- أحمد جمال
- تحرير: لطيفة الخريف
في فترة من الفترات خرجت مجلات العلم الشعبية مثل Livescience و Phys.org ووسائل الإعلام المختلفة بعناوين كبيرة مثل ستيفن هوكينج يعرف ما حصل قبل الإنفجار العظيم، ستيفن هوكينج أثبت أنه لا حاجة لإله لخلق الكون، كل هذه العناوين كانت بناءً على نموذج ستيفن هوكينج مع عالم الرياضيات چيمس هارتل، فما هو هذا النموذج؟ وهل يستحق كل هذه الضجة؟
عرض النموذج: الكون كما هو معروف مكون من الفضاء والزمن (الزمكان) وأشكال الطاقة المختلفة الموجودة في هذا الزمكان (المادة العادية كالكواركات والإلكترونات، المادة المظلمة، الطاقة المظلمة …) زمكان الكون هو ثلاثة أبعاد مكانية (الطول، العرض، الارتفاع) وبعد زمني واحد، وهذا الزمكان عبارة عن بنية هندسية ديناميكية، أي إنه نسيج قابل للحركة (التوسع، الانحناء، الانكماش، الدوران …) توصف بمعادلات مجال أينشتاين للنسبية العامة وهذه المعادلات معادلات كلاسيكية، أي إنها معادلات تصف الزمكان على المستويات الكونية الكبيرة فقط، الكون الآن في حالة توسع فعندما نعكس حالة التوسع بالرجوع بالزمن للوراء، الكون سيظل ينكمش وينكمش إلى أن يصبح حجمه صغيرًا جدًا، معادلات أينشتاين للنسبية لن تكون صالحة لوصف الكون في الفترة التي كان الكون فيها بهذا الحجم في الماضي ، يجب البحث عن معادلات تصف طبيعة الزمكان على المستويات الصغيرة كما توجد معادلات تستطيع وصف سلوك المادة على المستويات الصغيرة (معادلات علم ميكانيكا الكم) لكن هذه المعادلات غير موجودة الآن، ومع ذلك يوجد معادلات تخمينية يفترض أنها تصف طبيعة الزمكان على المستويات الكمية الصغيرة، من هذه المعادلات معادلة وضعها عالما الفيزياء چون ويلر وبرايس دي ويت، اسمها معادلة ويلر – دي ويت Wheeler–DeWitt Equation بحل هذه المعادلة يمكن الحصول على نماذج كونية مختلفة تصف طبيعة الكون في بداياته، هذه النماذج تندرج تحت علم يسمى علم الكون الكمي Quantum Cosmology لأنه علم يصف الكون كله عندما كان حجمه صغيرًا، أي عندما كان نظامًا كميًّا، من هذه النماذج نموذج ستيفن هوكينج وهارتل، هذا النموذج يقول إنه -بحسب هذه المعادلة- عندما نرجع بالزمن للوراء زمكان الكون لن يكون 3 أبعاد مكانية + بعد زمني واحد، بل سيكون مكانًا فقط بدون زمن، يعني الكون سيكون 4 أبعاد مكانية فقط، بهذه الطريقة الفضاء لا ينسحق في متفردة كما في نموذج الانفجار العظيم العادي (الصورة بالأسفل) بل يصبح الفضاء مثل سطح كرة، فلو رجعت بالزمن للوراء (الخط الأحمر في الصورة التي بالأعلى) تلتف حول هذا السطح (الخطوط الزرقاء) وتعود لنفس الفضاء مرة أخرى (الخط البني) فلا توجد نقطة (متفردة) “خلق” منها الكون، الكون لم يخلق بل كان موجودًا دائمًا [1].
مشاكل النموذج:
– قائم على معادلة تخمينية لم تختبر صحتها تجريبيًا قط، وفيها كثير من المشاكل الرياضية النظرية [2].
– قائم على افتراض أن طاقة الكون الكلية تساوي صفر، وهذا أيضًا غير مثبت:
في الكون مصدران للطاقة: طاقة المادة الموجودة في الزمكان، والجاذبية التي تنتج من تشوه الزمكان بهذه المادة، “طاقة المادة” الموجودة في الزمكان ليست محفوظة – بحسب النسبية العامة- لأن شرط حفظ الطاقة في أي نظام هو أن يكون هذا النظام متناظرًا تحت تأثير الانسحابات في الزمن، أي إن القوانين التي تحكم النظام لا تتغير مع الزمن، والزمكان ديناميكي وبحسب النسبية العامة أيضًا، أي يتغير مع الزمن، مثلًا هذا الزمكان يتوسع، كل لحظة تمر على الزمكان المتوسع لن تكون مثل اللحظة التي مضت أو اللحظة التي ستأتي، يوجد تغير دائم ولا يوجد تناظر، وأشهر مثال على عدم حفظ الطاقة في الزمكان المتوسع هو إشعاع خلفية الكون، وهو عبارة عن إشعاع حراري (ضوء/فوتونات) منتشر في كافة أنحاء الكون نتيجةً لعملية الانفجار العظيم، فوتونات إشعاع خلفية الكون فقدت طاقتها عندما كان الكون يتوسع، هذه الفوتونات كانت في الماضي فوتونات أشعة جاما عالية الطاقة، أما الآن فهي فوتونات تقع ضمن نطاق موجات الراديو منخفضة الطاقة، التوسع الكوني كان يمط الأطوال الموجية لهذه الفوتونات، ومعروف من علاقة بلانك التي تحسب طاقة الفوتون أنه كلما ازداد الطول الموجي للفوتون قلت طاقته، فطاقة المادة بمفردها ليست محفوظة في كوننا [3] لكن لو أخذنا تأثير الجاذبية في الحسابات فحتى لو كانت طاقة المادة غير محفوظة، فإن طاقة المادة مع الجاذبية ستكون دومًا محفوظة، وستكون صفرًا دائمًا (الطاقة السالبة في الجاذبية تلغي الطاقة الموجبة في المادة) لكن هذا بشرط، وهو أن يكون فضاء الكون (نهائي في الحجم/مغلق مثلًا مثل الكرة) [1] لو كان الفضاء (لا نهائي في الحجم/مسطح مثلًا ممتد لما لا نهاية) طاقة الكون لن تكون صفر، طبعًا يوجد كثير من الحجج “الفلسفية” التي تجادل في أن فضاء الكون يجب أن يكون نهائيًّا، لكن بما أن ستيفن هوكينج يقول في كتاباته (كتاب التصميم العظيم) إن “الفلسفة ماتت ولم يعد لها أهمية في الإجابة على أسئلة البشر” إذًا هو يدعو لتصديق العلم فقط، العلم التجريبي لم يثبت إلى الآن هل الفضاء نهائي أو لا نهائي، لا أحد يعرف [4] والمقصود بالفضاء هنا فضاء الكون العالمي وليس القياسات المحلية لشكل الفضاء، مواقع الفيزياء الشعبية تذكر دومًا أن الكون مسطح، هذا لا يعني أن الكون كله مسطح، هذا يعني أن حجم الكون الذي نستطيع رصده فقط هو المسطح، شكل الكون العالمي يهتم به علم يسمي علم الطوبولوچيا الكونية Cosmic Topology هذا العلم لم يتوصل لشكل الكون العالمي بعد، بل يضع أشكالًا افتراضية مختلفة للكون، وبحسب هذا العلم: قد يكون الكون مغلقًا محليًا مثلًا لكنه ممتد لما لا نهاية عالميًا، قد يكون مسطحًا محليًا لكنه مغلق ونهائي عالميًا، فالشكل المحلي لا يقول شيئًا عن الشكل العالمي.
– يجب أن تعطي النماذج الكونية تنبؤات تتفق مع الرصد كي تكون علمية، لكن تنبؤات كل نماذج علم الكون الكمي بما فيها هذا النموذج غير قابلة للاختبار تجريبيًا كما يقول Alexander Vilenkin واحد من أكبر علماء الكونيات، هناك فترة من عمر الكون تسمى فترة التضخم الكوني Cosmic Inflation، في هذه الفترة توسع الكون بسرعة أكبر من سرعة الضوء ثم عادت سرعة توسعه عادية بعد انتهاء هذه الفترة، أي معلومات عن أي شيء حدث قبل هذه الفترة تمحى بسبب هذا التوسع السريع، بما أن هذه النماذج تحاول معرفة ما حدث قبل فترة التضخم الكوني من عمر الكون، وبما أن التضخم يمحو أي معلومات عن أي شيء حدث قبله، فهذه النماذج لا تعطي تنبؤات قابلة للرصد، لذلك علم الكون الكمي بكل نماذجه ليس علمًا تجريبيًّا [٥].
فما هو الداعي لكل هذه الضجة، أين أثبت ستيفن هوكينج ما ذكر أعلاه؟
المصادر:
[1]https://journals.aps.org/prd/abstract/10.1103/PhysRevD.28.2960
[2]https://iopscience.iop.org/article/10.1088/0264-9381/32/12/124005
[3]https://www.discovermagazine.com/the-sciences/energy-is-not-conserved
[5]https://arxiv.org/abs/gr-qc/0204061