- صوفيا إبستن
- ترجمة: ريما فواز
- تحرير: محمد الفضيلي
بعد سنتين من العمل عن بعد، فإن قضاء يوم في المكتب قد يكون صادمًا ماليًا، كما أن ارتفاع التكاليف يزيد الأمر سوءًا.
قال الرئيس بايدن في أوائل هذا العام: “لقد حان الوقت للأمريكيين للعودة للعمل، وملء مراكز مدننا الرائعة مجددا”، وهو ليس الزعيم السياسي الوحيد الذي يدعو العمال للعودة لمكاتب العمل. فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في أواخر العام الماضي: ” إن الطبيعة الفطرية لا تفضل العمل في المنزل”، كما توقع العودة الكاملة لمستويات التنقل كما كانت قبل الوباء.
ليس من المفاجئ أن الزعماء السياسيين يريدوننا أن نعود لمكاتبنا، فبدون التنقل اليومي وتناول طعام المكتب تخسر ماليًا الشركات من جميع الأنواع والأحجام. يوم واحد من التنقل يساوي 82 مليون جنيه استرليني للشركات في المملكة المتحدة، أما في الولايات المتحدة يصرف العمال ما قبل الجائحة ما بين 2000 و5000 دولار كل سنة على وسائل النقل للذهاب للعمل فقط.
لكن هنالك مشكلة، الموظفون الذين لم يكن عليهم وضع ميزانية لتذاكر القطارات أو القهوة الجاهزة والملابس الجديدة للعمل في السنتين الماضية هم الآن مدركون بشدة لكلفة قضاء يوم في المكتب. والأسوأ أن هذه التكاليف في ارتفاع، أسعار البنزين أعلى من أي وقت مضى، وارتفعت تكاليف وسائل النقل، والطعام والأساسيات الأخرى تسير في مسار تصاعدي. هذا يعني أن قضاء يوم في المكتب سيكلف الكثير من المال.
تقدم بعض الشركات حوافز مالية وغيرها لإغراء الركّاب المُستائين من العودة. ولكن نظرًا لمدى إدراك الموظفين الآن لتكاليف يوم العمل بالضبط، فمن غير المرجح أن يعود الناس طواعيةً إلى تقبل نفقات يوم العمل كما كان الحال من قبل.
كلاير، رئيسة شركة مناسباتٍ في لندن، هي الآن بالتأكيد أكثر وعيًا للمبلغ الذي تنفقه خلال أيامها في المكتب.
عندما كانت تعمل في المنزل خلال الجائحة، وضعت المال الذي كانت في الغالب تنفقه على المواصلات والغداء الجاهز وملابس العمل ومشروبات بعد العمل في حساب الادخار. ذكرت: “أعتقد أنني ادخرت مبلغًا كبيرًا تقريبًا 6000 جنيه استرليني خلال ستة أشهر، ولكن عندما أعاد رؤساء العمل أيام العمل المكتبي أصبح التغيّر المفاجئ في نفقاتها صدمة.
ولجعل الأمر أسوأ رسوم القطار للذهاب للعمل ارتفعت من 35 جنيه استرليني قبل الجائحة الى 50 جنيه تقريبًا استرليني. وقالت: “إن وجود رهن عقاري، وارتفاع فواتير الكهرباء والماء، وضريبة البلدية، وضريبة الدخل، ورسوم القطار التي ترتفع، يجعل الأمر مستحيلًا”. رئيسة كلاير زادت الرواتب لتتوافق مع سعر السوق، ولكنه غير كافٍ حسبما قالته كلاير.
شهدت اوموس، وهي محاضرة في جامعة لندن، صدمة أسعار مماثلة بعد الوباء، فتنقلهم يكلف (مسافة قصيرة نسبيًا تحت الأرض) 6.40جنيهًا إسترلينيًا خلال ساعة الذروة. تقول أوموس “عندما عدت لأول مرة إلى المكتب، صدمت، إنه حقًّا باهظ الثمن. يقول: “الناس دائمًا يقولون يمكنك الذهاب بالدراجة، لكن ليس الجميع قادرين على ركوب الدراجات سبعة أميال كل يوم”.
خلال فترة العمل، تجد أوموس أن النفقات تتراكم. وتقول: “عادة ما أتناول الإفطار والغداء في العمل، الخيار الأرخص هو مطعم بريت، قهوة واحدة، وجبة إفطار وغداء واحدة صغيرة فينتهي المطاف بمبلغ 13 جنيهًا استرلينيًا، ثم أحصل على وجبة خفيفة من تيسكو غير الرخيصة أيضًا”.” لقد كانوا يصرفون بحذر وموازنة، ولكن لا يزال الأمر ينتهي بإنفاق ما بين 22 و27 جنيهًا إسترلينيًا على الطعام، والنقل كل يوم في المكتب، هذا أكثر من ربع ما أجنيه يوميًا فقط لأتمكن من الذهاب إلى المكتب”.
عندما تعمل أوموس في المنزل، يعدون طعامهم الخاص (فالأمر أسهل مع المزيد من الوقت ووجود مطبخ متكامل. يقول الناس أنه يمكنك إحضار الغداء الخاص بك [إلى المكتب]، ولكن لدي طفل في المنزل. أنا بالكاد أتمكن من إيجاد الوقت فلا أستطيع طبخ الغداء أيضًا. تقول أوموس: “أشعر أنني يجب أن أكون قادرة على تحمل تكلفة مبلغ شطيرة بريت كمحاضرة في جامعة لندن، لكنها حقًا تتجاوز حدود ميزانيتي إذا قمت بذلك أكثر من مرتين في الأسبوع.”
التكاليف الباهظة
اوموس ليست الوحيدة التي تكافح لتغطية تكاليف الأمور المتعلقة بالعمل الحضوري. جيمس سميث، رئيس الأبحاث في مؤسسة لندن لحلول مراكز الفكر يقل: “الدخل بجميع أشكاله وخصوصًا الأجور لا يتماشى مع التضخم”.
وطبقًا لمكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة، بالتناسب مع ارتفاع الأجور فعليًّا على مدى العام الضريبي الماضي وارتفاع التكاليف، فقد شهد العمال في واقع الأمر انخفاضاً بنسبة 1% في الأجور. ففي الولايات المتحدة تفيد وزارة العمل أن أجور العمال قد ارتفعت بنسبة 4 ٪ في العام الماضي، وهو ما يقل بكثير عن الزيادة في الأسعار التي بنسبة 7 ٪. وفي جنوب إفريقيا لم تتغير أجور العمال في عام 2020 وارتفعت بنسبة 1.5 ٪ في عام 2021 مجددا أقل بكثير من التضخم المقدر بنسبة 4.5 ٪.
ومع تباطؤ ارتفاع الأجور، ترتفع تكاليف النقل. ففي لندن حيث تهيمن وسائل النقل العام، شهدت أسعار الحافلات ومترو أنفاق لندن أكبر ارتفاع خلال العقد، وذلك لأجل المساعدة في تعويض خسائر الوباء. وترتفع تكاليف السكك الحديدية في جميع أنحاء المملكة المتحدة أيضًا. وفي الولايات المتحدة حيث تتنقل الغالبية العظمى (أكثر من 80%) بالسيارة، تعمل أسعار الغاز المرتفعة على منع الناس من القيادة. فقبل عام واحد كان البنزين في الولايات المتحدة يكلف 2.87 دولار للجالون، والآن لقد ارتفع المتوسط بنسبة 50% إلى 4.10 دولار، مما جعل العديد من الركاب يعانون.
لقد وصل الأمر إلى النقطة التي إذا تم إجباري على العودة إلى المكتب بدوام كامل، فأنا فعليا لا أستطيع تحمل تكلفة الذهاب إلى هناك” تريسي بنسون
شهدت جنوب أفريقيا زيادات مماثلة. تقول تريسي بنسون، مديرة مكتب في جوهانسبر: “كانت الأجور راكدة منذ بداية عام 2020 بينما سعر البنزين يستمر بالارتفاع”. تتناوب بنسون حاليًا على أيام العمل عن بُعد وأيام العمل الحضوري، ولكن الآن خففت جنوب إفريقيا من قوانينها المتعلقة بالوباء وبدأت تدفع للعودة إلى المكتب.
تقول بنسون: “لقد وصل الأمر إلى نقطة حيث إذا أُجبرت على العودة إلى المكتب بدوام كامل، فلن يمكنني فعليًّا تحمل الكلفة للذهاب إلى هناك سيكلفني البنزين الكثير”.
الإعانات للبعض
وتعني هذه التكاليف المرتفعة أن العمال القادرين على أداء وظائفهم من منازلهم يترددون في التوجه إلى المكتب ما لم يكونوا في حاجة ماسّة إلى ذلك. في حالة بنسون إنها فقط تأمل أن يسمح رئيس عملها بالعمل في المنزل. تقول بنسون: “أنا قلقة من أن المكتب سيضغط من أجل العودة الكاملة. بالنسبة لي وبكل صدق سيعني ذلك لي العثور على وظيفة مختلفة.”
تدرك بعض الشركات مخاوف العمال وتقدم حلولًا عمليةً تهدف إلى تخفيف التكاليف المتعلقة بأيام العمل. تقدم شركة بلومبرغ الإعلامية لموظفيها في الولايات المتحدة راتبًا يوميًا قدره 75 دولارًا، يمكنهم إنفاقه كيفما شاءوا. وفي المملكة المتحدة تمنح شركة برايس ووترهاوس كوبرز الاستشارية الركاب مبلغًا إضافيًا بقيمة 1000 جنيه إسترليني للمجيء إلى المكتب، بينما يقدم بنك جولدمان ساكس إفطارًا وغداءً مجانيًا لبعض العمال. لكن هذه الامتيازات والمكافآت بالتأكيد غير موجودة في جميع الشركات، مما يعني أنه لا يُطلب من الناس التخلي عن العمل عن بُعد فحسب، بل إنفاق المزيد للقيام بذلك.
قبل الوباء تقبل الناس هذه التكاليف بشكل عام دون تردد. لكنهم الآن رأوا البديل، فليس الأمر بسيطًا مثل العودة إلى الوضع الطبيعي، خاصة إذا كان الآخرون يحصلون على صفقات أفضل.
يرى جان نيكولاس ريت، الأستاذ المساعد للسلوك التنظيمي في McGill إنها مسألة إنصاف، ويوضح أننا نحدد الإنصاف ليس فقط بناءً على ما يتلقاه زملاؤنا، ولكن أيضًا على ما يحصل عليه الأشخاص الآخرون الذين يقومون بوظائف مختلفة في منظمات مختلفة، لذلك إذا كانت إحدى الشركات تدعم تنقلات موظفيها فمن المرجح أن يرغب العمال في مكان آخر في الحصول على نفس الميزة.
ويضيف ريت: “لا يبقى الناس في وضع غير عادل؛ فهم يعملون بشكل أقل، أو عادة ما يستقيلون “. إذا بدأت بعض الشركات في منح الناس المال للتنقل، فسيصبح هذا هو المعيار، وسيُعيد السوق التكيف. تشجع ريت أصحاب العمل على اختيار معاركهم، وتقول: ” يتحدث المديرون التنفيذيون معي كما لو كان الهدف هو تقليل جميع التكاليف، ولكن من المرجح أن يكون لسياسة العودة إلى المكتب المفروضة، دون أي مزايا، عواقب غير مقصودة على الاحتفاظ بالعمال”. لا يستحق الأمر تقليل الجودة، والتكاليف الإجمالية أكبر بكثير من هذه الامتيازات”.
ومع ذلك، حتى عندما يناقش بعض العمال مع أصحاب العمل عدد المرات التي سيعودون فيها إلى المكتب ومن سيدفع، يشير سميث من مؤسسة التسوية إلى أن أولئك الذين لديهم خيار العمل من المنزل لا يزالون من أكثر المحظوظين. بعد كل شيء، كان العاملون في مجال المعرفة وذوو الدخل المرتفع أكثر عرضة للعمل عن بُعد خلال الوباء من العمال ذوي الدخل المنخفض، الذين لم يكن لديهم خيار سوى حضور مكان عملهم كل يوم وتقبل التكاليف المتزايدة ذات الصلة.
كما تقول أو موس: “أنا أحد المحظوظين؛ لذلك لا أعرف كيف يتمكن الآخرون من التصرف”.
كلير وأوموس يستخدمان أسماءهما الوسطى بدافع من المخاوف المتعلقة بالأمان الوظيفي.