- ماثيو مايو
- ترجمة: نواف سليم الصاعدي
- تحرير: ريم الطيار
لسنا بذلك الذكاء: التحيزات المعرفية تؤكد ذلك
التحيزات المعرفية هي نزعات للتفكير بطرق معينة يمكن أن تؤدي إلى انحرافات منهجية عن معيار العقلانية أو الحكم الجيد، وتلعب هذه التحيزات دورًا مؤثرًا على حياتنا العملية، سواء أردنا الاعتراف بذلك أم لا.
وفقًا لويكيبيديا، فإن التحيزات المعرفية “هي نزعات للتفكير بطرق معينة يمكن أن تؤدي إلى انحرافات منهجية عن معيار العقلانية، أو الحكم السليم، وغالبًا ما تتم دراستها في علم النفس والاقتصاد السلوكي”.
ولا تقتصر هذه التحيزات على أنها مجرد ممارسة في الأوساط الأكاديمية؛ بل تلعب دورًا مؤثرًا على حياتنا العملية، سواء اعترفنا بذلك أم لا.
يأتي التحيز المعرفي، الذي يعد مظلة واسعة جدًا، بأشكال عديدة، وكما يتضح أن ويكيبيديا بدورها تسرد أكثر من ١٧٠ منها، ويبدو أن بعض هذه التحيزات منتشرة في نواحي معينة من الحياة أكثر من غيرها.
يوجد أدناه مخطط معلومات بياني من صحيفة بيزنس “إنسايدر”Business Insider”-“، شامل لجميع نواحي التحيزات المعرفية في حياتنا، وهو ملخص أولي لما تشير إليه ويكيبيديا بـ “٢٠ تحيزًا معرفيًا يفسد قراراتنا”
تحيز الأسبقية:
يعتمد الناس اعتمادًا كبيرًا على أول معلومة يتلقونها وتؤثر في أفكارهم، فعلى سبيل المثال: في المفاوضات على الرواتب الوظيفية، يكون لمقدم العرض الأول تأثيرًا كبيرًا على عقل الطرف الآخر مما يجعل الزيادة أو النقص خلال المفاوضة تدور في مجال ذلك العرض.
التوافر الإرشادي:
يبالغ بعضهم في تقدير الحالات والأحداث الفريدة، ويعممونها على جميع الأشياء والأشخاص، فمثلا: قد يزعم بعضهم أن التدخين ليس ضارًا بالصحة، وذلك لأنهم يعرفون شخصًا كان يدخن ثلاث علب سجائر في اليوم الواحد، وعاش حتى وصل المائة.
أثر العربة: (أثر الانجذاب)
تزداد احتمالية تبني شخص لمعتقد ما بناءً على عدد الأشخاص الذين يشاركونه هذا المعتقد، ويعد هذا شكل من أقوى أشكال التفكير الجماعي، وغالبًا هو السبب خلف قلة إنتاجية الاجتماعات.
انحياز النقطة العمياء:
يعد فشل الإنسان في معرفة تحيزه تحيزًا بحد ذاته، فيلاحظ العديد من الناس التحيز المعرفي والتحفيزي في الآخرين أكثر من معرفتهم بالتحيزات التي يعانون منها.
التحيز نحو إيجابيات القرار:
يميل بعضهم إلى الإيجابية حيال اختياراته بصرف النظر عن عيوبها، فعلى سبيل المثال: عند اقتناء شخص لحيوان أليف عن قناعة، يتغاضى عن عيوبه حتى لو كان يسبب بعض المشاكل للأصدقاء، والزوار بين الحين والآخر.
الانحياز نحو النمطية في الأحداث العشوائية:
يميل بعضهم لرؤية الأنماط المتكررة في الأحداث العشوائية والحكم من خلالها، مثلًا: يميل بعض لاعبي القمار إلى اختيار اللون الأحمر أو تجنبه؛ وذلك بناء على عدد المرات السابقة التي فاز بها هذا اللون.
الانحياز التأكيدي:
يميل الإنسان بطبيعة حاله إلى تصديق المعلومات التي تؤكد تصوراته المسبقة في الغالب -ولعل هذا أحد أسباب صعوبة الخوض في مناقشة عقلانية عن التغير المناخي على كوكب الأرض مع من لا يؤيد هذه الظاهرة.
انحياز المحافظة:
يحبذ الناس الأدلة السابقة عوضا عن الأدلة أو المعلومات التي ظهرت حديثا، فوجد الناس صعوبة بالغة فيما إذا كانت الأرض كورية؛ بسبب الاعتقاد الذي ساد بأنها مسطحة.
انحياز جمع المعلومات:
يميل بعض الناس إلى الوصول إلى أكبر قدر من المعرفة حتى وأن لم يكن لها تأثير فعلي، وليس بالضرورة أن كم المعلومات الزائد عن الحاجة نافع في كل الأحوال، ففي الغالب قلة المعلومات تزيد من دقة اتخاذ القرارات.
تأثير النعامة:
هو قرار صرف النظر عن المعلومات الخطيرة والسلبية عن طريق تجاهلها، كالنعامة عندما تدفن رأسها في الرمال إذا ما استشعرت الخطر، فعلى سبيل المثال: يلجأ بعض المستثمرين إلى استقصاء الأرصدة في أوقات الأرباح، ويتجاهلون استقصاءها في أوقات الخسائر.
الانحياز نحو النتائج:
هو تقييم القرار بناء على نتيجته-ليس بحسب طريقة اتخاذه في لحظته، فقد يتخذ بعضهم قرار يظنه كان صائبا، ويغفل عن مساعدة الحظ له، وأنه ليس ذكاء منه، فإذا وقف لصالحه الحظ مرة هذا لا يعني أنه على الدوام سيكون بجانبه.
الثقة العمياء:
يمكن أن تتسبب الثقة العمياء بالنفس والإيمان الزائد بالقدرة في جعلنا نخوض مخاطر كبيرة في حياتنا، ولعل الباحثين والعلماء هم أكثر عرضة لهذا التحيز، إن كانوا على ثقة مفرط بمهاراتهم
تأثير الدواء الوهمي:
عند الاعتقاد بوجود تأثير محدد لأمر ما يؤدي إلى التسبب بحصول ذلك التأثير، وهذا التأثير يستفاد منه في مجال الطب، حيث يعطى بعض المرضى حبوب غير حقيقية؛ لكن تأثيرها الجسدي والنفسي؛ مثل تأثير الحبوب الأصلية التي تصرف للمرضى الفعليين.
تحيز الابتكار:
يميل بعض المبتكرين والمخترعين إلى المبالغة في تقدير اختراعاتهم ويتجاهلون قصورها ومحدوديتها، ولعل المبتكرين في (“وادي السيلكون”-“Silicon Valley”) من أبرز الأمثلة على ذلك.
تحيز الحداثة:
غالبا ما يميل الإنسان إلى ترجيح أحدث المعلومات بشكل أكبر مقارنة بترجيح المعلومات الأقدم، فعلى سبيل المثال: كثيرا ما يعتقد بعض المستثمرين أن السوق ستبقى على ما هي عليه؛ فيتخذون مجازفات لا يحمد عقباها.
تحيز العلامات البارزة:
يميل الإنسان إلى التركيز على السمات البارزة في الأشخاص أو المفاهيم، فعلى سبيل المثال: عند رؤية شخص لأسد قد يتبادر إلى ذهنه الموت، بعكس عندما يفكر في الموت جراء حادث سير وهو الشائع استنادا على الإحصائيات.
انحياز الإدراك الانتقائي:
يأتي هذا التحيز عندما نسمح لتوقعاتنا بالتأثير على إدراكنا للعالم، ففي دراسة أجريت أثناء منافسات كرة القدم بين طلاب جامعتين أن كلًا من جماهير الفريقين ظنوا أن الفريق الآخر ارتكب مخالفات أكثر.
تحيز الأفكار والقوالب النمطية:
يكون هذا التحيز عند الحكم على شخص أو مجموعة من الأشخاص بصفات معينة دون الاحتكاك المباشر معهم، ولا شك أن هذا التحيز يساعد في التعرف الأولي على الغرباء ومعرفة الصديق من العدو، ولكن يميل الكثير من الناس إلى الاعتماد عليه ويطلقون أحكاما غير صحيحة تجاه غيرهم.
تحيز الديمومة:
وهو خطأ يقع فيه بعض الأشخاص نتيجة عن التركيز على النماذج والتجارب الناجحة، وصرف النظر عن الفاشل منها، فربما نعتقد أنه من السهل أن نصبح رواد أعمال بسبب التركيز على رواد الأعمال الناجحين، وترك المحاولات التي فشلت من أولئك الذين لم يحالفهم الحظ.
تحيز الأمان بالضمان:
اكتشف علماء الاجتماع أن الإنسان بطبيعة حاله يبحث عن اليقين -حتى لو كانت له نتائج عكسية، وذلك بالتخلص من جميع المخاطر والحرص على عدم وجود منفذ للضرر.
لكن كيف ترتبط هذه التحيزات المعرفية بالحياة الواقعية؟ فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك.
يشكل الانحياز التأكيدي عقبة هائلة في سياق القضايا الساخنة المشحونة سياسياً، ويكون أكثر وضوحًا عند مناقشة شخص غير مقتنع بالتغير المناخي على كوكب الأرض، وعلى غرار ذلك فإن المعتقدين بوجود القوة العظمى يميلون إلى النظر إلى العالم من خلال عدسة تؤكد هذا الاعتقاد (والعكس صحيح).
يرتبط انحياز المحافظة بالانحياز السابق، فهو يرتكز على أهمية المعلومات السابقة، ويساعد هذا في الإجابة عن سبب كون أصحاب بعض هذه القضايا الساخنة المشحونة سياسياً يجدون صعوبة في التأثير على قناعاتهم الراسخة.
انحياز جمع المعلومات من المشاكل التي تواجهني، وكما أظن أنها قد تواجه البعض في مجال علم البيانات، فهناك سبب يجعلنا نرغب في جمع البيانات وتحليلها، وذلك لأننا نحب جمعها وتحليلها، فعلى سبيل المثال: في حجز الفنادق قد يستغرق الأشخاص الذين يعانون من انحياز جمع المعلومات وقتا أطول من غيرهم؛ باعتبار أن كثرة الخيارات تؤدي إلى الحيرة عند اتخاذ القرارات، ولهذا فإن “كثرة المعلومات ليست دائمًا مفيدة.”
يبرز تحيز الابتكار في مجال “التكنولوجيا” الواسع للغاية، ويجعلني أفكر في الجرأة التي يمتلكها الكثيرون في أغلب الأحيان باعتقادهم أن أدوات تعلم الآلة، وأدوات الذكاء الاصطناعي الحالية من الممكن أن توجه إلى حل مشاكل مؤثرة في الوقت الحالي، بدلاً من أن تساعد في تكرار تصنيف صور القطط والكلاب، أو تحسين استهلاك طاقة تعدين العملات المشفرة، لذا علينا أن نكون واقعيين بشأن الفرص التي توفرها لنا التكنولوجيا لحل المشاكل الحقيقية، والنظر بجدية إلى محدوديتها.
يخوض الإعلام في الحديث عن “تحيز الحداثة” باستمرار وخصوصا إن تعلق الأمر بالرئيس الحالي للولايات المتحدة، فكثيرا ما تصور الشائعات الواردة من البيت الأبيض الرئيس ترامب على أنه الأكثر تأثرا بآخر معلومة يتلقاها فتؤثر في قراراته وآرائه، وقد يكون هذا مثالا متطرفا (وقد يكون ببساطة جزءا من الفولكلور)، ولكنه يمثل تمثيلا دقيقا لماهية هذا التحيز، وهو تحيز من الممكن أن يؤثر في أي منا في الوقت الراهن، فكروا في الأمر فحسب: مسألة أن تتأثر عقول بعض الناس تأثرا كبيرا بالمعلومة الجديدة لا شعوريًا، ويغفلون عن ربطها مع كمية المعلومات التي يمتلكونها بالفعل حول موضوع ما، وهذا ليس بالأمر العادي؛ إنما يدعو إلى القلق والانتباه.
يعد تحيز الأفكار النمطية من أعقد التحيزات، حيث أنه في نفس الوقت يشكل تحيزاً إدراكياً يصر الناس على ألا يكونوا جزءا فيه ، والتحيز الذي يدافع عنه الناس بقوة باعتباره مبرراً على أساس تجربتهم (مما يعود بنا إلى الانحياز التأكيدي)، وعلى سبيل المثال: عندما ينسب أو يعمم أحد الأشخاص شيء معين أو صفة معينة على جماعة من الناس من مختلف الأعراق والأنساب وذلك الحكم بناء على تصرف من شخص لا يربطه بتلك الجماعة سوى لون البشرة أو ما شابه، وهذا ليس مجانب للصواب فحسب بل مجرد التفكير في مثل هذه التعميمات التي يطلقها البعض أمر يدعو للتريث ومراجعة النفس.
يرتبط تحيز الثقة العمياء بتأثير دانينغ-كروجر، وهو التحيز المعرفي المفضل لدي من بين جميع التحيزات (بافتراض أنه من السهل إدراك الخطورة الناجمة عن هذا التحيز والابتعاد عنها)، وتأتي الثقة العمياء عندما يكون الإنسان على ثقة كبيرة بالقدرات التي يتمتع بها؛ مما يؤدي إلى خوض مخاطر تدفعها تلك القدرات (وربما تؤدي إلى نهايات مؤسفة)، فعلى سبيل المثال: يمكن للمرء ملاحظة نتائج الثقة العمياء بالقدرات عند مشاهدة متسلقي المنحدرات الخالية من الحبال.
يتلخص تأثير دانينغ-كروجر (غير الموضح في الرسم أعلاه) في فكرة أن أصحاب الإدراك المتدني يبالغون في تقدير أنفسهم وذلك بسبب قصورهم المعرفي. وهناك جانب آخر لهذا التأثير أيضًا، ولعل ويكيبيديا تبدع في وصفه:
“يعد تأثير دانينغ-كروجر من أحد التحيزات المعرفية، وفيه يكون لدى الأشخاص ذوي الإدراك المتدني وهمًا بالتفوق مما يجعلهم يخطئون في تقدير مقدرتهم العقلية، ويرون أنها أكبر مما هي عليه، ويأتي وهم التفوق من عدم مقدرة المرء ذو الإدراك المتدني على إدراك جوانب القصور في شخصيته، فبدون الوعي الذاتي بمدى إدراك العقل، لا يمكن للإنسان تقدير مدى كفاءته أو قصوره الفعلي تقديرا موضوعيًا، وفي الجانب الآخر من هذا التأثير، يفترض بعض أصحاب مستوى الإدراك العالي أن المهام التي يسهل عليهم القيام بها سهلة على غيرهم, وهذا تقدير خاطئ أيضًا.”
وبالطبع، يمكن أن يمنعنا انحياز النقطة العمياء من إدراك أيا من هذه التحيزات حتى لو كنا نواجه شيئا منها بشكل أو بآخر.
إن كان موضوع التحيزات المعرفية يثير اهتمامك، عليك بقراءة العرض السابق، وذلك استنادا إلى مقال رائع، كتبه “باستر بينسون-“Buster Benson”، فيه تلخيص وتصنيف لهذه التحيزات، وأيضا يقدم باستر أسبابًا تكشف دواعي استحواذ هذه التحيزات المتسلطة بعقولنا، وقد تجد الأسباب مثيرة للدهشة.
وسأترك الأمر لك أيها القارئ لتحديد مدى قابلية تطبيق التحيزات المعرفية على علوم البيانات والذكاء الاصطناعي والمجالات ذات الصلة.
اقرأ ايضًا: أشهر التشوهات المعرفية