عام

خرائط العقل

  • حوار مع فريمان ديسون
  • ترجمة: ضحى جاسر
  • تحرير: المها العصفور

فريمان ديسون: تحدثت عن الخرائط والمشاعر، وما إذا كان العقل تناظري أم رقمي. سأشارككم نظرة صغيرة عما كتبته:

يستخدم العقل الخرائط كي يعالج المعلومات، فالمعلومات تنتقل من شبكية العين إلى مناطق مختلفة في الدماغ حيث تتحول الصورة التي تراها العين إلى خرائط من مختلف الأنواع. تنتقل المعلومات من الأعصاب الحسية في الجلد إلى مناطق حيث تتحول إلى خرائط للجسم، فالدماغ مليء بالخرائط وجزء كبير من النشاط هو نقل معلومات من خريطة لأخرى.

وكما نعرف من استخدامنا للخرائط يمكن رسم الخرائط من مختلف الصور إما عن طريق المعالجة الرقمية أو  المعالجة التناظرية. ولأن الكاميرات الرقمية رخيصة الآن، وكاميرات السينما أضحت قديمة وبالية= فإن كثيرا من الناس يعتقدون أن عملية رسم الخرائط في الدماغ يجب أن تكون رقمية، ولكن الدماغ قد تطور على  مدى ملايين السنين دون أن يتبع طريقتنا الرقمية البالية. الخريطة في جوهرها جهاز تمثيلي فهي تستخدم صورة لتمثيل صورة أخرى. يجب أن يتم التصوير في الدماغ عن طريق المقارنة المباشرة للصور بدلاً من ترجمة الصور إلى شكل رقمي.

 عند تأمل أنفسنا يتضح لنا أن أدمغتنا سريعة بشكل لا يصدق؛ فإن هناك مهمتين تمثل عملية التنقل بينهما  ضرورة لحياتنا هما: التعرف على الصور في الفراغ وتمييز أنماط الأصوات في الزمن. فنحن نتعرف على  وجه إنسان أو ثعبان في عشب في أقل من الثانية، وندرك صوت الإنسان أو آثار الأقدام بنفس القدر من السرعة. تتطلب عملية التعرف مقارنة الصورة الخارجية مع قاعدة بيانات هائلة من الصور المحفوظة في الذاكرة. كيف يتم ذلك في ربع ثانية دون أي جهد يذكر؟ ليس لدينا أي فكرة. ويبدو مثلا أنه يتم مسح الصور في الذاكرة عن طريق المقارنة المباشرة للبيانات التناظرية بدلا من الرقمية.

الميزة الخاصة للشعر -مثل أوديسة هيومرس أو ويستلاند لإيليوت- هي أنه يشبه شخصية الإنسان إلى حد كبير، حيث يهتم جزء كبير من دماغنا بالتفاعلات الاجتماعية، في محاولة للتعرف على أشخاص أخرين، وتعلُم كيفية العيش في الفئات الاجتماعية. إن الارتباط الملحوظ بين حجم الدماغ وحجم الفئات الاجتماعية في القرود يجعل من المرجح أن أدمغتنا تطورت في المقام الأول للتعامل مع المشاكل الاجتماعية. إن قدرتنا على رؤية الأآرىن كنظراء لأنفسنا هي أساسية لوجودنا كحيوانات اجتماعية.

سأستمر في الحديث عما أخبرنا به داني هيليز منذ ثلاثين سنة في مجلته بعنوان “الذكاء كسلوك مستجد” والتي تكون بالتأكيد قصة رائعة، حيث قدم داني شرحا لتطور ونشأة الغناء من الخطاب العدي، وكانت لديه فكرة أن الأغاني في الأصل هي تعود لفصائل متطورة وأن القرود أنماط ظاهرية فقط.

كيف تطورت الأغاني بالفعل؟ يجب أن تكون حاضرة في ذهن القرد كي تظل حية، وكيف يتم تذكرك أنت من قبل القرد؟ حسناً، عليك أن تعطي لنفسك بعض الاستخدام العملي المترابط. يجب أن تكون الأغنية مفيدة للقردة من أجل البقاء. لذلك، يمكن أن تصبح الأغنية صالحة للبقاء وعلى قيد الحياة فقط من خلال ربط نفسها بالمعنى. وبالتالي، لديك تطور مشترك للقردة والأغاني بحيث تكتسب الأغاني المزيد من المعني بشكل تدريجي، والقردة تحصل على مزيد من التواصل. في النهاية، يتطور ذلك إلى خطاب. هذه فكرة جميلة، الأغنية هي بالطبع متشابهة من البداية إلى النهاية. إنه صوت وروح الشيء الذي ينتقل، وليست الصوتيات الفردية.

أنا أقترح أن الدماغ بشكل رئيسي جهاز تناظري، مع بعض المناطق الصغيرة المتخصصة في العمليات الرقمية. ومن المؤكد أن هذا ليس صحيحا، كما يتم زعمه أحيانا من قبل النقاد الذين يتحدثون على شاشة التلفزيون، أن نصف الدماغ الأيسر رقمي، ونصف الدماغ الأيمن تناظري. يبدو أن هذا صحيحا حيث إن معظم المعالجة الرقمية تتم على الجانب الأيسر؛ ولكن تقسيم المهام بين نصفي الدماغ ما يزال غير مستكشف إلى حد كبير.

سيث للويد: واحدة من السمات المثيرة للاهتمام في العودة إلى مؤتمرات ميسي الأصلية على  علم التحكم الآلى هي أنه مثال رائع على شيء يتكرر الآن. المشاكل التي ظهرت في ذلك الوقت كانت لا علاقة لها بالموضوع إلى حد ما لعقود، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ما كان يقوله رودني، وهو أننا اعتمدنا على هيكلة فون نيومان للحواسي ومن ثم اختفي قانون مور، لذلك لم يكن علينا أن نعاني مع وجود طرق مختلفة لمعالجة المعلومات.

لقد كانوا مهتمين جدا بشأن مسألة البنية، وماذا تعني؟ لماذا يحصل البشر على البنية الكلية -أي الإحساس بالكل- من كل هذه الأجزاء المنفصلة؟ كانوا يتساءلون عما يحدث في الدماغ الذي يعطيك هذه الفكرة مثل “نعم، هذا الذي هناك هو فريمان، أنا أدرك هذا”. كما أنها تسأل سؤالا عما إذا كان الذكاء الاصطناعي وأجهزة الكمبيوتر يمكن أن تكوِّن الصورة الكلية أو “الجشطلت”.

الآن، منذ المثال الشهير لتعلم شبكات جوجل المتخصصة التعرف على القطط على شبكة الإنترنت، فإن هذه الشبكات على الأقل لديها بنية معينة لقطة. انتبهوا: من وجهة نظر احتمالات بايز فإن الاحتمالات الأولية لكون صورة على شبكة الإنترنت هي لقطة= مرتفعة إلى حد ما، لذلك لأول مرة، يجب أن نقول أن لدينا شبكات عصبية اصطناعية تمتلك صورة كلية؛ هذا مدهش، لأنه مر سبعون عاماً منذ طُرح هذا السؤال لأول مرة. حتى الآن، كنت قد قلت أن برامج التعرف على الأنماط لن تمتلك هذا الشعور بـ” نعم، إنها قطة” ولكنها الآن تفعل ذلك، لذا، إنه شيء حقيق بأن يُذكَر.

ديسون فريمان: هذا كله صحيح، الذي يسمونه التعلم العميق هو تقليد هذه المقارنة بين الصور عن طريق الترجمة إلى اللغة الرقمية؛ ولكن ما يزال احتمال أن الدماغ لا يفعل ذلك بهذه الطريقة قائما!

ستيفن ولفرام: تعتمد الشبكات العصبية بشكل كبير في تعرفها الحالي على الأنماط على أن لديها مقادير لأعداد حقيقية يمكن تحسينها تدريجياً بأساليب تشبه حساب التفاضل والتكامل؛ ما يزال السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هناك طريقة للقيام بذلك مع أشياء رقمية بحتة حيث لا يوجد هذا التحسن التدريجي الشبيه بالتفاضل والتكامل.

ديسون: نعم. بالتأكيد، إنه سؤال مفتوح. أنا فقط أميل إلى جانب معين.

ولفرام: في نظرك، هل الشبكة العصبية الاصطناعية التي تعمل بمقادير العدد الحقيقي تناظرية أم  رقمية؟

دايسون: إنها رقمية؛ إنه تقليد رقمي بحت لعملية طبيعية كانت تناظرية.

ولفرام: لا، لجعله تناظريا يجب أن يكون لديك حقل كامل وليس مجرد مصفوفة من المقادير؟

دايسون: سوف تتراكب الصور على بعضها البعض بطريقة أو بأخرى وتتناسق، إنه نظام أكثر تسامحاً مع الأخطاء، لذا فأنت لا تطلب دقة اثني عشر رقمًا؛ إذا كانت الصورة تشبه صورة أخرى، فسيتم تذكرهما معا. الذاكرة الترابطية هي أساس العملية برمتها، وهذا يعمل بسلاسة مذهلة لا نفهمها.

دانيال هيليس: بالتأكيد، على مستوى ما، هناك خلايا عصبية غير مستثارة في شبكية العين، والتي تقوم بوضوح بعمل عملية حسابية تناظرية بحتة بكل معنى الكلمة. إذا كان لديك شيء مثل شبكة هوبفيلد، والتي تقوم بشكل أساسي بإيجاد معامل التحول الخطي للمصفوفة من خلال التجربة والخطأ والتكرار الذاتي، هل سيكون معامل التحول الخطي مخرج رقمي لنظام تناظري تماما؟ هل تضع ذلك في الفئة التناظرية؟

دايسون: حسنا، بالطبع لا يجب عليك وضع الأمور في فئات، معظم الأشياء هي مزيج، وهذا مثال جيد.

كارولين جونز: أحد الأشياء التي تشوس المحادثة بالنسبة لي -كواضعة لنظرية الصور ومؤرخة للجشطالت- هو أننا جعلنا الآلات تتعرف وتستقرئ البيانات الرقمية لكي تنتج لنا بنية كلية. إنها محادثة معقدة، لأن جميع خوارزميات ضغط البيانات يتم التلاعب بها لإنتاج شيء سوف نكمله نحن بعد ذلك؛ ثم سنأخذ القطع المجزأة ونقوم بأعمالنا التناظرية عليها لبناء أغنية ونقول: “مذهل! إنها حقيقية للغاية!”.

نحن من يقوم بالإكمال المعرفي للمنتج الرقمي؛ فنحن آلات التجميع التي تبني النمط الكلي في الخارج، سواء ما أتصوره كان قطة أم لا، فالجهاز لا يهتم. وعندما تنظر إلى بعض ما يميزه جوجل على أنه قطط، فإنه يكسر حقا مفهوم تكوين الصورة الكلية؛ إن ما يتعرف عليه الجهاز هو مجرد عينين في مكان معين مع بعض الفراء، في مقابل أن فرضية البنية الكلية تقوم على تكميل الأجزاء المنفصلة. لنأخذ المشروع الغريب الذي ينظر فيه إلى ثلاث زوايا مختلفة على أنها مثلث يحولها الحاسوب إلى دائرة؛ فإن أي ثلاث نقط يستطيع الدماغ البشري بكل سهولة أن يعتبرها شكلا هندسيا، وهو ما يمكن أن تفعله الآلة فقط إذا قلنا لها “هل يمكنك أن تجعل من هذه الثلاثة نقاط مثلثا كما يبدو للناظر البشري؟ هل يمكنك رجاءً أن تستوفي تلك القطع المفقودة؟ نحن بحاجة إلى رؤية مثلث”. لذلك، هذا الربط المُنتِج مرتبط بما نعطيه نحن للآلات لتقرأه. لقد جعلناها  صانعة خرائط تناظرية لنا، ولكن ليس لدي حتى الآن شعور بما ستفعله الآلات بنفسها لنفسها.

جورج دايسون: عندما تشكلت مجموعة علم التحكم الآلى لأول مرة، لم تكن تسمي هكذا بل كانت تسمى “المجتمع الغائي”،  ثم عندما جاء ماسي ودعم ذلك، وقال: “سوف ندعم هذا، ولكن على أن يكون لدينا اسم مختلف” وعندها سموا أنفسهم مجموعة علم التحكم الآلى. في الأصل، كان الاسم “المجتمع الغائي” وهو ما كان الفرضية الأساسية.

جون بروكمان: ماذا سيسمون مجموعتنا؟

جونز: جمعية مكافحة الغائيات.

للويد: جمعية الإيمان بالأخرويات.

فرانك ويلتشيك: جمعية ما بعد المنطق.

ولفرام: ما نوع النظرية التي ستؤيدها لوصف ما قد يحدث في الدماغ؟ أنت تقول أنها تنشئ إسقاط مختلف للصورة القادمة من الخارج، فما هي تلك النظرية التي تصف تلك العملية؟

دايسون: لماذا أنتج التطور أشخاصاً مثل بيتهوفن وموزارت أو سوفوكليس أو إليوت وهم أشخاص كانوا عباقرة في الموسيقى أو اللغة؟ هذه الدرجة من التطور والتعقيد في إتقان الموسيقى واللغة هي أبعد بكثير من أي شيء يحتاج إليه البقاء البيولوجي، لكنه حدث؛ كيف تفهم ذلك؟

ولفرام: إذا كان لديك برنامج بسيط، ويمكنك تشغيله، فإنه سيفعل أشياء معقدة بشكل مثير للدهشة، ورغم أن البرنامج قد صُمِّم فقط ليُميِّز مجموعة من ثلاث خلايا سوداء بعد أربع خطوات أو شيء من هذا القبيل؛ إن هذه العبقرية تحدث فقط كأثر جانبي فأنتج هذا السلوك المعقد بشكل مثير للدهشة، هذا هو التشبيه الذي أستعمله للتعبير عما يحدث في تلك الحالات.

دايسون: هناك صورة كلية للمشهد -مشهد غروب الشمس في المناطق المدارية أو التأثر بجمال سيمفونية ما- هذه الصورة الكلية مجرد بنية، وهي شيء متأصل في الصورة بأكملها وليس في الجزئيات؛ وعلى هذا النمط يعمل الدماغ مباشرة على الصورة الكلية وليس على الأجزاء المكونة لها.

دانيال هيليس: قد تكون الإجابة الحرفية على سؤالك هي الفوز بالحظوة الجنسية. ففي الأساس، كانت الطريقة لتحظى بالأنثى هي أن تكتب معزوفة أو تغني أغنية جميلة.

إلىسون غوبنك: لكن هذا في حد ذاته يعكس وجود بعض الأحكام المسبقة في هذه المجموعة. ليس من الواضح أن الإنجاز الفني والعلمي له هذا التأثير بشكل عام.

السؤال هو: لماذا نتطور لدعم الإنجاز الفني والعلمي؟

جوبنك: إليك إمكانية مثيرة للاهتمام، وهو أمر خرج من عالم التعلم العميق: في كثير من الأحيان الطريقة التي يمكنك بها جعل هذه الأنظمة تعمل هي من خلال وجود الهلوسة، حيث يولد النظام الكثير من المخرجات الممكنة من بعض التمثيلات التي ليست في الواقع أشياء تتصورها أو لا تدخل في النظام من الأساس.

إن أخذ نموذج توليدي ثم محاكاة الكثير من النتائج التي لا تراها أو تكتشفها هو خطوة حاسمة في جعل الأمور تعمل. ثم، لديك نظام آخر ينظر إلى العلاقة بين النموذج المولد والمخرجات، ثم يستخدم تلك العلاقة ليحول مخرجات الهلوسة إلى الأشياء التي لم تكن موجودة أبدًا، باستثناء أنك قمت بتوليدها وتحاو ل أن تجعل من ذلك معنى؛ لقد تبين أن هذا مهم حسابياً.

إنه على الأقل مماثل بشكل مثير لأشياء مثل التظاهر باللعب مع الأطفال، على سبيل المثال. لا تحتاج إلى أن يكون لديك آينشتاين وبيتهوفن  ليكون لديك أمثلة على أناس تخلق أشياء غير حقيقية. ما هي الميزة التطورية لوجود صديق وهمي أو عالم متظاهر مجنون؟ هذا ليس شيئاً تحتاج إلى الاعتماد على الخبراء من أجله، هذا شيء يبدو أنه سمة عالمية للطفولة.

هيليس: فكرة الاختيار الجنسي تجعلك تستكشف التعبيرات الأكثر تعقيدا من تلك لإثبات أن التعقيد يخلق الألعاب ليس فقط بالذكاء ولكن أيضا بالتصنع. هناك أمثلة على كل ذلك في سلوك الحيوانات البدائية وفي أشكال من الزهور، وغيرها، حيث يميل التفضيل الجنسي إلى التعقيد والجمال لأنها أمور من الصعب القيام بها. لذلك، بدا أن لهذا التعقيد فائدة.

لو كان (تشومسكي) هنا لقال أن البشر لديهم لغة إنسانية عالمية والتي أهديناها بالمناسبة إلى أجهزة الكمبيوتر. نحن الكيانات الوحيدة على هذا الكوكب التي لديها هذه اللغة العالمية؛ إذا نظرتم إلى الشمبانزي، أو  الطيور المغردة، أو  الدلافين، فإنها لا تستطيع معالجة المعلومات بالطريقة التي نفعلها.

واحدة من سمات اللغة البشرية العالمية هي أنها منفتحة بشكل لا نهائي، حيث تسمح لك بإمكانية بناء أي مجموعات ممكنة من الأفكار، أو لحساب أي شيء في حالة أجهزة الكمبيوتر. معزوفات وسمفونيات موتزارت، فبمجرد أن يدرك الناس قيمة وقدرات تلك اللغة فيجب أن تتوقع أن يحدث هذا عاجلا أم آجلا.

جونز: لدي ملاحظة مختلفة، وهي أن الثقافة هي منتج إنساني فريد جدا. أنا متأكد من أنك يمكنك أن تجادل أن الطيور المغردة لديها ثقافة وهلم جرا، لذلك لنضع ذلك جانبا؛ لقد أنتجنا هذه العوامل الخارجية جزئيا لتطوير أنفسنا، هذا جزء من السحر، أن تجعل هذا الشيء الذي يسمى فنًا وتجمع الناس حوله لتفسيره، ومن ثم يصنعون معنى معين وهذا المعنى نفسه يغيرهم في المستقبل، ويغير ذريتهم، ويغير معدل بقائهم على قيد الحياة.

هذا جزء من العملية التي تأسرني، ليس كل من يستمع إلى بيتهوفن يذهب لممارسة الجنس مع بيتهوفن. إذاً، ماذا يحدث أيضاً مع الفن؟ انه هناك لكي نطور أنفسنا في الاتجاهات التي نتفق اجتماعيا وثقافيا أننا نريد أن نطورها. هذا غير عادي.

نيل جيرشنفيلد: كانت هناك دراسة مثيرة للاهتمام قبل عامين أظهرت أن الطيور لديها مفهوم الموضة، عن طريق ملاحظة لون الريش الذي لديهم وكم المدة التي يتغير بعدها. توجد أزياء للطيور.

هيليس: جزء من  جاذبية “أغاني عدن” هو القصة التي قال فريمان عنها أن من نتحدث عنهم بـ “نحن” ليست مجرد قرود؛ “نحن”  في الواقع هي الثقافة التي تطورت. لذا، ما يجعلنا بشراً هو الجمع بين هذين الأمرين معاً. ما كان يتطور ليس فقط الجينات التي تطورت من القردة، بل أيضا هذا التعقيد الثقافي الذي يجب أن تحدث فيه كل تلك الأشياء، وهذا جزء مما نحن عليه؛ نحن مزيج من هذين الأمرين.

يان مسيوان: يبدو أن كل الفن والموسيقى هو حالة خاصة لما يفعله الجميع، لذلك قد يكون من العشوائي أن هناك بعض الناس الذين يصادف أن يفعلوا هذا على نحو أفضل.

دايسون: ملاحظة واحدة فقط: إذا كنت تقدم مشروع في ميكانيكا الكم -بالطبع كل من أجهزة الكمبيوتر الرقمية والتناظرية قد تكون كلاسيكية أو أنها قد تكون كمومية- هذا يصنع ميزة قوية إضافية لطريقة العمل التناظرية. ميكانيكا الكم لديها هذه النوعية من التماسك الذي يربط أجزاء من المشهد المادي كله في هذه الطريقة الغامضة، أي الأجزاء المختلفة من الصورة متماسكة. هذا يتم فقده تماما عند رقمنته، ولكن يتم الحفاظ عليه عند تطبيقه تناظريا. هذا سبب إضافي لماذا تبدو الحوسبة التناظرية واعدة أكثر.

جيرشنفيلد: أنا وسيث كنا جزءًا من برنامج مثير للاهتمام للغاية في البيولوجيا الكمومية. يستخدم علم الأحياء الترابط الكمومي بشكل رائع، ولكن فقط مع عدد صغير جدًا من درجات الحرية. والأمر مكلف جدا للحفاظ على الترابط؛ لأنه غير محتمل إلى حد بعيد، وأعتقد يا (سيث) أنك ستوافق على أن هناك ترابط كمي واسع النطاق في أي مكان بالقرب من علم الأحياء. انها في أعداد مختارة و صغيرة من درجات الحرية.

دايسون: لا، أنا أختلف تماما مع ذلك. الترابط الكمومي يعمل بشكل جيد على مسافات كبيرة.

جيرشنفيلد: على مسافات كبيرة نعم، لكن المسألة حول درجات الحرية ومقدار الطاقة الحرارية.

وولفرام: ما الأمثلة على ذلك من علم الأحياء؟

للويد: لو فقط تلقي نظرة من النافذة، كل هذه الأو راق الخضراء هي LHC2، وهو نظام الصور الأولية للنباتات، ويستخدم الترابط الكمي بطريقة متطورة جدا لزيادة كفاءة النقل، وأنه لأمر مدهش؛ ولولا هذا الترابط الكمي لكان النظام بعشر كفاءته.

جيرشنفيلد: هناك مثال آخر مثير للاهتمام هو استشعار الحقول المغناطيسية. هناك كيمياء مستقلة في كيفية إدراكك للمجالات المغناطيسية. الحفاظ على الترابط الكمومي مع الكثير من درجات الحرية داخل مسار حراري أمر من الصعوبة بمكان، وهذا هو التحدي في الحوسبة الكمية. الفيزياء تجعل من غير المحتمل وجود ترابط كمومي على نطاق واسع.

للويد: حسناً، هذا ليس صحيحاً تماماً. إذا نظرتم إلى الضوء من نجم بعيد وكان لديك تلسكوب كبير بما فيه الكفاية من الممكن ظهور الترابط في هذا الضوء. هذا هو تأثير هانبري براون-تويس، الذي يسمح لك ببناء تلسكوبات مرجعية كبيرة. ولكن هذا هو الوضع الذي سافر الضوء فيه، وكان من الممكن أن يسافر لملايين السنين.

جيرنفيلد: وليس هناك تفاعل. هناك ترابط جانبي.

للويد: هذا لأنه لم يتعرض للتشتت على طول الطريق.

جيرشنفيلد: ليس هناك ترابط طولي، لذالك هو تماسك جانبي.

للويد: لكنه لا يزال كميّاً.

داڤيد تشالميرز : فريمان، لدي فضول حول كيفية حصولك على النموذج الخاص بك من التناظرية وإنشاء البنية الكلية دون حساب كمي. إذا افترضنا أن كل شيء يسير حسب الفيزياء الكلاسيكية والحساب الكلاسيكي، فمن المفترض أن ينهار إلى أجزاء ميكانيكية موضعية.

إذا كنت أعمل على صورة عبر الآلات الكلاسيكية، فمن المفترض أن يتحتم على  أن أعمل على مستوى يعمل على أجزاء من الصورة. ألن تعود وتقول “حسناً، هذا ليس ما كنت أحتاجه كنت بحاجة إلى شيء شامل يعمل على الصورة بأكملها في وقت واحد”؟ يمكن للمرء أن يشعر على الأقل بوجود محاولة للقيام بذلك بميكانيكا الكم، ولكن كيف يمكن للمرء أن يفعل ذلك ربما دون ميكانيكا الكم؟

دايسون: حسناً، إنها واحدة من الأسرار الكبيرة ليس لدينا أي فكرة كيف يعمل كل ذلك.

كالميرس: إذا كان الدماغ يفعل ذلك من خلال الآليات الموضعية من الخلايا العصبية، هل هذا يؤخذ في الحسبان؟ أوهل لا يزال يقسمه إلى أجزاء؟

ف.دايسون: لا أنا ولا أي شخص آخر يعرف ما هي الخلايا العصبية ولا كيف تعمل، الخلايا العصبية هي جهاز ذكي جداً جداً.

اقرأ ايضاً: العقل: معضلة الفلسفة المادية الكبرى

المصدر
edge

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى