الدين

هرمنيوطيقا النص بين البناء والهدم “ومعطلة الأحكام في إنكار صيام عرفة نموذجًا”

  • خالد الغيلاني

 “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها”

هذا حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال ابن حجر في ترجمة الشافعي رحمه الله في التقريب: أبو عبد الله الشافعي المكي نزيل مصر رأس الطبقة التاسعة وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين، وهو ما دفع السيوطي إلى أن يصرح بأنه المبعوث على رأس المائة التاسعة وهناك مؤلفات وكلام كثير وتقسيمات للمجتهدين في هذا الباب فمثلًا جُعِل عمر بن عبد العزيز من المجددين في أولي الأمر وأبو بكر رضي الله عنه في مجددي الحروب يعنون بذلك حرب الردة. فهل التجديد هو إحياء ما اندرس من معالم الدين أو هو صياغة معاصرة لمقتضيات الحياة المستجدة وهذا الأخير هو الدارج الآن مع محنة التكيَّف مع أساليب الحياة الغربية التي عمت بلاد المسلمين فتولد عند أهلها من المعاملات والقضايا التي نشأت مع الاحتكاك بهذا العالم المختلف عنهم اختلافًا كليًّا حتى أصبح الانحياز عنه يخلق عنتًا ومشقة مشاهدة مما دفع بالمتفقهة إلى عمل تعريب فقهي متقن  لهذه العجمة الثقافية المستحدثة والداخلة على المحيط الإسلامي قد يشبه إلى حدٍ كبيرٍ ما يقوم به أهل اللسان العربي من تعريب للمفردات الدخيلة وتخريجها ضمن قانون اللسان العربي وهذا كله حسن إلا أن الذي قد يلحظه المتابع هو شيوع فقه غربي مميت دخل بقوة في عنفوانٍ متزايد وهو فقه المتعة المقننة حيث وجد بعض الكاتبين الذين يريدون أن يجردوا  المسلمين من مفهوم العبادات التي درج عليها أسلافهم  ليركزوا مفهوم المتعة في نفوس الناشئة من خلال إنكار العبادات وتضييق باب السنن عن طريق التشكيك في صحة ما ورد من هذه العبادات عن النبي صلى الله عليه وسلم أو السلف كل ذلك لفتح أبواب المتعة على مصراعيها لتلج الجماهير أفْرادًا وُزُمَرًا تاركةً الدين والأخلاق وراءها ظِهْريَّا وتخوض غمرات الاستمتاع من غير إحساس بحرج أو تأنيب ضمير لمخالفتها لهذه الأحاديث أو النصوص  ومن هذا حديث صيام يوم عرفة وسنتطرق إليه بعد.

إن أهم أسس الحياة الغربية يظهر في الإثارة التي تعد أحد ركائز المدارس الإعلامية الحديثة عندهم فلا إعلام بدون إثارة ولا إثارة بدون متعة وهو مفهوم يناقض الأساس الإسلامي الذي يبحث عن الطمأنينة في كل شيء في الإنسان مع نفسه ومع أسرته ومع مجتمعه ومع كيانه الأكبر فالأكبر؛  الدولة فالأمة ولا علاقة بين الإثارة والإنتاج أو التقدم حيث إن الإثارة قد تعني ضجيجًا أو أمراضًا نفسية مزمنة وحالة من الإدمان والمسكنات، لذلك تجد من يعيش هذه الأجواء لا يستطيع أن يخلو بنفسه مستمتعا بنفسه  أو بأسرته إلا في نطاقٍ من هذه الأجواء المثيرة بشيء أقرب إلى إدمان الكحول والمخدرات التي تخلق جوًا من المتعة المخيفة والرهيبة وتجر من يتجرأ عليها بدون حساب للعواقب إلى عالم في ظاهره الفرح وباطنه الاكتئاب والقلق.

وقد يحسن هنا إيراد مسألة ” تغير الأحكام بتغير الزمان

فبعض الفقهاء أنكرها مثل الإمام الجويني والسبكي وغيرهما ، وآخرون قالوا بها ولكن يبدو أن الخلاف لفظي بحت فالقائلون بها أناطوا ذلك بالمصالح المرسلة “المطلقة” وهي المصالح التي لم ينص الشارع على حكم لتحقيقها ، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها مثل إشارات المرور وتحديد السرعة في شارع معين بتسعين كيلًا ومثل وجوب الوقوف عند احمرار الإشارة  فإن هذا العمل فيه مصلحة ظاهرة للناس؛ فالالتزام بهذه الإشارات يحفظ أرواح الناس وأموالهم، وعدمه يؤدي إلى التصادم وتعطيل الحركة وهلاك الأنفس والأموال، فهذه المصلحة من حيث جنسها قد جاء بها الشرع، ولا يشك مسلم في أن الإسلام يدعو إلى حفظ الأنفس والأموال، ولكن لا نجد نصا خاصا يدل على حفظها بهذه الطريقة (أي: بوضع إشارات المرور) ولا بطريقة تشبهها شبها بينا يمكن قياسها عليها.وهذه المصلحة هي التي تسمى المصلحة المرسلة، إذن فالقائلون بتغير الفتوى بتغير الزمان يردون ذلك إلى الأحكام المناطة بالمصلحة المرسلة والعرف المعتبر ونحو ذلك فيما لو تغيرا تغير الحكم ومن أنكر القاعدة فقصده أن الشريعة لا تنسخ بتغير الزمان وهو الحق .فالواجب المتحتم يبقى واجبًا والمحرم المتحتم يبقى محرما هذا إذا انتفت الموانع أو تحققت الأسباب الموجبة ولم تندفع بغيرها فمثلًا إظهار شعائر الإسلام واجب متحتم ولكن لو كان الإنسان في بلد يخشى فيه  من الفتنة في دينه أو هلاك نفسه فإن العبادة الخفية واجبة عليه مراعاة لهذه الحال كما أن سب النبي صلى الله عليه وسلم محرم وكفر لكن لو احتاج ذلك لدفع الموت عن نفسه فإنه يجوز للأحاديث الواردة في ذلك والمقصود أن المحرم أو الواجب قد تتبدل صفاتهما إلى أضدادهما لوجود مقتضى شرعي معتبر وهو مقتضى من نفس النص لا من خارجه لا يعود عليه بالإبطال أو الهدم وليس هو عن اشتهاء أو عبث ومن الملاحظ أن المدارس الأدبية والفلسفية الغربية التأويلية “الهرمنيوطيقية” قد أثرت تأثيرًا بليغًا فمن المعروف فيها أن مهمة القارئ مع النص هي أن يتمكن من إبداع نصوص إلى جانب النص الأصلي قد تجد ذلك عند هايدغر ودريدا وغيرهم هذه الدائرة الهرمينوطيقية” ستحول الثابت إلى حركة نظرًا لأن المعنى وقع استبداله بالفهم هذا الفهم مرتبط بذات بشرية متحولة ومتغيرة لذلك أصبح الفهم بحسب ما يريده القارئ لا كما يريده المؤلف كل هذا مع إغفال مراد المؤلف الأصلي ومراميه من التأليف …. نعم قد يكون لهذا أصل مقبول ولكن لا بد أن يكون ضمن نطاق اللسان العربي وعلومه فهناك مفهوم المخالفة والموافقة والإشارات التي يسمح بها النص فهذه إذا كانت مما يسمح بها النص وفق الضوابط المعروفة في علم الدلالة فلا حرج ولكن بشرط ألا تعود بالهدم على النص الأصلي أو إلغائه أو تشويهه أو إبطال دلالته الأصلية ففهم القارئ إن كان من خلال هذه الضوابط فهو فهم مرحب به لأنه قد جاء له أصل في أصول الفقه ففي حديث الأعرابي الذي جامع أهله وقوله للنبي ” هلكت” جاء في علم أصول الفقه ما يعرف بتنقيح المناط فقول الراوي “أعرابي” لا علاقة له بالمناط الذي تعلق به الحكم فيُلغى، ويصح تعلق الحكم بكل رجل بالغ مكلف جامع زوجه في نهار رمضان متعمدًا أيًّا كان جنسه ووصفه وهذا الفهم للقارئ يضاف إلى النص الأصلي ويتولد في سياق آخر ولكنه لا ينقض النص الأصلي بل  يعود عليه بالثبات وهو من مقتضى الحديث رب حامل فقه إلى من هو أفقه. أما الهرمنيوطيقا أو الفجوة التأويلية عند جاك دريدا فهي عندما يقوم القارئ بتوليد قراءات عديدة للنص، وولادات جديدة للمعنى من مجموعة الرموز المتراكمة، والمتشابهة، والمتشابكة بحيث يصير هدف القراءة تحرير النص، وتصحيح انتشاره الدلالي بغرض كتابة أخرى للنص الأصلي، وهنا تقوم مسألة العمق اللغوي للنص كما لو كانت بئرًا سحيقة جدا لا يصل دلو القراءة إلى آخرها، وإنما يأخذ من القطرات التي تنسكب على جوانبها من الأعلى. لذلك يقول (تودوروف) النص الأدبي هو نزهة /لعبة يقوم فيها المؤلف – الكاتب بوضع (البناء  الأول) ، ليأتي لها القارئ بالمعنى (البناء الثاني)  وكما أن الماء لا يبلغ منتهى الصورة الجمالية  إلا عند تدفقه، واضطرابه جاريا؛ فكذلك النص لا يكون إبداعيا عندهم إلا عند قلقه الدلالي؛ فالنص الثابت الذي لا يكون متحركا حكم على نفسه بالموت؛ لذلك كان أفضل النصوص ما كان ممتلئا بالرموز التي تفسح مجالا واسعا للتأمل، وهو ما يجعلنا نحكم على نص بالصلاحية عندما تكون منطقة المتحرك فيه أكبر من منطقة الثبات،  وفي هذا بعض حق لا ينكر فالمسكوت عنه في الشريعة أكثر مما  تكلم والأصل في كل شيء الإباحة حتى يرد حكم خاص كما قال ناظم مراقي السعود:

والحكم ما به يجيء الشرعُ

وأصل كل ما يضر المنعُ

وهو ما يعني أن المنطقة المرنة أو المتحركة التي تتولد منها الأحكام التي يستصلح بها المعاش أكبر فأنت تجد مذهب الإمام أحمد مع صرامته في العقيدة “منطقة الثابت” تجده من أثرى المذاهب القائلة باختلاف التنوع بل أفضلها على الإطلاق في فقه البيوع وهي ما هي في أهميتها المعاشية ما لا يخفى. والمعلقون على النصوص يتبعون طرقًا مختلفة في تناول النصوص فمنها المباشر ومنها استخدام النص كقناع عن الذات وتعد الهرمنبوطيقا بمثابة عملية تأويلية في فهم النص بامتياز من خلال هذه العلامات الوجود الإنساني /الفهم /النص

 ويعتبر هايدجر العمق الأبعد في الهرمنيوطيقا عندما حدد أن اللغة تنطق الإنسان وليس الإنسان من ينطق اللغة وحدد الوجود بما يحويه كمعيار مهم ومحدد رئيس في توجيه النص وفعل القراءة المضاف له ويرى جادامر أن الذاتية مرآة غير أمينة لتصوير الذات وهو ما يعني أن التحيزات الفردية المتعددة تشكل الوقائع الكلية التاريخية لوجوده فالنفس في تحيزاتها التاريخية نعني بها الكيان الثقافي بأبعاده المتعددة ويبقى المعنى شيئا ثقافيا في هذا الكيان التاريخي الأكبر.

 لذلك فإن النص له شروطه الثقافية التي قد تلتقي في نقاط معين مع ثقافة أخرى ولكن يبقى عليك عندما تتناوله أن تكون محكومًا بسياقه الخاص وهذا منشأ الاضطراب عندما أخضع نصًا ثقافيًا لعملية نحت تأويلية قاسية بأدوات ثقافية غريبة جدًا عنه فإن المفهوم الناتج يكون مشوهًا ولا يمت لمراد المؤلف الأصلي، مع أن النص الأدبي يختلف عن النص الديني المعصوم فالنص الأدبي مولود في الخيال وفي نطاق اللاقصدية أو النحيب والنواح وما يعنيان حالة شعورية غير واقعية في لحظة انهدام نفسي وانهيار داخلي فالإرادة الواعية القاصدة غير موجودة حتى في المديح أو الهجاء يوجد الانفعال الصارخ غير المتزن اللاواعي  لذلك قيل أصدق الشعر أكذبه فالنص الأدبي يفتقد عامل الصدق ويقوم على لا نهائية الخيال فالتولدات بهذه الصورة ممكنة، وهذا ما لا تجده في النص الديني الأخلاقي الحكيم كما في الآية الكريمة “تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” وفي لفظة تنزيل إشارة إلى الدرجة الرفعوية العالية التي تنبئ عن الإحاطة المطلقة والقداسة وفي المبالغة بقوله “تنزيل” معنى الجلال الممتزج وكأنه ينبئ عن إرادة غالبة؛ لأن المكان الذي نزل إليه أقل من أن يدرك مراميه أو يستحق مجده لانحطاطاته الطينية، وهذا يدرك جيدًا عند أرباب العرفان الحقيقي لا لفظية الحرف ولا دهماء القشور. ومن ثَمّ فالحقيقة التي يتضمنها العمل الفني حقيقة ليست ثابتة ولكنها تتغير من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر طبقا لتغير أفق المتلقي وتجارب المتلقين ولكن الوسيط أو الشكل الفني الثابت هو الذي يجعل عملية الفهم ممكنة وقد أسقط نصر حامد أبو زيد هذه الفكرة على القرآن الكريم فالشكل ثابت والمعاني متغيرة .وهنا نحتاج إلى تأمل ومثال فلو جئنا إلى الحجاب مثلا أو ستر العورة فالنص النبوي أو الصحابي أو ما بني عليهما من محددات فقهية في المذاهب الأربعة لا تعدو عنده عن مرحلة  مرتبطة بفترة معينة وزمن معين مفتوح على كل الاحتمالات فالمجتمع في ذلك الوقت اقتضت ظروفه  تلك المحددات أو الأشكال الجارية وكل زمن يفرض طريقة معينة وشكل معين بحسب ظروفه وهو باب إلى الإلحاد بلا ريب لأنه تعطيل للنصوص العملية، فكما نشأت فرقة جهمية تعطل صفات الخالق الذاتية وسمو معطلة الصفات فهؤلاء معطلة الأحكام العملية ولا يقلون عن الأولين  شرًا ولا فسادًا في الأرض بل هم أعظم شرًا وأعظم خطرًا لأن قصد أولئك التنزيه وقصد هؤلاء يجتمع فيه الكبر والإعراض والتبديل والتحريف العملي مع ما يقتضي من الانتقاص في الذات الإلهية، لذلك قد تجد جهميا معطلا ولا يعاب في الأحكام العملية ولا تجد معطلا في الأحكام العملية إلا وتجد خلله في باب صفات الخالق، فكما قلنا فجادمر يرى أن نصل النص قد خرج من سياقه الأصلي وانغمد في سياق غريب عنه خلال فعل القراءة فكيف يمكننا أن نفصل بين ذلك الشيء المكون للنص والذي هو تاريخي بالنسبة للموقف المعاصر للنص، فهل مضى المعنى الأصلي إلى غير رجعة كذكر النحل الذي يموت فور الإخصاب عند التقائه بحقيقتها انظر “فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا”.

فليست هناك حقائق  كما يقول نيتشه هناك فقط تأويلات والإنسان ذلك الحيوان التأويلي  ورغم أن فهمنا المسبق كما أكد هايدجر وجادامر هو أداتنا للفهم هل نحتاج إلى قراءة حقيقية للنص هل نحن نخرس النص فعلًا ونفرض عليه ما ليس فيه فهل فوتنا مغزى النص ورسالته وبلاغه ويشيح عنا النص وقد وجدنا غير جديرين بهديته يتساءل صاحب كتاب ” فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا” وهو تساؤل في محله وأصاب موضعه: إن النص العالي كالباب المفتوح على جنان الحياة ولكن لا يدخله إلا المتواضعون إنه باب معنوي لا يلج منه إلا الأرواح الشفَّافة التي تخلصت من طينيتها وتحجّراتها وتصلباتها وانفتحت للآخر فالثبات هو مكانة بين الانحلال والجمود إنه التفاعل الأخلاقي الإيجابي مع الاحتفاظ بالقالب إنه المصباح الذي شبه الله نوره به إنه يشع في الأرض ويمتزج بما حوله مع احتفاظه بكيانه بحيث لا ينعدم النور إلا عند انعدامه وذلك بانكساره، إن النص العالي يحتاج إلى سمو في الأرواح والأفكار حتى ترقى إليه إنه المصباح العربي الذي أشار القرآن إلى نزول القرآن بلسان هذا العربي وهو إشارة إلى عالمية اللسان والثقافة العربية كما أنه إشارة إلى الحاجة إلى أدوات العربي الخالصة المبينة في فهم  هذا النص فلا دخيل آخر مستخدم  ما لم يتعرب بفاهمة اللسان العربي.

صيام عرفة وشرعيته

قال الإمام مسلم ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن غيلان بن جرير سمع عبد الله بن معْبدٍ الزَّمَّاني عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية.

فنقل بعض الكاتبين عن ابن حجر أن حديث البخاري لم يثبت عنده أي عند البخاري وفي الكلام اقتطاع لا يليق وإنما الذي ذكره الحافظ أنه الحديث لم يثبت على شرط البخاري وبينهما فرق فشرط البخاري أعلى بدون ريب وأمتن، ولكن تبقى أحاديث مسلم في مدار الصحة وأما اختلاف مخارج الحديث، فقد قال ابن حجر رحمه الله في المطالب العالية قلت: المحفوظ عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة بطوله أخرجه من ذلك الوجه مسلم وأصحاب السنن وبهذا قال الإمام الدارقطني رحمه الله “والصواب قول قتادة وشعبة ومن وافقهما”.

وأما مسالة السماع فالحديث يصح على شرط مسلم الذي يكتفي بالمعاصرة أما البخاري فيشترط ثبوت اللقيا وأن يكون الراويان من بلدٍ واحدٍ وأما ما ذكر من تجرئة الناس على المعاصي بغفران السيئات المستقبلة فقد تكلم العلماء على ذلك وحملوه على معانٍ منها العصمة من الكبائر أو التوفيق للتوبة ولأنه يقال في الحديث ما يقال في حديث “الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر” فهل هو تجرئة على الصغائر؟ اللهم لا لمن حمل طوية طيبة، وفهم مقصود الشرع وهو أنه من يكف نفسه مجتهدًا ثم يقع منه ذنب فإن الله يغفره له لأنه غلب عليه وقد استحب العلماء منهم الشافعي صيام عرفة لغير الحاج ويحمل من كرهه على الحاج وهو ما يظهر من المرويات

وقد ورد شاهد صحيح من حديث سهل بن سعد عند ابن أبي شيبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوم عرفة كفارة سنتين وفيه الغنية للمهتدي. وقد قال الإمام البخاري ثنا علي بن عبد الله “المديني” ثنا سفيان”ابن عيينة” ثنا الزهري ثنا سالم قال سمعت عميرًا مولى أم الفضل عن أم الفضل “زوج العباس” شك الناس وفي لفظ تماروا وفي لفظ اختلفوا يوم عرفة في صوم النبي فبعثت إلى النبي بشراب فشربه.

وهذا الحديث يدل على أن صيام عرفة كان معروفا عندهم وأنهم اعتادوا عليه قبل ذلك وإلا لما بعثوا للنبي بقدح اللبن ليستعلموا أصائم هو أم لا وأنهم كانوا يصومونه وقد استحب العلماء صيام عرفة ومنهم الشافعي لغير الحاج فلتعجب ممن يتجرأ بالابتداع في الدين والإتيان فيه بما ليس منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى