- سارة هينليكي
- ترجمة: هناء الفارس
- تحرير: عبد الرحمن روح الأمين
- اسم الكتاب: العودة إلى الحياء: اكتشاف الفضيلة المفقودة
- اسم المؤلف: ويندي شاليت
- سنة النشر: 1999، 2014
- عدد الصفحات: 304
- الناشر: Free Press
“العودة إلى الحياء” لويندي شاليت، هو قنبلة موقوتة.
على الرغم من عنوانه المتواضع إلا أن هذا الكتاب مفاجأة مذهلة، فبكل شجاعةٍ وشغفٍ تتحدّى ويندي شاليت الجماهير التي أصابها الملل والتحجّر العاطفي بحساسيتها، وتحفّز النساء الأميركيات على استخدام حدسهنّ الأنثوي في إيجاد طريقة للخروج من العاطفية الهوجاء التي خلقتها الثورة الجنسية، وتقول شاليت للقارئات: إنكنّ بحاجة إلى إيجاد طريق للخروج من هذه المتاهة.
في بداية الكتاب تصف شاليت طقوس الزواج الأمريكي في نهاية القرن الماضي: أولًا هناك نقطة التقاء، هذا هو المكان الذي يجتمع فيه الشباب والشابات في بعض المناطق، حيث يكون التجمّع في منزل أو حانة؛ يعالجون أنفسهم بالخمور؛ ثم ينخرطون في الأنشطة الجنسية، متغافلين عن أسباب الانجذاب.
والمرحلة التالية هي الإغراق: يُحرّر الذكر نفسه من محاولة الأنثى التمسّك به في إطار علاقة عاطفية.
أما المرحلة الأخيرة فهي الفحص الطبي، حيث يتأكّد الرجل من أن الأنثى التي تم إغراقها لا تزال في صحة جيّدة إلى حد ما، وإذا كان منفتحًا بشكل خاص، فإنه يعطيها فرصة للتحدّث عن الخطأ الذي حدث. هذه العملية ثُلاثية المستويات هي ما يُعرف باسم “أن تكون في علاقة”، إمّا أن تعتاد عليها أو تخرج منها.
المشكلة هي أن النساء بائسات، وذلك ليس مستغربًا. كانت شاليت تميل قليلًا لتيار المحافظين الذين يزعمون أن البؤس ماهو إلا خدعة أنثوية كبيرة، ويذكروننا بعد كل شيء يظلّ الذكر ذكرًا. في الوقت نفسه وبنفس القدر ترفض فكر النسويات وتعتقد أن العديد من أفكارهنّ مسؤولة عن تعاسة النساء، حقيقة الأمر الواضحة هو أنه في نقطة ما انحرف ذلك المنطلق الرومانسي عن جادّة الطريق، وتسبب في تحطيم قطار حياة هؤلاء الشابات؛ أعداد مروّعة من الفتيات اليوم يُجوّعنّ أنفسهنّ، ويذرفنّ الدموع، ويُشوّهن أجسادهن، ويرمين بقلوبهنّ بعيدًا بين أيدي الأوغاد، ويقمعن رغبتهم الطبيعية في الرومانسية، ويُنكِرن حاجتهم إلى الأسرة والأطفال، وعندما لا يتمكّنَّ من التعامل مع النظام الفاسد، يتعاطين البروزاك (دواء لبعض الاضطرابات النفسية). أصبحت النساء أعظم الكائنات كرهًا للنساء في العالم، بعد أن تعلّمن ترك كل شيء يتعلّق بالأنثى.
كل ماتريده شاليت أن تعود المرأةُ امرأةً، إنها ترى الانحراف العميق الذي يتمثّل في ترجّل المرأة وتأنيث الرجل على مرّ ثلاثين عامًا في مشروع التخنيث، وهو المشروع الذي يرفض التسامح مع أنوثة النساء. إن هذا الأمر يمكن أن يُوصف بأي شيء عدا أن يكون تحررًا من القيود القديمة، بل هو قمع للأنوثة واعتداء مباشر على نعمة الزوجين [الذكر والأنثى]. ولكن الآن بدأت ثورة مضادّة، ليست تلك التي تقيد النساء بالسلاسل وتسلب حقهن في التصويت، بل هي ثورة تسمح، بل وتشجّع الاختلافات الطبيعية والتكميلية بين الجنسين.
هذا كتيّب للثورة المشتركة، وكل امرأة تريد أن تعود لنفسها مرة أخرى تحتاج إلى قراءته. إن ّحلّ شاليت هو الحياء، الفضيلة المنسية التي تخلّت عنها النساء منذ سنوات مع (الكورسيهات) والمشدات. إن تلاعبها بإشراك الاستكشافات عن المفهوم الغني بالحياء هو بحث مكثّف ومدعوم بإسهاب بأدلة مستمدّة من مصادر متنوعة مثل البريق من العام الماضي وتلمود الألفية.
ما وجدته في هذا الكتاب ليس تزمتًا خانقًا يريد إفساد متعة الجميع، بل العكس تمامًا: وجدت ترتيبًا اجتماعيًا بارعًا ومثيرًا يكون فيه الرجال رجالًا والنساء نساءً، ويُحصّل كلاهما الفائدة المبتغاة.
ترى شاليت أن الحياء صفة متأصّلة في الفتيات. إنها قدرتهم اللامحدودة على الاستحياء، والخجل، والتخفي من المديح.
إنه من الطبيعي جدًا أن يتم تعزيز هذه السمة عند الفتيات ببطء وتأنٍ، لاسيما عند أولئك اللاتي تربّين على يد بالغات أُجبرن على هتك ستار الحياء ممّا سمح بإطلاق العنان لانحلالهن الأخلاقي، وهو ما غرس فيهن أساليب التربية الجنسية، وعبودية الموضة، ومسلسل (Melrose Place). ومع ذلك، فإن الفتيات غير المحتشمات لا يتم تحريرهنّ بإرادتهن من الذئاب الجنسية. إنهن نساء ليس لديهن أي فكرةٍ عن كيفية حماية أنوثتهن التي لا يمكن التنصّل منها.
إن تدمير الحياء مشروع خسة ودناءة: فهو ينكر على وجه التحديد ضعف وحساسية المرأة، ويُجرّدها من طريقتها الطبيعية في التغلّب على ذلك؛ بل هو ذروة الكره الحقيقي للنساء؛ وكما ترى شاليت، فإن الحياء هو خط المرأة الدفاعي الذي خُلقت عليه، وبه يحترمها المجتمع، في الواقع ستُصدم النسويات المستشيطات غيظًا عندما يعلمن أنه في يوم من الأيام كان الحياء بمثابة عامل المساواة بين الرجال والنساء ولم يكن ركنًا للهيمنة، (تقدم شاليت دليلًا مقنعًا على أن الحياء كان يُشجع بشكل جزئي؛ لأنه كان يُعتقد أن النساء يحبون الجنس كثيرًا، وأنهن سيواجهن مشاكل لا نهاية لها إذا لم يتعلمنّ في وقت مبكر ضبط النفس).
الحياء أعطى المرأة الحق في حجب نفسها عن الرجال ذوي النوايا السيئة، وبدورها أجبرت الرجال على أن يجعلوا من أنفسهم جديرين بالنساء اللاتي يرغبون فيهنّ. الحياء الحقيقي يأخذ في الحسبان الفروق التي لا مفرّ منها بين الرجل والمرأة من أجل حماية كل منهما على حد سواء.
ترى شاليت أن التشجيع على التصرف بطريقةٍ غير محتشمة يجعل المرأة تكشف ضعفها وتصبح الجنس الأضعف، مما يؤول إلى أن تقع النساء ضحايا بينما يصبح الرجال مفترسين، كما يتضح من الحالة الكارثية الحالية للحرب بين الجنسين.
