أراد أن يكون شاعر مِصْرِه فلم يَكُنْه، وأراد الله أن يكون كاتب أمَّتِه فكان.
لم يَدْرِ ابنُ العشرين عامًا وهو يضعُ على طريق الشعر أولى خطواته، مفتونًا به، مستغرقًا فيه، مستجمعًا أسبابَ إجادته، متوفرًا على العناية بكل ما يتصل بسبيله، مؤمِّلًا أن يبلغ من نظمه ما لم يبلغه شوقي وحافظ ومن إليهما من كبار شعراء عهده، أن رحلته فيه لن تطول، وأن راحلته لن تصل به إلى غايته.
«لم يكن الرافعي يُقدِّر في أيام نشأته الأولى أنه سينتهي من الأدب إلى هذه الغاية، وأن الحياة ستردُّه من الهدف الذي يسعى إليه في إمارة الشعر إلى هذا الهدف الذي انتهى إليه في ديوان الأدب والإنشاء، وما كان أحدٌ من خاصَّته وأصدقائه ليعرف أن الرافعي الشاعر الشاب الذي توزَّعتْه الصَّبابة، وفتنته الحياة، وتقاسمته لذَّاتُ الصِّبا، وتعنَّاه الهوى، وتصبَّاه الحبُّ والشعرُ والشباب، سيكون مكانه في غده هذا المكانَ في الدفاع عن الدين والذود عن العربية والصِّيال في سبيل الله»[1].
ولم يخرج الرافعيُّ من الشعر خاليَ الوِفَاض، بل أصاب منه حظًّا صالحًا جعله «شاعر المَلِك»، وأدرجه في مشاهير شعراء عصره، ووطَّأ له موضعًا مكينًا في طبقاتهم، ووهبه تقريظ الباروديِّ وحافظ لديوانه الأول، إلا أنه أدرك بحسن نظره وسداد تدبيره من وقت مبكر بُعْدَ الشُّقَّة عليه وتنائيَ المقصِد دونه، وأنه لن يزاحم شوقي على كرسيه، ولا حافظًا على مجده، وأنى له ذلك وهمُّ العيال يشغله، ونكد الوظيفة يحيط به، ومقارعة الخصوم تستأثر بسحابة جهده، وقيود النظم تضيق عن وثبات فكره[2]، وما له من وراء ذلك حزبٌ ينصره، ولا دولةٌ تتولاه، ولا أميرٌ يغدق عليه. ولعله تعزَّى بما قاله له ذات مرة «أكبر عالم في مصر»: «لو نزل عليك الوحي، ورأوا معك جبريل، لما آمنوا بك ما لم تكن لك رتبة «بك» أو «باشا» وعزبة باشا أو بك»[3]! وما أظنُّ ذلك إلا صادف هوًى من نفسه، ولقَّنه عذرًا ما كان أحوج «واعيته الباطنة»[4] إليه.
أصدر الرافعيُّ في مطلع شبابه أربعة دواوين، ثلاثة أجزاء من «ديوان الرافعي» من سنة 1903 إلى سنة 1905، ثم جزءًا واحدًا من «ديوان النظرات» سنة 1908، ونشر بعد ذلك بعض شعره في الصُّحف، وأعدَّ طائفة منه لجزء جديد من «ديوان النظرات» همَّ بطباعته ولم يفعل، ثم ما زالت حماسته للشعر تتضاءل حتى لم يعد يقوله إلا المرة بعد المرة، يزفِر به إذا ملأ جوانحه، ويدرجه في كتبه متى احتاج إليه، وينظمه في أناشيده عندما تهتف الأمة باسمه، ويتكلَّفه حين تكرهه شؤون الحياة عليه[5].
وقد مكَّنته معالجته الشعر، ومكابدته لأواء قوله، أن يكون بصيرًا بنقده، عارفًا بمنازعه، خبيرًا بتمييز جيده من رديئه، وقديمًا قال البحتري معترضًا على رأي من لم يخض غمار الشعر في الحكم بين أهله وترتيب منازلهم: «ليس هذا من عمل ثعلب وذويه من المتعاطين لعلم الشعر دون عمله؛ إنما يعلم ذلك من دُفِع في مسلك الشعر إلى مضايقه، وانتهى إلى ضروراته»[6].
فمن هنا أبدع في تفسير فلسفته، وافتنَّ في الكشف عن أسراره والتدسُّس إلى خوافيه، ونصب الموازين للشعراء، يحاسبهم بمثاقيل النغم، ويحصي عليهم هفوات الحرف وعثرات الذهن وكبوات القوافي، ويدلُّ مقتدرًا على مواضع إحسانهم ومواطن زللهم، ببيان عالٍ، وحجَّة حاضرة، وظرفٍ مطبوع، وأخذٍ يترفَّق تارة ويبطش أخرى.
وهو في ذلك كله يستمدُّ من علم غزير بالتراث البلاغي كما شيَّده عبد القاهر وقنَّنه السَّكَّاكي وتفنَّن في عرضه ابن حِجَّة[7]، ومن اطلاع واسع على كتب صناعة الشعر ونقده من أبي هلال إلى ابن الأثير إلى ابن رشيق، ومن إلمام مفصَّل بتاريخ الأدب العربي في أدواره المختلفة، ويتكئ على ذاكرة سخيَّـة بشعر المتقدمين والمتأخرين واستحضارٍ مدهش لأبيات معانيهم، وعلى ذكاء لمَّاح يتنبَّه لخفيِّ المآخذ ويهتدي إلى دقيق السَّرقات ويقرأ ما لا تقرؤه الأعين المتعجِّلة، ويمتحُ من بصر نافذ إلى روح الشعر ووظيفته وما ينبغي أن يكون عليه، ويقاتلُ بسيفٍ صمصام من الموهبة والاستعداد الفطري المتوقد.
فلا جرم أن يكون تراثه في هذه الأبواب متعةً للروح، وغذاءً للعقل، وصِقالًا للذوق، وصونًا للقريض من عجمة اللسان وعيِّ الفكر واضطراب الرأي.
وكأنما هو يصدِّق قول حافظٍ فيه:
فَزِنْ تاج الرئاسة بعد سامي
كما زانت فرائدُه الجبينا
وهذا الصَّولجانُ فكن حريصًا
على مُلْكِ القريض وكن أمينا[8]
وسامي هو البارودي.
وقد رأيتُ أن تمام الانتفاع بهذا التراث الرافعي يقتضي أن يُقْرَأ على نحوٍ منظَّم، بعد جمع موادِّه، واستقصاء أطراف مباحثه، وبعثِ ما اندثر من تليده، ثم العناية بضبطه وتحريره، وعرضِه في معرض مُونقٍ يوثِّق النقل، ويفسِّر المشكل، ويدلُّ على المورد، ويضمُّ النظير إلى النظير، ويرتِّب مباحث فلسفة الشعر خاصَّة على سني حياة كاتبها؛ لتستبين للقارئ مدارجُ تطوُّره في النظر ومراحلُ تقدُّمه في البيان.
وذلك في حقيقة الأمر هو غاية ما أرومه من هذا التأليف وسائر إخوته، تثقيفًا لنفسي وجَمَامًا لروحي، ثم وصلًا لأسباب أبناء جيلي بما يستحقُّ القراءة والدرس من تراث الأجيال السابقة من رفيع الأدب ونافع المعرفة ونقيِّ الكلام.
وقسمتُ الكتاب إلى ثلاثة أقسام تجمع فلسفة الشعر عند الرافعي، وأحاديثه عن الشعراء، وسهامه في نقد أشعارهم.
ولم يبق ممَّا يصلح أن يدخل في الكتاب من تراث الرافعي في الشعر والشعراء إلا الجزء الثالث من كتابه «تاريخ آداب العرب» ومواضع من الجزء الأول، تناول فيهما وضع الشعر وتاريخه ومذاهبه والفنون المستحدثة منه، وكتابه الآخر «على السَّفُّود» الذي ضمَّ مقالاته في نقد بعض شعر العقاد وعبد الله عفيفي، وقد نظرتُ فرأيتُ أنه ليس من صواب العمل وحسن التأليف إدراج الكتابين في كتابنا وإرهاق القارئ بشيء هو منه على طرف الثُّمام.
أما مقالات الرافعي في نقد «كتاب ابن الرومي» للعقاد فهي بباب النقد الأدبي أليق وإليه أقرب، ولها نظائر مما قد يشتبه على المتصفِّح باديَ الرأي.
* * *
وفيما يلي تعريفٌ ببعض موادِّ الكتاب، واقتصاصٌ لطرفٍ من أخبارها:
* فأول ما يصافحك في فلسفة الشعر مقالةٌ بعنوان «الشعر العربي»، وهي من عتيق ما كتبه الرافعي وبواكير قلمه، بل هي أقدم ما وصلنا من مقالاته، ولم تُنْشَر من قبلُ في كتاب، كتبها بحماسة الشباب وغُلَوائه وشِرَّته، ونشرها في مجلة «المنار» سنة 1900، وكتب الشيخ محمد رشيد رضا تحت العنوان تشجيعًا لذلك الشابِّ الذي كان في العشرين من عمره يومئذ: «لحضرة الأديب اللوذعي مصطفى صادق أفندي الرافعي»[9]، ثم علَّق عليها في عددٍ لاحق[10]، فقال:
«ملاحظة على مقالة الشعر العربي
آفة الدعوة إلى الإصلاح الغلوُّ في القدح في القديم، ومدحُ الجديد الذي يُدْعى إليه، ولا يخفى أن حالة العصر الحاضر تقتضي أن تكون الأدبياتُ موافقةً للشؤون الاجتماعية فيه، فنحن في أشدِّ الحاجة إلى الشعراء والمنشئين الذين يصرفون قوَّتهم الخياليَّة إلى جذب وجدان الأمة إلى الفضائل الاجتماعية التي ترتقي بها وتساوي الأمم العزيزة، وتَجُول في ميادين المعلومات التي انتهت إليها المدنية الحاضرة لأجل ذلك، كما أننا في أشدِّ الحاجة إلى إحياء موات لغتنا العربية الشريفة بالاستعمال؛ لأن الأمة لا تحيا بدون لغة، فإذا وُجِد في عالمنا الأدبي من يشتغل بإقامة أحد هذين الركنين لا ينبغي لنا أن نهضم حقوقه لأنه لم يُقِم الركنين كليهما معًا.
لهذا نلوم الأديب مصطفى صادق أفندي صاحب مقالة (الشعر العربي) على هضمه حقوق شعراء العراق المتأخرين الذين عرَّف بعضهم وعرَّض ببعض، وهم في الطبقة العليا بالنسبة لعصرهم، وليت لنا عشرةً في المئة من المشتغلين بالعلم في الأزهر وغيره يفهمون كلامهم من غير مراجعة معاجم اللغة وإطالة النظر. فإذا كان الأديبُ يغمز من لا يأتي بالمعاني الجديدة والاكتشافات العصرية في شعره فنحن نصلِّي ونسلِّم على من يحفظ لنا الألفاظ والمعاني القديمة التي كان يستعملها أجدادنا في الجاهلية والإسلام، وإن كنا لا نكتفي بها كما بيَّـنَّاه في مقالاتنا (الشعر والشعراء) التي نُشِرت في المجلد الأول من المنار».
* وبعد هذه المقالة أربعة نصوص هي مقدمات الرافعي التي كتبها لدواوينه، الأجزاء الثلاثة من «ديوان الرافعي» والجزء الأول من «ديوان النظرات»، وهي كذلك من تِلاد الرافعي وقديمه.
وكان الرافعيُّ حفيًّا بهذه المقدمات، على تقدُّم زمنها، حريصًا على أن تنشر ضمن الكتاب الذي سيضمُّ مقالاته، وقد أراد أن يسمِّيه أولًا «الأدبيات» ثم «قول معروف» ثم «الورقات»، وما زال يبحث له عن اسم «رنَّان»[11] إلى أن ارتضى «وحي القلم»، لكن الكتاب طُبِع بأجزائه الثلاثة (اثنان في حياة الرافعي وثالث بعد وفاته) ولم تُدْرج فيه تلك المقدمات!
يقول الرافعي: «ومن عجيب أمر هذه المقدمات أن المقدمة الأولى حين نُشِرت في المؤيد كان لها تأثيرٌ كبير، وغطَّت على مقدمة حافظ، وذَهِل لها المنفلوطي كما أخبرني الذي رآه وهو يقرؤها. والمقدمة الثانية دَهِش لها اليازجيُّ وقرأها أمامي. ومقدمة النظرات قرأها الدكتور شبلي شميِّل الشهير أمامي وقال: لا بدَّ أن تكون هذه المقالة مترجمة!»[12].
ويقول في رسالة أخرى: «ولعل الله تعالى بفضله وكرمه ييسِّر لي الإقبال على إنجاز المجموعة [يعني مجموع مقالاته] وتقديمها للطبع، على أن الوقت لا يزال فسيحًا، وسأضمُّ إليها مقدمات الدواوين، فقد استشرتُ في ذلك صاحبنا جورجي إبراهيم، فقال لي: إن مقدمة الجزء الأول فتنت الشيخَ اليازجي، وإنه لمَّا قابله في ذلك العهد قال له اليازجي: كم عمرُ هذا الشيخ ناظم الديوان؟ فإني قضيتُ الثلاثة الأسابيع الأخيرة أبحث فيما عندي من المظانِّ عن المقدمة لعلي أعثر بها مسروقةً من بعض الكتب؛ إذ يستحيل على شيخ في هذه الأيام أن يكتب مثل هذه المقدمة!
هذه هي كلمات اليازجي، كما يقول جورجي، وناهيك باليازجي في زمنه وانفراده بالنقد والبلاغة. وإذا كان كذلك فمن الخطأ تركُ هذه المقدمات»[13].
ولا بدَّ من سياق خبر مقدمة الجزء الأول من «ديوان الرافعي» على وجهه، كما قصَّه صاحبه محمد سعيد العريان، قال: «فلما كانت سنة ١٩٠٣ وعمر الرافعي يومئذٍ ثلاثٌ وعشرون سنة نشر حافظ إبراهيم ديوانه، وقدَّم له بمقدمة بليغة كانت حديث الأدباء في حينها، وطال حولها الجدل حتى نسبها بعضهم إلى المويلحي. واستقبل الأدباء ديوان حافظ ومقدمة ديوانه استقبالًا رائعًا، وعقدوا له أكاليل الثناء. والرافعيُّ غيورٌ شَمُوس، فما هو إلا أن رأى ما رأى حتى عقد العزم على إصدار ديوانه، وما دام حافظ قد صدَّر ديوانه بهذه المقدمة التي أحدثت كلَّ هذا الدويِّ فإن على الرافعي أن يحاول جهده ليبلغ بديوانه ما بلغ حافظ، وإنَّ عليه أن يحمل الأدباء على أن ينسوا بمقدمته مقدمة ديوان حافظ!
وصدر الجزء الأول من ديوان الرافعي في الموعد الذي أراد بُعَيْد ديوان حافظ بقليل، وقدَّم له بمقدمة بارعة فصَّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوَّليته، وهي وإن كانت أول ما نعرف ممَّا كتب الرافعيُّ[14] تدلُّ بمعناها ومبناها على أنَّ ذلك الشاب النحيل الضاوي الجسد كان يعرف أين موضعه بين أدباء العربية في غدٍ، وإذا كانت مقدمة ديوان حافظ قد ثار حولها من الجدل ما حمل بعض الأدباء على نسبتها إلى المويلحي، فقد حملت هذه المقدمة الأديبَ الناقد الكبير الشيخ إبراهيم اليازجي على الشكِّ في أن يكون كاتبها من ذلك العصر، ممَّا يُخَادِع نفسَه في قدرة الرافعي على كتابتها.
قال الأستاذ جورج إبراهيم: لمَّا همَّ الرافعيُّ أن يكتب مقدمة ديوانه جاء إليَّ في جلبابه والحرُّ شديد، فحدَّثني مِن حديثه، ثم سألني أن أهيِّئ له مكانًا رطبًا يجلس فيه ليكتب المقدمة، فجلس في غرفة من الدار، ثم تخفَّف من لباسه واقتعد البلاط بلا فرش، وبسط أوراقه على الأرض وتهيأ للكتابة، فحذَّرته أن تنال منه رطوبة البلاط في مجلسه الطويل، فقال: لا عليك يا جورج، إني لأحب أن أحس الرطوبة من تحتي فينشط رأسي.
ثم استمرَّ في مجلسه يكتب وليس معه ولا حواليه من وسائل العلم إلا قلمه وأوراقه، حتى فرغ من المقدمة في ساعات.
قال: فلما تمَّ طبعُ الديوان أهدى نسخةً منه فيما أهدى إلى العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي، والشيخ اليازجيُّ يومئذٍ أديبُ العصر وأبلغ منشئ في العالم العربي، وكان الرافعي حريصًا على أن يسمع رأي اليازجي في شعره وأدبه. ومضى زمانٌ ولم يكتب اليازجيُّ، على حين تناولت كلُّ الصُّحف والمجلات ديوان الرافعي ومقدمتَه بالنقد أو التقريظ، واحتفل به «المؤيد» احتفالًا كبيرًا فنشر مقدمته في صدره، و«المؤيد» يومئذٍ جريدة العالم العربي كله.
قال: واستعجبتُ أن يهمل أستاذنا اليازجي هذا الديوان فلا يكتب عنه، واغتمَّ الرافعي غمًّا شديدًا؛ إذ كان كلُّ ما يكتب الأدباء في النقد لا يغني عن كلمة يقولها اليازجي. فذهبت أسأله، فقال لي: أنت على ثقة أن هذه المقدمة من إنشاء الرافعي؟ قلت: هو كتبها بعيني، فما أشكُّ في ذلك. قال اليازجي: وأنا ما أبطأتُ في الكتابة عن الديوان إلا من الشكِّ في قدرة هذا الشيخ على إنشاء مثل هذه المقدمة، فأنا منذ أسبوعين أبحث عنها في مظانِّها من كتب العربية. قلت: يا سيدي، إنه ليس بشيخ، إنه فتًى لم يبلغ الثالثة والعشرين!
وكتب اليازجيُّ بعد ذلك في عدد يونيو سنة ١٩٠٣ من مجلة «الضياء» في تقريظ الجزء الأوَّل من ديوان الرافعي ما يأتي: وقد صدَّره الناظم بمقدِّمة طويلة في تعريف الشعر، ذهب فيها مذهبًا عزيزًا في البلاغة، وتبسَّط ما شاء في وصف الشعر وتقسيمه وبيان مزيته، في كلام تضمَّن من فنون المجاز وضروب الخيال ما إذا تدبَّرتَه وجدتَه هو الشعر بعينه.
ثم انتقد اليازجيُّ بعض ألفاظٍ في الديوان، وعقَّب عليها بقوله: على أنَّ هذا لا يُنْزِل من قدر الديوان وإن كان يستحبُّ أن يخلو منه؛ لأنَّ المرآة النقيَّـة لا تستر أدنى غبار، ومن كملت محاسنه ظهر في جنبها أقلُّ العيوب، وما انتقدنا هذه المواضع إلا ضنًّا بمثل هذا النظم أن تتعلق به هذه الشوائب، ورجاء أن يتنبه إلى مثلها في المنتظر، فإن الناظم كما بلَغنا لم يتجاوز الثالثة والعشرين من سِنيه، ولا ريب أنَّ مَن أدرك هذه المنزلة في مثل هذه السِّنِّ سيكون من الأفراد المُجَلِّين في هذا العصر، وممَّن سَيُحَلُّون جِيدَ البلاغة بقلائد النظم والنثر»[15].
وقد نُشِرت هذه المقدمة للجزء الأول وعنوانها «الشعر واجتماع الأسباب» في «مجلة المنار» 30 مارس 1903، وقدَّم لها الشيخ رشيد رضا بقوله: «مصطفى أفندي صادق الرافعي يعرف شعره قراء المنار؛ فلا حاجة لتعريفهم به، وقد جمع منظوماته في ديوان يطبع الآن، وإننا ننشر كلمة له فيه تنويهًا به وترغيبًا فيه»، ونُشِرت كذلك في الصفحة الأولى من «جريدة المؤيد» كما مرَّ، وذلك ضربٌ من الاحتفال والتكريم.
وأوردها المنفلوطيُّ بتمامها في مختاراته، وأثنى في صدرها على الرافعي، قبل أن يجفَّ الثرى بينهما بعد مقالة «شعراء العصر» الآتية، فقال: «مصطفى الرافعي شاعرٌ من شعراء العصر المجيدين، وكاتبٌ من كتَّابه المتأدبين، ويذهب في شعره مذهب شعراء المعاني كالمتنبي وابن الرومي وغيرهما من الذين يحفلون بجمال المعنى قبل جمال الأسلوب، فإن صحَّ له الأول لا يبالي بالثاني، على أن له في كثير من الأحيان خصوصًا في النسيب ما يُعَدُّ في طبقة الإبداع حُسْنَ تصور وبراعة نظم ورقة أسلوب»[16].
وكتب «المقتطف» إشادةً بمقدمة الجزء الثاني من الديوان وتبشيرًا به وبها في عددي يونيو 1904، وأكتوبر 1905، وكتب تعريفًا مطولاً وثناء سابغًا على الجزء الثالث ومقدمته في عدد نوفمبر 1906.
والقول في تحليل مضامين هذه المقدمات وما اشتملت عليه من نظرات دقيقة جلَّت مفهوم الشعر، وصفات الشاعر، وعلاقة المعاني الشعرية بالطبيعة والحقيقة، وصدق الفن، وخطر الخيال، وأثر الوزن في التصوير، ونوازع تأثير الشعر في النفس، وغير ذلك = له موضعٌ فسيحٌ في الدراسات المتخصصة في أدب الرافعي وفي تاريخ الحركة النقدية للشعر في العصر الحديث.
* ثم تلي هذه المقدمات مقالة «الشعر العربي في خمسين سنة»، وهي مما كتبه الرافعي في يناير 1926، استجابة لطلب مجلة «المقتطف»، لتنشر في عدد خاصٍّ بمناسبة إتمام المجلة خمسين سنة، فأرادوا «أن يجعلوا هذا العدد مباحث في التطوُّر الذي تناول مواضيع المقتطف مدة الخمسين سنة الماضية، ومنها تغيُّر الأساليب الشعرية في هذه المدة»[17].
وقد صادف وقت كتابتها أن كان مريضًا، فأتعبته، ولم يزل «كارهًا الكتابة من تأثيرها» كما يقول[18] حتى مسح الله على مرضه، وزاد في عافيته أن مقالة طه حسين عن «النثر العربي في خمسين سنة» المنشورة في ذلك العدد جاءت ضعيفة كما يقول محرر «المقتطف» وفيها سبعمئة كلمة مكررة![19].
وأسرف الرافعيُّ في التوهُّم، فظنَّ أن مقالة طه حسين كانت اقتراحًا من ميٍّ للموضوع والكاتب، لتقابل بين المقالتين، يقول لأبي رية: ألا ترى أن العنوان هو نفسه الذي وضعته أنا لمقالة «الشعر العربي في خمسين سنة»؟![20].
* وآخر مقالات فلسفة الشعر هي أجلُّ ما كتبه الرافعي في هذا الباب وأعلاه وآخره زمانًا، وعنوانها «نقد الشعر وفلسفته»، وقد نشرها في مجلة «أبولو» مايو 1933، وكان الرافعيُّ مهتمًّا بها لتقوية مجموعة مقالات «وحي القلم»، وأحدثت بعد نشرها دويًّا عظيمًا كما يقول، «وكنت أشعر من الأول أن الكتاب الجديد [يعني وحي القلم] يكون ناقصًا إذا لم تظهر فيه مقالةٌ في فلسفة النقد، فهذه قد سدَّت مكانها، والحمد لله، ومن رأيي أنه الآن صار كتابًا يُعَوَّل عليه، ولم يعد مجموعة مقالات»[21].
* ومن أودية الشعراء نقف عند مقالته في «الموازنة بين أبي تمام والبحتري والمتنبي»، وقد كتبها إجابة لطلب «المجلة الشهرية» مايو 1925، وهي من آثار الرافعي المندثرة، وتُنْشَر اليوم أول مرة في كتاب، ومع أن هذه المقالة «كُتِبت لطلبة البكالوريا خصيصًا» كما تقول المجلة، فإن الرافعيَّ كان حفيًّا بها، وقد طلبت منه المجلة أن تكون المقالة ألف كلمة فجعلها ألفين![22].
ويقول الدكتور مصطفى البدري: «وربما كانت المقالة الرافعية هذه السَّببَ في تأليف زكي مبارك لكتابه الموازنة بين الشعراء. راجع مقدمة المبارك لكتابه مدامع العشاق الطبعة الثانية وإشادته بالرافعي»[23].
قلت: قد ذكر زكي مبارك في مقدمته التي يشير إليها البدريُّ اتهام الرافعي له بأنه سرق كتاب «مدامع العشاق» من كتاب «الزهرة» لمحمد بن داود. ولم يظهر لي وجه الربط بين ذلك وبين احتمال أن تكون هذه المقالة سببَ تأليف زكي مبارك لكتاب «الموازنة بين الشعراء»؛ فإن زكي مبارك قد ذكر للرافعي يومئذ أنه لم يطلع على كتاب «الزهرة» ولم يستفد منه شيئًا في كتابه، وإن كان الكتابان يتشابهان أشدَّ التشابه في الوضع والأسلوب[24]، وللبدريِّ من جنس هذا التكلُّف في إضافة الفضل إلى الرافعي أشباهٌ ونظائر في كتابيه عنه[25].
أما كتاب «الموازنة بين الشعراء» فالأشبه أن زكي مبارك اقتفى فيه خُطا أستاذه محمد المهدي، وقد أضاف في آخر الطبعة الثانية من كتابه فصلًا بيَّن فيه فضل من سبقوه إلى الموازنة، وذكر أن أظهرهم رجلان: أبو القاسم الآمدي صاحب «الموازنة بين الطائيَّين»، والثاني هو أستاذه وصاحب الفضل عليه الشيخ محمد المهدي، قال: «وهنا أستطيع أن أبيِّن كيف كان يوازن بين الشعراء، وأستطيع أن أنشر إحدى موازناته في هذا الكتاب؛ لأن آثاره مع الأسف لن تنشر أبدًا، ولن يفرغ تلاميذه من شواغل دنياهم حتى يقدِّموا لذكراه ما يجب من الوفاء»، ثم ساق له نماذج من موازناته، ولاحظ أن أكثر تلاميذه مولعون بالموازنات الشعرية[26].
* وبعد هذه المقالة نصٌّ مجتزأ من مقدمة «شرح ديوان المتنبي» للبرقوقي، جعلتُ عنوانه «سرُّ تباين الشرَّاح في تأويل شعر المتنبي»، وهذه المقدمة من جملة ما كتبه الرافعي لبعض أصحابه دون أن يذكر اسمه فيما كتب، وهو من شأنه المشهور عند خاصَّته[27]، وقد قال لأبي رية في بعض رسائله: «وهنا أشياء أخرى لا أريد أن أبوح بها، ولكنها في الجملة أشياء أساعدُ بها رِفْدًا، فينتحلها أهلها وينشرونها بأسمائهم، وأنا بذلك راضٍ مسرور»[28].
ومن ذلك مقدمة «شرح ديوان المتنبي» لصهره البرقوقي، كما ذكر صاحبه العريان في كتابه عنه[29]، وأسلوبُ الرافعي وروحه ونظراته النقدية تشعُّ في زوايا هذه المقدمة كأحجار الماس. وسيأتي مزيد من الكلام على هذا بعد قليل في الحديث عن مقاله «شعراء العصر»، ومقالاته في نقد القصيدة العمرية لحافظ.
* ونصل إلى مقال الرافعي الشهير «شعراء العصر» الذي نشره وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره بمجلة «الثريا» يناير 1905، بتوقيع (*) دون أن يصرِّح باسمه، ومعه كلمةٌ صغيرة تصرخ بالتحدِّي وطلب النزال[30]، ورتَّب فيه شعراء عصره في طبقات، وضمَّنه أحكامًا نقدية جريئة على كل شاعر، «وانفجر انفجار البركان، وقام به الشعراء وقعدوا، وكان له في الغارة عليهم كزَفِيف الجيش وقعقعة السلاح، وتناولته الصُّحف اليومية، واستمرَّت رجفتُه الأدبية نحو الشهر، وانتهى إلى الخديوي، وتكلَّم عنه الأستاذ الإمام في مجلسه، واجتمع له جماعةٌ من كبار أساتذة العصر السُّوريِّين، كالعلامة سليمان البستاني، وأديب عصره الشيخ إبراهيم اليازجي، والمؤرخ الكبير جورجي زيدان؛ إذ كان صاحبُ المجلة سوريًّا، وجعلوا يُنْفِذون إلى صاحب المجلة دَسِيسًا بعد دَسِيس ليعلموا من هو كاتب المقال» كما يقول الرافعي[31].
ولهذا المقال أهمية كبيرة لمن يريد أن يدرس أدب الرافعيِّ وتاريخه ونفسيته ومذهبه النقدي من ثلاثة وجوه:
الأول: أنه أول ما افتتح به الرافعي كتاباته النقدية، فهو كالمقدمة لتلك المعارك التي نشبت بينه وبين لفيف من أهل عصره فيما بعد.
الثاني: أن فيه ثبتًا جامعًا لأسماء كثير من رؤوس الشعراء لذلك العهد، ممن عاصرهم الرافعيُّ وقرأ لهم ونظر في شعرهم ناقدًا ساخطًا أو محتذيًا معجبًا.
الثالث: أن فيه لونًا من ألوان الدعاية التي كان يقوم بها الرافعيُّ لنفسه، ليبلغ ما كان يرمي إليه من مكانة، وقد أثنى على نفسه فيه ووضعها في الطبقة الأولى من الشعراء بعد الكاظمي والبارودي وحافظ. كما أن في المقال من زهو الرافعي واعتداده بعلمه، ومن قوة عارضته، ومن استعداده الفطري للعراك الأدبي، ما هو ظاهر[32].
وقد ذكره الرافعي بعد نشره بسنوات طويلة في مقاله «كلمات عن حافظ» وحكى بعض آثاره كما قدَّمنا دون أن يفصح بأنه هو كاتبه، واكتفى بقوله: «وشاع يومئذ أني أنا الكاتبُ له»، وما كان الأمر بحاجة إلى تصريح، فقد كانت الشائعة كالحقيقة، حتى إن حافظ إبراهيم غضب من المقال غضبًا شديدًا كما يقول الرافعي، وما كاد يراه في القاهرة حتى ابتدر الرافعيَّ بقوله: وربِّ الكعبة أنت كاتبُ المقال، وذمَّة الإسلام أنت صاحبُه!
على أن الرافعيَّ اعترف بأنه كاتب المقال في بعض رسائله إلى أبي رية، فقال في سنة 1930: «وكذلك كتبتُ قديمًا مقالة عن الشعراء في مجلة صغيرة اسمها الثريا، ولم أذكر اسمي فيها، فكان لها دويٌّ هائل، واشتغل بها القُطر وجميع الصحف نحو شهر، وليس كل الناس عرفوا الاسم كما تظنُّ»[33].
ولعلَّ من أهم آثار هذا المقال أنه بعث المنفلوطيَّ على كتابة مقاله في طبقات الشعراء والكتَّاب في مجلة «سركيس» سبتمبر 1906، ونشره غفلًا من التوقيع كما فعل الرافعي، واعتذر بنحو اعتذاره، وقدَّم له سليم سركيس بقوله: «جاءتني المقالة الآتية من كاتب شاعر مجيد، وهي رأيه في الشعراء، أنشرها بحروفها إطلاقًا لحرية الكتَّاب وبيانًا لرأي واحد منهم»، ثم نشره المنفلوطيُّ في الطبعة الأولى من كتابه «النظرات» بعد أن هذَّبه، وعاد فحذفه من الطبعات الأخرى؛ «لأنه هو كان يعلم أن النائحة المستأجرة لا يسمَّى بكاؤها بكاءً»، كما يقول الرافعي، رحمة الله عليهما.
قال الرافعي: «وشمَّر المنفلوطي فكتب مقالًا في مجلة سركيس يعارض به مقال الثريا، وجعل فيه البكريَّ على رأس الشعراء، ومدحه مدحًا يرنُّ رنينًا، أما أنا فتناولني بما استطاع من الذمِّ، وجرَّدني من الألفاظ والمعاني جميعًا، وعدَّني في الشعراء ليقول: إني لستُ بشاعر، فكان هذا ردَّ نفسه على نفسه. وتعلَّق مقالُ المنفلوطيِّ على المقال الأول، فاشتهر به لا بالمنفلوطي»[34].
وأعاد نشرَ مقال المنفلوطي معتمدًا على نصِّ الطبعة الأولى من كتاب «النظرات» الدكتور حمد الدخيِّل في كتيِّب بعنوان «آراء المنفلوطي في شعراء وكتَّاب عصره»، وليته نشر معه مقال مجلة «سركيس» الذي يمثِّل رأي المنفلوطي في صورته الأولى، وفيه حديثه عن نفسه الذي أسقطه عندما أعاد نشره في «النظرات»، وقال فيها: «كتبتُ هذه الرسائل[35] في بعض المجلات من سنوات، ثم بدا للكاتب أن يغيِّر فيها شيئًا من آرائه فصنَع»، وأشار الرافعيُّ إلى أن المنفلوطي غيَّر فيها ثلاث مرات[36].
وقد أثار مقال المنفلوطي في مجلة «سركيس» عاصفة من الجدل، وتلته مقالاتٌ أخرى في المجلة لعددٍ من الأدباء أشهرهم الأمير شكيب أرسلان، وتستحقُّ أن تجمع تلك المقالات في جزء لطيف.
وممَّا يتصل بموضوع المقال همُّ الرافعي بتأليف كتاب مفرد في الشعراء وطبقاتهم، كما قال: «ولعلنا نفرد كتابًا خاصًّا بالقول في شعراء هذا الزمن وكتَّابه، ومراتبهم على أقدارهم من الصناعة وتاريخها، ثم الموازنة بينهم على أقدارهم كذلك»[37].
وقال حين سأله عنه أبو رية سنة 1916: «فأما الكلام عن الكتَّاب والشعراء فله وقتٌ يأتي إن شاء الله بعد أن يفرغ الذَّرْع لما هو أهمُّ وأولى بالتقديم»، وقال مرة أخرى بعد الأولى بشهر: «وأما الكلام عن الشعراء والكتَّاب فلا أستطيع أن أقول قولًا أوخذ به، ورأيُ علماء العرب في ذلك هو رأي فلاسفة النقد اليوم، وذلك أنهم يكرهون الكلام عن رجل لا زال حيًّا، ولكن متى ختم تاريخه تكلموا فيه؛ لأن من الناس من ينبغ في آخر عمره نبوغًا يفوق الوصف، ومنهم من يكون نبوغه في الكهولة أو في الشباب، وهكذا. وفي حاصل المطلوبات أن كتاب الشعراء والكتَّاب لا يكون إلا بعد سنين طويلة إن فسح الله في الأجل؛ إذ هو في الحقيقة تاريخٌ للأدب العصري»[38].
وقد انقضى أجله رحمه الله ولم ينجز الكتاب، ولا وقف العريان على أصول خاصَّة به[39]، وعسى أن يكون فيما جمعته من مقالاته في «أودية الشعراء» بعض البلاغ والغناء إن شاء الله.
* ومن مقالات «أودية الشعراء» ما كتبه الرافعي عن شعر البارودي في مجلة «المقتطف» مارس سنة 1905، بطلب من أصحابها[40].
* ثم مقاله الجليل عن شوقي في «المقتطف» نوفمبر 1932، وهو دراسة باذخة لعل أحدًا من كتَّاب العربية لم يكتب مثلها عن شوقي، فقد أنصفه فيها، وجلَّى عبقريته، وكشف عن أدبه وفنِّه ومذهبه[41]، في بيان مونق وعبارة سَرِيَّـة ونقدٍ بصير.
وكان من خبر هذا المقال أن مجلة «المقتطف» أرسلت إلى الرافعي يوم وفاة شوقي تلغرافًا تطلب منه مقالًا مطوَّلًا عنه، وترجوه أن يرسله إليها في بضعة أيام، والرافعيُّ يومئذ مجهد الأعصاب جدًّا، ولم يكن بينه وبين شوقي من الودِّ والصِّلة ما يتيح له أن يعرف من حياته ما يعينه على دراسة أدبه، ولا تهيأت له من قبلُ أسبابها لينشئ موضوعه على الوجه الذي يرضاه، فعكف على ديوان شوقي أربعة أيام يقرؤه متدبرًا، ثم كتب مقالته عنه في أربعة أيام أخرى، ثم بيَّض ما كتب في يومين، وفي طول هذه المدة لم يستطع أن ينام أكثر من خمس ساعات في اليوم، وأحيانًا أربع ساعات أو ثلاث، وانتهت المقالة بعد تعب شديد في ثلاث عشرة صفحة من عدد «المقتطف» الذي كان على وشك الصُّدور، مع الاختصار وحذف كثير مما كان يريد ذكره[42].
ولقيت المقالة قبولًا واسعًا وكان لها أثرٌ بعيد، حتى إن نقولا الحداد كتب إلى الرافعي أنه لا يجوز أن يُقْرأ عن شوقي أو يُكْتَب أو يُنْشر غير هذه المقالة[43]، وكانت المجلات والصحف تعجُّ يومئذ بالكتابة عنه.
كما كتب علي محمود طه للرافعي أن مقالتيه عن شوقي وحافظ أدهشتا جميع الأدباء، وأنهما نمطٌ خاصٌّ في الأدب[44].
وكان ممَّا أخذ الرافعيُّ على شوقي من غلطات النحو واللغة: رفع جواب الشرط في قوله:
إن رأتني تميلُ عنِّي كأن لم
تكُ بيني وبينها أشياءُ
فلم يكد العقاد يفرغ من قراءة المقال حتى تناول قلمه ليكتب كلمة يردُّ بها رأي الرافعي في نقد هذا البيت، ويعتذر لشوقي بتجويز النحاة صنيعه، وهو الذي لا يُعْرَف في أدباء العربية من هو أشدُّ منه عداوة لشوقي وأحدُّ لسانًا في نقده! ولكنه وجدها فرصة سانحة لينال من الرافعي في أخصِّ ما يعتزُّ به وهو العلم بالعربية، فلم يدعها تفلت من يديه.
نشر العقاد ردَّه في «المقتطف»، وأبى الرافعيُّ أن ينيله مراده، فكتب مقالة طويلة في الدفاع عن تخطئته لشوقي وإن خالف كتب النحو، وقال الرافعي في رسالة إلى أبي رية: «العقاد انتقد في المقتطف كلمة كنت خطَّأت فيها شوقي، وهي رفع جواب الشرط حين يكون فعل الشرط ماضيًا، والنحاة جميعًا أجازوا هذا، فانتهزها العقاد، ولكن النحاة في رأيي مخطئون، وقد كتبت ردًّا طويلًا جعلناه كالفخِّ للعقاد؛ فإني أظهرت خطأ النحاة وتركت له أن يجيب هو عنهم، لنرى كيف يتخبط في هذا الباب. والانتقاد ليس له، بل هو للشيخ عباس الجمل ذكره للعقاد، وهذا كتبه بعبارة لا تدل على فهم. وأظن هذا الرد ضربة قوية للعقاد؛ لأني توسعت فيه، وإذا لم ينشره المقتطف كما هو فسأنصرف عنه»[45].
وعندما لم يجب العقاد على ردِّ الرافعيِّ جعل الرافعيُّ ذلك فرارًا من المناقشة النحوية التي فتح بابها العقاد في المقتطف، وإعلانًا لهزيمته، قال الرافعي: «وسأسجِّل عليه هذه الهزيمة في المقتطف نفسه، وكنت لا أصدِّق أنه يفرُّ! وكلُّ الذين اطلعوا على كتابتي في المقتطف عن المسألة النحوية يؤكدون لي أن العقاد سيسكت ولا يردُّ؛ لأنها عقدة لا يمكن حلُّها»[46].
والحقُّ أن العقاد لم يكن بحاجة إلى أن يجيب عن مقال الرافعي، بعد أن سلَّم الرافعيُّ بأن ما قاله العقاد هو ما تقوله كتب النحو! وادَّخر العقاد هذا النصر الصَّغير لوقت الشدَّة، فاستعان به في معركته الكبرى مع الرافعي في نقد ديوان «وحي الأربعين»، وذكَّر الرافعيَّ بغلطه، وعاد الرافعيُّ هناك ليدافع عن رأيه ويخطِّئ النحاة!
وقد أوردتُ ردَّ العقاد بتمامه في حاشية مقالة الرافعي في الردِّ عليه، ونشرهما بعض الباحثين في مقال بعنوان «معركة أدبية مجهولة بين العقاد والرافعي»[47].
وعاد كاتبٌ آخر سنة 1938 فكتب في مجلة «الرسالة» مقالًا يخطِّئ فيه الرافعي في هذا البيت، وقَّعه باسم «أستاذ جليل»، وعنونه بـ «شوقي والرافعي في النحو».
ولم تنته معارك مقال «شوقي» بعد، فقد كتب علي محمد البحراوي سكرتیر «جماعة الأدب المصري» في مجلة «أبولو» ديسمبر 1932، في العدد الخاصِّ لذكرى شوقي، مقالًا بعنوان «الشعر الفني في نظم شوقي»، أشار فيه إلى مقال الرافعي عن شوقي، فقال: «ويذكِّرني هذا بمقال جيد قرأته في مجلة المقتطف عدد نوفمبر سنة 1932 عن شوقي بقلم الشاعر المعروف مصطفى صادق الرافعي، درسَ فيه شوقي على طريقته في دراسة الشعراء. والواقع أن الرافعيَّ وفِّق في مقاله إلى حدٍّ لم يكن يُنتظر من أحد شعراء المدرسة القديمة. ولكن ثمة مسألة جديرة بالبحث، تلك هي إعجابه ببراعة شوقي في استخراج المعاني وتولیدها من معاني غيره من الشعراء المتقدمين، أو أخذه على شوقي عدم توفيقه إلى ذلك. والرافعيُّ شاعرٌ نابهٌ قد يكون بارعًا في صنعته، ولكن نصيبه من الروح الفنية محدودٌ في رأيي. وقد يكون استخراج المعنى وتوليده واللعب بذلك أو التفنُّن فيه كما يسميه من كمال الصنعة عنده، ولكنه ليس من كمال الشعر في شيء …»، واحتجَّ على الرافعي ببیتٍ لشوقي يدل على أن الشعر الفنيَّ وحيُ العبقرية، وأنه لا يجري عليه ما يجري على سائر المنظوم من أقيسة التوليد والاستخراج، وهو قول شوقي:
ليلى! مُنَادٍ دعا ليلى فخفَّ له
نشوانُ في جنباتِ الصَّدر عربيدُ
وردَّ عليه الرافعي في العدد التالي من مجلة «أبولو»، وبيَّن له أن بيت شوقي مأخوذٌ من قول مجنون ليلى:
دعا باسم ليلى غيرَها فكأنما
أطار بليلى طائرًا كان في صدري
وكان ردُّه على البحراوي شديدًا كما يقول الرافعي، ولكن محرر مجلة «أبولو» خفَّفه وكتب إلى الرافعيِّ أن البحراوي مخلصٌ لنا ويستحقُّ التسامح معه[48]
وعاد البحراويُّ في العدد التالي مكابرًا ونافيًا أخذَ شوقي الظاهر من بيت المجنون، فأعرض عنه الرافعيُّ ولم يجبه، ونعمَّا فَعَل.
وجاء الكاتب العراقيُّ حسين الظريفي، فنشر في مجلة «أبولو» أبريل 1933مقالًا لطيفًا بعنوان «العبقرية الشعرية» يناقش فيه الرافعي في كلامه على بيت شوقي المتقدم، فأجابه الرافعي جوابًا رفيقًا مبسوطًا في العدد الذي يليه، وقد ترجمتُ للظريفي هناك، وأثبتُّ مقاله بتمامه في الحاشية، ليحيط القارئ بأطراف الموضوع ويفهم جواب الرافعي على وجهه.
* عاد الرافعيُّ بعد نحو ثلاث سنين، فكتب في مجلة «الرسالة» أكتوبر 1935 مقالًا آخر بديعًا عن شوقي بعنوان «بعد شوقي»، قال في أوله: لمَّا توفي شوقي كتبنا لشيخ مجلاتنا «المقتطف» فصلًا طويلًا عنه وعن شعره ومنزلة شعره، فلم نعرض لشيء من ذلك هنا.
* ألقى طه حسين خطابًا في حفل تكريم العقاد الذي أقامه حزب الوفد له بحديقة الأزبكية يوم 27 أبريل 1934، ثم نشرته جريدة الجهاد في 29 أبريل سنة 1934، بايع فيه العقاد بإمارة الشعر قائلًا: «ضعوا لواء الشعر في يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعراء: أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه»، فتوجَّهت مجلة «الأسبوع» إلى الرافعي خصم العقاد تسأله عن إمارة الشعر في هذا العصر، وهل تكون مصر أولى بها؟ ومن هو هذا الأمير على الشعر العربي كله؟ وتريده على أن يقول في مبايعة طه حسين للعقاد بإمارة الشعر. فكتب الرافعي مقالًا في 30 مايو 1934 عن «إمارة الشعر» بعد شوقي، وحمل فيه على طه حسين والعقاد ولقب الإمارة جميعًا.
* وبعد هذا المقال نجد للرافعي مقالًا جليلًا عن «حافظ إبراهيم» صنوًا لمقاله عن شوقي، وقد لقي فيه من العناء والتعب نحوًا مما لقيه في ذاك المقال، ومضى قول علي محمود طه للرافعي: إن مقالتيه عن شوقي وحافظ أدهشتا جميع الأدباء، وإنهما نمطٌ خاصٌّ في الأدب، ولا ريب أنهما كذلك.
كتب الرافعيُّ هذا المقال لمجلة «المقتطف» أكتوبر 1932 بعد وفاة حافظ ببضعة أشهر، وأرسل إلى أبي رية في 15 سبتمبر يقول: «أخَّرني الزكام عن كتابة مقال حافظ، وسأبدأ بقراءة ديوانه اليوم إن شاء الله، ولعلنا نوفق إلى فصل بديع في نقد هذا الرجل وبيان منزلته، وإن كان ذلك سيقتضي مجهودًا وتعبًا كثيرًا»[49].
وكذلك كان، إذ أرسل له في أول أكتوبر يحدِّثه عن المقال بعد أن فرغ منه وبعثه إلى المجلة: «أما مقالة المقتطف فقد أُعْلِن عنها في المقطَّم، وصرُّوف معجبٌ بها إعجابًا كبيرًا كما كتب لي، ولم أكتبها إلا في آخر الوقت؛ لأنهم أرسلوا لي ديوان حافظ، فما كدتُ أفتحه حتى شعرتُ بفتور، ولم تمض ساعاتٌ حتى أُصِبتُ بزكام حادٍّ استمرَّت آلامه عشرة أيام، ثم استمرَّ الضعفُ بعد ذلك أسبوعًا، والظاهر أن الذي أرسل الديوان كان مصابًا بأنفلونزا، ولكن صرُّوف كتب لي في آخر الوقت أنه طبع الغلاف ووضع اسم المقالة فيه، وأن طبع المقتطف معطَّل، لأنه ترك ملزمتين، فحمَّلتُ نفسي جهد الطاقة، واشتغلتُ ثمانية أيام، منها يومان في قراءة الديوان، وأربعة في كتابة المقالة، ويومان في تنقيحها وتبييضها، وبذلك أُصِبتُ بانحطاطٍ وضعف وأرقٍ شديد»[50].
* وتمضي المقالات بعد ذلك رُخاءً حتى نصل إلى مقاليه عن ديواني علي محمود طه ومحمود أبو الوفا، فإن لهما قصَّة وخبـرًا.
أما ديوان «الملاح التائه» لعلي محمود طه، فإن صلته بصاحبه قديمةٌ تسبق تاريخ كتابته عنه، نشأت في مكتب مجلة «المقتطف» حين التقاه أول مرة، ثم استوثقت المودة بينهما حتى قال عنه مرة لأبي رية: «وقد كسبنا هذا الأديبَ الشاعر، وهو نبيلُ النفس جدًّا»[51].
وقد وضع له عليٌّ وهو مهندسٌ فنان، رسمًا (تصميمًا) للبيت الذي كان في نيَّته أن يبنيه في أرض اشتراها لذلك، ومات رحمه الله قبل أن يتمكن من بنائه، بعد أن أفنت المكارمُ ما كان معه من مال[52].
وحين أصدر عليٌّ ديوانه أهداه إلى الرافعي، وفي ضمن ذلك دعوةٌ تمشي على استحياء للكتابة عنه، يقول صاحبه العريان: «وجاءه ديوان الشاعر علي محمود طه، وديوان الماحي، فدفعهما إليَّ؛ لأختار له ما يقرأ من كليهما، ولم أكن أعرف يومئذٍ ما بينه وبين الشاعر المهندس، ولكن رأيي في ديوانه وافق هواه، فما فرغت من قراءته حتى دفعته إليه وعلى هامشه إشاراتٌ بالقلم، وما دفعته إليه حتى تهيأ للكتابة عنه، وأنشأ مقالة مسهبة نشرها في المقطَّم[53]، تحدَّث فيها عن الشعر حديثًا يبيِّن مذهبه وطريقته في فهم الشعر وفي إنشائه، ثم انثنى إلى الشاعر المهندس يمدح ويثني، وينتقد وينصح. وكان مؤمنًا بما كتب، ولكن إيحاءاتٍ من الواعية الباطنة كانت تملي عليه بعض الحديث في التعريض ببعض الشعراء المعاصرين.
وتناول المازنِيُّ ديوان «الملاح التائه» في البلاغ بعدما تناوله الرافعي، فعاب عليه أشياء كان الرافعيُّ يمتدحها، وأخذ على الشاعر أنه كثير العناية باللفظ والعبارة والأسلوب. فكانت مقالة المازني حافزةً للرافعي على أن ينشئ مقالة للرسالة في الردِّ عليه، جعل عنوانها «الصحافة لا تجني على الأدب، ولكن على فنِّـيَّته»، فبهذه المقالة كان الرافعي يقصد المازني، دفاعًا عن صديقه الشاعر، أو دفاعًا عن مذهبه في الشعر، … وقد أنشأها على نهجه القديم، وحاول فيها فنًّا من التهكم في قصة اخترعها عن الأصمعي الراوية»[54].
وكان لمقالة الرافعي عن ديوان «الملاح التائه» لصديقه علي محمود طه تأثيرٌ هائلٌ ودويٌّ بعيدٌ كما كتب بذلك عليٌّ إلى الرافعي، قال الرافعي: «وكان الشعراء تعصَّبوا عليه، فأنقذته هذه المقالة وجعلت له شأنًا»[55].
وأما ديوان «الأعشاب» لمحمود أبو الوفا، فإن الرافعي كتب مقاله فيه حياءً من صاحبه الذي أهداه إياه رجاء أن يكتب عنه؛ إذ كان المقصود من طبع هذا الديوان أن يكون إعانة ماديَّة لناظمه توسِّع عليه ما ضاق من دنياه.
يقول العريان: «وقرأ الرافعيُّ ديوان الأعشاب، ثم هزَّته أريحيتُه إلى أن يكتب عنه، تحقيقًا لرجاء الراجين فيه وبرًّا بصاحبه، وأبت كبرياؤه أن يكتبه مقالًا يُعَنْوِنه بعنوانه ويذيِّله باسمه، فدعاني إليه واصطنع حديثًا بيني وبينه فأملاه عليَّ ليُنْشَر في «الرسالة» مذيلًا باسمي، وما كان بيني وبينه حديثٌ في شيء، ولكنها مقالة تواضعت من كبرياء فسمِّيت حديثًا، وأرضى كبرياءه وعاطفته في وقت معًا.
كان الرافعيُّ في حرج وهو يملي عليَّ هذا الحديث؛ إذ كان يخشى أن يُناقِض نفسه في الرأي وهو يكتبُ عن هذا الشعر رعايةً لصديق، ولكنه خرج من هذا الحرج بحسن احتياله، فجعل أكثر مقاله عن الشعر بمعناه العام ورأيه فيه ومذهبه منه، ثم خصَّ الديوان بكلماتٍ في خاتمة الحديث كانت هي خلاصة الرأي فيه، وبذلك برئ من الإسراف في المدح ومن الإيلام في النقد، وخرج من الأمرين معًا إلى تحديد معنى الشعر ووسائله وغايته، فأجاد وأفاد في بابٍ من القول له منزلةٌ ومقدار»[56].
* ويشتمل القسم الثالث من الكتاب على بعض «سهام النقد» التي فوَّقها الرافعيُّ وأنفذها إلى أشعار معاصريه فأصاب مَقَاتلها. ولقد أحسن اختيار طرائده، إذ عمد إلى رؤوس شعراء عصره، واختار عيون آثارهم، ليبلغ النقدُ منتهاه والتأثيرُ أجلَه، ولسنا هاهنا بمقام الفصل بين الناقد والمنقود، وإنصاف بعضهم من بعض، فلذلك موضعٌ أليق به ومجالٌ أوسع له وأقلامٌ أقدر عليه.
* كان السهم الأول نقدًا لنشيد مصر لأمير الشعراء أحمد شوقي، الذي اختارته لجنة النشيد القومي في مسابقة وضع نشيد وطني مصري سنة 1920، ومطلعه:
بني مصرٍ مكانُـكمُ تهيَّا
فهيَّا مهِّدوا للمُلْكِ هيَّا
وشارك الرافعيُّ بنشيده المشهور:
إلى العُلا إلى العُلا بني الوطنْ
إلى العُلا كلَّ فتاةٍ وفتى
ثم انسحب من المسابقة حين مدَّت اللجنة الأجل المضروب ليمكن لشوقي وحافظ أن يشاركا فيها، وكأنها ما فعلت ذلك إلا لتختار واحدًا منهما، وثار الرافعيُّ مع من ثار على تلك اللجنة، وكتب مقالاتٍ في جريدة «الأخبار» تنديدًا بصنيعها، ومضت اللجنة غير آبهة بذلك، واختارت نشيد شوقي، وأصدر الرافعيُّ نشيده الذي اختارته لجنةٌ أخرى من بعض أصحابه وأنصاره سنة 1920في كتاب مفرد، ومعه بعض ما قاله «أساطين البيان وفحول السياسة» عنه، ثم أصدر الطبعة الثانية من كتابه وضمَّنها خبر تلك اللجنة، وفصلًا مبسوطًا في نقد نشيد شوقي، وكتب على غلاف الطبعتين «النشيد الوطني المصري، وضعه نابغة كتَّاب العربية وزهرة شعرائها مصطفى صادق الرافعي»، وما هو من بأو الرافعيِّ بغريب.
هذا مختصرٌ من القول في ماجَرَيات ذلك النشيد وتاريخه.
ولم يكن الرافعيُّ وحده من انتقد نشيد شوقي ولم يره جديرًا بالفوز والاعتماد، فقد أراد العقاد والمازني أن يكتبا في نقد النشيد شيئًا للجزء الثاني من كتابهما «الديوان»، وحين أشاعت جريدة «الأخبار» نبأ نقد الرافعيِّ المرتقب تلبَّثا ينتظرانه عسى أن يقنعا به وينقلاه إلى كتابهما، كما ذكر ذلك المازني للرافعي.
وشرع الرافعيُّ في طبع الكتاب (طبعته الثانية التي فيها النقد)، ثم توقف عن إتمام الطبع حين سعى بعضهم إليه ليكفَّ عن نشر نقده ويتفق معه «على أمر من الأمور»، وطال توقفه أشهرًا، وطال انتظار العقاد والمازني، فكتب العقاد شيئًا في نقد نشيد شوقي وطبعه في الجزء الثاني من كتاب «الديوان»، وفي أثناء توقف الرافعي ورده خطابٌ من الموسيقار منصور عوض بخصوص تلحين نشيده، فأدرجه في كتابه، واستكمل طبعه حين لم تفلح تلك الوساطة، ونشر الكتاب وعلى غلافه عبارة «الطبعة الثانية نوفمبر 1920» كما كُتِبت حين شرع في الطبع أول مرة.
وما إن طُبِع كتاب الرافعي حتى ثار العقاد واتهمه بسرقة نقده الذي كتبه في «الديوان»، وأنشأ فصلًا هجائيًّا قاسيًا في طبعته التالية عنوانه «ما هذا يا أبا عمرو؟»، وكان من أظهر أدلته أن الرافعي يزعم أن كتابه طبع في نوفمبر 1920، أي قبل نشر «الديوان»، إلا أنه أورد فيه خطاب منصور عوض المؤرخ في 11 ديسمبر! وذلك بعد نشر «الديوان»، مما يؤكد اطلاع الرافعي عليه وإفادته منه وإغارته عليه.
وعاد العقاد فذكَّر الرافعيَّ والقـرَّاء بهذه «السرقة» في مقالته «سماسرة الأدب»[57] ردًّا على نقد الرافعي لديوانه «وحي الأربعين»، فبيَّن الرافعيُّ «ملابسات» القضية[58]، واستشهد بحوارٍ له مع المازني، والمازني يومئذ حيٌّ يرزق.
وأوضح الرافعيُّ أن التاريخ المثبت على غلاف الكتاب هو تاريخ شروعه في طباعته قبل أن يتوقف بسبب ما تقدم من أمر الوساطة، وأن خطاب منصور عوض جاءه أثناء ذلك التوقف فضمَّه إلى الكتاب. ولا يبعد أن يكون الرافعيُّ اطلع في مدة التوقف تلك على نقد العقاد المنشور في «الديوان»، وانتفع ببعض مآخذه وعبَّر عنها بأسلوبه، إلا أنها قليلة، ولم أر فيها شيئًا منقولًا بلفظه، ولا ما يُسْتبعَد اهتداء الرافعيِّ إليه[59].
وقد اندثر نقدُ الرافعي لنشيد شوقي؛ لأن كتابه «النشيد المصري الوطني» في طبعته الثانية المشتملة على النقد لم تُعَد طباعته فيما أعلم بعد طبعه أول مرة سنة 1920، ولم أر من أورد النقد بتمامه فيما اطلعتُ عليه.
* وكان السهم الثاني نقدًا للقصيدة «العُمَرِيَّـة» لحافظ إبراهيم، كتبه الرافعيُّ في ثلاث مقالات بمجلة «البيان» لصهره البرقوقي سنة 1918، دون توقيع، على عادته التي يجري عليها أحيانًا في النقد، كما رأيناه صنع في مقالة «شعراء العصر» بمجلة «الثريا»، ومقالات «السَّفُّود» بمجلة «العصور»[60].
وقد بيَّن صاحبه العريان ما كان مِن رِفْد الرافعي لصهره البرقوقي بالكتابة في مجلته دون تصريح بنسبة ما يكتبُ إليه، حتى إنه ليقول بعد أن ذكر أنموذجًا طريفًا لذلك حدَّثه به الرافعيُّ: «فأيَّ مقالٍ قرأتَ من أعداد هذه المجلة فشككتَ في نسبته إلى مذيِّله باسمه، فاحملْه على أنه مما كتب الرافعيُّ من الأدب المنحول»[61]، هذا فيما نسبه إلى غيره، فكيف بما تُرِك دون نسبة؟!
ولأجل ذلك قال الأستاذ الكبير عمر الدسوقي: «لقد وجد الرافعيُّ نفسه على طبيعتها في تصدِّيه لحماية الدين واللغة، وكاد يكون هو المحرِّر الحقيقيَّ لمجلة البيان التي كان يصدرها صهرُه عبد الرحمن البرقوقي منذ سنة 1909»[62].
وإذا أنت قرأتَ كتابنا هذا من أوله، وأحطتَ بفلسفة الرافعي في الشعر، وتدبَّرتَ مقالتيه عن حافظ، ونظرتَ ما كتبه عنه في مقال «شعراء العصر»، ثم بلغتَ هذه المقالات في نقد قصيدته العُمَرِيَّـة = فستجدك تمتلئ بذوق الرافعي، وتأنسُ بأسلوبه، وتألفُ روحَه، ولن يتخالجك ريبٌ في أن ذلك النقد ما خرج إلا من سنِّ قلمه، إلا أن يكون في الناس رافعيَّان!
وقد بثثتُ في حواشي مقالاته هذه كثيرًا من الدلائل على صحة نسبتها إليه، وربطتُ مواضع من نقده بنظائرها فيما كتبه عن حافظ في أماكن أخرى.
على أن الرافعيَّ كان يحاول إخفاء أسلوبه ببعض الإهمال عندما لا يوقِّع مقالاته، ويتعجَّب من معرفة الناس به مع عدم تصريحه[63]، وما أراه إلا ضربًا من فخره الخفيِّ بنفسه، كأن الناس تقول: لا يقدر على هذا إلا الرافعي!
* وكان السهم الثالث، وهو سهامٌ مجتمعة، نقدًا لديوان «وحي الأربعين» للعقاد.
وأول ما كان من أمر هذا النقد حين أصدر العقاد ديوانه الجديد هذا سنة 1933، واجتمع الرافعي ببعض أصحابه وتصفحوا الديوان وقرؤوا منه أشياء وانتقدوا أشياء، واقترح الرافعيُّ على الأستاذ حسنين مخلوف[64] أن يكتب مقالًا في نقد الديوان، وكان أكثرهم حماسة لنقده، ولم يمض أسبوع حتى نشرت جريدة «المقطم» المقال، تناول فيه بأدب وهدوء بضعة عشر موضعًا من الديوان، ومضى يومان وكتب العقاد في جريدة «الجهاد» ردًّا قاسيًا سخر فيه من مخلوف وتهكَّم بعلمه وقدرته على فهم الشعر وجعله نكالًا، حتى لامه زملاؤه من المدرسين الذين لم يسلم واحدٌ منهم من سخرية العقاد، لأن مخلوف منهم.
وهاج العريانُ الرافعيَّ على أن ينتصر لصاحبه، إذ كان هو من دفع مخلوف للكتابة، وعرَّضه لما ناله من العقاد، فأجابه الرافعي بعد لأي، واشترط عليه أن يهدي إليه نسخة من الديوان، لأنه يأبى أن يدفع قرشًا في كتاب من كتب العقاد! ولعل غير العريان فعل ذلك أيضًا، فقد ذكر الرافعي لأبي رية أن الأدباء في مصر ألحُّوا عليه أن ينتقد ديوان العقاد الجديد، وأنهم جميعًا يكرهونه ويخافونه[65].
ومضى الرافعيُّ في كتابة مقالاته الأربعة، مقالًا بعد مقال، في جريدة «البلاغ»، وردَّ عليه العقاد في مقالين بجريدة «الجهاد» أحدهما بعنوان «سماسرة الأدب» المتقدم ذكره.
وكانت معركةً هائلة تُعَدُّ بحقٍّ أقوى المعارك الشعرية في الأدب الحديث، بدأت في حياة الرافعي، واستمرَّت بعده بين أنصاره وأنصار العقاد على صفحات مجلة «الرسالة»، وهي تمثِّل مدرستين كبيرتين في فهم الشعر ومنهج نقده، وليس هذا موضع بسطها[66].
* وكان السهم الأخيرُ نقدًا لطه حسين -خصم الرافعي الأشهر- في فهمه للشعر وقدرته على تحقيق القول فيه، انطلق الرافعيُّ من نقد أبياتٍ هزيلة لطه حسين ليقول: إن من كان هذا مبلغ أمره من قول الشعر لن يفلح في نقد الشعر وتذوقه، وجعل السرَّ في كثرة خطئه وتهافت رأيه وكلال ذهنه أنه عدل عن سبيل الشعر إلى المنطق ثم إلى الجدل ثم إلى الشك، وقد خذلته طبيعته في جميع ذلك، ثم ناقشه في موضع أخطأ في فهمه من كتاب «الأغاني» وحمَّله ما لا يحتمل.
* * *
وبعد، فهذه جمهرة مقالات الرافعي ومقدماته وجنوده وبنوده في صون القريض والذود عن عموده، فلسفةً لحقيقته، ودراسةً لبعض شعرائه، ونقدًا لما لم يستقم منه على طريقته، جمعتها من كتبه المنشورة كوحي القلم، وهي الأقلُّ، وممَّا ترك من تراث ما زال جزءٌ منه مطويًّا في بطون المجلات والصُّحف لعهده، وهو الأكثر.
ومن نماذج النصوص المندثرة التي أحيا الكتابُ مواتها: مقال «الشعر العربي» وهو أول ما وصلنا من مقالات الرافعي طرًّا، وقد نشره في مجلة «المنار» وهو في العشرين من عمره، ومقال «الموازنة بين أبي تمام والبحتري والمتنبي»، ومقال «إمارة الشعر»، ومقالات نقد «القصيدة العُمَرِيَّـة» لحافظ، وغيرها.
وقد قابلتُ جميع مقالات الكتاب ونصوصه على أصولها في المجلات والصُّحف والطبعات الأولى لكتب الرافعي، وانتفعتُ بما نقل الجنديُّ في «المعارك الأدبية» من مقالات نقد ديوان «وحي الأربعين»، وبما نشره الأستاذ وليد كساب في «مقالات الرافعي المجهولة»، واستدركتُ طائفة كثيرة من السقط والغلط فيما أثبتاه.
وضبطتُ بالشكل ما قدَّرت حاجته لذلك من مواضع الإشكال، وشرحتُ من غريب الألفاظ ما قد يَغْمُض أو يُحْوِج إلى مراجعة المعاجم، غير مستكثر، وعسى أن أكون أصبتُ فيما حاولتُ من الأمرين.
واجتهدتُ في توثيق النقول دون أن أتكثَّر باستيعاب المصادر التي غدت اليوم من الباحث على حبل الذراع، وإنما حرصتُ أولًا على التهدِّي إلى مصدر الرافعي ممَّا كان مطبوعًا في زمنه وغلب على ظني صدوره عنه، فإن عرفته وثَّقتُ النصَّ منه ولم أعْدُه، وإلا علوتُ في العزو درجة أو درجات واكتفيت بمصدر واحد غالبًا يكون أقربَ شيء إلى لفظه. وعزوتُ الأشعار إلى دواوين أصحابها الأصلية أو المجموعة في أوثق طبعاتها ما استطعت. فصحَّحت بهذا وذاك جملةً من أخطاء الطباعة وغيرها.
وما أرى صنيعي في هذا الكتاب إلا تحقيقًا أو كالتحقيق، غير أنه تحقيقٌ لنصوص مطبوعة لا مخطوطة، وإنَّ قراءة بعض المخطوطات لأيسر منالًا من فكِّ معمَّيات أحرف بعض الصحف القديمة المهترئة ومصوَّرات الميكروفيلم التي يكلُّ فيها البصر.
وكان للرافعي بعض التعليقات على مقدمات دواوينه ومقالاته، فأثبتُّها جميعًا في الحواشي، وختمتها بحرف (ر) دلالة على صاحبها.
وقد بذلتُ الوسع ولم آلُ، وطلبتُ الحقَّ وسعيتُ إليه جهدي، وأرجو أنني أصبتُ منه ما يرضيك، وأدنيتُ إليك من تراث الرافعي في فلسفة الشعر ونقده ما يحسن موقعه منك، فما تكلفتُ ذلك إلا حبًّا لإفادة نفسي ونفعِك، ومؤانسة روحي وإمتاعِك، وقد بلغتُ من هذه الغاية شطرها، ولعلي بالغٌ شطرها الآخر عندك.
وللأصدقاء النبلاء الذين أعانوني على تصوير بعض مقالات الكتاب ونصوصه جميل الشكر وصادق الثناء، الشيخ صالح عبد الفتاح، والأستاذ حامد المالكي، والأستاذ محمد البراك، والأستاذ أبو بكر الكبوي، كتب الله أجرهم، ويسَّر لهم الخير حيث كان، وجعلهم مباركين أينما كانوا.
والحمد لله رب العالمين.
[1] «حياة الرافعي» (43).
[2] قال سنة 1922في رسائله إلى أبي رية (102): «أما معالجة الشعر والنزول إلى الميدان كما تقول فلا أحبَّ إليَّ من ذلك لولا هذه الوظيفة، فإنه لا بدَّ للموظف من مراعاة أحوال السياسة، والشاعر الذي يريد أن يتناول اللواء ويرفعه على الأمة يجب أن يبدأ من شعره بتغذية إحساس الأمة والنطق عن لسانها، وما هي إلا قصيدتان أو ثلاث في هذا المعنى حتى يكون قبلة الشعب كله. وكيف لي بهذا؟ ولقد مرَّت عليَّ فرصٌ لو أني كتبت ونظمت فيها لكنت اليوم إلى منكب سعد باشا ولزاحمته في شهرته». وقال سنة 1928 عن بعض المعاني التي ألمَّ بها في شعره (180): «ومن نكد الشعر العربي أنه لا يتسع لبسط المعاني، فإذا بُسِطت المعاني فيه وشُرِحت سقطت مرتبته من الشعر وأصبح نظمًا كنظم المتون في الأكثر، وهذا هو ما صرفني من الأول إلى الكتابة ووضع حديث القمر والمساكين وغيرهما، فإن هذه الكتب هي شعرٌ ولكنه في غير الظروف الموزونة». وله كلام متفرق عن هذه الهموم في تلك الرسائل (36، 66، 70، 79، 104، 191، 194، وغيرها).
[3] ذكر هذا في مقالة «إمارة الشعر».
[4] هكذا يسمي الرافعي «العقل الباطن».
[5] ومن ذلك قصائده في مديح الملك فؤاد الأول من سنة 1926 إلى 1930. انظر: «حياة الرافعي» (169).
[6] «إعجاز القرآن» المنسوب للباقلاني (176). وفي «الكشف عن مساوئ المتنبي» (32)، و«دلائل الإعجاز» (253): «ليس هذا من علم ثعلب وأضرابه، لأنه ممن يحفظ الشعر ولا يقوله، إنما يعلم ذلك…».
[7] لا ريب في أن اطلاع الرافعي على التراث العربي لا يضاهيه فيه أحدٌ من أدباء عصره، وإحاطته به خُبْـرًا ظاهرةٌ في كتابه «تاريخ آداب العرب» خاصة، وقد كتب مقدمة جليلة لكتاب «شرح أدب الكاتب» للجواليقي في بيان منزلة كتب الأدب القديم وخطرها ومسيس حاجة الأديب إليها.
[8] ديوان حافظ إبراهيم (1/139)، وديوان الرافعي (3/149).
[9] وانظر: «الرافعي الكاتب» (242، 312).
[10] 27 أغسطس 1900.
[11] «من رسائل الرافعي» (246). وانظر: (275، 277، 294، 300)، و«حياة الرافعي» (208).
[12] «من رسائل الرافعي» (246).
[13] «من رسائل الرافعي» (262).
[14] عرفنا مقالته التي نشرها في «مجلة المنار» قبل ذلك بثلاث سنين، وتقدم الكلام عليها.
[15] «حياة الرافعي» (48).
[16] «مختارات المنفلوطي» (102- 110).
[17] «من رسائل الرافعي» (129).
[18] «من رسائل الرافعي» (131).
[19] «من رسائل الرافعي» (137).
[20] «من رسائل الرافعي» (136).
[21] «من رسائل الرافعي» (287، 292).
[22] «من رسائل الرافعي» (121، 122).
[23] «الرافعي الكاتب» (256).
[24] «مدامع العشاق» (6، 18، 19).
[25] ومن ذلك زعمه في كتابيه «الإمام الرافعي» (470، 471) و«الرافعي الكاتب» (152، 153) أن كتاب «المتنبي» لمحمود شاكر إنما هو كتاب الرافعيِّ نحله إياه أو أعانه عليه.
وأول من ردَّ عليه ذلك ونبَّهه إلى مجانبته الصواب العلامة محمد بهجة الأثري الذي قال في تقديمه لكتاب «الإمام الرافعي» (16): «وألاحظ على البحث شيئًا آخر، ذلك هو اتساعه في الجزئيات، وإقحام الباحث أشياء يبدو بعضها ضعيف المناسبة في سياقه، ويبدو بعضها غريبًا عنه أو كالغريب. ومن هذا ما يلقي ظلًّا من الجنف عن الحق، كالإشارة إلى دراسة حب المتنبي في المقتطف واتهام مبدعها بصدوره بها عن الرافعي، انسياقًا من الباحث مع المحكيِّ له من ذلك افتئاتًا وظلمًا، وكم للمعاصرين من أشباه هذا التجريح الظالم بعضهم لبعض. ومن نوافل الأشياء أن أدلَّ على مكانة كاتب هذه الدراسة [يعني محمود شاكر] البارعة بين الأدباء، فما مثله وهو هو علمًا وبيانًا وبصرًا بالنقد والتحقيق بالذي يَصْدُر عن غيره وإن كان الرافعيَّ العظيم».
وتعصُّب البدري للرافعي وغلوُّه في محبته هو سبب تلك المزاعم التي لم تقم عليها بينة، وقد شهد أنور الجندي مناقشة رسالته في دار العلوم وهي أصل كتابه عن الرافعي، فكان مما أخذه عليه مناقشوه ذلك الغلو في العاطفة وما يفضي إليه من حجب حقائق العلم. انظر: «صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر» للجندي (51).
[26] «الموازنة بين الشعراء» (386 – 398).
[27] انظر: «مقالات منحولة» في كتاب «حياة الرافعي» (317).
[28] «من رسائل الرافعي» (36).
[29] «حياة الرافعي» (324).
[30] أثبتنا هذه الكلمة بتمامها وتعليق المجلة عليها في أول حواشي المقالة.
[31] مقال «كلمات عن حافظ» في كتابنا، و«وحي القلم» (3/341). وانظر: «الرافعي الكاتب» (83، 89، 147، 244، 313)، و«الحوار الأدبي حول الشعر» لمحمد أبو الأنوار (450 – 458)، و«صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر» للجندي (110).
[32] انظر: «حياة الرافعي» (58).
[33] «من رسائل الرافعي» (195).
[34] مقال «كلمات عن حافظ». وانظر: «من رسائل الرافعي» (41).
[35] يعني مقالتَيه في طبقات الشعراء وطبقات الكتَّاب، وكانوا يسمُّون المقالة: رسالة.
[36] «من رسائل الرافعي» (41). ولمحمد عبد الشافي: «أقدم المعارك الأدبية المنسية، المنفلوطي والرافعي وصراع الأقوياء»، المجلة العربية، السنة 33، العدد 381، شوال 1429.
[37] «حديث القمر» (66).
[38] «من رسائل الرافعي» (37، 41). وأنت ترى أن جوابه الأخير كالتراجع عن مقالة مجلة «الثريا» في «شعراء العصر» التي كتبها إبان غلواء الشباب وشرَّته.
[39] «الإمام الرافعي» (460).
[40] «من رسائل الرافعي» (43).
[41] «حياة الرافعي» (194).
[42] «من رسائل الرافعي» (276، 277)، و«حياة الرافعي» (194).
[43] «من رسائل الرافعي» (279).
[44] «من رسائل الرافعي» (284).
[45] «من رسائل الرافعي» (285).
[46] «من رسائل الرافعي» (289).
[47] مصطفى يعقوب، مجلة جذور، العدد 17، يونيو 2004.
[48] «من رسائل الرافعي» (287).
[49] «من رسائل الرافعي» (273).
[50] «من رسائل الرافعي» (274).
[51] «من رسائل الرافعي» (284).
[52] وقد وضع له مهندسٌ آخر اسمه رمسيس رسمًا لذلك المنزل المؤمَّل، ودفع له الرافعيُّ أجرة الرسم إعلانًا أدبيًّا نشره في «المقتطف» سنة 1928 يثني فيه على صنعة المهندس ويشيد بفنِّه، ففرح به المهندس وطبع منه آلاف الصور، ومما قاله فيه: «تأملتُ رسمك الجميل الذي وضعتَه لمنزلي، وتتبَّعتُ مواضع الاتصال فيه بين قريحتك المبدعة وبين شكل الطبيعة وروحها، فأشهدُ لكأنَّ هذا الرسم بما فيه من القوة يحاول أن يحيا في نظر من يتأمله. إنك بهذا الذوق السليم الحيِّ لتعطينا السرورَ في شكل من الفن، حتى لو مَلَك المالكُ رقعة من الأرض كالبقعة من الظلمة لوضعتَ لها من هندستك غُرَّةَ فجرٍ يضيء عليها …». انظر: «حياة الرافعي» (217، 337).
[53] وهي مقالتنا هذه المنشورة في كتابنا، و«وحي القلم».
[54] «حياة الرافعي» (218).
[55] «من رسائل الرافعي» (309).
[56] «حياة الرافعي» (232).
[57] جريدة الجهاد في 21 مارس 1933، وهي في كتابه «آراء في الآداب والفنون» (11 – 21) الذي ضمَّ بعض مقالاته وصدر بعد وفاته.
[58] في مقالته الثالثة من نقد ديوان «وحي الأربعين». وقد ذكر أيضًا طرفًا مما جرى في ذلك في رسائله إلى أبي رية (86 – 87).
[59] ولم ينصفه أنصار العقاد فيما كتبوه عن هذه القضية، محمد أبو الأنوار في «الحوار الأدبي حول الشعر» (294، 300 – 305)، وعبد الحي دياب في «عباس العقاد ناقدًا» (797 – 803)، وغيرهما.
[60] أوردت الباحثة فايزة الحربي في رسالتها «مجلة البيان لعبد الرحمن البرقوقي، مكانتها وأثرها في تطور الأدب الحديث» (332) ما سمَّته «احتمالًا كبيرًا»، وهو احتمالٌ في غاية البعد، أن هذا النقد المنشور بغير توقيع للمازني! ولم تفطن في بحثها لدور الرافعي في تحرير المجلة، كما بيَّنه أصحابه ودارسوه، وإن هي أشارت إلى أن المجلة كانت تحابيه وأنشأت من أجله بابًا للتقريظ تثني فيه على كتبه.
[61] «حياة الرافعي» (324). وانظر: «الرافعي الكاتب» (181).
[62] «من إسلاميات الرافعي» لعمر الدسوقي (67).
[63] «من رسائل الرافعي» (102، 189).
[64] له عن الرافعي كتاب «مصطفى صادق الرافعي حياته وأدبه».
[65] «حياة الرافعي» (196)، و«من رسائل الرافعي» (289).
[66] انظر: «حياة الرافعي» (196 – 205)، و«الحوار الأدبي حول الشعر» (312 – 343)، و«المعارك الأدبية في مصر» للجندي (266 – 288، 570 – 584)، و«الصراع بين القديم والجديد» للكتاني (978 – 988).