتفلكس عن استخدام هذا المصطلح.

 

أبرز المعجبين وماراثون المشاهدة

صرّحت نتفلكس في بيان صحفي، أن عدد المتابعين المشتركين في ماراثون المشاهدة قد ازداد إلى عشرين ضعفًا، وذلك فقط بين عامي 2013 و2016. حيث أعلنت أيضا أن 8,5 مليون من المتابعين قد شاركوا مرة واحدة على الأقل في ماراثون المشاهدة، وأن المتابعين ليسوا فقط من الأمريكيين، فعلى رأس القائمة يأتي المتابعون في كندا ثم أمريكا ثم الدنمارك ثم فنلندا، وأخيراً النرويج. وكما تلاحظون أن سكان أربع من أصل خمس من هذه الدول يعيشون في مناطق ذات شتاء قارس وطويل.

كما أدركت نتفلكس أن هذه الممارسة التافهة من الممكن أن تؤثر سلبًا على حياة مشتركيها، لذا قالت: “قبل أن نفترض أن هؤلاء المتسابقين في ماراثون المشاهدة هم فقط عالة على مجتمعهم وأسرهم، يجب أن يعرف هؤلاء المعجبون المميزون أن في زيادتهم للسرعة في مشاهدة العروض التلفزيونية هو إنجاز عليهم الافتخار و التباهي به، فشغفهم هو مشاهدة العروض التلفزيونية، ورياضتهم المفضلة هي ماراثون المشاهدة”، وهذا يُذكّرنا بمؤسس الفيس بوك مارك زوركربيرج، عندما تفاخر بأنه لاحاجة لنا أبدًا في رؤية أصدقائنا وجهًا لوجه مرةً أخرى.

 

ترسيخ ونشر موجة “إدمان المشاهدة”

أما فيما يخص ترسيخ ونشر هذه الممارسة بين الجماهير، فقد عملت نتفلكس نحو إباحة هذا السلوك، والذي وجد الباحثون أنه يؤثر على جودة النوم، وأنه مرتبط بإنخفاض القدرة على التنظيم الذاتي، والاكتئاب والتوتر. وبكل أسى نجحت في عملها. فبعدما نشرت بيانها الصحفي الذي يتحدث عن ماراثون المشاهدة؛ انتشرت العديد من القصص حول الأمر في كلٍ من: USA Today, Fortune, Entertainment Weekly, Forbes, Mashable, Time, Variety, ، وما لا حصر له من المجلات المنشورة. وهذا مؤشر هام؛ نظرًا لكونه نتيجة دراسة استقصائية أجراها باحثون من جامعة توليدو[2] عام 2016، وذلك أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والقبول الاجتماعي لها دور في إدمان المشاهدة، وأن المشاهد يبلّغ عن نفسه بأنه مدمن لمشاهدة البرامج. كما أنه كلما ازداد عدد من يسمع عن إدمان المشاهدة؛ كلما ازداد استحسانهم ورضاهم لفعل ذلك.

 

النوم هو العدو

جميعنا يعلم أن إدمان المشاهدة كان -ولا يزال- أمرًا مهمًا لخدمة نتفلكس، وقد وصف ريد هاستنغز النوم بأنه أكبر منافسي الشركة، فقاموا بتوظيف عملية التشغيل التلقائي، وهي التي تنقل المشاهد في العرض التلفزيوني من حلقة إلى أخرى تلقائيًا.

وللمزيد، تكرّر ظهور عبارة “إدمان المشاهدة” في وسائل التواصل التابعة لنتفلكس، حيث ظهرت كلمة “إدمان” 15 مرة في الأخبار التي نشرتها نتفلكس عام2017.

غالبًا ما تستخدم نتفلكس بياناتها لنشر المعلومات المتعلقة بـ”إدمان المشاهدة” لتكتب عنها وسائل الإعلام. كما أن كلمة “إدمان” اُستخدِمت في المكالمات الجماعية ربع السنوية، كما ذُكرَت في بث الشركة لاستراتيجية المدى الطويل على صفحة علاقات المستثمرين التابعة لهم.

وهنا بعض الأمثلة لبيانات نتفلكس الصحفية:

“نتفلكس تعلن أن إدمان المشاهدة هو الوضع الجديد”، بالإضافة إلى “سلسلة، فيلم، سلسلة، كرّر: هو النمط الجديد لإدمان نتفلكس” وغيرها[3]، كما كان لنتفلكس بيان صحفي عن ماراثون المشاهدة، والذي هو جزء من حملة الشركة المستمرة لإزالة أي شعور بالخجل يرتبط بقضاء ساعات طويلة أمام شاشة التلفاز، حتى أنها نشرت بيانات لاستطلاع يُذكَر فيه أن نسبة 67% قد يجازفون بالتعرض للإحراج من أجل مشاهدة برامجهم وأفلامهم المفضلة علنًا.

 

ذروة الانتشار

من الواضح أن ننتفلكس توقعت رد الفعل العنيف، المحتمل أنها ستواجهه لوقتٍ طويل؛ وذلك بسبب ترويجها لإدمان المشاهدة. فمولت دراسة في عام 2013 وجدت أن نسبة 73% من مشاهدي البث التلفزيوني يكنون مشاعر إيجابية له، ولم يشعروا بالذنب حيال إدمان المشاهدة، وأن نسبة 76% منهم وصفه بالملاذ الذي يلجأ له بعيدًا عن الروتين اليومي، ولكن كشف استبيان آخر أن أكثر من النصف من 3087 بالغًا شملتهم الدراسة، أنهم لم يشاهدوا التلفاز ولو لمرة واحدة في الأسبوع، مما يجعل المرء يتساءل عما إذا كانت آرائهم عن إدمان المشاهدة أمرًا يستحق الالتفات له.

في تلك الأثناء وجدت دراسة أجراها باحث في جامعة ترينتي[4]، أن المشاهدين الذين أبلغوا عن قضاء ساعات طويلة في الأسبوع أمام شاشات التلفاز، كانوا أقل عرضة للشعور بالذنب لإدمانهم المشاهدة، مقارنةً بهؤلاء الذين شاهدوا التلفاز ساعات أقل. وفي نفس البيان الصحفي، قال عالم الانتروبولوجيا الثقافية جرانت مكراكين والموظف لدى نتفلكس: “أن مشاهدي التلفاز اليوم ليسوا عالة على مجتمعهم كما وصفوا في الماضي، بل هم مستكشفون يهدفون لتجربة ما هو جديد”.

لم يعد مشاهدو التلفاز ينحصرون فيمن يشاهد التلفاز للترفيه عن يومه، حيث إن المشاهدين يشاهدون التلفاز وفقًا لجدولهم الخاص للدخول إلى عالم مختلف. وأن الاستمتاع بلذة الانغماس في مشاهدة حلقات متعدّدة، أو مواسم متعدّدة من العروض التلفزيونية على مدى بضعة أسابيع، لهو نوع جديد من الهروب من الواقع الذي يلقى القبول، خاصةً اليوم.

 

“الإدمان” مصدر الدخل الرئيسي للشركة

روّجت نتفلكس لإدمان المشاهدة، حيث قيل للمستثمرين فيها إنه أمر ضروري لوجود الشركة. وعندما سُئِل الرئيس التنفيذي ريد هاستنغز عام 2011 عن السبب الرئيسي في عرض الشركة لمواسم العروض التلفزيونية كاملة ومتتالية في نفس الوقت، قال:”إن علامة نتفلكس التجارية للبرامج التلفزيونية تدور في الحقيقة حول إدمان المشاهدة”. “إنه التهيؤ للإدمان لمشاهدة الحلقة بعد الأخرى، إنه مسبب للإدمان ومثير للحماس ومختلف”.

وفي مؤتمر عبر الهاتف عام 2014 وصف الرئيس التنفيذي رغبة المشاهدين في إدمان المشاهدة “بالقيمة العالمية الاستثنائية”. كما أن نتفلكس أخبرت المستثمرين أن استعداد الجماهير لإدمان المشاهدة هو مؤشر عالي على جودة محتواها، وأن معرفتها بمدى سرعة المشاهدين في رؤية الحلقات يتيح لها معرفة وجهتها في اتخاذ القرارات المتعلقة ببرنامجها. وأن هذه المعرفة مفيدة من عدة نواحِ، فقد قال هاستنقز في مكالمة الأرباح في يوليو عام 2015: “نحصل على الكثير من البيانات حول كيفية مشاهدة الناس للبرامج ومدى سرعتهم في المشاهدة مما يقودنا لوضع الخطط لبرامجنا”. وفي مكالمة جماعية مع المستثمرين عام 2013، قال مدير العمليات تيد ساراندوس: “أنه أمر لا مخاطر فيه إذا شاهد أحدٌ ما جميع الحلقات من العرض التلفزيوني في مدة زمنية قصيرة جدًا، فذلك يعني أنهم يحبون ذلك المحتوى، وهذا مؤشر حسن، يعني أننا نؤدي عملنا بشكل جيد معهم”.

 

“بعد التأثير الضار لن نتحدث عن الأمر مرة أخرى”

في عام 2018 لم تعد نتفلكس تذكر الإدمان بكثرة، ولكن في بيان صحفي لنتفلكس في فبراير عام 2018، كُتِب فيه أن المشتركين الجدد يأخذ الأمر منهم 12 يوم للاستمتاع بتجربتهم الأولى في إدمان المشاهدة.

وفي تقارير للشركة بأنها أصدرت تعليمات للممثلين الذين يروجون لعروضها التلفزيونية الجديدة بتجنب كلمة الإدمان. من المؤكد أن نتفلكس لا تريد لعروضها التلفزيونية أن تكون أقل قيمة، وأن يكون إدمان المشاهدين عليها أقل، ولكن مع التحول الثقافي، أصبحت نتفلكس أكثر حذرًا في استخدام عبارة اتخذت دلالات سلبية -على الأقل- بالنسبة للبعض. على كل حال لم تعد العبارة حصرية لنتفلكس، فهناك العديد من العروض التي تستحق الانغماس في مشاهدتها، والتي لا تمتلك نتفلكس حقوقها، مثل قيم اوف ثرونز من السلاسل التابعه لأتش بي، أو ذا هاندميدز تيل التابعة لهولو، أو ذس از يو اس التابعة لأن بي سي.

سواء أحببت أو كرهت إدمان المشاهدة، يبدو أن الأمر مازال مستمرًا، سواء تحدثت نتفلكس عن الأمر أم لا.

اقرأ ايضًا: الحلوى القاتلة


[1] according to a press release from Netflix

[2]  survey conducted by researchers at the University of Toledo

[3] – “Decoding the Defenders: Netflix Unveils the Gateway Shows That Lead to a Heroic Binge.”

[4]  study by a researcher at Trinity University

المصدر
investopedia

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى