- لقاء مع دانيال غولمان
- ترجمة: ميَّا محمد
- تحرير: فضيلة المازن
دانيال غولمان هو مؤلف كتاب “الذكاء العاطفي” الأكثر مبيعًا في قائمة صحيفة نيويورك تايمز. وهو عالِم نفسي وصُحفي علمي، قدم تقريرًا عن بحوث الدماغ والسلوك لصحيفة نيويورك تايمز لسنوات عديدة. وهو مؤلف لأكثر من إثني عشر كتابًا، بما في ذلك ثلاثة روايات عن الإجتماعات التي أدارها بين الدلاي لاما والعلماء، والمعالجين النفسيين، والناشطين الإجتماعيين.
أحاول هذه الأيام أن أعكس كثيرًا من التعريفات الشائعة لنظام الرأفة؛ الناس عمومًا لا يعرفون الكثير عن مختلف الأنظمة، ناهيك عن العلم بحد ذاته. هذا يعتبر أحد الأسباب التي تجعل الحكومة الحالية قد تفلت من العقاب على التخفيضات الهائلة التي تتعرض لها ميزانيات مختلف العلوم.
كنت أتحدث إلى عميد معهد علوم الأرض في جامعة كولومبيا، الذي يدير أيضا برنامجًا في مرصد لامونت دورتي للأرض في جامعة كولومبيا، و”هو رائد عالمي في علم المناخ” قال في بحث له أنه قد يحدث تخفيض بنسبة 80 إلى 85 بالمائة في ميزانية المعهد وهو أمر مذهل، إنها أزمة كبيرة. شخص آخر كنت أتحدث إليه يدير مختبر علم الأعصاب يقول إنه يتوقع أن يصل تخفيض الميزانية إلى نسبة 20%، عشرون بالمائة وحدها قد تصيب أبحاثهم بالشلل.
لماذا يمكن للحكومة أن تُفلت من هذا؟ لماذا لا توجد ضجة في تلك الدائرة الضيقة من العلماء؟ لماذا قلة من الناس فقط من يفهمون الوجه الحقيقي للعلم؟ جزء من هذا له علاقة بالإفتقار العام للوعي بالأنظمة التي تطورنا بها. أنظمة الطاقة والتكنولوجيا، وأنظمة الإقتصاد والثقافة؛ تلك الأنظمة التي من شأنها أن توضح أكثر لماذا العلم نفسه ضروري جدًا لتحسين حياتنا ومجتمعاتنا، وما علاقة الباحث في المختبر بأي منا.
هناك أمور غير مترابطة بشكل كبير، ويمكن أن يكون التعليم أحد النقاط التي لها علاقة بهذا الأمر: من الممكن شرح الأنظمة وأهميتها للأطفال عندما يكونون في المدارس، كما يمكننا إفهامهم كيف لشيء واحد هنا أن يكون له علاقة بشيء آخر هناك. ثم بينما يمضون في الحياة ولديهم خلفية مسبقة عن هذا الأمر -هذه اللبنة الأساسية للمعرفة- سيقومون بصنع اتصالاً لم يصنع اليوم. إذا نشأ الأطفال بهذا الفهم سيكون هناك عالم مختلف ينطلق إلى المستقبل.
لقد كانت البيئة مصدر قلق منذ وقت بعيد بالنسبة لي، ليس الإحتباس الحراري العالمي فحسب، بل النظم العالمية الثمانية التي تدعم الحياة. هناك دورة كربونية، معظم الناس يعرفون على الأقل القليل عنها، فكلنا رأى ملصق التحذير من الإحتباس الحراري الذي يظهر فيه أحد الأطفال. ولكن هناك العديد من أنظمة دعم الحياة بالغة الأهمية. على سبيل المثال، هناك دورة الفوسفور ودورة المياه في الطبيعة، ولا سيما روافد المياه الصالحة للشُرب؛ ثم هناك إنخفاض التنوع البيولوجي: لقد إنقرضت كمية كبيرة من أنواع الكائنات الحية في المئة سنة الماضية بسبب الحضارة التي تنتشر وتتوسع، وهذا يعني كل شيء من مواقف السيارات إلى مزارع زيت النخيل التي تدمر النظم البيئية. هناك ثمانية أنظمة عالمية تدعم الحياة، والطريقة التي نعيش بها الآن على الكوكب تؤدي إلى تآكل لا مفر منه لكل تلك الأنظمة الثمانية. الإستثناء الوحيد الواضح بشكل جلي، هو طبقة الأوزون. الأوزون الذي بالطبع يحمينا من أشعة الشمس المسببة للسرطان، كان قد وصل إلى حالة مزرية، ثم بطريقة ما كان هناك حظر عالمي للمواد الكيميائية الصناعية التي تسبب ضررًا لطبقة الأوزون، خصوصًا تلك المواد المستخدمة للتبريد. بمجرد حدوث ذلك، بدأت طبقة الأوزون لدينا في التجدد والتعافي.
هذا رائع، لأنه بمثابة خريطة يمكن تتبعها لما قد نفعله إذا إستطعنا أن نلتفت إلى عاداتنا التي تدمر العالم الطبيعي. هناك إنفصام بين ما نقوم به والقرارات اليومية التي نتخذها حيال ذلك، مثلاً لنقل: ما نشتريه ونفعله وبين عواقبها على هذا الكوكب -أي آثار قراراتنا-.
لبناء جسر يسد صدع ذلك التفكك، أحاول أن أدافع عن إدخال نظام التفكير في المدارس كمنهج دراسي جديد (وهو مشروع قديم لصديقي بيتر سنج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا). أحد أنظمة المدارس التي كانت مهتمة بهذا الأمر هو نظام المدارس الثانوية الدولية للبكالوريا (IB)، التي تعمل بمعايير أكاديمية عالية جدًا إنهم يدرجون هذا في مناهجهم الدراسية لأنهم يفهمون أهميته بالنسبة لحياة طلابهم وللمستقبل، لكنهم أضافوا مكونًا مفقودًا : الرأفة والتعاطف. يمكنك بناء نظام مفاهيمي على أعلى مستوى، لكن إذا كنت لا تهتم بالتأثيرات التي تنتجها هذه الرؤى، فسيكون عليك أن تتعامل على سبيل المثال مع عواقب الطمع المتفشي. لديك شركات تستخدم العلم والنظم لمصلحتها الشخصية دون أدنى اهتمام بالآثار الجانبية كالمواد الكيميائية الصناعية غير المجربة مثلاً أو الإنبعاثات في الماء والهواء والتربة. اليوم فقط، رأيت في الأخبار قرار حظر واحد من أكثر المبيدات الحشرية شيوعًا والمستخدمة في المزارع في جميع أنحاء العالم، لأنه خطر على الأطفال وعلى المزارعين، ورغم أن هناك دليلاً علميا دامغًا على أن هذا المبيد الحشري بالذات يشكل خطرا ساحقًا؛ إلا أن القرار الذي اُتخِذ لم يول أي اهتمام لهذه الحقائق.
أتوقع أن هذا الأمر يتجاوز الإدارة الحالية للمعرفة العلمية؛ هناك جزء كبير جدًا من المجتمع، ممن لهم حق التصويت في الانتخابات، لا يفهم ولا يهتم بالعلم أو كيف يساعدنا العلم كمقياس للحقيقة. (بالطبع العلم له طابع إحتمالي، وليس مقياسًا نهائيًا لكنه أفضل من لا شيء) وهكذا بتجاهل ما يقوله العلم -فقط بتجاهله- يمكن للناس أن يجنوا أرباحًا من خلال إتخاذ قرارات مثل إستخدام ذلك المبيد الحشري الخطير، وهي القرارات التي لا تخدم المجتمع ككل.
إحدى الطرق التي يمكن أن يساعد بها منظور النظم في الأزمة البيئية هو من خلال فهم أن لدينا نطاق ضيق جدًا من السماحيات والخيارات المتاحة، على سبيل المثال، لدي هذه السترة، لديك هذه الطاولة أو الكرسي الذي أجلس عليه، وهي تصنع في مجمعات صناعية لم يتغير حالها تقريبًا منذ قرن. ومع ذلك في السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية، رأينا ظهور علم البيئة الصناعية، العلم الذي يقدم مقياسًا لفهم آثار دورة حياة أيٍ من هذه العناصر من البداية إلى النهاية من خلال كيفية تأثيرها على الأنظمة العالمية التي تدعم الحياة على كوكبنا -دورة الكربون هي الأكثر شهرة-. الآن بما أن لدينا تلك البيانات ولدينا مقياس لها، ويمكننا أن ندير بشكل أفضل تلك العمليات التي ينطوي عليها استخدام وتصنيع كل شيء نملكه= فلدينا خريطة لإعادة بناء كل شيء في العالم المادي المحيط بنا بطريقة داعمة لأنظمة دعم الحياة.
الدماغ البشري -ومن المفترض الطبيعة البشرية- لم تتغير كثيرًا منذ العصر الحجري القديم. تلك كانت فترة طويلة جدًا في التطور البشري، حيث تشكلت غرائزنا، وهذا التأثير لا يزال قويًا اليوم. إلى حد ما بقايا تلك الفترة التطورية قادتنا إلى لغزنا الحالي. على سبيل المثال، أحد العوامل التي يبدو أنها ساعدت البشر على البقاء على قيد الحياة في التطور المبكر -في الأوقات التي كان يمكن أن تموت فيها من الجوع أو تؤكل من قبل مفترس- كانت الغريزة تدفعنا -كما هي الآن- لجمع أكبر قدر من الطعام، لأنه قد لا يكون لديك فرصة للقيام بذلك مرة أخرى. هذا يجعل الجشع جزءًا من الطبيعة البشرية. ولكن الوصول لأكبر قدر ممكن من السلع التي توفرها الحضارة قد زاد بشكل كبير في القرن الماضي بسبب قدرتنا على الإستفادة من الوقود الأحفوري. لقد تمكنا من التلاعب بالطاقة أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، وهذا بدوره يجلب معدل نمو هائل للعالم المادي، ومع وفرة السلع صار همُّ كلٌ منا أن يراكم ويجمع ما أمكن منها. (على الأقل في دول العالم الأول). أنا لا أعتقد أن غريزة الإنسان البدائية لتناول الدهون، والسكر، ومراكمتها بقدر ما نستطيع سوف تتغير كثيرًا في وقت قريب جدًا، فالإقتصاد يجعل الناس أكثر ثراء. على سبيل المثال، معدلات السمنة ترتفع، ويبدو أن هذه الرغبة متأصلة بشدة في الطبيعة البشرية.
من ناحية أخرى لدينا القدرة على الإختراع، والإبتكار، وإعادة التفكير-لخداع الدماغ الحجري بإستخدام القدرة ذاتها التي خلقت العالم المادي الرائع الذي لدينا الآن- وهنا يأتي التفكير بالأنظمة مرة أخرى.
وقد ذكرت أن دورة حياة أي منتج مادي تظهر أنه يؤثر سلبًا على الأنظمة العالمية التي تدعم الحياة، تخيل حجم هذا التآكل وقارنه بوجود 7 مليارات نسمة على الكوكب وسترى الأزمات التي نواجهها الآن. علماء البيئة يسمون آخر خمسين عامًا بإسم ” التسارع العظيم”، وذلك عندما يتعقبون هذه الآثار السلبية على مر القرون، فالأمر يزداد سوءًا بمعدل أسرع وأكثر مما كان عليه من قبل.
في حين أن التأثيرات الكوكبية السلبية لحياتنا المادية تتسارع، فإننا لم نغير كثيرًا من طريقة عيشنا. على سبيل المثال، نحن نستخدم نفس نظم الحياة منذ العصر البرونزي؛ خذ دفعة من المواد، اخلطها مع بعض، سخنهم في درجة حرارة عالية جدًا لوقت طويل جدًا وها نحن ذا لدينا الفولاذ، الزجاج، الطوب، أو الخرسانة؛ أسوأ جزء من تأثيراتها المدمرة يأتي من الحرارة التي نستخدمها لذوبان المكونات معًا. لماذا علينا إستخدام الكثير من الحرارة لوقت طويل؟ لماذا لا نعيد إختراع ذلك بطريقة صديقة للبيئة؟
هناك مختبر سمعت عنه في وادي السيليكون أعاد اختراع الطوب. حيث وجدوا أنه يمكنك أن تخلط معًا مجموعة فريدة من المواد الكيميائية وتسخين “السبيكة التي ستصبح اللبنة” في درجة حرارة أقل لفترة أقصر حتى تصير “حجرًا” صالحًا للبناء. إذا كنت ستأخذ ذلك بمنظورأوسع فتخيل كم التحسينات والآثار البيئية التراكمية الناجمة عن الصناعة الجديدة الطوب، ومع القليل من الإبداع والتجارب يمكنك أن تفعل نفس الشيء مع الزجاج والخرسانة أو الفولاذ. حتى الآن فإن آلية صناعة هذه الأشياء لم تتغير كثيرًا، وبعبارة أخرى لقد حان الوقت لإعادة التفكير في كل شيء في العالم المادي في ضوء فهمنا الأعمق لتطور الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والتأثيرات المحددة للعمليات الصناعية.
ومع ذلك فإن المجمعات الصناعية التي نستخدمها الآن لم تتزحزح كثيرًا عما كانت عليه في القرن الماضي. لهذا السبب: البتروكيماويات، على سبيل المثال، هي أساس الكثير مما نستخدمه، مثل البلاستيك، والمياه المعبأة في القوارير البلاستيكية، الكثير من هذه الزجاجات ينتهي به المطاف في المحيط، حيث إنها تنقسم ‘لِما يسمى بـ ” النوردلز” وهي قطع صغيره جدًا تعتقد الأسماك وغيرها من كائنات الحياة البحرية أنها غذاء (بالإضافة إلى أن المواد الكيميائية المستخدمة في صنع البلاستيك قد تكون مسرطنة أو ضارة بالغدد الصماء).
حتى أنك إذا فتحت معدة طائر بحري سترى ذلك، لأنها في قمة سلسلة غذائية معينة، حيث تأكل الأسماك الأخرى التي تأكل الأسماك الصغيرة المليئة بالبلاستيك؛ البلاستيك يقتل الحياة البحرية، لماذا لا نعيد التفكير بصناعة البلاستيك؟ لدينا الكثير من العلوم المذهلة، لماذا لا نعيد إختراع الأشياء التي تدمر أنظمة دعم الحياة على الكوكب؟ وأحد أهم التحديات هو كيفية جعل أي شخص يفعل ذلك. عندما أقول “يجب أن نفعل هذا، يجب أن نفعل ذلك” من أقصد بـ “نحن”؟ أنا متشجع بعض الشيء لأنني أرى أن الأمر يتعلق بتغيير الطريقة التي نصنع بها الأشياء.
هناك مجموعات داخل قطاع الأعمال بدأت في إجراء أنواع التغييرات التي أود أن أراها. إنهم يفعلونها لأنها تناسب قيمهم، وهم يدمجون هذا في مهامهم. إنهم يقومون بالأشياء الصحيحة لثلاثة أسباب: أولاً، من الجيد أن نربط العمل بالقيم. ثانيًا، إنه شعور جيد للناس الذين يعملون هناك، حيث يساعد على الإحتفاظ بالموهبة، ثالثًا، -وهذا عامل مهم جدًا- وهو أن هذا الأمر يؤسس لشركة أفضل في المستقبل.
ينمو الجيل الحالي من مرحلة الطفولة إلى سن البلوغ وهم يواجهون ظروفًا أكثر صعوبة في العالم الطبيعي، ناهيك عن العالم الإقتصادي والسياسي. ومن المرجح أن تعطي هذه الأجيال قيمة أكبر لهذا المنظور الأخلاقي الخاص. على سبيل المثال، الرغبة في العمل لدى منظمة، أو شركة، تناسب قيمها قيمهم الخاصة، ويمكنهم الشعور بالرضا حيال ذلك، وتقوم تلك الشركات بوضع إستراتيجيات تحدد نوعية عملائها في المستقبل. الشركات لا تهتم كثيرًا بالزبائن في التركيبة السكانية القديمة، فهم يركزون على فئة الشباب، لأنه إذا حصلوا على ولاء أحدهم عندما يكون شابًا، سيبقى على ولاءه لهم بقية حياته؛ هذا هو أفضل ربح يُحتسب لصالحهم. إنهم يرون أن اللعب على وتر “عمل الشيء الصائب” في هذا الصدد سيكون له الكثير من المردودات التي تتجاوز مجرد الربح؛ ما يحدث بالفعل -وانا أحب حقيقة أن الأمر يحدث بهذه الطريقة- هو أمر يتجاوز السياسة والسياسات الحكومية؛ إنه ببساطة عمل جيد من الناحية الأخلاقية.
على سبيل المثال، هناك تريليونات الدولارات توضع فيما يسمى “الإستثمار المؤثر” حيث يوضع المال في عمل سيجني المال بالطريقة الصحيحة، وليس بالطريقة الخاطئة، وهذا يعطي المزيد والمزيد من رأس المال للناس الذين يحاولون القيام بالأمور بطريقة أفضل. وهناك الكثير من تريليونات الدولارات استثمرت مع الأخذ بالاعتبار تجنب “المخاطر المناخية”، والفيضانات، ودرجات الحرارة المرتفعة، والعواصف الشديدة، وما شابه ذلك، ومن المتوقع أن تأتي جنبًا إلى جنب مع الإحتباس الحراري.
وهناك بالفعل العديد من الجهود الرامية إلى رفع مستوى آثار علم البيئة التي تغيب عن نظر المستهلكين و”معاملات الشركات”. على سبيل المثال، عدم شراء زيت النخيل من مزرعة تطلب إنشاؤها إزالة إحدى الغابات (كما حدث بمعدل مثير للقلق في أجزاء من إندونيسيا وبلدان أخرى في جميع أنحاء العالم)، بالتالي العديد من الشركات الضخمة لن تقترب من صناعة زيت النخيل، هذا يعني أن صناعة زيت النخيل يجب أن تنتهي، وحينها سيجد زيت النخيل المُصَنع بطريقة صديقة للبيئة سوقًا جديدة.
اسمحوا لي أن أشارككم قصة جانبية عن زيت النخيل. صادف أن قابلت أحفاد الرجل الذي أسس عملاً يدعى “Unie” في بلجيكا وهولندا في القرن التاسع عشر. كان يعتبر أكبر صانع مارغرين (منتج لسمن نباتي) في ذلك الجزء من أوروبا. هذا الرجل إدعى أن لديه براءة إختراع المارغرين، وقام بمقاضاة المنافسين وأوقفهم عن العمل أو اشترى مشاريعهم، كان يعرف باسم “الوغد الحقيقي”. زيت النخيل كان المكون الرئيسي في صنع المارغرين، وهذا الرجل الذي قام بتوحيد علامة تجارية كبيرة أدرك أن هناك شركة أخرى تستخدم كمية كبيرة من زيت النخيل: (شركة صابون ليفر).
في الثلاثينات اجتمعوا لإنشاء شركة يونيليفر، حيث إن منتجات شركة “يوني” كانت مكونًا أساسيًا لتلك الشركة. هناك صديق لي كان يدرب أحد الرأساء التنفيذيين بالشركة (يونيليفر) خلال الوقت الذي اشتروا فيه آيس كريم (بين) و (جيري)، لماذا اشتروا آيسكريم بن وجيري؟ ذلك المدير التنفيذي أخبر صديقي، “نأمل أن قيم بين وجيري سوف تصيب بقية المؤسسة”.
الرئيس التنفيذي الحالي لشركة يونيليفر هو بول بولمان، الذي أتى من خلال الشركة. لقد أعلن عن أهداف “خضراء” طموح للغاية للشركة، إنه لا يريد فقط خفض إنبعاثات الكربون -العديد من الشركات الكبيرة تفعل ذلك- ولكنه أعلن أيضًا عن خطة لمساعدة نصف مليون مزرعة صغيرة لتصبح المورد الثالث الأكبر في العالم لشركة يونيليفر.
هذا يعني أن تلك المزارع الصغيرة سيكون لها دخل ثابت -وهم يحصلون على المساعدة التي يحتاجونها لتحسين أساليب الزراعة. هذه الخطوة قد تجعل سلسلة توريد شركة يونيليفر أكثر قوة. لذا هذا منطق إستراتيجي، لكن أيضًا البنك الدولي يقول أن أفضل طريقة لمساعدة الإقتصاد الريفي المحلي الفقير، هي بالضبط رفع الدخل لصغار المزارعين. ثم النتيجة هي تعليم أفضل، وصحة أفضل، وإقتصاد محلي أفضل. إن يونيليفر تفعل الشيء الصحيح لعدد من الأسباب. وهذا مثال على نوع التغيير الذي يمكن أن تقوم به الشركات. المزيد والمزيد من الشركات ستتبع مثل هذه الإستراتيجيات. لا يهم ان الحكومة الأمريكية لا تدعم إتفاقية باريس للمناخ إذا كان هناك عدد كاف من الشركات تعمل بطرق تحقق الأهداف المناخية على الرغم مما تقوله سياسة الحكومة، في جميع أنحاء العالم الحكومات مشلولة بسبب الصراع بين الفصائل اليمينية-اليسارية أمَّا الإقتصاد فلا، فلديه مدرج مفتوح.
هناك إتجاهٌ عام آخر، وهو ما يقلقني: الذكاء الإصطناعي، وحقيقة أن بيانات كبيرة تأتي بخوارزميات تتنبأ بسلوك الإنسان أفضل بكثير من أي إنسان. الإستقراء في المستقبل يخبرنا أنه يمكن أن يكون هناك روبوتات تعمل بواسطة خوارزميات قوية جدًا والتي يمكن أن تفوق تفكير البشر. أنا قلق بشأن نفس الشيء الذي يقلقني مع الأنظمة عمومًا. حيث يكون البعد الأخلاقي: كيف ستبني نظام ذكاء إصطناعي لرعاية البشر؟ ويهتم بمستقبل البشر؟ أو رفاهية الإنسان؟ بطريقة ما، ذلك يجب أن يكون مبرمج في هذه الروبوتات. وأنا لا أسمع الكثير من النقاش حول هذا الأمر، وذلك يزعجني.
مع إنتقال السلطة من الحكومات إلى الشركات، أو إلى وادي السيليكون، أو إلى المليارديرات، مصدر القلق الحالي هو أن الإرادة الجيدة والنوايا الحسنة -أنا أشير إلى مجتمع الأعمال- لن تسافر مع القوة المادية اللازمة لخلق الخوارزميات التي تدير حياتنا. من هم أولئك الناس الغامضون الذين يكتبون هذه الرموز؟ ما الإفتراضات التي يقومون بها التي تعطينا نظامًا لديه نطاق ضيق لتحمل إختياراتنا؟ تلك القرارات المدمجة تبدو تعسفية. شخص ما قرر أن هذه الخوارزمية يجب أن تكون خلف هاتفك أو في تلفازك؛ ليس لدينا خيارات أخرى، نحن عميان في الحقيقة يسوقنا غيرنا.
ما يحدث كالذكاء الإصطناعي، كالرمز، كالخوارزميات تسيطر على حياتنا، وتغزونا بطريقة سهله وودودة ونحن لا نرى ما نقوم بخسرانه. نحن لا نرى ما هي الخيارات الأخرى، وليس لدينا خيارات كذلك. كما هو الحال في السياسة، أي قدرة للتصويت لهذا ضد ذاك. بطريقة ما نحن مستقبلات سلبية جدًا لأي إفتراضات تصنع لنا. وتلك القرارات غير مرئية لنا نحن المستخدمين. أرى أن هذا خطر حقيقي.
الناس في العالم الذين ينمون وينضجون أكثر يذهبون إلى المستقبل، كما في عالم التكنولوجيا وعالم الذكاء الإصطناعي، ربما لديهم نوايا حسنة، لكن السلطة تميل إلى الفساد. قد تعتقد، “لدي نوايا حسنة”، لكن بعد ذلك تأتي الفكرة، “أود الحصول على ملياري دولار أكثر حتى أتمكن من وضعها موضع التنفيذ”. ومع ذلك، في الوصول الى هناك يمكنك ترك تلك النوايا جانبًا. كيف يمكنك تحصين المجتمع ضد ذلك؟
هذا القلق هو مفتاح المنهج الذي انصح به لمدارس البكالوريا الدولية. إنهم ينفذون تعلم النظم، لكنهم أيضًا يجمعونه بالرأفة. العالم سيصبح أكثر كآبة إذا كان الناس الذين لديهم القوة الفعلية لا يهتمون بالرفاه العالمي. هذا النوع من التعليم يقدم تحصين ضد ذلك الخطر.
قبل عشرين عامًا عندما كتبت عن الذكاء العاطفي، كنت أُكافح من أجل منهج دراسي من شأنه أن يعلم الأطفال مدى الوعي الذاتي، والتنظيم الذاتي، والتعاطف، والمهارات الإجتماعية. هذا هو الذكاء العاطفي. وتسمى هذه المناهج “التعلم الاجتماعي-العاطفي” الذي يوجد في آلاف المدارس حول العالم الآن. وقد جعلت بعض الدول ذلك إلزاميًا، عندما أتحدث عن تنفيذ وحدة التعاطف في برنامج أنظمة الرأفة، فأنا أدعم علم التربية الذي يوجد الآن وينتشر، إنه ينتشر بشكل كبير لأن البيانات تدعم التعليم الإجتماعي والعاطفي.
الأطفال، خصوصًا عندما يكونون في المدرسة الإعدادية والثانوية، أكثر توجهًا نحو أقرانهم من أي شخص آخر، بما في ذلك والديهم، وهم مسيطرون على ميلودراما حياتهم، وتشغل بالهم أفكار مثل، “لماذا لم يدعونني إلى حفلتهم؟” هذه الإزعاج يختطف إنتباههم. إذا كنت تستطيع مساعدتهم بشكل أفضل من أجل إدارة ردود أفعالهم العاطفية وحياتهم الإجتماعية، يمكنهم أن ينتبهوا أكثر في المدرسة.
روجر وايسبيرج، حيث كان المدير الأول للمؤسسة التعاونية للأكاديميين في التعليم الإجتماعي والعاطفي، هو طبيب نفسي حازم يقوم بتوثيق أهمية التعلم الإجتماعي والعاطفي (SEL). على سبيل المثال، كان هناك تحليل كبير تضمن ربع مليون طفل. بعضهم خاض برامج تعلم إجتماعية-عاطفية والبعض الآخر طابقوا من الناحية الديموغرافية الذين لم يفعلوا ذلك. مع التعلم الإجتماعي العاطفي كان هناك انخفاض بنسبة 10% في السلوك المعادي للمجتمع مثل القتل أو التنمر. وكانت هناك أيضًا زيادة بنسبة 10 % في المؤشرات الإجتماعية مثل الإعجاب بالمدرسة. وازدادت درجات الإنجاز الأكاديمي بنسبة 11 في المائة.
علم الأعصاب يخبرنا أن هناك ثلاثة أنواع من التعاطف، كل منها مثبت في الدوائر العصبية المنفصلة. هناك تعاطف إدراكي، وهو نوع من التعاطف الذي ستعطيك خوارزمية مع دراسات بيانات كبيرة وهو يتضمن معرفة كيف يفكر الأشخاص بالأشياء وفهم نماذج الأشخاص العقلية، وهذا يسمح لك بالتلاعب بنماذجهم العقلية، وليس دائمًا يصُب في مصلحة الأشخاص . ليس هناك رأفة في التعاطف الإدراكي ولكنه أداة قوية لفهم كيف يفكرالناس.
النوع الثاني من التعاطف هو العاطفي، حيث تشعر بما يشعر به الآخرون، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الشفقة، لكن فقط إذا كان الشخص الآخر يعاني ويتألم، ومشاعرك العاطفية تقودك إلى نفس المشاعر. معظم الناس يتجاهلون، أو لا يريدون الشعور بألم شخص آخر، لذا فإن إستيعابهم يقلل من احتمالية أنهم قد يساعدون حقًا. ويمكن أيضًا إستخدام التعاطف العاطفي من قبل سياسي ماهر أو ديكتاتور للتلاعب بالحشود. وهذا ليس بالضرورة جيدًا للمجتمع.
النوع الثالث، الذي يُدعى قلق تعاطفي، يستخدم الدوائر لرعاية الوالدين وهي سمة الثدييات الأساسية، إنه حب الوالدين لطفلهم، أنت تهتم بالشخص الآخر، هذا النوع من التعاطف يمكن أن يسمى الرعاية، أو الرأفة.
المرونة العصبية هي الفكرة التي يمكن أن تبني أو تحطُ من الدوران العصبي بإستخدامها، وهذه الممارسات تجعل الدوائر أقوى. إستطاعت نتائج مختبر “تانيا سينجر” في معهد ماكس بلانك في لايبزيغ الجمع بين المرونة العصبية مع فهم الأنواع الثلاثة من التعاطف في العمل. حيث وجدوا أنه إذا كان الأشخاص يدرَّبون بشكل منهجي في واحدة أو أخرى من تلك الدوائر العصبية الثلاث فإن قدراتهم في هذا النوع من التعاطف الخاص تصبح أفضل، والدوائر التي تحتها تزداد قوة.
جماعة البكالوريا الدولية (IB) تجمع بين مساعدة الأطفال في بناء تلك الدوائر، لذا فهم يهتمون حقًا بالآخرين. مع تعلم الأنظمة، سيصبح هذا المزيج من القوة المعرفية النقية -التي هي نظم التعلم- مع الإهتمام بالرفاه البشري، هو -كما أعتقد- ما يمكن أن يساعد كثيرًا لإبقائنا على المسار الصحيح نحو المستقبل؛ وإذا لم يكن لدينا ذلك، فأنا يائس مما نحن مقبلون عليه.
جون بروكمان، محرر وناشر .
راسل وينبرغر، ناشر مشارك .
نينا ستيجمان، مساعدة المحرر .