فكر وثقافة

مفهوم العولمة في علم الاجتماع

  • د. نيكي ليزا كول*
  • ترجمة: يارا عمار
  • تحرير: عبد الرحمن الجندل

تُعرف العولمة عند علماء الاجتماع بأنها: عملية مستمرة تتضمن مجموعة مترابطة من التغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، التي تطرأ على المجتمع. وهي تنطوي -بوصفها عملية- على تكامل متزايد لهذه الجوانب من الدّول والأقاليم والمجتمعات، وحتى الأماكن التي تبدو معزولة.

تشير العولمة (اقتصاديًا) إلى: توسع الرأسمالية لتشمل جميع الأقطار حول العالم في نظام اقتصادي متكامل عالميًا. وتشير (ثقافيًا) إلى: التكامل والانتشار العالمي للأفكار والقيم والأعراف والسلوكيات وأساليب المعيشة. وتشير (سياسيًا) إلى: تطوير أشكال الحكم التي تعمل على نطاق عالمي، والتي من المتوقع أن تلتزم الدول المتعاونة بسياستها وقواعدها. وتتغذى هذه الجوانب الثلاثة الأساسية على التطور التكنولوجي والتكامل العالمي لتكنولوجيا الاتصالات والتوزيع العالمي لوسائل الإعلام.

تاريخ اقتصادنا العالمي

يؤكد بعض علماء الاجتماع مثل (ويليام روبنسون) على أن العولمة كعملية قد بدأت مع استحداث الاقتصاد الرأسمالي الذي أحدث روابط بين المناطق المتباعدة حول العالم منذ العصور الوسطى. ويقول (روبنسون) أن عولمة الاقتصاد هي النتيجة الحتمية للرأسمالية؛ نظرًا لأن الاقتصاد الرأسمالي قائمٌ على أساس النمو والتوسّع، ومنذ المراحل الأولى للرأسمالية، أنشأت القوى الاستعمارية والإمبريالية الأوروبية ثم الإمبريالية الأمريكية لاحقًا، روابط اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية عالميًا.

لكن على الرغم من ذلك، كان الاقتصاد العالمي حتى منتصف القرن العشرين، عبارة عن مجموعة من الاقتصادات الوطنية المتنافسة والمتعاونة، وكانت التجارة دوليةً وليست عالمية؛ ومن منتصف القرن العشرين حتى الآن، تمّ تكثيف وتسريع عملية العولمة؛ حيث تم تفكيك لوائح التجارة والإنتاج والتمويل الوطنية، وأُبرمت اتفاقيات سياسية واقتصادية دولية لإنشاء اقتصاد عالمي، قائم على أساس الحركة الحرة للأموال والمؤسسات.

إنشاء أنظمة الحكم العالمية

إن عولمة الاقتصاد الدولي والثقافة والهياكل السياسية، كان بقيادة الدول الثرية والقوية، والتي أصبحت كذلك، بفضل الاستعمار والإمبريالية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والعديد من الدول الغربية الأخرى؛ فأنشأ قادة هذه الدول منذ منتصف القرن العشرين، أنظمةً جديدةً عالمية للحكم، حددت قواعد التعاون في ظل الاقتصاد العالمي الجديد، وقد شارك في وضع هذه الأنظمة الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومنظمة الدول المصدرة للبترول.

الجوانب الثقافية للعولمة

تتضمن عملية العولمة نشرَ الأيديولوجيات، التي تعزز وتبرر العولمة الاقتصادية والسياسية وتوفر الشرعية لها، وقد أثبت التاريخ أن هذه العمليات ليست حيادية، وأن أيديولوجيات الدول المهيمنة، هي التي تغذي وتشكل العولمة الاقتصادية والسياسية؛ وبشكل عام، فقد صارت هذه الأيديولوجيات هي المنتشرة حول العالم، وأصبحت أمرًا مسلّمًا به.

تتم عملية العولمة الثقافية، من خلال توزيع واستهلاك وسائل الإعلام، والسلع الاستهلاكية، وأسلوب حياة المستهلِك الغربي، كما أنها مدعومة بأنظمة الاتصالات المتكاملة عالميًا مثل: وسائل التواصل الاجتماعي، والتغطية الإعلامية غير المتناسبة لأهل النخبة في العالم وأساليب حياتهم، ورصد حركة شعوب عالم الشمال في السفر حول العالم لغرض العمل أو الترفيه، وتوقعات هؤلاء المسافرين بأن المجتمعات المضيفة، ستوفر لهم المرافق والخبرات التي تعكس معاييرها الثقافية الخاصة.

وبسبب هيمنة الأيديولوجيات الثقافية والاقتصادية والسياسية الغربية والشمالية في تشكيل العولمة؛ فإن البعض يطلق على هذا الوضع مصطلح (العولمة من الأعلى)، والذي يشير إلى: نموذج العولمة الموجّه من نخبة العالم، وبعبارة أخرى: الموجّه من الغالِب إلى المغلوب! وفي المقابل، تتألف حركة (العولمة البديلة) من العديد من فقراء العالم والعاملين والناشطين، وتدعو إلى نهج ديموقراطي للعولمة يُعرف باسم (العولمة من الأسفل)، وبهذه الطريقة تعكس عملية العولمة قيم الأغلبية في العالم، لا قيم الأقلية النخبوية.


  • د. نيكي ليزا كول، دكتوراة في علم الاجتماع، عملت بالتدريس في عدد من الجامعات مثل جامعة كاليفورنيا وسانتا باربرا وكلية بومونا وجامعة يورك.
المصدر
thoughtco

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى