العلم

لماذا يعجز علم الفيزياء عن تفسير الحياة

لا يمكن تفسير أصل الحياة بالمبادئ الأولى

  • جيريمي إنجلاند*
  • ترجمة:هدى شيخموس
  • تحرير: شيماء بنت سامي السليم

لعل من المنطقي جدًا طرح الفكرة الآتية: إذا كانت الحياة كلها مبنية من ذرات تخضع لمعادلات دقيقة نعرفها، فإن وجود الحياة قد يكون مجرد ضرب من النتائج النهائية لهذه القوانين التي لم نتوصل بعد إلى تحصيلها. من المؤكد أنها طريقة تفكير الفيزيائي الذي يعود له الفضل في فهم كيفية عمل الكائنات الحية.ولا ننسى فضل الرواد الأوائل في منتصف القرن العشرين كأمثال ماكس دلبروك، حيث قفز قفزة نوعية عندما ساعد تأثير التحليلات الكمية من العلوم الفيزيائية في ظهور مناهج ميكانيكية وجزيئية في بيولوجيا الخلية والكيمياء الحيوية التي أدت إلى العديد من الاكتشافات الثورية. فقدمت تقنيات التصوير مثل علم البلورات بالأشعة السينية والرنين المغناطيسي النووي والفحص المجهري فائقة الدقة صورة حية للحمض النووي والبروتينات والتراكيب الأخرى الأصغر من خلية واحدة التي تجعل الحياة تنبض على نطاق جزيئي.[1] ومن ناحية اخرى، فمن خلال فك الشفرة الجينية، أصبحنا قادرين على تسخير آلية الخلايا الحية للقيام بعطاءاتنا من خلال تجميع جزيئات كبيرة جديدة من ابتكارنا، حيث اكتسبنا الآن صورة دقيقة لكيفية توافق أصغر وأبسط اللبنات الأساسية في الحياة معًا لتشكيل الكل وهذا ما لم يكن بإمكاننا كسبه في أي وقت مضى، فقد أصبح بإمكاننا أن نتخيل أن أصعب ألغاز البيولوجيا قد يتم حلها فقط بمجرد اكتشاف كيفية معالجتها بشروط فيزيائية. فلم نكن نعلم شيئًا عن الفيزياء عندما ابتدعنا كلمة “حياة”. لكن تناول موضوع الحياة بهذا المنحى سيصيبنا بالإحباط حتما وذلك لسببين على الأقل:

السبب الأول قد يكون ما نسميه المغالطة الردِّيَّة reductionism. فالمذهب الردي هو الافتراض بأن أي قطعة من الكون قد نختارها للدراسة تكون بمثابة بعض العينات العتيقة، فحالما نكتشف القواعد التي تتحكم بكل جزء على حدة وكيف تواصل مسيرها جنبًا الى جنب مع الأجزاء الأخرى حينها يكون من السهل جدا التنبؤ بسلوك الكل. في الحقيقة، أن هاجس الوصول إلى تفسير يوضح التنبؤ بكل شيء بناء على قواعد بسيطة  قد استحوذ على خيال العديد من العلماء، وخاصة علماء الفيزياء. وبكل إنصاف، فقد أحرز العلم تقدما باهرا بسبب شغف واهتمام بعض الباحثين للعمل على التفسير الردي لأكثر الظواهر تعقيدًا. بعد كل شيء، هناك أشياء في العالم يمكن فهمها على أنها نتيجة تفاعلات معروفة بين أبسط القطع المختلفة، انطلاقًا من حدوث المد والجزر في المحيط بفعل شد جاذبية القمر له، إلى الطريقة التي يمكن بها تتبع بعض الأمراض الوراثية التي تنشأ من التغيرات الكيميائية لمنطقة صغيرة على سطح البروتين، و ويمكننا القول أن في بعض الأحيان يكون فهمنا للجزئية التي ندرسها مبنيا على تصورنا أنها جزء من كل.

لكن للأسف، كان الأمل في التغلب على جميع الألغاز العلمية من خلال الردية أكثر شيوعًا لدى علماء الفيزياء قبل حلول القرن العشرين. منذ ذلك الحين، كتب العديد من الحائزين على جائزة نوبل في الفيزياء، والكثير غيرهم، بشكل جلي حول كيف ولماذا يفشل التفكير الردي في كثير من الأحيان[2] فلا يمكنك استخدام قوانين نيوتن أو نظرية الكم للتنبؤ بسوق الأسهم، ولا حتى التنبؤ بالخصائص الكثيرة البسيطة لأنظمة “الجسيمات المتعددة”، مثل مائع مضطرب أو مغناطيس فائق البرودة.[3] في جميع هذه الحالات، فإن القوانين الفيزيائية التي يُفترض أنها تحكمها وتديرها تكون مشبعة بما نجهله ونعجز عن قياسه، أو يفتقر إلى القدرة على الحساب مباشرة. ولا تزال الفيزياء تعمل على مثل هذه الأنظمة، ولكن ليس فقط بالبدء بالمعادلات الأساسية التي تحكم الأجزاء المجهرية.

أما عن الخطأ الثاني المتمثل في كيفية رؤية الناس للحد الفاصل بين الحياة واللاحياة، فهو لا يزال متفشيًا في يومنا هذا؛ وينبع من الطريقة التي نستخدم بها اللغة. يتخيل الكثير من الناس أنه إذا فهمنا الفيزياء جيدًا، فسوف نفهم في النهاية ماهية الحياة كظاهرة فيزيائية بنفس الطريقة التي نفهم بها الآن كيف ولماذا يتجمد الماء أو يغلي. في الواقع، يبدو أن الناس غالبًا ما يتوقعون أن أي نظرية فيزيائية ناجحة قد تصبح المعيار الذهبي الجديد للحكم على ما هو حي وما هو غير حي. ومع ذلك، فإن هذا النهج يخفق في الاعتراف بأن دورنا في إطلاق المسميات على الظواهر في العالم يسبق قدرتنا في إعطاء تفسير لما يحدث لكل ما يمكن أن يطلق عليه اسم الكائن الحي.

ويجب على الفيزيائي الذي يريد أن يبتكر نظريات حول كيفية تصرف الكائنات الحية أو ظهورها أن يبدأ باتخاذ خيارات بديهية حول كيفية ترجمة خصائص هذه النماذج الحية التي نعرفها إلى لغة مادية. وحالما يقوم المرء بذلك، يتضح سريعًا أن الحد الفاصل بين ما هو حي وما ليس كذلك هو شيء مُحدد مسبقًا الفعل في البداية، وقد سبق الحديث عنه وتم تناوله بطرق مختلفة، أكثر من كونه نتاجًا تقدمه علوم الفيزياء.  إلى حد ما، يسعنى القول أن التعبير عن الميل المتفائل نحو الردية يكمن في السؤال ذاته: ما هو أصل الحياة؟ فنحن ننظر إلى المنظومة الحياتية عاجزين مكتوفي الأيدي ولا يسعنا إلا أن نتساءل عما إذا كان هذا النجاح المذهل في الشكل والوظيفة يمكن أن يكون ببساطة نتيجة للتصادم العشوائي لمجموعة من الجزيئات الأساسية التي تضطرب مثل كرات البلياردو. هل يا ترى يوجد في الجهاز ما هو أكثر من كل هذه القطع المهتزة الصامتة؟ فإذا كان الجواب لا، ألا يعني ذلك أنه يمكننا في النهاية فهم أن الكل تنسجم أجزاؤه معًا؟ بعبارة أخرى، ألا يكون طرح أي تفسير لظهور الحياة سببًا في تقسيم هذا الكل إلى سلسلة من الخطوات المنطقية؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يسعنا القول بالشيء نفسه عندما نريد اختزال معنى الحياة على أنها أداء متناسق تديرها مجموعة من القواعد الفيزيائية المعروفة البسيطة؟ بالتاكيد، فعلم الأحياء لا يقوم على أسس رياضية كما هو الحال مع علم الفيزياء.

هنا، يجب الاعتراف بأن الفيزيائيين قد حددوا بالفعل بعض القواعد التي تثبت صحة التنبؤات الدقيقة في الأنظمة التي بدت ذات يوم معقدة يائسة وغامضة. بفضل أفكار أشخاص مثل كبلر ونيوتن، أصبحت حركة الأجرام السماء معلومة لدى الجميع، وقدرتنا على حساب أين تذهب هذه الأضواء جعلتها من الأمور التي لم تعد تشغلنا، بل أصبح من اليسر الآن تلقي العلوم المختصة في الفيزياء في أشهر الجامعات على الإطلاق و دون الخوض في التخصص الجانبي المتخصص للميكانيكا المدارية المعقدة. ومع ذلك، تخيل نفسك أن تكون فيلسوفًا طبيعيًا لامعًا في مكان ما في مسيرة تاريخ البشرية، وتتعجب من التعقيد الذي يبدو مستعصًى على الفهم، والمتمثل في كيفية إعادة ترتيب الشمس والقمر والنجوم باستمرار في السماء مع توالي الأيام والسنون، أن فكرة أن وجود زوج مقتضب من المعادلات التي تصف الجاذبية والحركة تحت تأثير القوة، يمكن أن تضع المجرات البعيدة والكواكب السيارة كلها في إطار نظري شامل واحد لا شك أنها غير قابلة للتصور حتى بالنسبة لأعظم عباقرة العصر منذ آلاف السنين. ومن الإجحاف أن لا نشيد بأهمية الثورة التي بدأت مع نيوتن ومعاصريه آنذاك. ومع دخول القرن العشرين! بدأ أينشتاين بالتفكير في المعادلات التي تصف حركة الضوء، ومن خلال قوة البصيرة لديه انتهى الأمر بإعادة تخيل أصول الجاذبية، ليشرح أخيرًا اللغز الأخير المتبقي لحركة الكواكب الذي لم يستطع نيوتن التطرق له (بالتحديد كوكب عطارد). وفي الوقت نفسه، فتحت معادلة الموجة الميكانيكية الكمومية لإرفين شرودنغر الباب لتحرير وإطلاق مفهوم الذرة وذلك من خلال تقديمه تفسيرًا كميًا رائعًا لألوان الضوء المنبعث من أنواع مختلفة من الغازات المكهربة. في الواقع، كانت هذه نظرية غريبة وغامضة لعمليات رياضية تجرى للعناصر الداخلية الصغيرة جدًا بحيث لا يمكن رؤيتها أو لمسها، ومع ذلك لا يزال بإمكانها مطابقة المقاييس التجريبية بدقة مذهلة. في أعقاب هذه الأفكار العلمية العظيمة، قد يتجاوز المرء عن زلات عالم واحد أو اثنين عند شعوره بأن عدم القدرة على التنبؤ سيتبدد في النهاية عند ظهور نظريات أحدث وأكثر إبداعا. ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، يكشف هذا الاستعراض الناجح للانتصارات في العلوم النظرية الردية عن بعض التحيز. أن ما تشترك به هذه الأمثلة والنماذج الأخرى للنظريات الفيزيائية الناجحة هو أنها تقوم بأداء أفضل عند محاولة التنبؤ بقطعة معزولة تمامًا من العالم موصوفة بصيغة رياضية بسيطة نسبيًا تتضمن بعض الأشياء المختلفة التي يمكن للمرء قياسها، مثل: الكوكب الواحد النظام الشمسي، ذرة الهيدروجين المنفردة، وما إلى ذلك. في كل حالة من هذه الحالات، تنجح النظرية عن طريق تصفية بقية الكون والتركيز على بعض المعادلات التي تصف بدقة العلاقات بين عدد صغير من الكميات الفيزيائية. وما يتضح لنا، أن هناك العديد من الطرق الردية المبالغ فيها و المسلّحة بحاسوب فائق قوي، قد يفشل في تحقيق الهدف عند محاولته حساب سلوك الكل مباشرة من خلال القواعد البسيطة التي تخضع لقيودها.

كتب أندرسون – الحائز على على جائزة نوبل في الفيزياء – ذات مرة: “التنبؤ بمنظومة كاملة مختلف عما نقوم به”[4] وبينما قد ننجح في التوصل إلى نظريات فيزيائية جديرة لأشياء مثل بلورات التجميد أو السوائل اللزجة، فلن يكون لزامًا اننا بدأنا بإتقان نماذجنا المفصلة من الذرات أو الجسيمات دون الذرية التي تُبنى منها هذه الأشياء.

ليس هناك شك في أن البيولوجيا الجزيئية لها تاريخها الطويل والعريق كعلم صعب في حد ذاتها. بفضل التجارب التي لا حصر لها على الخلايا الجزيئية والأنسجة والكائنات الحية الكاملة، أصبح من الواضح تمامًا الآن أن القدرات الوظيفية المتنوعة الهائلة للكائن الحي لها قواعد أساسية في الخصائص الفيزيائية لأجزائها المادية. ومع ذلك، هذا لا يعني أن الردية تسود؛ على العكس من ذلك، فإن فكرة أن “المنظومة مختلفة” يظهر تأثيرها جليًا في كل دراسة عن كيفية عمل الحياة. الدم، على سبيل المثال، هو سائل يتدفق عبر الأوردة ويحمل الأكسجين، وقدرته الكيميائية الحيوية على امتصاص الأكسجين وإطلاقه مفهومه بشكل كاف من حيث التركيب الذري لبروتين على خلايا الدم الحمراء المعروفة باسم الهيموجلوبين.

في الوقت نفسه، فإن كمية مثل لزوجة الدم (التي تنتج نظريًا عن خلط جزيئات الماء ببروتينات البلازما والعديد من المكونات الأخرى) سيكون من المتعذر تمامًا على أي شخص باستخدام المبادئ الأولية من أجل التنبؤ بها بدقة. أن عدد العوامل المختلفة التي تساهم في كيفية انزلاق خلية أو جزيء معين بفعل جزيء آخر في مثل هذا الخليط غير المتجانس خاص جدًا وحساس للاختلافات الصغيرة في خصائص التفاعل لكل زوج من المكونات بحيث لن يكون هناك على الإطلاق حساب موثوق به ولا غني بالمعلومات بمجرد إجراء التجربة لقياس ماهية الإجابة التجريبية. ونعيد ونؤكد ثانية ان الردية المدعمة بحاسوب فائق السرعة قد تخفق في تحقيق الهدف. لكن هذه الإجابة التجريبية مهمة للغاية! تزدهر الحياة في عالم حيث يتم تحقيق خصائص محددة ودقيقة تمامًا من خلال مكوناتها التي يمكن أن تؤدي إلى إخفاقات كارثية إذا تحولت وتبدلت بشكل مختلف. في الواقع، لا يمكننا أن نفترض أن أي تغيير بسيط في كيفية جريان الدم البطيء في الأوعية، على سبيل المثال، أو في تسلسل الحمض النووي الذي يوجه الخلية إلى كيفية بناء بروتين معين، سيحدث بالضرورة اختلافًا بسيطًا في كيفية عمل الكائن الحي باعتباره يشكل الكل. فالحياة عبارة عن حقيبة مكونة من قطع مختلفة، بعض خصائصها الفيزيائية أسهل في التنبؤ ميكانيكيًا من غيرها، ومن المؤكد أن بعض العوامل المهمة على الأقل لكيفية عمل الكائن الحي ستقع في فئة من الخصائص الناشئة الجزئية للغاية التي يستحيل اشتقاقها من المبادئ الأولى. في الأساس، سيستمر هذا التحدي في الظهور، لأن تناول الحديث من الناحية المادية لا يشبه أبدًا تناوله من الناحية البيولوجية، وبالتالي لا يتم اختيار الأسئلة المهمة من الناحية البيولوجية من أجل قابليتها للتتبع المادي. بدلاً من ذلك، فإن الطرق البيولوجية والفيزيائية للتحدث تتداخل في فضاءات مفاهيمية مختلفة تمامًا.

الفيزياء نهج علمي يختص في قياس كميات معينة: المسافة والكتلة والمدة والشحنة ودرجة الحرارة وما شابه. سواء كنا نتحدث عن إجراء ملاحظات تجريبية أو تطوير نظريات للقيام بتنبؤات، فإن لغة الفيزياء بطبيعتها موزونة ورياضية. و يتم التعبير عن ظواهر الفيزياء دائمًا من حيث كيفية استجابة مجموعة واحدة من الأرقام القابلة للقياس في الوقت الذي تكون مجموعات أخرى ثابتة أو متنوعة، وهنا يظهر في أن عبقرية قانون نيوتن الثاني لم تكن مجرد اقتراح معادلة ناجحة تتعلق بالقوة والكتلة والتسارع بل بالأحرى أدركت أن كل هذه الكميات يمكن قياسها ومقارنتها بشكل مستقل من أجل اكتشاف تلك العلاقة العامة.

أما علم الأحياء فيعمل على نقيض ذلك. صحيح أن إجراء بحث متميز في علم الأحياء ينطوي على الإتجار بالأرقام ولا سيما هذه الأيام

على سبيل المثال، تساعد الأساليب الإحصائية المرء على اكتساب الثقة في الاتجاهات المكتشفة من خلال الملاحظات المتكررة (مثل الزيادة الكبيرة ولكن الصغيرة في معدل موت الخلايا عندما يتم تقديم الدواء). ومع ذلك، لا يوجد شيء جوهري كمي في الدراسة العلمية للحياة. بدلاً من ذلك، فإن البيولوجيا تعتبر تصنيفات الأشياء الحية وغير الحية من المسلمات كنقطة انطلاق، ثم تستخدم الطريقة العلمية لاستقصاء ما يمكن التنبؤ به بشأن سلوكيات الحياة وصفاتها. لم يكن على علماء الأحياء أن يسعوا في إقناع البشرية بأن العالم يقسم فعليًا إلى أشياء حية وغير حية؛ بدلاً من ذلك، وبنفس الطريقة التي تحظى بشعبية كبيرة عبر طول واتساع اللغة البشرية لتكوين مصطلحات لأشياء مألوفة مثل النجوم والأنهار والأشجار، يتم الإشارة إلى الفرق بين البقاء على قيد الحياة وعدم وجوده بالمفردات. باختصار، يمكننا القول أنه من الصعب استحداث البيولوجيا بدون مفهوم الحياة الموجود مسبقًا لإلهامها، وكل ما تحتاجه للبدء هو أن يدرك شخص ما أن هناك أشياء يجب اكتشافها من خلال التفكير علميًا في الأشياء التي كانت على قيد الحياة. هذا يعني، أن علم الأحياء بالتأكيد لا يقوم على الرياضيات بالطريقة التي هي عليها الفيزياء. إن اكتشاف حاجة النباتات إلى ضوء الشمس لتنمو، أو أن الأسماك ستختنق حال خروجها من الماء،  فالطبع يمكننا معرفة المزيد عن طريق قياس كمية ضوء الشمس التي حصل عليها النبات، أو توقيت المدة التي يستغرقها السمك خارج الماء حتى تنتهي صلاحيته. لكن القانون التجريبي الأساسي من الناحية البيولوجية لا يهتم إلا بالظروف التي ستمكّن أو تمنع النمو والازدهار، وما يعنيه الازدهار يأتي من حكمنا النوعي والشامل على ما ينجح في البقاء على قيد الحياة. إذا كنا صادقين مع أنفسنا، فإن القدرة على إصدار هذا الحكم نتلقاه من العلماء، ولكنها حصيلة نوع أكثر شيوعًا من المعرفة وهو كالتالي: نحن أنفسنا على قيد الحياة، ونحكم باستمرار بالحياة والموت على الحشرات والزهور من حولنا .لا شك أن العلم قد يساعدنا في اكتشاف طرق جديدة لجعل الأشياء تعيش أو تموت، و ذلك بمجرد أن نوضح للعلماء كيفية استخدام هذه المفردات.في الواقع، لم نكن نجهل تمامًا كل ما يتعلق بالفيزياء عندما ابتدعنا كلمة “حياة”. وسيكون من الغريب أكثر أن تبدأ الفيزياء الآن فجأةً أن تملي علينا ما تعنيه هذه الكلمة.

اقرأ ايضًا: الكون وعلم الفيزياء


  • جيريمي إنجلاند هو مدير أول في الذكاء الاصطناعي في شركة كلاكسي سميث كلاين، عالم أبحاث رئيسي في شركة جورجيا تيك والأستاذ المساعد السابق في التطوير الوظيفي، أستاذ الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

الهوامش:

[1] – Watson،D. & Crick، F.H.C. التركيب الجزيئي للأحماض النووية. Nature 171، 737-738 (1953): Wüthrich، K. تحديد بنية البروتين في المحلول بواسطة التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي. مجلة الكيمياء البيولوجية 265، 22059-22062 (1990)؛ روست، إم جي، بيتس، إم، وتشوانغ. X. تصوير حد الانعراج الفرعي بواسطة الفحص المجهري لإعادة البناء البصري العشوائي (STORM). طرق الطبيعة 3. 793 (2006)

[2] – Laughlin،B. & Pines، D. نظرية كل شيء. وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم 97، 28-31 (2000)؛ أندرسون، العلوم 177. 393-396 (1972).

ومن الجدير بالذكر القول بأن كلاً من أندرسون ولوفلين لا يسعيان للمجادلة حول الأنظمة التي تحتوي على العديد من المكونات يعجز التنبؤ بها تماما؛ على العكس من ذلك، فكلاهما يأخذان على عاتقهما مهمة الكشف عن إمكانية التنبؤ في مثل هذه الأنظمة المعقدة ومع ذلك، فإن ما يحدث غالبًا في ما يسمى بعالم المادة الصلبة المكثفة (أي المعادن والمواد ذات الحالة الصلبة الأكثر غرابة)

هو خوض في الجموع ورؤية النظام في الكل ما هو إلا إدراك أن السلوك الجماعي يجب أن يحكمه بعض التناظرات المحددة للغاية للنظام المطروح. يمكن أن يكون هذا رياضيًا بحتا تمامًا، ولكن على سبيل مثال بسيط، تخيل مجموعة من الأسهم موضوعة بشكل مستوي على الارض و تشير إلى كل اتجاه مختلف. افترض أن طاقة كل سهم أقل من طاقة السهم الذي يجاوره من المرجح اذاً أن الطاقة ستكون عند أدنى مستوياتها بالنسبة لمجموعة الأسهم ككل عندما تشير جميعها إلى الاتجاه ذاته. ومع ذلك، فإن نظرية التناظر تقول أن أدنى حالة طاقة لا يمكن تسجيلها عندما تتجه النقطة في اتجاه واحد، لأن الطريقة الكلية التي نحدد بها طاقة النظام تبدو متشابهة تمامًا عندما ندير منظورنا. ويتمثل الحل في إدراكنا أن هناك عددًا لا نهائيًا من حالات الطاقة الأقل مكافأة، مع محاذاة جميع الأسهم مع بعضها البعض وكل يشير إلى اتجاه مختلف.

[3] – يجدر الذكر هنا على وجه التحديد لماذا قد يتخيل المرء شيئًا غريبًا جدًا مثل فكرة أن نظرية الكم يمكن استخدامها للتنبؤ بسوق الأسهم. النقطة المهمة ومن وجهة نظر الفيزيائي، تكمن في أن كل الأشخاص والوثائق وأجهزة الكمبيوتر والهواتف والمصانع والمناجم والغابات والرياح (وكل شيء آخر) الذين يعملون على تحديد سعر المخزون هم من الذرات. الطريقة التي تترابط بها هذه الذرات معًا في جزيئات يتم التخلص منها جيدًا من خلال المعادلات المعروفة التي تحكم تفاعل الشحنة الكهربائية والضوء والمادة على أصغر المقاييس. فلماذا لا نحاول التنبؤ بالأسهم باستخدام هذه المعادلات؟ لا يقتصر الأمر على أن الحجم الهائل للحسابات المطلوبة لتمثيل مثل هذه التفاصيل الدقيقة لجعل المهمة بعيدة المنال، ولكن لدينا معرفة لا بأس بها عن معظم الأرقام التي من شأنها أن تكون بمثابة مدخلات في النموذج. وفقًا لذلك، بالطريقة نفسها التي قد لا يتعرف بها المساهمون بسهولة على كل ما يعاني منها الشركة المتداولة علنًا، فإننا أيضًا و بشكل افتراضي، لا نعرف سوى القليل جدًا عما تفعله كل ذرة أو جزيء على هذا الكوكب. و بدلاً من محاولة قياس ودراسة كل واحدة من هذه التفاصيل، فإن دورنا يظهر جليا في صنع نماذج تنبؤية مبسطة للشيء الذي نحاول تصميمه (على سبيل المثال، من خلال افتراض أن الأسعار يتم تحديدها من خلال التوازن بين العرض والطلب).

[4] – Anderson, P.W. More is different. Science 177, 393–396 (1972).

المصدر
nautil

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى