- مارك مانسون
- ترجمة: نورس الحربي
- تحرير: سهيلة عسيري
تتعلق الإنتاجية بما لا تفعله أكثر مما تفعله؛ تركيز الجهد على أهم ما يجب القيام به هو مهارة من الممكن ممارستها و إتقانها.
لقد استغرقت كتابة “فن اللامبالاة” ١٨ شهرًا، كتبت فيها ما يقارب ١٥٠,٠٠٠ كلمة، (حوالي ٦٠٠ صفحة )، كانت غالبيتها في الأشهر الثلاثة الأخيرة، أستطيع في الحقيقة القول بثقة أن إنجازي في الثلاثة الأشهر الأخيرة كان أكثر من الـ١٢ شهرًا الأولى معًا.
هل كان ذلك لأني ألزمت نفسي بوقت محدد وعملت بجهد مضاعف؟ هل تناولت منشطات وعملت ل٣٦ ساعة متواصلة؟ كلا؛ في الحقيقة، لقد عملت بشكل أقل في كل يوم من تلك الأشهر الثلاث الأخيرة مقارنة بالـ ١٢ الأولى وتمكنت على الرغم من ذلك الإنجاز بشكل أكبر.
أود أن أقدم حجة بسيطة في هذة المقالة (مصحوبة بصور سيئة أنشأتها في رسام مايكروسوفت) وهي أنه عندما يتعلق الأمر بالإنتاجية فالأشياء ليست كما تبدو؛ تتحدث كل كتب الإنتاجية في العالم -من ديڤيد ألين إلى بنيامين فرانكلين- عن الشيء نفسه لا أكثر ولا أقل:
استيقظ من بزوغ الفجر، اشرب سائل منشط، جَزِّئ فترات العمل الى أوقات قصيرة ملائمة منظمة على حسب الضرورة والأهمية، احتفظ بقوائم دقيقة و تقاويم، جَدْوِل مواعيدك مقدمًا بخمسة عشرة أسبوعًا، و كن مبكرًا في كل شيء…
هذا هراء؛
انا أكره الصباحات، هل تعرفون ما هو “روتيني الصباحي” عادةً؟
إضاعة الوقت، تصفح الفيسبوك، وإذا كنت محظوظًا فان القمامة التي في أخبار الفيسبوك كافية لإغاظتي ودفعي للبدء في الكتابة بدون حتى أن أدرك ذلك (هناك الكثير من الأشياء المهمة أكثر من إقناع شخص على الإنترنت بأنه مخطئ؟) في الحقيقة، بعض أفضل كتاباتي كتبتها في الثالثة صباحًا، مستمعًا إلى أغنية Every Time I Die . وأيام الخميس هي عطلة تعج بالعشوائية، كما أنني أكره التقاويم؛ وبعد إدارة نشاطي التجاري الخاص على الإنترنت لمدة عشر سنوات؛ لا زلت لا أمتلك روتينًا صباحيًا.
هذا ما يناسبني، و من الممكن أن لا يناسبك، لذا لِمَ نزعج نفسنا بالحديث عنه؟ أعتقد بأن الإنتاجية شيء شخصي للغاية، نمتلك جميعًا تفكيرًا مختلفًا و لذلك نختلف في تفضيلاتنا، ووجهات نظرنا، وفي المواقف والحالات التي تجعلنا فعالين أكثر، وعلى الرغم من عدد المرات التي حاولت فيها الغوص في بحر الإنتاجية على هذا الموقع عوضًا عن تضييع الوقت على تطبيقات جديدة أو طقوس صباحية، فإنني لازلت أركز على نفسية الفرد.
على سبيل المثال: ترتبط المماطلة والتسويف بالقلق، ولذلك من المهم تطوير فهمك لاضطراباتك العصبية ومخاوفك؛ إن سلوكك ومدى تطويرك لطقوسك الشخصية هما قوة دفع تزيد بدورها من سرعة تطورك، وهي أمور أهم بكثير من مكملات (ييربا مايت) الغذائية، أو نوع سجادة اليوغا التي تريد أن تجلس عليها في الصباح لتجديد نشاطك.
علمني كتاب “فن اللامبالاة” الكثير عن طبيعة العمل، فقد كان له تأثير كبير للغاية على كيفية تطور وجهة نظري على مدار كتابتي للكتاب لدرجة أنني رغبت في كتابة منشور عن طبيعة العمل نفسه، بغض النظر عن إظهاره لأولى شيباتي، وجعلي مستيقظًا لمرات عديدة أعجز إحصائها طوال الليل، قد تتفاجأ ولكن كما ترى ليست كل الأعمال تنجز بنفس الطريقة.
لِنَقُل بان النصائح المتعلقة بإنتاجية لوحة طبيعية بألوان مائية زاهية قد لا تكون ذات فائدة في سداد ضرائبك في الموعد، كما أن النصيحة التي قد تساعدك في إيجاد طريقة لإعادة تنظيم الفريق للتخلص من بعض الإخفاقات، ليست كالنصيحة التي تساعدك على تنظيف شقتك أسرع.
لذا إذا أحسست بالرغبة الجامحة لرسم منظر طبيعي أو سداد ضرائبك نهاية هذا الأسبوع فأنصت جيدًا.
اعمل كدالة خطية
يتصور غالبيتنا العمل على أنه دالة خطية مستمرة بنفس الجودة والقيمة طيلة حياتنا، ما أعنيه بـ “دالة خطية” أي هو أن كمية المخرجات التي تتناسب طرديًا مع عدد الساعات التي تدخلها، لذا ينتج العمل لمدة ساعتين ضعف العمل لساعة واحدة، وينتج العمل لثمان ساعات أربع أضعاف العمل لساعتين. جميعنا يفترض أن الأمور تجري هكذا في الحياة كلها (غالبًا)، وذلك لأن الفروض المدرسية تعمل بشكل خطي، حيث يقومون بإعطائك مجموعة أشياء لحفظها فإذا استغرقت ساعتين لحفظها ستتمكن من التذكر بقوة ضعف ما لو استغرقت ساعة واحدة في الحفظ، وبعدها نتقدم في السن و نتوقف عن العبث بأنوفنا في الأماكن العامة ونفترض بأن باقي حياتنا ستعمل بنفس الطريقة؛ و لكنها ليست كذلك. الحقيقة هي أن معظم الأعمال المخططة والمكثفة للعقل لا تتكشف على هذا النحو، وهذا ما نراه نحن غير عادل بالنسبة لنا، و لذلك نمضي معظم أوقاتنا بالتذمر و خلق الأعذار لآبائنا بأن رؤسائنا لا يقدرون “عبقريتنا” أو أي شيء من هذا الباب. العمل الخطي هو ذلك العمل الذي يكون بسيطًا للغاية ومكررًا، كسحب حزمة من القش، أو تعبئة صناديق، أو إدخال أرقام على جدول بيانات ضخم، أو تشغيل آلة القلي في ماكدونالدز.
في هذا النمط من العمل، إنتاجية أربع ساعات هي ضعف إنتاجية ساعتين. للأسف يعد مفهوم “اعمل كدالة خطية” مصدرا لشعار: “كل ما عليك فعله هو أن تعمل باجتهاد” في عالم الشركات الناشئة، فهم يرون أن إنتاجية ١٦ ساعة من العمل هي ضعف إنتاجية ٨ ساعات، والاستنتاج المنطقي من هذا الشعار هو أن قلة الإنتاجية تعني أنكم جميعًا مجرد ثلة من الكسالى، وما يجب عليكم فعله هو شرب القهوة حتى الساعة الرابعة صباحًا، و العمل إلى أن تتوقف عقولكم من تلقاء نفسها، العمل ثم العمل ثم العمل… الخ
كما سنرى أنه على الرغم من روعة وحسن نية شعار “العمل بجد” إلا أنه غالبًا ما يأتي بنتائج عكسية على الناس، وذلك لأن معظم أنواع العمل في الحقيقة لا تكون عوائدها خطية بل تناقصية.
العمل الذي ينتج عوائد متناقصة (او حتى سلبية)
تخيل بأنك ذهبت للخارج من أجل الركض لمدة ١٠ دقائق، سيكون هذا حتمًا شيئًا صحيًا تقوم بعمله. أما الآن تخيل بأنك ذهبت للخارج من أجل الركض لمدة ٢٠ دقيقة سيكون ذلك صحيًا أيضًا ، ولكن ليس بالضرورة أن تكون فائدته ضعف فائدة العشر دقائق.
ماذا لو ركضت لمدة ساعة؟ بالطبع ستكون هناك فائدة، ولكن ستظل معظم فوائد التمرين في تلك الدقائق العشر الأولى.
لدى التمارين الرياضية عوائد تناقصية لسبب بسيط وهو أن العضلات تتعرض للإرهاق، وبينما تتعب عضلاتك تقل قدرتها على التحفيز للعمل أكثر حتى تصبح شبه معدومة. يمنحك قضاء ساعتين في صالة الألعاب الرياضية فائدة قليلة أو معدومة مقارنة بقضاء ساعة واحدة، ويمنحك قضاء ساعة واحدة فقط فائدة أكثر بقليل من قضاء ٤٥ دقيقة.
وهكذا تسير أغلب الأعمال بهذه الطريقة، لماذا؟ لأن عقلك يتعب كالعضلات، إذا كنت تمرنه على أي نوع من حل المشكلات او اتخاذ قرارات مهمة؛ فإن ما تنجزه خلال اليوم محدود ولا شك، بغض النظر عن الوقت.
اعتادت زوجتي العمل في مجال التسويق، و كغيره من المجالات كان لديهم هوس العمل لساعات جنونية خصوصًا عندما يحين موعد عرض كبير أو اقتراح حملة، يبقى الناس مستيقظين لوقت متأخر و غالبًا ما يعملون للساعة التاسعة أو العاشرة ليلًا و يعملون في أيام العطلات أحيانًا ، لكنها لاحظت بأن هذا الوقت الزائد ليس له فعالية أبدًا، فآخر أربع ساعات -لِنَقُل منذ الساعة السادسة مساءً إلى الساعة العاشرة مساءً- أُنجز فيها نفس مقدار العمل في أول ساعتين من اليوم، لقد كان الناس يُستعبدون ببساطة من أجل نتائج هامشية، ولا شك أنه بهذه الطريقة سيتعرض الناس لأسوأ (السيناريوهات) بإنتاج أعمال أو اتخاذ قرارات سيئة لأنهم كانوا متعبين للغاية، وعندما يتراكم ما يكفي من العمل والقرارات السيئة؛ فإنك في الواقع تخلق المزيد من العمل على نفسك دون قصد، لذلك تنتقل من العمل ذي العوائد التناقصية إلى العمل ذي العوائد السلبية.
والآن انظر لما جنى عليك سوء الإدارة!
حصل لي هذا عندما بدأت في كتابة ” فن اللامبالاة”، فقد كنت أتجول مع بعض الكُتاب الآخرين وكنا نجتمع من أجل “سباق الكتابة” لننظر أكبر عدد ممكن من الكلمات التي يستطيع الإنسان كتابتها في فترة ما بعد الظهر، لقد كانت ببساطة مسابقة كبيرة بلا فائدة، حيث كنا نتباهى بعدد كلماتنا ونحن نشرب في وقت لاحق من ذلك المساء، كان أفضل يوم لي هو كتابة ٨,٠٠٠ كلمة في غضون ٦ ساعات من العمل التام، وفكرت بأنه “ياللعجب! كتبت للتو ٣٢ صفحة في يوم واحد! كل ما سأحتاجه هو ١٠ أيام من نوع تلك الإنتاجية لكتابة كِتاب كامل”.
لكن كانت هناك مشكلة واحدة فقط و هي بأن كل ذلك قد فشل، وأعني بذلك “كل العمل”، فعندما عدت لمراجعة الفصل بعد عدة أسابيع ، وجدت أنه من بين تلك الكلمات البالغ عددها ٨,٠٠٠ كلمة ربما كان هناك ٥٠٠ كلمة قابلة للاستخدام، المشكلة هي أن الأمر استغرق أربعة أيام لفرز كل القمامة التي كتبتها، وإعادة كتابة الأجزاء القليلة التي كانت قابلة للإصلاح، واتخاذ قرار بحذف الأجزاء التي كانت سيئة.
لقد أدى اندفاعي “الهائل” الذي نتج عنه ٨,٠٠٠ كلمة إلى خلق الكثير من العمل الإضافي لنفسي لدرجة أنه كان من الأفضل لي ألا أكتب طوال ذلك اليوم، كانت تلك بصيرة عظيمة بالنسبة لي. عندما يتعلق الأمر بالعمل الإبداعي فليس هنالك تناقصًا في العائد فقط، ولكن أدت الكتابة الزائدة إلى عائد سلبي عند نقطة معينة لأن الكتابة السيئة ليست فقط سيئة، بل الكتابة السيئة تخلق المزيد من العمل لنفسك، لأنها تتطلب المزيد من الوقت للمراجعة والتحرير، قضيت معظم السنة الأولى في كتابة “فن اللامبالاة” بعقلية “المزيد=الأفضل”، ونتيجة لذلك، أمضيت نصف ساعات عملي على الأقل في إصلاح الفوضى التي خلقتها دون داع في المقام الأول. بدأت ألاحظ في النهاية وبعد شهور من الإحباط أنه في معظم الأيام كل ما كتبته في أول ساعة أو ساعتين كان رائعًا، لقد احتاج إلى القليل من المراجعة، وعادة ما يكون مناسبًا تمامًا للرسالة التي كنت أحاول الوصول إليها في الكتاب، كل ما كتِب في الثلاث أو الأربع ساعات التالية كان مختلطًا، كنت أنتج في الأيام الجيدة بعض المحتوى الجيد (على الرغم من أنه لا يكون بجودة أول ساعتين تقريبًا)، لكن في الأيام السيئة لم يكن معظمها قابلًا للاستخدام وكنت أخلق المزيد من العمل لنفسي. كان كل شيء بعد الساعة الرابعة سيئًا، وفيما تلا ذلك كانت أي كتابة حاولت القيام بها لها عوائد سلبية، وكنت -و بشكل غريب- لأكون أفضل حالًا إذا قضيت ذلك الوقت في ألعاب الفيديو.
لم أتمكن من استجماع الشجاعة الكافية لحصر عدد ساعات كتابتي إلى ساعتين في اليوم إلا بعد الكتابة لأكثر من سنة. ما زلت عالقًا بشدة في عقلية العوائد الخطية، وكنت منشغلا للغاية بالفوضى العارمة للمسودة الأولية (١٢٥ الف كلمة، وكان أغلبها سيئًا )، حيث كنت خائفًا من اكتشاف أن أكثر من ٥٠٪ من “عمل” السنة الماضية لم يكن فقط بلا فائدة، بل جعلني حرفيًا أقل إنتاجية أيضًا . لكن بعد تجربة الأمر، وجدتني أنطلق في الكتاب كالفارس، وكتبت مسودة جديدة للكتاب في شهرين متتالين.
أعتقد أن معظم الأعمال الإبداعية يمثلها منحنى عوائد تناقصي. عندما كنت أعمل في التصميم في الماضي، كنت أقوم بالتلاعب بالصورة لدرجة كبيرة حتى أنني لا أستطيع معرفة ما إذا كانت تبدو جيدة أم لا، وأقضي بعد ذلك نصف الليل أحاول أن أجعلها “تبدو على ما يرام” فقط لأستيقظ في الصباح مدركًا أن الفكرة كانت سيئة في المقام الأول و يفضل أن أبدأ من جديد.
يمكن أن ينتَج عن العمل الاجتماعي أو الذي يتطلب بناء الفريق عوائد سلبية أيضًا، فإذا كنت دائماً بحاجة إلى أن تكون دقيقاً فعندئذٍ عندما تتدهور طاقتك أومزاجك قد ينتهي بك الأمر في الواقع إلى صد العملاء، مما يكلفك أرباحًا محتملة طويلة الأجل، لن تؤدي الإدارة الخانقة لموظفيك إلى جعلهم أقل إنتاجية فحسب، بل سوف يكرهونك وسيصبحون غير متحفزين لتحقيق نتائج في المستقبل.
نقاط الارتقاء والانحدار
مرة أخرى : لا تتم كل الأعمال بنفس الطريقة. كل مشروع تجاري، أو وظيفة لدي ما أطلق عليه “نقطة الترقي” التي تجعل كل ما تفعله أكثر فاعلية، بالإمكان أن تكون هذه النقطة هي بعض الطقوس التي تفعلها للحفاظ على روح معنوية عالية بين موظفيك، ومن الممكن أن يكون تعليم نفسك الأنواع الجديدة لقواعد البيانات إذا كنت مبرمجًا أو الاهتمام بمظهرك و تعلم كيف تفهم عملائك على المستوى العاطفي إذا كنت تعمل بالمبيعات وجهًا لوجه. وعندما يتعلق الأمر بصناعة المحتوى على الإنترنت فإن إشهار العلامة التجارية يعتبر نقطة ارتفاع. باختصار نقطة الارتفاع هي شيء كلما عملت عليه وعلى إتقانه كلما كان له تأثير مضاعف على الأشياء الأخرى، ستأتي المبيعات بسهولة أكثر، ستظل التجارة مستمرة، سيتحدث الناس عنك و ينشرون محتواك بفعالية أكثر.
لذلك إنجاز بعض الجوانب من عملك بإتقان بإمكانه جعل الأشياء الأخرى أسهل للغاية … أو أصعب للغاية …
استمرت وظيفتي “الحقيقية” الوحيدة في أحد البنوك لمدة ستة أسابيع تقريبًا، كان لهذا البنك إجراء محدد للغاية لنوع معين من إدخال البيانات، والذي تضمن برنامجًا قديمًا من عمر جدي، وطريقة رجعية تمامًا لإدخال البيانات مما جعل العملية برمتها بطيئة بشكل مخدر للعقل.
أنشأ البنك ما أسميه بنقطة الانحدار، مماجعل جميع الأعمال الأخرى أبطأ وأكثر صعوبة، ولكن بمجرد أن أشرت إلى رئيسي أنه يمكن التعامل مع كل هذا العمل من خلال نص بسيط وتجميعه في جدول بيانات، قيل لي أن أجلس و أخرس و أدخل البيانات كما قيل لي، استقلت بعدها ببضعة أسابيع .
الكسل الاستراتيجي كنقطة ارتقاء
لنتخيل أنك تحب الطعام الهندي، أنت تحبه أكثر من زوجتك وأطفالك، إنك تحبه كثيرًا و سوف تستحم في صلصة المانجو إذا كنت تستطيع تحمل تكاليف ذلك الكم من صلصة المانجو.
لنفترض الآن أنك خرجت إلى المطعم الهندي المفضل لديك و متعت نفسك، نتحدث عن ٤٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ سعرة حرارية في جلسة واحدة. تخيل الآن أنك تخرج من المطعم ثم يأتي شخص ما ويقدم لك بعض السمبوسة الطازجة والصلصة، أو ربما النعناع الرقيق، كيف سيكون شعورك؟ لقد مررنا جميعًا بتلك الحالة حيث نأكل طعامًا نحبه ثم مجرد التفكير في هذا الطعام بالأسبوع التالي يجعلنا نشعر بالغثيان ونتساءل عن معنى وجودنا، لكن بعد أسبوع لا تبدو فكرة الطعام الهندي سيئة للغاية، وستكون بعد حوالي أسبوع أو أسبوعين جاهزًا للعودة إلى المطعم الهندي المفضل لديك وإشباع نفسك مرة أخرى.