باختصار: إن الحياء يُبرز أفضل ما في الجميع. تقول شاليت: إن النساء المحتشمات يعشن بطريقة تجعل منهن نساء متسامحات أكثر من اتصافهن بالفجاجة والوقاحة الجافة، فتصبح الأنوثة التي يعزّزها الحياء مثيرةً للفضول تماما كفضول الناس لقصة أبو الهول، وتماما كما تتألق ابتسامة الموناليزا وجمالها دون الحاجة إلى إبراز مفاتنها أوتكبيرها بالسيليكون، وهذا بدوره له آثار كبيرة وإيجابية على شخصية الرجل. إن حياء الأنثى يثير ردود فعل من الرجال، يحثّهم على أن يُصبحوا رجالًا، وأن يتصرّفوا بشرف، ويرتقوا بفضائل الرجولة التي تستحق جسد المرأة وروحها، وخاصة العفّة والحماية والوداعة.
قد يبدو كل هذا الحديث عن الحياء غامضًا بشكل غير مفيد، وشاليت لا ترُكز أبدًا على تعريف واحد له، لكن بدلاً من أن يكون ذلك عيبًا، فهذه هي نقطة قوة حجتها التي تسمح لجميع أنواع النساء في جميع المواقف بتقدير قيمة ما تقوله.
شاليت نفسها معجبة جدًا بالتعبيرات الدينية عن الحياء، وخاصة قوانين الحشمة اليهودية. إن دفاعها إجمالاً عن الحياء الخارجي خاصة في اللباس هي الركيزة الأساسية للأخلاق وتهذيب النفس في ما يتعلق بالضبط الجنسي، ومن هنا تأتي الصلة المعقولة بين الحياء الجنسي كفضيلة اجتماعية، والأخلاق الجنسية كفضيلة دينية.
تقدم شاليت رؤيتها الحاسمة بأن الحياء في النهاية أكثر إثارة من الفجور. وتُؤكد أنّ العيون المتلألئة خلف الحجاب والكاحل النحيف الذي يطل من التنورة الطويلة تثير فضول الرجال ورغبتهم أكثر مما لو نظروا إلى أجزاء الجسم المكشوفة والفتحات سهلة المنال، وضربت أمثلة بارزة في المقارنة بين نساء في مطلع القرن يتسكعن على الشاطئ بملابسهن الرزينة والمحتشمة والابتسامات التي لا تجارى. وبين عراة غير محتشمين على شاطئ البحر، فالأولى ذكية وخجولة والثانية مملة وعارية؛ هنا شيء يعمل أكثر مما تراه العين. تريد شاليت استعادة القواعد لأنه بدونها فإن الجموح، والإثارة، والشهوة الجنسية ستختفي تمامًا.[1]
تقول شاليت إنه بالطبع هناك بعض المحافظين الذين استطاعوا أن يحافظوا على مُثُل العفّة حتى خلال الثورة الجنسية، لكن هذا ليس كافيًا الآن. من المستحيل أن يكون المجتمع غير مبالٍ بالاختيارات المتنوعة للمرأة، وسوف يفضّل دائما امرأة على أخرى في الوقت الحاضر.
إن موجة الانحراف والفجور الجنسي -كما تسميها شاليت- عالية جدًا لدرجة أن قلةً من النساء لديهن القوة أو حتى الاختيار لمكافحتها أو النجاة منها. ولذا فإن موقفها هو معاداة الثورة، وأن تعمل على إعادة فكر الفضيلة بين النساء. هذه هي الطريقة الوحيدة لإعادة الرجل إلى الساحة في المجتمع، لأن ذلك ممكن فقط عن طريق التمسك بالشرف، والأدب، والنزعة الرومانسية، والالتزام بالحب الأبدي. هنا فقط يمكن للرجال أن يكسبوا الحق في مشاركة سرير المرأة. قد ترى أن ذلك غير عادل، لكن المبادرة تعود للمرأة مرة أخرى. وتقرر شاليت: أن المرأة إذا أرادت رجلاً صالحًا، فعليها أن تكون صالحة أيضًا.
اضرب بدعاة الحرية والتكبّر عرض الحائط، فقد اكتشفت شاليت الحقيقة المثيرة للخروج من الثورة الجنسية بأكملها: إنه الحياء، بما هو دليل على أن الأخلاق جذابةٌ أكثر من الانحلال.
اقرأ ايضًا: مأساة الجنس عند الغرب
[1] تريد الكاتبة أن تقول إن رغبة الرجال في النساء تتناسب عكسيًا مع سهولة الوصول للمرأة وعرضها لجسدها في كل وقت وحين. (الإشراف)