عنوان هذا النص مُستوحى من المُلهم: الفيلسوف المؤرخ الطبيب الفرنسي غوستاف لوبون (1841-1931م)، في كتابه المدهش الذي لا يهرم مع كر الدهور الموسوم بـ السنن النفسية لتطور الأمم (ص 25)، وهو مِن ترجمةِ القدير المكين عادل زعيتر (1895-1957م). لوبون كما هو معلوم هو كاتب سِفر “حضارة العرب” وسِفر “حضارة الهند” وغيرها من الأسفار الضخمة في فلسفة التاريخ، وفي صناعة الحضارات وسقوطها، وهو يستخدم منهجية تحليلية نقدية تسعى لأن تزاوج بين عدة حقول معرفية، ومنها: علم النفس والتشريح والتاريخ والأنثربولوجيا، على أنني لن أشير إلى مسألة المنهج لديه، حيث إنني أعتقد بأن النص الفلسفي يُتوَّج بما أسميه بـ كارزما المضمون، بخلاف العلم المُتوَّج بـ كارزما المنهج.
25 درساً مُستخلَصاً من لوبون
ألخصُ في هذا المقال الفكرة المحورية التي أراد فيلسوفُ التاريخ والحضارة والعِرق واللاشعور إيصالها لنا. إنه يقول لنا بشكل رئيس: أنتم بأخلاقكم تتسيدون لا بذكائكم!، مؤكداً على أن الأموات أكثر تأثيراً من الأحياء على: سير الحضارات وتقدم الأمم أو انحطاطها، ومشيراً إلى أن التعليم لا يؤثر كثيراً في تغيير روح العرق “إلا بتراكم الوراثة البطيء للغاية” (ص 31). ماذا يعني كل هذا؟ وما أبرز انعكاساته؟ وما الأدلة التي ساقها لوبون للتدليل على صحة ما يزعمه؟ وما تفاصيل النتائج التي توصل إليها لوبون في تضاعيف استنتاجاته المثيرة؟.
الإعجاب الذي طرزتُ به المقدمةَ لا يعني البتة أنني أتفق معه في كل ما قاله، وإنما في جله وبالذات في النصف الأول من الكتاب، والجُل كثير!. قد تشاطرونني الرأي ذاته وقد تختلفون معي، على أنني أحسب أنكم لن تبتعدوا كثيراً عن حِياض تقدير هذا الكتاب وما أسفر عنه من نتائج جديرة بالتأمل المعمق. وهذا ما يدفع باتجاه تجلية أهم الأفكار في هذا الكتاب العميق. ما رأيكم لو أنني قمت باستعراض أهم خمس وعشرين نتيجة محورية خلص إليها لوبون من وجهة نظري، مع إعادة ترتيبها بما يجعلها أكثر قابلية للفهم المتسلسل، ثم أترك بقية المساحة المتاحة في هذا النص مشاعةً لقدر من التفاصيل في بعض من تلك النتائج.
دعوني أرصها في نقاط مُكبسلَة، مع حرصي على الاحتفاظ بكلمات لوبون المكسية بأدبنة زعيتر الفخمة الراقية، محيلاً على أرقام الصفحات (طبعة عصير الكتب، 2018)، متوسلين بعناوين فرعية تعكس الأفكار المحورية في الاقتباسات المنقولة، محافظاً على رقم مسلسل لها.
الحضارة تنهض على مبادئ قليلة لا شعورية
- “تقوم حضارة كل أمة على عدد قليل من المبادئ الأساسية، ومن هذه المبادئ تُشتق نظمُها وآدابُها وفنونُها، وهذه المبادئ تتكون ببطء كبير كما أنها تزول ببطء كبير، وهي إذا غدت من الأغاليط الواضحة لدى أصحاب النفوس المثقفة منذ زمن طويل ظلت عند الجماعات من الحقائق التي لا جدال فيها، واستمرت على عملها في أعمق طبقات الأمم” (ص 29).
- “إذا ثبت أن المبادئ لا تكون مؤثرة إلا بعد هبوطها من دوائر الشعور إلى دوائر اللاشعور، أدركنا السبب في أنها لا تتحول إلا ببطء كبير، وفي أن المبادئ الموجهة للحضارة قليلة العدد إلى الغاية، وفي أنها تتطور في زمن طويل” ( ص 185).
الأمم مُسيّرة بأخلاق عِرقها والأموات أكثر تأثيراً !
- هنالك نوعان للعروق البشرية (ص 49):
أ- عروق خالصة (طبيعية)، وهذه لا توجد إلا في الشعوب الهمجية البدائية في المناطق النائية في أفريقيا وآسيا.
ب- عروق تاريخية، حيث إنها نتجت بفعل التمازج بين عدة شعوب “ومصادفات الهجرة والفتوحات” واستمرارها في بيئة واحدة لقرون طويلة، ومنها العروق الأوربية، فهي عروق تاريخية بامتياز.
- “الأمم -وهي لا كبير تأثير للعقل فيها- مُسيّرة بأخلاق عرقها؛ أي بمجموع المشاعر والاحتياجات والعادات والرغبات التي هي دعائم روحها الأساسية، وتمن هذه الروح القومية على الأمم بثبات دائم .. وهنا نلمس سر التاريخ، وهنا نلمس سر القوى الخفية التي توجه مجراه. ” (ص 16).
- “العرق بالحقيقة هو الذي يعين الوجه الذي تسير به الأمم بفعل الحوادث وتقلبات البيئة. وتهيمن روح العروق على مقادير الأمم حين تسيطر على النظم والقوانين وعلى عزائم الطغاة. وتعين معرفة روح العروق على ألغاز التاريخ، وتخبرنا معرفة روح العرق بأسباب العظمة والانحطاط .. والعرق هو الذي يعين الحد النفسي لطموح الفاتحين ولما يبتدعونه من أخيلة العظمة والتصدر” (ص 16-17).
- “من ركام خفي موروث تتكون صفات الخلق التي يتألف من مجموعها ما للأمة من روح قومية، ومن هذه الصفات تتركب مجموعة ثابتة من المشاعر والتقاليد والمعتقدات .. ويتطلب بناء الروح القومية عدة قرون على العموم، وإذا ما رسختْ الروح القومية ظلتْ في مأمن من كل مس طويلَ زمنٍ ..” (ص 25).
- “يمنح ذلك الثبات في الروح القومية الأمةَ قوة عظيمة، ولكنه قد يصبح شؤماً عليها إذا ما استقر كثيراً فيها، فالأمم التي لا تقدر على ملاءمة مقتضيات العيش الجديد تنحطَّ لعدم المرونة” (ص 26).
- “إذا كان الأمواتُ أكثرَ من الأحياء بما لا يُحصى، فإنهم أقوى من الأحياء بما لا يُحصى، والأموات يسيطرون على دائرة اللاشعور الواسعة، تلك المنطقة الخفية التي يصدر عنها جميع مظاهر الذكاء والأخلاق، والشعب مسيَّر بأمواته أكثر مما بأحيائه، وبالأموات وحدهم يقوم العرق، والأموات في القرن بعد القرن هم الذين أوجدوا أفكارنا ومشاعرنا، ومن ثم جميع عوامل سيرنا .. الأموات وحدهم هم سادة الأحياء بلا جدال ونحن نحمل وزر خطايا الأموات ونفتطف ثمرة فضائلهم” (ص 45).
ما مدى تأثير الزمان والدين والتعليم على روح العِرق؟
- “لا يؤثر الزمان في تباين العروق إلا بأقصى البطء، وإذا لاح أحياناً تغير أمة فإن بعض الأحوال لا يلبث أن يكشف أن هذه التغيرات لم تكن في غير الظاهر، وأنها لم تتناول غير ما في الشخصية من النواحي الثانوية” (ص 22).
- “لا تكفي تقلبات البيئة ولا الفتوح لتغيير روح الشعوب، ولا يمكن تحول الشعوب إلا بالتوالد المتكرر .. على أن التوالد لا يكون مؤثراً إلا إذا وقع بين أمم ذات نفسية متقاربة، ولا يكون التوالد إلا مضراً بين أمم ذات نفسية شديدة الاختلاف، ولا يكون لتزاوج البيض والسود والهندوس والبوروج (أصحاب الجلود الحمر) نتيجةُ سوى انحلال ما في حصائل هذا التزاوج من عناصر الثبات النفسي الموروث، وذلك من غير إحداث ما يقوم مقامها، وتظل قيادة الأمم المولدة كالمكسيك وأمم الجمهوريات الإسبانية الأمريكية أمراً متعذراً، لأنها مولدة فقط، وقد أثبتت التجربة أن أي نظام أو تربية لم يقدر على إخراج هذه الأمم من الفوضى” (ص 22).
- “مثّلتْ المبادئ الدينية دوراً أساسياً عظيماً بين مختلف المبادئ التي تسيّر الأمم، والتي هي مناور للتاريخ، وقطوب للحضارة .. وما انفكتْ المسائل الدينية تكون من المسائل الأساسية في قديم الأجيال وحديثها .. ولا يَغِبْ عن البال أن جميع النظم السياسية والاجتماعية منذ بدء الأزمنة التاريخية قامت على معتقدات دينية .. [وهي] العامل الوحيد القادر دائماً على التأثير في أخلاقها بسرعة .. على أن ما في الأديان من قدرة على تحويل النفوس مؤقت، ومن النادر أن تدوم المعتقدات زمناً كافياً فتلغ درجة الاشتداد ما تتحول به الأخلاق تحولاً تاماً، فالحلم لا يلبث أن يذوي، والمنوّم لا يلبث أن يصحو قليلاً، فيبدو أساس الأخلاق القديم مرة أخرى” (ص 201-205).
- “وقد تتغير الصفات الذهنية بالتربية تغيراً قليلاً، وتتفلت الصفات الخلقية من سلطان التربية تفلتاً تاماً تقريباً، وعندما تؤثر التربية في الصفات الخلقية لا يكون هذا التأثير إلا عند ذوي الطبائع المحايدة الذين يكادون يكونون عاطلين من الإرادة والذين يسهل عليهم أن يميلوا إلى حيث يساقون، وترى هذه الطبائع المحايدة لدى الأفراد، وهي قلّما تُرى في أمة بأسرها، وهي إذا وجدت في الأمة لا يكون وجودها ذلك إلا في أيام انحطاطها” (ص 65).
ما الأسس الجوهرية لروح العِرق؟
- “الأسس الجوهرية الثلاثة لروح الأمة، هي: وحدة المشاعر، ووحدة المصالح، ووحدة العقائد، والأمة إذا ما بلغتْ ذلك اتفق جميع أبنائها بالغريزة على جميع المسائل المهمة، وعادة لا يبدو فيها كبير شقاق .. وهي وليدة رواسب بطيئة موروثة، تمنح مزاج الأمة النفسي تجانساً وثباتاً عظيمين، وهي تمن على الأمة بقوة كبيرة، وفيها سر عظمة رومة في القرون القديمة وعظمة إنجلترا في أيامنا، وإذا ما غابتْ الروح القومية انحلت الأمة، وكانت خاتمة شأن رومة يوم أضاعت تلك الروح” (ص 47).
- “يتألف الخلق من امتزاج مختلف العناصر التي يطلق عليها علماء النفس المعاصرون اسم المشاعر عادة، وذلك على نسب مختلفة، ومن بين تلك العناصر ذات الشأن المهم أذكر: الثبات، والنشاط، وقابلية ضبط النفس بوجه خاص، أي الصفات المشتقة من الإرادة. ومن عناصر الخلق الأساسية نذكر الأدب أيضاً، وإن كان الأدب خلاصة مشاعر مركبة، وأقصد بكلمة الأدب احترام القواعد التي تقوم عليها حياة المجتمع .. أدب الأمة في زمن معين غير متغير، وإذ كان الأدب وليد الخلق لا الذكاء، لا يكون وطيداً إلا إذا صار وراثياً، ومن ثمَّ غير شعوري، وعظمة الأمم بوجه عام خاضعة لمستوى أدبها على الخصوص” (ص 64-65). يطرح لوبون العرق الأنجلوسكسوني مثالاً واضحاً على تمثل هذه الصفات، مقارناً بين هذا العرق وعرق الجمهوريات الأسبانية المولدة في أمريكا الجنوبية (ص 159-170).
- “النوع النفسي هو كالنوع التشريحي [الجسدي] مؤلف من عدد قليل من الصفات الأساسية الثابتة التي تتجمع حولها صفات ثانوية متغيرة متحولة .. والصفات الأساسية تميل دائماً إلى الظهور ثانية في كل جيل جديد على الرغم من كل حيلة” (ص 53).
- “من مزاج العروق النفسي يشتق تصورها للعلم والحياة ومن ثمّ سيرها” (ص 67).
- “إن المزاج النفسي لكل واحد منا يشتمل على بعض الممكنات الخُلقية التي لا تُهيّئ الأحوالُ لها فرصة الظهور في كل وقت، فإذا ما حدثت هذه الأحوال ظهرت في الحال شخصية جديدة مؤقتة، وذلك ما تمكن ملاحظته في أدوار الأزمات الدينية والسياسية الكبيرة من تحولات خلقية عرضية كالتي يخيل بها تحول الطبائع والأفكار والسلوك وكل شيء، ويكون كل شيء قد تحول في الحقيقة كما يتحول بغتة وجه البحيرة الهادئة الذي تثيره العاصفة، ومن النادر أن يدوم هذا الاضطراب زمناً طويلاً” (ص 53).
- “من السهل أن تنتقل اكتشافات الذكاء من أمة إلى أخرى، وأما الصفات الخلقية فلا تنتقل، وهذه هي العناصر الأساسية الثابتة التي يختلف بها مزاج الأمم العليا النفسي .. ويعد الخلق كالصخرة الثابتة التي تلطمها الأمواج يوماً بعد يوم في عدة قرون قبل أن تتمكن هذه الأمواج من ثلم أطرافها، ويعد الخلق عنصر النوع الراسخ، وزعنفة السمك، ومنقار الطير، وناب الضاري” (ص 65-66). ويطرح مثال الصينيين المقيمين في أمريكا، حيث إنهم لم يتغيروا من جراء تأثير روح العرق (ص 86).
ما مدى تفاوت الناس داخل العِرق الواحد؟
- “في العروق الدنيا [كالشعوب الهمجية والزنوج] يكون جميع الأفراد من أي الجنسين على مستوى نفسي متماثل تقريباً” ، وأما في العروق العليا [كالأوربيين] فإنهم “يتفاوتون بطبقاتهم العليا تفاوتاً عظيماً. وكلما تقدمتْ الحضارة سارتْ العروق وكذلك أفراد العروق العليا على الأقل نحو التفاوت شيئاً فشيئاً، وتؤدي الحضارة الحاضرة إلى تفاوت الناس بالتدريج، لا إلى تساويهم ذهنياً، وذلك خلافاً لنظرياتنا في المساواة” (ص 72). ومن اللافت أنه يشير إلى أن ثمة تفاوتاً يحدث في تلك السياقات بين الجنسين لصالح الرجل! (ص 79).
- “التفاوت لا يكون إلا في الذكاء، وهو لا يتناول الخلق أو يتناوله قليلاً، ونحن نعلم أن الخلق، لا الذكاء، هو الذي يمثل دوراً مهماً في حياة الشعوب” (ص 74).
صفوة المجتمع: التكوين والتأثير
- ينقل لوبون بإعجاب شذرة توصيفية لـ سان سيمون، يقول فيها: “إذا ما أضاعتْ فرنسا بغتة الخمسين الأول من كل علمائها ومتفننيها ومستصنعيها وزراعها غدتْ جسماً بلا روح، وجثة بلا رأس، وهي إذا أضاعت جميع موظفيها لم يصبها من وراء ذلك غير ضرر يسير” (ص 74).
- “لا ينال الرجل سمواً ذهنياً كبيراً إلا ليترك خلفه ذرية فاسدين .. ولو حدث أن جمع الخِيار كلهم في جزيرة منفردة لأسفر توالدهم بسرعة عن ظهور عرق مصاب بضروب الفساد، ومحكوم عليه بالأفول من فوره، ويمكن تشبيه الأفضليات الذهنية العظيمة بالنبات الذي ضخّمه البستاني بفنه فلا يلبث أن يموت أو يعود إلى مثال نوعه المتوسط إذا ما ترك وشأنه، وذلك لما في نوعه المتوسط من السلطان القوي الذي يمثل سلسلة الأصول الطويلة” (ص 76).
لمحة تنموية للاقتصاد المعاصر
- “فكرة المدينة، وإن كانت بالغة الضعف من الناحية العسكرية كوطن محض، بالغة القدرة من حيث تقدم الحضارة. وروح المدينة وإن كانت أصغر من روح الوطن، أكثر إنتاجاً منها في بعض الأحيان، وقد أثبتت لنا أثينا في القرون القديمة وفلورنسا والبندقية في القرون الوسطى درجة ما يمكن أن تصل إليه زمرُ الناس الصغرى في ميدان الحضارة” (ص 48).
ماذا عن الفن والعرق؟
- في إحالة على كتابه “حضارة العرب”، يشير لوبون إلى أن الفن في الحضارة العربية الإسلامية شابهُ تنوعُ كبير بل اختلاف بيّن، كما في الفروق بين مسجد عمرو بالقاهرة (724م) ومسجد قايتباي (1468م)، بخلاف البنايات القوطية مثلاً، إذ إنها تنحو نحو التشابه، مقرراً بأنه “لا يمكن عزو تلك الفروق الأساسية في فن البلدان الإسلامية إلى اختلاف المعتقدات ما دام الدين واحداً، بل يعزى إلى اختلاف العروق الذي يؤثر في تطور الفنون ومصاير الدول تأثيراً عميقاً” (ص 134-135).
نبوءة لوبون حيال غرور العِرق الألماني
- “إن من أسباب الحرب الأوربية هو ما تسرب في أدمغة الألمان بالتدريج من الفكر القائل إن الألمان قوم عالون أعدوا لفتح العالَم .. وبذلك الجهاز قام اعتقاد ألمانيا الحديثة بأفضليتها كما قامت عبادتها للقوة، وما انفكتْ كتيبة من الأساتذة والفلاسفة والكتّاب والجمعيات الوطنية تنشر في ألمانيا مَثَلَ الصدارة الأعلى والتعطش إلى الفتح منذ خمسين سنة .. وما فتئت ألمانيا تبدو قانعة بأن الله دعاها إلى تجديد العالم واستغلاله” (ص 22). صدقتْ نبوءةُ لوبون وتسبّب الألمان كما هو معلوم في قيام حرب كونية هائلة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. تُرى، هل سيعيد الألمانُ صناعة الصداع مجدداً للأوربيين وربما لغيرهم في العالَم في قادم الأيام عبر فرض نموذج القوة والعِرق الآري؟ هل تفحصنا ما يدور في أدمغة مفكري الألمان المحدثين، وما تتنظمه مناهجهم ودروسهم؟
ونختتم هذا النص بقولة توصيفية مُلهمة، حيث يشدد لوبون على أن:
“من أصحاب العبقرية يتكون مجد الأمة الحقيقي” (ص 210)، مضيفاً: “ونحن إذا ما بحثنا في الأسباب التي أدت بالتتابع إلى انهيار الأمم، وهي التي حفظ لنا التاريخ خبرها كالفرس والرومان وغيرهم، وجدنا أن العامل الأساسي في سقوطها هو تغير مزاجها النفسي تغيراً نشأ عن انحطاط أخلاقها، ولستُ أرى أمة واحدة زالتْ بفعل انحطاط ذكائها” (ص 220)، ثم يمضي فيقول: “في المستقبل ستكون معضلة الحياة لدى الأمم ذات الحضارة الرفيعة أن تنضّد فوق ثقافتها الذهنية تربية للخلق صارمة وتدريباً للإرادة على الخصوص، تينك القوتين القادرتين على ضمان استقلال الأمم” (ص 24).