يعمل عقلك بنفس الطريقة مع الإنتاجية: حل المشكلات مثل الغذاء لعقلك، يجعل عقلك سعيدًا و يشعره بأنه مهم وجدير وقادر، يرتبط كل شيء مباشرة بالسعادة ، لكن حل المشاكل لذهنك كالطعام لمعدتك يحتاج إلى مجموعة متنوعة من المحفزات والإكثار من نوع واحد سيؤدي إلى المرض والتعب.
ولكن المدهش هو أن وقت الفراغ وهذه القدرة على إلهاء دماغ المرء بعيدًا عن حل المشكلات والعمل يجعل عقلك أكثر فاعلية عند العودة إلى العمل.
أعلم أنه من الجنون قول ذلك في عالم الشركات، لكن عطلات نهاية الأسبوع والإجازات موجودة بالفعل لسبب ما.
كنت مدمنًا حقيقيًا على العمل عندما بدأت عملي في عام ٢٠٠٨، كنت أقضي ١٤-١٥ ساعة يوميًا ونادراً ما آخذ إجازة وعلى الرغم من أنني أسافر باستمرار إلا أنني نادرًا ما آخذ “إجازات” ، كان الأمر أشبه بـ” مهلًا، هذا الشاطئ يبدو وكأنه مكان جميل حقًا للتحقق من بريدي الإلكتروني خلال الساعتين التاليتين”. لم أتوقف عن ذلك لولا أن زوجتي التي تعمل بعدد ساعات ثابت من ٩-٥ ساعات، صدمتني بقدمها وقالت “أيها الأبله، ضع جهاز الحاسوب جانبًا واقضِ معي بعض الوقت على الشاطىء”، لقد كنت -وبكل تأكيد- مرعوبًا، كان الأمر أشبه بطلبك من أحدهم مغادرة بيته من غير يده اليمنى، تلعثمت قائلًا: “لكن وماذا عن بريدي الالكتروني!”، قضيت تلك الليلة الأولى في وضعية الجنين: أرتجف، وحلمت بأنه تم اختراق موقع الويب الخاص بي، وسرقة هويتي ولم يكن هنالك شيء يمكنني القيام به، تخيلت بأن خوادم الويب تشتعل بشكل تلقائي بينما كانت حساباتي المصرفية تُستنزف، لم يحصل شيء من هذا بالطبع.
في الواقع ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، جلست هناك على الشاطئ لمدة خمسة أيام بدون هاتف ولا جهاز حاسوب ولا إلكترونيات فقط أنا و زوجتي الرائعة وأفكاري، بدأت أرى عملي الخاص بوضوح أكثر من السابق، كان الأمر كما لو كنت قد أمضيت خمس سنوات في قوقعة أعمالي، مهووسًا بكل جزء و تفصيل، ثم أقفز في منطاد الهواء وأنزلق عاليًا لدرجة تمكنت فيها من رؤية الأمر برمته بمنظور أكثر من أي وقت مضى و خطرت لي على هذا الشاطئ فكرتان سوف تغيران حياتي.
الأولى هو تغيير موقع الويب هذا إلى markmanson.net (إشهار العلامة التجارية)(نقاط االارتقاء)، فزادت حركة تصفح الموقع في غضون ستة أشهر بمقدار ٥ أضعاف، وزاد دخلي بثلاثة أضعاف، وسيصل الموقع قريبًا إلى ملايين الأشخاص من أكثر من 100 دولة، وسيتم نشر كتبي في بعض أهم المنشورات حول العالم، وكل هذا سيحدث أثناء القيام بساعات عمل أقل مما كنت أفعله بالسابق. بينما كنت أمضي سنوات في محاولة تطوير موقع الويب الخاص بي من خلال قوة الإرادة المطلقة والالتزام بالوقت إلا أن عملي انطلق من خلال التخلي عما لم يكن ناجحًا، دون الحاجة حتى إلى نصف الوقت، الفكرة الأخرى التي خطرت لي على ذلك الشاطئ كانت كتابي.