- جون إم جروهول
- ترجمة: عهد العتيبي
- تحرير: محمود سيّد
ما هي التشوهات المعرفية؟ ولماذا يُعاني منها الكثير من الناس؟
التشوهات المعرفية/الإدراكية ببساطة: هي الطرق التي تُقنعنا بها عقولنا بشيء ليس صحيحًا؛ تُستخدم هذه الأفكار لتعزيز التفكير أو المشاعر السلبية عن طريق إخبار أنفسنا بأشياء تبدو منطقيةً ودقيقةً، ولكن في الحقيقة لا تؤدّي هذه الأفكار إلا إلى شعورنا بالسوء تجاه أنفسنا.
مثلًا، قد يقول الشخص لنفسه: “أنا دائمًا أفشل عندما أحاول أن أفعل شيئًا جديدًا، وبالتالي سأفشل في كل شيء أجربه”. هذا مثال على ما يسمى بالتفكير القطبي (أبيض أو أسود). حيث يرى الشخص الأشياء بطريقه حدّية، بمعنى إذا فشل في شيء واحد يجب أن يفشل في كل شيء، ويمكن أن يكون أيضًا مثالًا على التعميم المُفرِط لو أضاف المرء إلى تفكيره: “بالتأكيد؛ سأكون فاشلًا وخاسرًا دائمًا”. فالفشل في مهمة محددة يعني تعميمه على هويته الشخصية.
التشوهات الإدراكية هي جوهر الأساليب السلوكية والمعرفية وغيرها من الأساليب الأخرى التي يقدّمها المختصون لمساعدة الشخص على تعلم التغيير في العلاج النفسي.
وعن طريق تعلم تحديد هذا النوع من “التفكير الخاطئ” بشكل صحيح، يمكن للشخص التعامل مع التفكير السلبي ودحضه. وإن رفض الشخص التفكير السلبي مرارًا وتكرارًا، سيُقلِّله ببطئ وسيستبدل تلقائيًّا بتفكير أكثر عقلانيةً وتوازنًا.
التشوهات المعرفية الأكثر شيوعًا:
في عام 1976، كان عالم النفس آرون بيك أول من قدَّم نظرية التشوهات المعرفية. وفي الثمانينيات، كان ديفيد بيرنز مسؤولًا عن تسميتها بأسماء شائعة وإعطاء أمثلة عليها.
1- التصفية
في التصفية العقلية يأخذ الشخص التفاصيل السلبية ويُضخِّمها، بينما يُصفِّي جميع الجوانب الإيجابية من الموقف. مثلًا: يأخذ الشخص إحدى التفاصيل المُزعجة ويُشغل باله بها، حتى تصبح رؤيته للحقيقة مُظلمة أو مشوهة. حيث إنه يرى الجانب السلبي فقط، ويتجاهل أيّ شيء إيجابي.
2- التفكير القطبي (أسود أو أبيض)
في التفكير القطبي تكون الأشياء إما أبيض أو أسود، كل شيء أو لا شيء، إما أن نكون مثاليين أو نحن في فشل ذريع، لا يوجد حل وسط. يُصنِّف الشخص الأشياء والمواقف بطريقة “إما/ أو” من دون أيّ درجات رمادية أو تعقيدات. يرى الشخص مع التفكير الأسود أو الأبيض الأشياء على أنها نقيضَيْن فقط.
3- التعميم المُفرِط
في هذا النوع من التشوه الإدراكي، يتوصَّل الشخص إلى استنتاج عام بناءً على حادثة واحدة، فيتوقّع أن تحدث مرارًا وتكرارًا. أن يرى الشخص حدثًا واحدًا غير سارٍّ كجزء من سلسة هزائم لا تنتهي، مثلًا: إذا حصل طالب على درجة متدنية في اختبار واحد في فصل دراسي واحد، استنتج أنه طالب فاشل وعليه أن يترك المدرسة.
4- القفز إلى الاستنتاجات
الشخص الذي يقفز إلى الاستنتاجات يظن أنه يعرف ما الذي يشعر ويفكر به الآخرون، وما هي الدوافع خلف تصرفاتهم من غير إخبارهم له بذلك، وأيضًا ما يشعرون به تجاهه، وكأنه قادر على قراءة أفكارهم. يمكن أن يكون القفز إلى الاستنتاجات نوعًا مّا تكهّنًا؛ حيث يعتقد الشخص أن مستقبله بالكامل مُقدَّر (سواء كان في المدرسة أو العمل أو في العلاقات الرومانسية). قد يستنتج الشخص أن أحدًا مّا يضمر ضغينةً ضده، ولكنه في الحقيقة لا يكلّف نفسه عناءً لمعرفة ما إذا كان ذلك صحيحًا. وأيضًا عندما يتوقع الشخص أن علاقته القادمة ستكون سيئةً، ويقتنع أن توقعه هذا هو بالفعل حقيقة ثابتة؛ لذا لا يُشغل نفسه بالمُواعدة.
5- التهويل
يتوقع الشخص وقوع كارثة مهما كانت الظروف. وهذا ما يُشار إليه بالتهويل أو ما يُعاكسه وهو التهوين. في هذا التشوه يسمع الشخص عن مشكلة مّا، ويبدأ بالتساؤل: ماذا لو؟ مثلًا: (“ماذا لو حدثت مأساة؟، ماذا لو وقع لي كذا؟”) ليتخيل أسوأ ما يحدث. على سبيل المثال، قد يُبالغ الشخص في أهمية أحداث تافهة، مثلًا: (أخطاء أو إنجازات شخص آخر). أو قد يقلّل بشكل غير لائق من حجم الأحداث المهمة حتى تبدو صغيرةً، مثلًا: (تقليله من صفاته الحسنة، أو من عيوب شخص آخر).
6- الشخصنة
الشخصنة هي: عندما يؤمن الشخص أن أيّ شيء يقوله أو يفعله الآخرون، هو رد فعل شخصي مباشر تجاهه. هو يأخذ تقريبًا أيّ شيء على محمل شخصي، حتى عندما لا يكون بهذا المعنى. مع هذا النوع من التفكير سيُقارن الشخص نفسه بالآخرين، محاولًا تحديد من أذكى أو من أجمل الخ. وأيضًا قد يرى الشخص نفسه كسبب لبعض الأحداث الخارجية الخاطئة، وهو غير مسؤول عنها، مثلًا: “لقد تأخرنا على حفل العشاء وتسبّبنا بإحراج الجميع، لم يكن ليحدث هذا لو أني فقط دفعت زوجي للمغادرة في الوقت المناسب”.
7- مغالطتا التحكم
هذا النوع من التشوه الإدراكي له معتقدان مختلفان، ولكن بينهما صلة حول السيطرة الكاملة على كل موقف في حياة الشخص. أولًا: إذا شعرنا بأنه يُتحكَّم بنا من الخارج، سننظر لأنفسنا على أننا ضحايا القدر ولا حيلة لنا، مثلًا: “لا دخل لي إذا كانت جودة المنتج رديئةً، فقد طلب الرئيس مني أن أعمل وقتًا إضافيًّا لإكماله”. ثانيًا: مغالطة التحكم الداخلي، حيث نفترض أننا مسؤولون بالكامل عن سعادة وآلام كل الناس حولنا، مثلًا: “لماذا لستَ سعيدًا؟ هل هذا بسبب شيء فعلتُه أنا؟”.
8- مغالطة العدالة
يشعر الشخص في مغالطة العدالة بالامتعاض؛ لأنه يعتقد أنه وحده يعرف ما هو عادل، ولكن الآخرين لا يوافقونه الرأي. كما كان يُخبرنا آباؤنا عندما كنا صغارًا عندما لا يسير شيء مّا كما خطّطنا له: “الحياة ليست عادلةً دائمًا”. سيشعر الأشخاص الذين يقيسون العدالة بأيّ موقف يحدث لهم بالامتعاض والغضب واليأس بسبب ذلك. ولأن الحياة ليست عادلةً؛ فالأشياء لن تكون دائمًا لصالحك، حتى لو اعتقدت وجوب ذلك.
9- اللوم
يلوم الشخص الآخرين على ألمه العاطفي وكأنه من مسؤوليتهم. وأيضًا قد يسلك الطريق المعاكس بلومه نفسَه على كل مشكلة، حتى لو كانت بوضوح خارج نطاق قوته. مثلًا، قوله: “توقَّفْ عن جعلي أشعر بالسوء تجاه نفسي” لا يمكن لأحد أن يجعلنا نشعر بأيّ طريقة معينة، نحن فقط المسؤولون عن مشاعرنا وعن ردود أفعالنا العاطفية.
10- الإلزاميات
تظهر التعبيرات الإلزامية كقائمة من القواعد الصارمة، حول كيف يجب أن يتصرّف كل شخص. يغضب الأشخاص الملتزمون بالإلزاميات من الذين يكسرون القواعد، وأيضًا يشعرون بالذنب عندما يخترقونها هم. ربما يظنّ الشخص أنه يحفِّز نفسه بقوله: “يجب عليّ فعل هذا، ويجب عليّ تجنب ذاك”، كما لو أنه يُعاقب نفسه قبل أن يفعل أيّ شيء؛ مثلًا: “يجب عليّ أن أتمرّن، عليّ أن لا أكون كسولاً”. إن تعبيرات مثل: “يجب عليّ” تؤدّي إلى الإحساس بالذنب، وعندما يوجّه الشخص تعبيرات إلزاميةً إلى الآخرين سيشعرون غالبًا بالغضب والإحباط أو الاستياء.
11- الاستنتاج المبني على العاطفة
يتلخّص الاستنتاج المبني على العاطفة في هذه العبارة “إذا شعرتُ بهذه الطريقة، فإنه حقيقي”، أيّ شيء يشعر به الشخص فإنه يؤمن تلقائيًّا بأنه حقيقي. إذا أحسّ الفرد أنه غبي ومُمِلّ؛ إذًا يجب عليه أن يكون غبيًّا ومُمِلًّا. العواطف قوية جدًّا لدى الإنسان؛ بحيث يمكنها أن تُلغي أفكارنا واستنتاجاتنا المنطقية. يحدث الاستنتاج العاطفي عندما تستحوذ عواطفنا على تفكيرنا بالكامل، وبذلك تكون خاليةً من العقلانية والمنطق. يفترض الشخص أن مشاعره غير الصحيحة تعكس الوضع من حوله، مثلًا بقوله: “أنا أشعر بشيء مّا؛ إذًا لا بد أن يكون هذا صحيحًا”.
12- مغالطة التغيير
يتوقع الشخص في مغالطة التغيير أنه إذا ضغط أو تملّق إلى الآخرين، فإنهم سيغيّرون من أنفسهم حتى يتلاءموا مع أفكاره. حيث يسعى الشخص إلى تغيير الناس؛ لأن آماله وسعادته تعتمد عليهم كليًّا. عادةً يتواجد هذا التفكير في العلاقات، مثلًا: عندما تحاول الفتاة مع صديقها أن يطوّر من مظهره وتصرفاته، باعتقادها أنه مثالي ولكن ستكون أكثر سعادةً لو تغيّرت هذه الأشياء الثانوية القليلة.
13- التصنيف الكلي
في التصنيف الكلي وأيضًا ما يسمّى (الخطأ في التصنيف)، يعمِّم الفرد صفةً أو صفتَيْن إلى حكم سلبي عام. وهو أشدّ من التعميم المُفرِط. فبدلًا من أن يصف خطأً مّا في موقف معين، سيُلقي تصنيفًا خاطئًا على الوضع بالكامل. فمثلًا يقول: “أنا فاشل بالأصل” عندما يفشل في مهمة محددة، أو إذا تسبّب تصرف شخص مّا بالأذى لأحدهم فإنهم سيحكمون عليه سلبًا بعبارات، مثل: “هو حقًّا غبي” من دون أن يبذلوا جهدًا لفهم السبب. إساءة التصنيف تكون بوصف حدث مّا بلغة محمّلة بالمشاعر بشكل مبالغ فيه. مثلًا بدلًا من قوله أن سيدةً مّا ترسل أولادها إلى الحضانة كل يوم، فإنه سيقول: “إنها تخلّت عن أولادها للغرباء”.
14- دائمًا على صواب
يحاول الشخص باستمرار إثبات أنه على حق وأن آراءه وتصرفاته هي الصحيحة. وسيفعل ما بوسعه حتى يوضح أنه “دائمًا مُحِقّ” وأنه لا يمكن أن يكون على خطأ. مثلًا: “أنا لا أهتمّ بالشعور السيء الذي يتسبّب به جدالي معك، وسأفوز بهذا الجدال مهما حدث لأني على حق”، وكونه على حق أكثر أهميةً من مشاعر الآخرين حتى أحبّائه.
15 – مغالطة مكافأة التضحية
التشوه الإدراكي الأخير هو الاعتقاد الخاطئ أن تضحيات الشخص ونكران الذات، ستؤتي ثمارها هُنا والآن. وكأن أحدًا مّا يقوم بعَدِّها له؛ لأنه من العدل أن الاشخاص الذين يعملون بجد سيحصلون على أكبر مكافأة؛ لذا الشخص المُضحّي والذي يعمل بجد سيشعر عادةً بالمرارة، إذا لم يحصل على المكافأة التي يستحقها.