الفلسفة

ريس وفيتجنشتاين ومدرسة سوانزي

  • ماريو فون دير رور
  • ترجمة: مصطفى هندي
  •  تحرير: سنا الشمّاط

مقدمة المترجم

ماذا تمثّل الفلسفة في الواقع المعيش للأفراد؟

منذ عهد أفلاطون؛ كان الأصل أنّ الفلسفة تقّدم جانبًا عمليًّا يتمثّل في مبحث الأخلاق، وكان الفلاسفة يطلّون على الحياة الواقعية من خلال “المدينة الفاضلة” التي تتابعوا على التنظير لها. لكنّ حقيقة الأمر أنّ الفلسفة ظلّت إلى وقت قريب تحلّق في سماء “ما يجب أن يكون ” دون أن تهبط إلى أرض “ما هو كائن”.

إلى أن كتب مكيافيللي “الأمير”، وأعاد بذلك توجيه دفّة الفلسفة السياسية (التي كانت جزءًا أصيلًا من مبحث الأخلاق) إلى “ما هو كائن”، ولكن ظلّت عامّة الطرق التي يناقش بها الفلاسفة مشكلاتهم بعيدةً عن فاهمة رجل الشارع، وإن كانت المشكلات التي تناقشها الفلسفة بالتأكيد هي من صلب مشكلاته.

يمكننا أن نقول إنّ فيتجنشتاين هو “مكيافيللي القرن العشرين” الذي أتمّ مهمة إنزال الجدل الفلسفي من برجه العاجي إلى الواقع المعيش، ولئن كانت مهمة مكيافيللي مقتصرة على جانب الفلسفة السياسية؛ ففيتجنشتاين وجّه سهام نقده إلى أعمق البنى الفلسفية: اللغة الفلسفية.

في هذا المقال الذي يؤرخ لبزوغ مدرسة سوانزي، وتأثير فيتجنشتاين عليها، يوضّح المؤلف كيف أنّ الجماعة الفلسفية لم تحتفي بفيتجنشتاين فقط لأنه خرق سياج اللغة الفلسفية؛ فلم يخترع مصطلحًا فلسفيًّا خاصًّا، وإنما أراد للغة المعيش اليومي أن تكون هي عملة الفيلسوف؛ فكأنّه بذلك جرح كبرياء الفلاسفة الذين اعتادوا على المطارحات الغامضة، والإلغاز اللغويّ.

وجد فتجنشتاين أنّ “نمط الكتابة الفلسفية المُعتَمد” لا يمكنه إلا تشويه الظواهر قيد البحث، وبالتالي نظر إليه كشيء يجب التغّلب عليه، لكن ليس باصطناعِ نمطٍ مماثل، أو بمساعدة رمزية مجرَّدة أو مفردات ابتُكرت خصّيصًا للتحقيق الفلسفي؛ بل من خلال الإبقاء على لغة الخطاب اليومي لغةً للبحث الفلسفي.

من ناحية أخرى؛ يسلّط المقال الضوء على علاقة ممارسة الفلسفة بحياة الفيلسوف، وهنا أستحضرُ مقولة الدكتور درّاز الخالدة: “الدين عملي حتى في جانبه النظري، والفلسفة نظرية حتى في جانبها العملي” (النبأ العظيم، ص35)؛ فالانفصام بين واقع حياة الفيلسوف وبين القيم التي يتحدث عنها في كتبه؛ هو في جزء منه انعكاسٌ لسمة متأصّلة في البحث الفلسفي.

(المترجم)

 

في كتابه التحليل الفلسفي الذي يؤرّخ لتطوّر الفلسفة التحليلية بين الحربين العالميتين، قدّم أورمسون ملاحظة صائبة يقول فيها: “إنّ تقسيم الفلاسفة إلى مدارس هو دائمًا أمر اصطلاحيّ إلى حدٍّ ما، لأنّ كلّ فيلسوف يستحق الاسم الذي يصف ما يعتقده. سواء كان متّفقًا مع أفكار أقرانه أم لا”[1]. فيما يتعلق بالوضعية المنطقية؛ يعترف أرمسون أنّ مصطلح “الحركة” ربما “م يكن مضلّلًا تمامًا”، لأنّ المدافعين عنها تشاركوا مجموعة من المبادئ الأساسية حول طبيعة الفلسفة، والشروط التي يجب توافرها في الكلام لكي يكون له معنى، وأنّ الميتافيزيقيا بلا معنى، وما إلى ذلك. من ناحية أخرى؛ فإنّ الفلاسفة التحليليين في عصرهم “يحاولون جاهدين تجنّب التصريحات الفلسفية العامّة التي يمكن اعتبارها مبادئ أساسية”، وآراؤهم وأساليبهم تكشف في أحسن الأحوال عن نوع معين من “التشابه العائلي”[2]. وتنطبق ملاحظات أورمسون أيضًا على مجموعة الفلاسفة المعروفة باسم “مدرسة سوانزي”. فعلى عكس “حلقة فيينا” أو “مدرسة ماربورغ” أو “مدرسة فرانكفورت” التي ركّزت تحقيقاتها بشكل كبير على المنهج العلمي والماركسية النقدية؛ فإنّ الأنشطة الفلسفية لمدرسة سوانزي لم تكن تدور حول فرع معين من الفلسفة، ولم تكن ترمي إلى تقديم عقيدة مشتركة أو “حلول” مجمع عليها لقضايا أو ألغاز فلسفية معينة. على العكس من ذلك -وكما أكد كوكبيرن وهيرتسبرج وإيدلمان في مناقشاتهم حول ريس ووينش وفيليبس- فإنّ النظر إلى الفلسفة على أنّها نمط من التحليل لا يهدف في المقام الأول إلى حلّ المشكلات الفكرية غير الشخصية= كانت نظرة معادية تمامًا للمشروع الفلسفي لمدرسة سوانزي مثلها مثل الرغبة في إنتاج فهرس للحقائق الأساسية حول العلاقة بين اللغة والفكر والعالم، أو الترويج لبرنامج (Weltanschauung) أو برنامج اجتماعيّ سياسيّ معيّن.

إذا كان الحديث عن “مدرسة” يبدو مناسبًا مع ذلك، فذلك لأن أعضاءها كتبوا ودرسوا دائمًا بروح عمل فيتجنشتاين، متجنّبين المصطلحات والغموض، وفضح المزالق اللغوية الكامنة و(ميتافيزيقا) التفسيرات الزائفة، واستثمار مساعيها في اهتمامات فكريّة ووجوديّة. إنّ “الاشتغال بالفلسفة” -كما أصرّ فتجنشتاين دائمًا- “هو في الحقيقة اشتغال أكثر على الذات، وعلى منظور المرء، وكيف يرى الأشياء. (وما يتوقعه المرء من العالم)”[3]، حيث تتأثر هذه الرؤية بدورها بنماذج البحث السائدة في الوسط الفلسفي. هذه النماذج -كما يلاحظ فتجنشتاين في الكتاب الأزرق- يمكن أن تكون مشّوهة بشكل خطير:

إنّ شغفنا بالتعميم له مصدر رئيسيّ آخر: انشغالنا بمنهج العلم. أعني طريقة رد/اختزال تفسير الظواهر الطبيعية إلى أقلّ عدد ممكن من القوانين الطبيعية البسيطة…يضع الفلاسفة باستمرار منهج العلم أمام أعينهم، ويلاحقهم هاجس لا يقاوم لطرح الأسئلة والإجابة عليها بطريقة العلم. هذا الهاجس أو الميل هو المصدر الحقيقي للميتافيزيقا، وهو ما يقود الفيلسوف إلى الظلام الدامس. أريد أن أقول هنا إنّه لا يمكن أن تكون مهمتنا رد/اختزال أي شيء إلى أي شيء، أو تفسير أي شيء. إن الفلسفة في الحقيقة “وصفية بحتة”… وبدلاً من “التوق إلى التعميم”، كان بإمكاني أن أقول أيضًا “ازدراء قضية معينة”[4].

أعتقد أنّه سيكون من الإنصاف أن نقول إنّ ملاحظة فتجنشتاين حول المكانة المحفوفة بالمخاطر للمنهجية العلمية والطرق الدقيقة التي قد تعززت من خلالها “الرغبة الطبيعية في التعميم”، ومتطلباته بأن يلتزم المرء بالجزئيات -سواء في تحليل العلاقة بين اللغة والعالم، أو التأملات حول القضايا المعرفية، أو تفسير الظواهر الأخلاقية أو الجمالية، أو الشروحات النحوية للمفاهيم الدينية الرئيسية- هي نفس الأفكار التي تبنّاها جميع أعضاء مدرسة سوانزي[5]. في الواقع؛ فإنّ الحاجة إلى الانتباه إلى “الحالة الخاصة/الجزئيات” -وهي مهمّة جدًا لنظرية فتجنشتاين التفسيرية- تشرح أيضًا اهتمام المدرسة بالأدب كطريقة مميزة للفهم ولتصحيح الارتباك الفلسفي، لا سيما في مجال الظواهر الأخلاقية. يمكننا أن نستحضر هنا -على سبيل المثال- في مناقشة بيتر وينش الرائعة لبيلي باد وهيرمان ميلفيل (في الأخلاق والعمل، 1972)، وتأملات روي هولاند حول جوزيف كونراد (في مناهضة التجريبية، 1980)، واهتمام إلهام ديلمان بدوستويفسكي، (إعادة ميلاد راسكولينكوف، 2000)، وعمل مونس عن تولستوي (تولستوي في الجماليات، 2001)، أو استكشاف فيليبس الفلسفي للخيال المعاصر (From Fantasy to Faith ، 2006). إنّ الفكرة القائلة بأنّه بقدْر ما يكون الأدب قادرًا على التقاط والحفاظ على التفرّد غير القابل للاختزال؛ فإّنه يمكن أيضًا أن يكون رفيقا مفيدًا للتحليل الفلسفي، ليس فقط كأداة توضيحية، ولكن كمصدر منفصل للأفكار، وهذا بالطبع متطابق مع أفكار فيتجنشتاين حول الفنون. ففي كتابه “الثقافة والقيمة” -على سبيل المثال- قال:

“يعتقد الناس في الوقت الحاضر أن العلماء موجودون لتعليمهم، وأما الشعراء، والموسيقيون، وما إلى ذلك، فمهمتهم الوحيدة الترفيه عنهم. وعلى الرغم من أنّ هؤلاء لديهم ما يعلمونه للناس، إلا أن هذا لا يحدث أبدًا”[6].

إذا نظرنا إلى اهتمام فيتجنشتاين -وعلى الأخصّ في رسالة منطقية فلسفية- بطبيعة الظواهر الأخلاقية والجمالية والدينية، ورفضه للأحاديث الخالية من المعنى حول الأحكام القيمية بشكل عام؛ من السهل معرفة سبب حرص مدرسة سوانزي على استكشاف هذه القضايا بشكل أكبر، وتأكيدها على ملاحظات فيتجنشتاين حول الصفات التنويرية للفن. وعلى الرغم من خلفياتهم المتنوعة واهتماماتهم البحثية المختلفة، ومفهوم البحث الفلسفيّ الذي كان غير قابل للاختزال إلى صيغة أو عقيدة بسيطة؛ اتّفقت مدرسة سوانزي بوضوح مع فيتجنشتاين حول أنواع القضايا المهمّة في الفلسفة، وكيف يتعّين على المرء أن يتعامل معها ومعالجتها -وقبل كل شيء- نرى لديهم هذه القرابة الفلسفية التي تجعلنا نقول عليها “مدرسة سوانزي”. وبطبيعة الحال، فإنّ أعضاءها إذا كانوا سعداء بالتسمية بأنفسهم أم لا؛ يتذكر فيليبس تدريبه الفلسفي في الأيام الأولى لقسم الفلسفة في سوانزي:

“لم يطلق فلاسفة سوانزي تسمية “مدرسة سوانزي الفلسفية” أو “سوانزي فيتجنشتاين”؛ إنها تسميات يطلقها الآخرون، المؤيدون، والمعارضون، وحتى الغاضبون والمعادون، ولا شكّ أنّ من هؤلاء الفلاسفة المتأثرون بفيتجنشتاين.” [7]

يمضي فيليبس ليقول إنّه “في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بعد أن جاء وينش وهولاند إلى سوانزي من أكسفورد، لم يكن بإمكان المرء بالتأكيد التحّدث عن “مدرسة” من أي نوع، لكن هذا تغيّر بحلول منتصف الستينيات: ففي الوقت الذي غادر فيه أساتذتي، ظهر وصف “مدرسة سوانزي”، وأُطِلق على المجموعة التي تضمّ إلهام ديلمان، ومونس(Mounce)، وبيردسمور (Beardsmore)، الذين درسوا في سوانزي لسنوات عديدة، كان آخرها حتى عام 2001”.[8] يشير فيليبس أيضًا إلى أنّ -على عكس ما كان متوقعًا- لم يتعرض الفلاسفة لفيتجنشتاين من خلال مناقشة صريحة لعمله، بل “من خلال الطريقة التي نظروا بها إلى مجموعة كاملة من الموضوعات التي تتمّ مناقشتها”[9]. تلقّى فيليبس الكثير من تدريبه الفلسفي التكويني في كامبريدج وأصبح متأثّرًا بحضور فيتجنشتاين هناك. كما يلاحظ كريسي سيديروبولو -عندما سُئِل في عام 2001 عن الدور الذي لعبه فيتجنشتاين في أعماله- أوضح:

“أنا لست تلميًذا له؛ فإنّني لم أعاصره. لكن بعد أن وجدت قدمي الفلسفية في بيئة لم تكن ممكنة إلا بفضله، وبفضل أولئك الذين نشروا كتاباته، كنت على اتصال مباشر بأفكاره من خلال هذه المنشورات. أنا مدين له بالكثير؛ فما كان لي أن أصل إلى حيث أنا اليوم بدونه.” [10]

كانت لقاءات فيليبس وديلمان مع فيتجنشتاين نموذجًا للطريقة التي انتقل بها إرث فيتجنشتاين إلى الأجيال اللاحقة من الطلاب، على الأقل خارج سوانزي، حيث استمرت المحاضرات التقليدية حول كتابات فيتجنشتاين في تشكيل جزء لا يتجزّأ من منهج الدكتوراه. حتى وقت متأخر من التسعينيات؛ كان هذا المنهج غير المباشر صحيحًا بشكل خاص بالنسبة إلى وينش (Winch)، الذي شعر دائمًا بتردّد شديد في تدريس فيتجنشتاين للطلاب، والذي -حتى عندما كان يدير مجموعة كاملة من الحلقات الدراسية للطلاب الجامعيين والخريجين في جامعة إلينوي (Urbana Champaign)- فضّل دعوة مجموعة صغيرة من طلاب الدراسات العليا والزملاء والأصدقاء المهتمين إلى منزله بعد ظهر يوم السبت، لمناقشة “تحقيقات فلسفّية” أو “حول اليقين” فقرة فقرة. لا يعني ذلك أنّه أراد فرض هذا الإجراء على الآخرين، ولكن بالنسبة له كانت هذه هي أفضل طريقة للتعامل مع الصعوبات التي يواجهها المرء في عمل فيتجنشتاين. كانت هذه المناقشات اللامنهجية مفتوحة دائمًا وتستمر طوال الجلسة. وأولئك الذين حَظوا -مثل كاتب الورقة- بامتياز المشاركة؛ وجدوا أن هذه الاجتماعات لا تُقدّر بثمن، لأسباب ليس أقلها أنّ وينش -الذي كان يتقن الألمانية على عكس معظم أعضاء مدرسة سوانزي- كان حاضرًا دائمًا في هذه القراءات. ونظرًا لكونه خبيرًا في تحضير القهوة الفاخرة، فقد قدّم وينش القهوة أيضًا، على الرغم من أنّ الجو العام في منزله بالكاد يشبه ذلك الموجود في مقهى فيينا، حيث قد يأتي الناس ويذهبون كما يحلو لهم. على العكس من ذلك، اعتُبر الحضور المنتظم والالتزام الجاد بالمناقشة أمرًا ضروريًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ما هو مطلوب من خلال جهد مستمر ومشترك في الفهم، وجزئيًا بسبب حذر وينش من الُمشاهِد الفلسفي أو المُتلصِّص، الذي أراد فقط “التحقّق من مجموعة فيتجنشتاين” لأنها بدت مثيرة للاهتمام أو مقصورة على فئة معينة. في هذا الصدد، كان موقف وينش من التدريس والنبرة التي حددها لمحاضراته وندواته، تشبه إلى حد كبير موقف فيتجنشتاين، الذي رثى له فون رايت في 9 مارس 1939:

“أنا آسف لأنّني سببت لك عناء الكتابة إليّ. سأحاول أن أشرح لماذا أزعجني وجود شخصين جديدين في صفي.

أنا -في فصولي- أبذل قصارى جهدي لشرح أمر صعب للغاية للطلاب الذين كانوا يحضرون فصولي هذا العام؛ و أدرك تمامًا أنه من المستحيل لأي شخص يأتي في منتصف الصف أو في نهايته أن يحصّل فكرة عمّا نرمي إليه حقًا. في الواقع يجب بالضرورة أن تتكون لديه أفكار خاطئة. آمُل أن تفهم هذا، وإذا قمت بذلك، فستفهم أيضًا لماذا تزعجني هذه الحقيقة في الوقت الذي يجب أن أركّز فيه بالكامل على موضوعي. إذا كان بإمكاني -كما يستطيع العديد من الأشخاص الآخرين- تحضير محاضراتي كتابةً ثم قراءتها أمام الطلبة، فإنّ وجود أشخاص جدد لن يزعجني. ولكن نظرًا لأنّني غير قادر على القيام بذلك ويجب أن أفكّر في الأمور من جديد أثناء حديثي، فأنا منزعج جدًا.”[11]

في مقدمته لكتاب راش ريس (Rush Rhees) حول الدين والفلسفة، قدّم فيليبس رسمًا تخطيطيًا ممتازًا لحياة ريس وعمله، ولا داعي لإعادته هنا بالتفصيل[12]. ومع ذلك، هناك بعض النقاط التي تستحقّ التأكيد. أحدها -وهو ما لفت لارس هيرتزبيرج الانتباه إليه بالفعل في مناسبة سابقة-[13] هو أنّه سيكون من الخطأ الفادح خفض مرتبة ريس إلى مجرد “إيكرمان” للفلسفة، أي أنّه كان مجرد محرر ومُفسِّر لأعمال معلّمه الذي نشر قليلًا من الكتابات بنفسه، والذي ظلّ تأثيره على الثقافة الفكرية في عصره ضئيلًا إلى حد كبير[14]. في حين أنّه من الصحيح أنّ ريس – مثل فيتجنشتاين – لم ينشر سوى القليل خلال حياته، فإنّ ورقة كوكبيرن تؤكّد مرة أخرى مدى قوة واستقلاليته كمفكّر، على الرغم ممّا كان يجب أن يكون إغراءًا (طبيعيًّا) لدى جميع طلاب فيتجنشتاين، أي أن يخضعوا بشكل سلبيّ لعبقريّة رئيسهم الروحي وأن يتعاملوا مع تصريحاته على أنّها غيرَ قابلة للتفنيد. كما يذكرنا فيليبس في عدد خاص من “تحقيقات فلسفية”، الذي نُشر في الذكرى الخمسين لوفاة فيتجنشتاين:

“أصبح ريس ينتقد جوانب معينة من فكر فيتجنشتاين منذ أربع سنوات بعد نشر التحقيقات، وربما قبل ذلك. لقد اعتقد أنّه وقع في أسر المشابهة بين اللغة والألعاب، لكنّه أراد أن يطوّر بشكل أكبر الفكرة المهمّة المتمثّلة في (شكل من أشكال الحياة)”.

المواد المنشورة من كتاب (Rhees Nachlass)، وخاصّة “فيتجنشتاين وإمكانية الخطاب”، لا تحتوي فقط على مناقشات مستدامة لهذه القضايا، ولكنّها تكشف أنّ الأصالة النقدية لفكره امتدّت إلى ما هو أبعد من مشاركته مع فيتجنشتاين، لتغطية نطاق واسع ومثير للإعجاب من المواضيع الفلسفية، بما في ذلك الفلسفة اليونانية، والفلسفة الأخلاقية والسياسية، وفلسفة الدين، وعلم الجمال[15]، والأهمّ من ذلك، عمل المفكرة الفرنسية سيمون فايل (1909-1943)[16].

ثّمة نقطة أخرى يجب تذكّرها حول التطوّر الفكري لريس وهي أنه عندما بدأ في حضور محاضرات فتغنشتاين في كامبريدج (1936)، كان بالفعل طالبَ دراسات عليا ناضجًا يبلغ من العمر 30 عامًا، وبعد أن بدأ تعليمه الجامعي في جامعة روتشستر (الولايات المتحدة الأمريكية)، أكمل -بامتياز- برنامج ماجستير في فلسفة العقل في إدنبرة، وعمل أستاذًا مساعِدًا في مانشستر لمدة أربع سنوات، وأمضى عامًا في إنسبروك يدرس مع الباحث برينتانو ألفريد كاستيل، وشرع في الحصول على درجة الدكتوراه مع جورج إدوارد مور في كامبريدج، وعمل في مكتبة (Deighton)، ومكتبة Bell & Co.[17]. إنّها بالتأكيد ليست سيرة حياة هادئة وفقيرة فكريًّا، وطبعًا ليست حياة طالب جامعيّ عاديّ في كامبريدج. ولم يكن ريس من النوع الذي يهرع إلى ندوات فيتجنشتاين على الفور. وفقًا لراي مونك “في البداية، تم تأجيل حضور محاضرات فيتجنشتاين بسبب سلوكيات طلابه، ولم يتغّلب على مخاوفه إلا في فبراير 1936، على الرّغم من أنه استمرّ في حضور جميع محاضرات الجلسة الأكاديمية بعد ذلك. كان هذا اللقاء مع فيتجنشتاين بمثابة البداية، ليس فقط لصداقة عميقة، ولكن لمحادثة فلسفية مكثّفة استمرّت حتى وفاة فيتجنشتاين في عام 1951، وكانت أيضًا قصيرة نوعًا ما؛ ففي عام 1937، عاد ريس لأول مرة إلى مانشستر كأستاذ مساعد، ثم عمل كعامل لحام في مصنع[18]. كان فتغنشتاين مسرورًا. في 5 أبريل 1940، قبل وقت قصير من تولّي ريس لمنصبٍ مؤقّت في سوانزي، كتب: “تعجبني فكرة قيامك بعملك في مصنع. ستتحسن وستتحسن ليس لدي شكّ، إذا كان بإمكانك الاستمرار”[19]. لكنّ المصنع شيء والفلسفة شيء آخر، وبعد الكثير من الألم الداخلي، أوضح أخيرًا القرار لفيتجنشتاين، في 30 ديسمبر 1940:

“ظلّ عملي باللحام سيئًا، واعتقدت (ليس لأنني غبيّ) أنّني ربما لن أتطّور أبدًا إلى أي شيء ذي قيمة …يماثل ذلك التدريب الذي تلقيته في السلك الأكاديمي والتربوي. كنت أدرك باستمرار أنّني عملي في متجر للماكينات لا يسير على ما يرام لأنني لم أتدرب هناك عندما كنت صغيرًا. بدا لي حينها أنني قد أكون أكثر فائدة إذا كنت في وظيفة ما تلائم التدريب الذي تلقيته …وعندما كتب هيث يعرض عليّ هذا المنصب، تسلّمته أخيرًا بعد عناء.”[20]

لسوء الحظ، لم يجعل اللقاء مع فيتجنشتاين حياة ريس أكثر استقرارًا. كان الآن يبلغ من العمر أربعين عامًا تقريبًا ولا يزال “محاضرًا مساعدًا مؤقتًا”، وانتهى العقد في يونيو 1941. بالإضافة إلى ذلك، سرعان ما أدرك أن “العمل المتعلّق بالتدريب الذي تلقيته، والذي جعلني مناسبًا لهذا النوع من العمل هو مجرّد هراء”، بل بدأ يتساءل عمّا إذا كان سيتخلّى عن وظيفة اللحام في وقت قريب جدًا.” [21]

لحسن حظ سوانزي، لم يعد ريس إلى اللحام، لكنّ موقفه تجاه العمل الأكاديميّ ظلّ متناقضًا حتى بعدما عرض عليه هيث منصب أستاذ الفلسفة في سوانزي، وبعدما حصل على منصب دائم في قسم الفلسفة. كما يتذكر فيليبس، “كانت هناك مناسبات عديدة خلال الفترة التي قضاها في سوانزي عندما كان ريس قلقًا بشأن ما إذا كان يجب عليه الاستقالة من منصبه أم لا”، وعلى كلِّ حال فإنّ استمراره يرجع إلى حدّ كبير إلى تشجيع ودعم فيتجنشتاين. لقد كانت هناك حاجّة ماسّة له. في أكتوبر 1944 -على سبيل المثال- كتب ريس: “لا يبدو أنّني أحقّق تقدّمًا كبيرًا مع طلابي؛ وهنا مرة أخرى، فإنّ ارتباكي وعدم يقيني هو الذي يسبّب الكثير من المتاعب”، على الرّغم من أنّه كان صحيحًا أيضًا أنّ “هؤلاء الطلاب لا يقرؤون أي شيء ؛ وبالتأكيد لن يقرؤوا الأشياء التي قرأها آباؤهم. فإّنهم لا يهتمّون بأي شيء”[22] وطلب منه فيتجنشتاين ألا ييأس، وأن يجمَع شتات نفسه: “من فضلك استمر في الطريق الأصعب والقاسي! اغضب، واشتكي، ولكن استمر. الطلاب أغبياء، لكنهم سيحصلون قريبًا على شيء ذي قيمة”[23]. علاوة على ذلك، أكّد له لاحقًا، أنّ طلابه في كامبريدج لم يكونوا مختلفين تمامًا: “فصلي هناك كان أيضًا بدائيًا للغاية، وغالبًا عندما أتحدث عن “القبائل” فأنا أعتقد أن القبيلة الأكثر بدائيّة هي هؤلاء الجالسين أمامي”[24]. ومع ذلك، استمرت شكوك ريس وأصبحت حادّة بشكل خاص في صيف عام 1946، عندما وجد نفسه على وشك مغادرة سوانزي. ربما كان سيفعل ذلك، لو لم يحثّه فيتجنشتاين على التفكير مرة أخرى:

“كنت سعيدًا لسماع أنّه كان لديهم القدرة على تقديم عقد لك مرة أخرى في سوانزي. أتمنى عليك أن تقبله! لا أعرف -بالطبع- ما هي أسبابك الخاصة لرغبتك في مغادرة سوانزي، لكن من فضلك زِن الأمور بعناية. يجب -لأسباب شخصية- أن أكرهك لمغادرة سوانزي. لقد أفادتني محادثاتنا ومناقشاتنا. فلا تضيّع فرصةً لعمل الخير. إنّ ملاحظاتك المُهينة حول قدراتك الفلسفية ونجاحك هي محض هراء. أنت مفكر بارع. وأنا أعني ذلك. التأثيرات الفلسفية أسوأ بكثير من تأثيرك وتنتشر بسرعة، فمن المهمّ أن تظلّ في وظيفتك. من المؤكد أنّ نجاحك لن يكون باهرًا؛ بل في الواقع سيكون هزيلًا، لا بد أن يكون كذلك. من فضلك -إذا أمكنك- استسلم لذلك واستمر. لا تسئ فهمي. أنا لا أحاول أن أبدو حكيمًا، أنا سخيف مثلك تمامًا. لكن هذا لا يجعلك أقلّ سخافة.”[25]

إنّ تأكيدات فتجنشتاين بأنّ ريس كان “مفكرًا بارعًا”، وأنّه يمكن أن “يفعل خيرًا” إذا بقي في سوانزي، وأنّ هناك “تأثيرات فلسفية أسوأ بكثير من تأثيراتك وتأثيراتي”، قد كان لها وقع جيد؛ فقد بقي ريس ولم يتوقّف عن التدريس في سوانزي حتى تقاعده في عام 1966، لكنه ظلّ مرتبطًا بنشاط بقسم الفلسفة حتى وفاته في عام 1989. واستمر فيتجنشتاين، الذي ذهب لأول مرة إلى سوانزي في عام 1942، في زيارة ريس هناك حتى عام 1947، لا شكّ أيضًا لأنه وجد المناخ الفكري في سوانزي أكثر ملاءمة من البيئة الفلسفية في كامبريدج. في رسالته إلى ريس عام 1946، لم يشرح فتجنشتاين التأثيرات الفلسفية التي اعتقد أنها “أسوأ بكثير من تأثيراته”، لكنّنا نعرف من كارل بريتون، أحد طلابه السابقين ثمّ محاضر في الفلسفة في سوانزي، أنّه ذكرها مرارًا وتكرارًا من أجل النقد الخاص لجمعية العقل والجمعية الأرسطية، وعندما علم بدعوة بريتون إلى الاجتماع المشترك عام 1947 في كامبريدج، لم يشعر بأي شيء سوى الازدراء. “حسنًا، يبدو الأمر كما لو كنت قد أخبرتني أنّه سيكون هناك طاعون دبلي في كامبريدج الصيف المقبل. يسعدني جدًا أن أعرف وسأحرص على أن أكون في لندن.”[26]

كان انزعاج فتجنشتاين له علاقة كبيرة بمناقشة فاريل (Farrell) المزدوجة عن العقل (1946) -“تقييم الوضعية العلاجية”[27]– التي أشار فيها إلى “طريقة معيّنة للتعامل مع المشكلات الفلسفيّة وحلّها” والتي طوّرها مع فيتجنشتاين في كامبريدج، لكنّ تشعّباتها ظلّت بعيدة المنال بشكل غريب، لأنّه “بالنسبة للغريب لا يوجد بيان رسميّ وكافٍ عن أسلوب فيتجنشتاين”.[28] كذلك ليس من الصعب معرفة سبب غضب فتجنشتاين. كان الاقتراح القائل بأنّه قد طوّر “أسلوبًا” -ناهيك عن أسلوب يمكن وصفه بـ “الوضعية العلاجية”- سخيفًا تمامًا مثل طلب تصريح “رسميّ” لهذه “التقنيّة”. في حين كان صحيحًا أنّه كان سيرفض كلذ الحديث عن الأحاديات أو مواد التفكير غير الماديّ أو السببيّة الميتافيزيقية، لأنّه رآها مشوّشة و /أو غيرَ مفيدة، وأشاد بمفكّرين مثل أوغست كونت أو أوتو نيوراث لفضح مثل هذه الجمل التفسيريّة الزائفة؛ حيث إنّ مفهومه للفلسفة ظلّ أقرب إلى روح “نقد العقل الخالص” لكانط أو مشروع ستراوسون عن “الميتافيزيقيا الوصفية”، أكثرَ ممّا كان عليه في افتراضات الوضعيّة في القرن التاسع عشر أو العشرين. علاوة على ذلك، كان فيتجنشتاين مصرًّا على أنّ “الفيلسوف لا يصلُح أن يكون مواطنًا لدى مجتمع للأفكار”[29]، وبالتالي فهو ليس “واقعيًا” ولا “مثاليًا” كما يُفهم تقليديًّا، ولكنّه مؤرّخ حسّاس ومُفسِّر ماهر، ويلمح الطرق المعقدة التي ترتبط بها اللغة مع العالم المعيش للمتحدّث. والتي كانت التركيز والقدرة على التحمّل اللازمتين لهذه المهمّة تشبه اليقظة التي يمارسها المشاة على حبل مشدود في عمل موازنة دقيق: ما الذي يمكن للمرء أن يقولَه بشكل واضح عن الواقع، وكيف يمكن للمرء أن يعمّق فهم القرّاء له أيضًا، دون الوقوع في نوع من الهراء الكلاميّ؟ ليس من المُستغرَب أن تستند التفسيرات الخاطئة الأكثر شيوعًا لكتابات فيتجنشتاين – بل وكتابات مدرسة سوانزي في الواقع – إلى افتراض أنّ أفكار الفيلسوف -في التحليل النهائيّ- يجب أن تكون متجذّرة في “تيّار” عام، وبالتالي تجسّد بعضًا من “مذهب” فلسفيّ أكبر. ومن هنا جاء الشعور بالسخط بين منتقدي مقاربة فيتجنشتاين للفلسفة، ليس فقط في الأربعينيات، ولكن في عصرنا أيضًا. إنّ المناسبات التي سُئل فيها فيليبس -على سبيل المثال- عمّا إذا كان “واقعيًّا” أو “غيرَ واقعيّ” فيما يتعلق بالإيمان بالله كثيرة، ومع ذلك لا يزال السؤال يُطرَح بنفس العناد الذي يصرّ النقاد فيه؛ وقد وصفوه بأنه “مؤيّد لإيمانيّة فيتجنشتاين”. كما لاحظ فيليبس نفسه:

“إنّ الحديث عن “الواقعية” و “اللاواقعية” له -على الأقل- علاقة بسوء الفهم المنتشر لأعمال فيتجنشتاين. لكن ظهور وصف “إيمانية فيتجنشتاين” مؤخرًا -على الرغم من تفنيداتي النصية له في “الإيمان والتغيير وأشكال الحياة”- ليس إلا مجرّد فضيحة أخرى في البحث العلمي.” [30]

في ضوء هذه الردود أيضًا، تساءل فيتجنشتاين عمّا إذا كان يجب نشر مخطوطة تحقيقات فلسفية:

“منذ فترة وجيزة كنت قد تخلّيتُ حقًا عن فكرة نشر عمل في حياتي. في الواقع، كانت هذه الفكرة تراودني من وقت لآخر؛ بشكل أساسيّ لأنّني كنتُ مضطرًا إلى معرفة أنّ استنتاجاتي (التي أوضحتها في المحاضرات والنصوص المطبوعة والمناقشات)، والتي أُسِيء فهمها بشكل مختلف، سواءً بتشويهها أو تفسيرها على غير وجهها إلى حد ما؛ كانت متداولة بالفعل.”[31]

بالتأمّل في أسباب سوء الفهم واسع النطاق لكتابات فيتجنشتاين؛ علّق ريس ذات مرة: “أعتقد أنّه من الواضح أنّه كان يطلب أكثر ممّا يمكن لمعظم القرّاء أن يقدّموه أو يفعلوه”،[32] وهي ملاحظة كُرّرت في قناعة وينش بأنّه “لم يكن من الممكن إلا لنسبة ضئيلة أن تقرأ عمله بإمعان”[33] حتى بالنسبة لعقلٍ فذّ مثل ريس، شكّلت المواجهة مع تحقيقات فيتجنشتاين الفلسفيّة -على سبيل المثال- تحديًّا خطيرًا. لا يبدو أنّه نوع العمل الذي يمكن فهَمه دون توجيه من المؤلّف نفسه. وقد كتب ريس ذاكرًا الصعوبة الغريبة للأفكار التي تمّ التعبير عنها في كتب فيتجنشتاين:

“لقد راجع فيتجنشتاين “التحقيقات” معي -وراجعنا بعض أجزاء منها عدّة مرات- قبل نشرها. وعلى الرّغم من أنّ إمكانيّة فهمها قد تضاءلت بشكل كبير منذ وفاته، فيجب أن أقول إنّني لو لم أسمعه يقرأها ولو لم أجعله يناقشها معي لما كان لي فهمها.”[34]

في حين أنّ المصطلحات التي قُدّمت بها أفكار فتجنشتاين كانت غير تقنيّة بشكل ما، إلا أنّها لم تتوافق مع الكتابة الفلسفيّة القياسيّة. ولكن -كما يلاحظ ريس- “لا يمكننا أن نقول إنّه لأمر مُؤسف أنّ فيتجنشتاين لم يستطع تقديم أفكاره في شيء أقرب إلى الأسلوب الفلسفي المقبول، لأنّ ذلك لم يكن ليقدّم عرضًا أمينًا لآرائه الفلسفيّة”.[35] بالنسبة لفيتجنشتاين، كان الشكل والمضمون مرتبطين بشكل لا ينفصل، تمامًا كما كانا لمفكّر مثل نيتشه، الذي كان سيسخر بالمثل من أي محاولة لإعادة صياغة أمثاله وعباراته البرّاقة المحمّلة بالمعاني في شكل قضايا منطقيّة، أو ملاحظات مدرسيّة، أو اقتباسات تصلح للاستشهاد فحسب؛ مثلما فعل سبينوزا في “رسالة في اللاهوت والأخلاق”. كما أنّه كان سيسخر من تقديمها في شكل فلسفيّ أنيق ومرتب على غرار كانط أو هيجل. وجد فتجنشتاين أيضًا أنّ “نمط الكتابة الفلسفيّة المعتمد” لا يمكنه إلا تشويه الظواهر قيد البحث، وبالتالي نظر إليه كشيء يجبُ التغلّب عليه، لكن ليس باصطناع نمط مماثل، أو بمساعدة رمزية مجرّدة أو مفردات ابتكرت خصّيصًا للفلسفة، بل من خلال الإبقاء على لغة الخطاب اليومي. كما قال بيتر وينش:

“أعتقد أنّه من الواضح في حالة كلّ من أفلاطون وفيتجنشتاين (المبكر)، أنّ العلاقة بين العرض الأدبيّ والمحتوى الفلسفيّ هي علاقة “تداخل”؛ وهذا أكثر وضوحًا في حالة محاورات أفلاطون التي تعتمد نمط الجدل السقراطي؛ فبسبب الجانب الدراميّ، تظهر وجهات النظر الفلسفيّة مختلفة كما لو كانت تعبيرات عن أشكال مختلفة من الحياة.”[36]

ويرتبط بهذه الملاحظة ارتباطًا وثيقًا الاعترافُ بأنّ القضايا المعنيّة لا يمكن فحصُها بشكلٍ صحيح دونَ صراع شخصيّ جادّ ضدّ الميول (الطبيعيّة) للعقل. وفي هذا المسعى، أكّد فتجنشتاين على ريس أنّه ساعد بالتأكيد في وجود شريك جادٍّ في المناقشة: “صحيح أنّ المكفوفين لا يستطيعون قيادة المكفوفين؛ لكن اثنين من الرجال المكفوفين لهم أربعة أقدام، يمكن أن يعتمد كلّ منهما على الآخر قليلًا”.[37]

وإدراكًا منّه أنّ ثمار الخطاب الفلسفيّ اعتمدت على شخصيات المحاورين أكثر من اعتمادها على مدى موهبتهم، تمكّن ريس لاحقًا من تجميع مجموعة من المفكّرين في سوانزي الذين أشبعوا كلتا الرغبتين إلى درجة مثالية. في عام 1951 -عام وفاة فتجنشتاين- كان روي هولاند أول الزملاء الجدد، وتبعه عن كثب جي آر جونز وبيتر وينش في عام 1952. في ذلك الوقت، كان إلهام ديلمان لا يزال طالبًا جامعيًّا في كامبريدج -انضم إلى فلاسفة سوانزي بعد عشر سنوات، في عام 1961- ولكن لم يكن سعيدًا تمامًا بتجربته هناك:

“في أول سنتين لي في كامبريدج كطالب جامعيّ في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، شعرتُ بخيبة أمل في الفلسفة. كان ذلك الوقت الذي كانت فيه الفلسفة في بريطانيا تتعافى من “الوضعية المنطقية” وسيطر عليها فلاسفة أكسفورد الذين يمثلون الانعطافة “اللغوية” في الفلسفة.”[38]

لا يخبرنا ديلمان عن سبب اعتقاده أنّ “الانعطافة اللغوية” مخيّبة للآمال من الناحية الفلسفيّة، لكنّه بالتأكيد كان سيكره نوعَ التحليل المفاهيمي الذي حدث في إحدى دوائر جان أوستن (1911-1960)، والتي قدّم عنها جيفري وارنوك رأيًا شديد الإعجاب:

“لقد قارنا واستعرضنا مرارًا هذه الفئات الأساسية مثل “أداة” و”آلة” و”جهاز” و”معدة”؛ وأتذكّر هنا دعوة أوستن لنا لتصنيف “المقص” ضمن إحداها؛ أعتقد أنّنا اعتقدنا أنّ مقص المطبخ كان ينتمي للأدوات، وربّما كانت مقصات الحدائق معدات (أو آلات)، لكن نوع المقص المستخدم -على سبيل المثال- في صناعة الخياطة كان يمثّل مشكلة. (من المُحتمَل أن تتضمّن “معدات الخياطة” مقصًّا، لكن هذا ليس إجابة كاملة على السؤال) وأتذكر أنّه سأل لماذا إذا كنّا في انتظار عملية جراحية، سيشعر المرء بالارتباك إذا قال الجراح: “سأفعل ذلك؛ أجلب أدواتي”. لا بد لي من الاعتراف …أنّني دائمًا ما أجد هذا النوع من الأشياء ممتعًا للغاية، إنه يلائم ذوقي. لم أكن أعتقد أنه من المحتمل أن يساهم في حل مشاكل عالم ما بعد الحرب؛ ولم أكن أعتقد أنه سيساهم، بالتأكيد أو بالضرورة، في حل أي مشاكل في الفلسفة. لكنه كان ممتعًا للغاية.”[39]

لا أعتقد أنّ ديلمان ولا أي شخص آخر في مدرسة سوانزي قد وجد أن السؤال عمّا إذا كان يجب تصنيف مقصّات الحدائق تحت فئة “المعدات” أم “الآلات” -ناهيك عن متابعة المشروع التصنيفي الذي شكلت جزءًا منه- “ممتعًا للغاية”. بالنسبة للمفكرين مثل ريس أو وينش؛ فإنّ الاقتراح بأن القضايا الفلسفية قد لا تكون جادّة، كان سيبدو متناقضًا تمامًا مثل فكرة الفيلسوف الجادّ الذي كان هو أيضًا شخصًا تافهًا. كما يقول ريس:

” …يجب أن نتفاجأ عندما نجد أي شخص كان فيلسوفًا جادًّا، وكان في نفس الوقت مستهترًا أو يتسكّع في المدينة …قد نشعر أنّ هناك شيئًا يشبه الارتباط الداخلي بين ما تنخرط فيه في الفلسفة ونوع الحياة التي تعيشها.”[40]

لا ينكر ريس -بالطبع- أنّ هناك فلاسفة أكاديميين معينين يعيشون حياة “المستهترين”، أكثر ممّا ينكر وجود فلاسفة يتقاضون رواتب عالية والذين -على الرغم من ذكاءهم- ما زالوا غير قادرين على التحدّث بأي عمق عن الحياة أو الموت أو العلاقات الإنسانية. وجهة نظره هي وجهة نظر مفاهيميّة، فيما يتعلّق بفكرة الفيلسوف ونوعية الجدّيّة المطلوبة لمن يسعى للوفاء بها، على الرّغم من أنه سيكون من الخطأ افتراض أن الجدّية المعنية يُمكن تحقيقها في صيغة بسيطة. قد يكون أحد الأمثلة على ذلك هو حاجة فيتجنشتاين إلى معرفة موقفه مع جون إدوارد مور، لأنّه عبّر عن موقف تجاه الحياة كان يتّسم بالوضوح حول “الطريقة التي تسير بها الأشياء حقًا” وقد كان ذا أهمية قصوى. يصف فيتجنشتاين في مذكراته بتاريخ 7 أكتوبر 1930 اللحظة الحاسمة:

“سألت مور اليوم عمّا إذا كان سعيدًا من لقائنا بانتظام (كما في العام السابق)، وقلت إنني لن أشعر بالإهانة مهما كانت الإجابة. قال إنّ الأمر ليس واضحًا له، وإنّه يجب أن يفكر في الأمر ويبلغني؛ وقد وعدني بذلك. فقلت إنني لا أستطيع أن أعدك أنّ إجابتك لن تحزنني، ومع ذلك، فلن تغضبني؛ وأعتقد أن مشيئة الله معي هي أن أسمعها وأحملها.”[41]

كما وعد مور؛ لم يكن الردّ على سؤال فيتجنشتاين طويلًا. في 16 أكتوبر 1930، ذكر هذا الأخير في مذكراته:

“أجاب مور لاحقًا على سؤالي بأنّه في حين أنه لا يحبني حقًا، إلا أنّ شراكتي تقدّم له الكثير من المعروف لدرجة أنّه يعتقد أنه يجب أن يستمر في الاحتفاظ بها. هذه حالة غريبة”[42]

لم تكن حاجة فيتجنشتاين إلى معرفة ما يعنيه وجوده للآخرين مدفوعةً بالرغبة الشخصية في أن يصفّق له الآخرون، أو الرغبة في رفع تقديره لذاته، بل انبثقت من طلب الصدق الذي ادّعاه لنفسه وللآخرين. لهذا السبب -بالنسبة لفيتجنشتاين- كانت حقيقة علاقته بمور مجرّد جزء من الحقيقة حول الطريقة التي جرت بها الأشياء معه ومع غيره من البشر. كان عليه أن يطرّح سؤاله عن علاقته بمور على نفسه أيضًا، أي: ما هو تصّوره عن زملائه، وماذا كشف عن نفسه؟ كان فتجنشتاين صادقًا بما يكفي لإثارة ذلك، وكتب في مذكراته بتاريخ 27 يناير 1937:

“يمكنني أن ألاحظ في هذه الرحلة ظاهرة غير مألوفة بالنسبة لي: ما لم يكن مظهرهم أو سلوكهم يؤثر عليّ بشكل خاص، فأنا أحكم على الأشخاص بأنهم أقل؛ أي أنّني أميل إلى استخدام كلمة “عادي”، أو “رجل من الشارع” لوصفهم، أو ما شابه. ربما لن أقول هذا بعد معرفتهم عن كثب، لكن أول نظرة لي عليهم تقول ذلك. هناك بالفعل حكم قيمي في هذه النظرة. حكم لا أساس له من الصحة وغير مبرّر. وسيكون أيضًا غيَر مبرر -بالطبع- إذا أثبت هذا الشخص حقًا أنه عادي جدًا عند التعارف الوثيق، فهذا أمر سطحي. أنا بالطبع استثنائيٌّ من نواحٍ كثيرة، وبالتالي فإنّ الكثير من الناس عاديين مقارنةً بي؛ ولكن فيمَ تكمن استثنائيتي؟”[43]

بصرف النظر عن إلقاءِ مزيد من الضوء على ملاحظات وينش وريس حول العلاقة بين المفكّر وطبيعة أفكاره؛ تكشف هذه الاقتباسات أيضًا شيئًا عن شخصية المجتمع الفلسفيّ الذي تمّ تصوير عمله في هذا الجزء. لم تكن مدرسة سوانزي مجرّد مجموعة من الفلاسفة المهتمين بفيتجنشتاين، بل كانت مجموعة فريدة من الشخصيات التي -على الرغم من خلافاتهم (التي لا يمكن التوفيق بينها أحيانًا) حول قضايا فلسفية معينة- لكنها أبدَت مع ذلك تماثلًا مدهشًا -ليس فقط في شخصياتهم؛ أو في وجهات نظر حول طبيعة الأحكام الأخلاقيّة أو أهمية ووضوح المعتقد الديني- ولكن في تقديرهم للمطالب الشخصية التي تتطلّبها الحياة الفلسفية حقًا. كان توجّههم الأخلاقيّ العام -على سبيل المثال- ينجذب بقوة نحو آراء أفلاطون وكانط، بدلاً من وجهات نظر أرسطو أو ميل، على الرغم من أنه لا يزال من المضلّل التحدّث عنهم على أنهم “علماء أخلاق” مثلًا، لأنّهم كانوا سيرفضون الانقسام بين الأخلاق القائمة على الواجب وتفسير فعل الفضائل بسبب الخوف من العقاب على أنّه تقسيم خاطئ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاقتناع بأنّ “النداءات للوحدات الزائفة بين الأخلاق والصالح العام، والازدهار البشري، والقابلية للتعميم، والتوازن الانعكاسي، والاعتراف بالآخر بأنّها متجذّرة في المفاهيم المشوّشة للغة في الأحكام الأخلاقية”.[44]

إنّ موقف مدرسة سوانزي تجاه الدّين أكثر انتشارًا، وبالتالي يصعب وصفه. من ناحية، اتّفقوا بالتأكيد على أنّ الدين بصفته شاغلًا إنسانيًا أساسيًا، يجب أخذ المعتقدات والممارسات الدينيّة على محمَل الجدّ ولا يمكن ببساطة رفضها باعتبارها غير عقلانية أو مؤيّدة للخرافات أو غير منطقيّة. من ناحية أخرى، امتدّت معتقداتهم الشخصية إلى الطيف الكامل من الإلحاد إلى المسيحية الأرثوذكسية، وربّما يقترب ريس وفيليبس ووينش من وجهات نظر فيتجنشتاين الخاصّة، أي المتعاطفون بشدّة مع النظرة الدينيّة للحياة، وفي نفس الوقت المتشكّكون في ذلك الدين المؤسسيّ الأرثوذكسيّ فيما يتعلّق ببعض جوانب التقليد الدينيّ الغربيّ (على سبيل المثال: مفاهيم الخطيئة، الكفارة والفداء، طبيعة الإله)، ولكنّهم أيضًا لا يتّبعون العقائد التقليدية للغاية (مثل المعجزات، والتجسّد، والقيامة والخلود). في هذا الصدد، من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنّ عمل سيمون فايل (1909-1943)، التي اعتبرها ريس أحد أكثر المفكرين الدينيين انتشارًا في العصر الحديث، كان له تأثير قويّ تقريبًا على اهتمام مدرسة سوانزي بالدين مثل كتابات فيتجنشتاين نفسه، حتى عندما كانت حساسياتهم الروحية تجذبهم في اتجاهات مختلفة تمامًا، كما في حالة هوارد موونس، الذي تستحقّ معرفته المثيرة للإعجاب -سواء بشكل كبير أو في التفاصيل- عن تاريخ الفلسفة إشارة خاصة. في الواقع، من خلال قراءة أحدث أعماله: الميتافيزيقا ونهاية الفلسفة (Continuum, 2007)، الذي يرسم التطور -أو بالأحرى: الانحدار- للفلسفة من أرسطو حتى العصر الحديث، يُصاب المرء بالدهشة من حقيقة أنّ أرثوذكسية مونس تسير مع المعتقدات الدينية جنبًا إلى جنب مع مفهوم أرثوذكسي مماثل للفلسفة باعتبارها تحقيقًا ميتافيزيقيًا في العلاقة بين العالم والمتعالي، وإن كان مصدر إلهامه الأساسي هو الأفلاطوني وليس الكانطي. من تقييم موونس الواقعي، والدقيق تمامًا -من وجهة نظري- للفلسفة الحديثة، لا يظهر فيتجنشتاين باعتباره تقليديًا، لكنه يجسّد لموونس انعكاس فترة ممتدّة من التدهور الفكري، وبالتالي فهو الأمل في ألا تكون نهاية الفلسفة قريبة بعد. يذكر أن موونس ادّعى أيضًا أنّ مساعي سيمون فايل الفلسفيّة في هذا الصدد تؤكّد مرة أخرى الجدلَ المشترك بين جميع أعضاء مدرسة سوانزي، أي أن ّمهمَّتهم -بصفتهم فلاسفة- لم تكن نشر وجهة نظر معيّنة للعالم أو برنامج سياسيّ، بل ضمان ألا يقع التفكير الفلسفي في الانحدار. كما قال الباحث البارز في فتجنشتاين بيتر هاكر:

“يمكن أن يضيع الفهم الذي ينتج عن الفلسفة من جيل إلى آخر. فبينما يمكن توريث المعرفة التجريبية، فإنّ الفهم الفلسفي يجب أن يتحقّق من جديد لدى جيل. أولئك الذين يعتقدون أنّ فيتجنشتاين ساهم في هذا الشكل من الفهم أكثر من أي شخص آخر في القرن الماضي، يجب أن يسعَوا بالتأكيد للحفاظ على إرثه، ليس فقط من خلال السعي لتوضيح فكره، ولكن قبل كلّ شيء من خلال استخدامه لتسليط الضوء على المشاكل الكبرى الفلسفة التي تحير عصرنا والقضاء على العلموية التي تفسدها.”[45]


[1] J.O. Urmson, Philosophical Analysis (Oxford, 1956), p. 164

[2] Ibid.

[3] Ludwig Wittgenstein, Culture and Value, ed. G. H. von Wright, trans. Peter Winch (Oxford, 1998), p. 24

[4] Ludwig Wittgenstein, Blue   & Brown Books (Oxford, 1969), 2nd ed., p. 18

[5] Attention to Particulars is also the title of a Festschrift for Rush Rhees, ed. by D. Z. Phillips and Peter Winch (London, 1989).

[6] Culture and Value, p. 42.

[7] On Wittgenstein’, Philosophical Investigations, 24:2 (April 2001), p. 147

[8] Ibid.

[9] Ibid., p. 148

[10] Ibid., pp. 120121

[11] Ludwig Wittgenstein: Briefwechsel. Innsbrucker elektronische Ausgabe, eds. Monika Seekircher, Brian McGuinness and Anton Unterkircher, (Charlottesville, 2004), 1798417986

[12] D. Z. Phillips, ed., Rush Rhees on Religion and Philosophy (Cambridge, 1997)، pp. xixx

[13] Lars Hertzberg, ‘Rush Rhees on Philosophy and Religious Discourse’ Faith and Philosophy, Vol. 18, No. 4 (October 2001), p. 431

[14] On Wittgenstein’، Philosophical Investigations, 24:2 (April 2001)، p. 152

[15] D. Z. Phillips rightly describes On Religion and Philosophy as ‘one of the most important collections of essays in twentieth century philosophy of religion. I do not think that there has been anything comparable of its kind since Kierkegaard.’ (Unpublished typescript of the revised Introduction to the volume.)

[16] Rush Rhees, Discussions of Simone Weil, ed. D. Z. Phillips (New York, 1999).

[17] Cf. D. Z. Phillips’s introduction to Rush Rhees On Religion and Philosophy, pp. xiixvi

[18] Ray Monk, Wittgenstein: The Duty of Genius, (London, 1990)، p. 357

[19] Ludwig Wittgenstein: Briefwechsel. Innsbrucker elektronische Ausgabe, 1846018462

[20] Ibid., 1889418904.

[21] Ibid.

[22] Letter from Rhees, 29.10.44, ibid., 1977619780.

[23] Letter from Wittgenstein, 28.11.44, ibid., 1980119809.

[24] Letter from Wittgenstein, 07.02.1946, in Wittgenstein in Cambridge: Letters and Documents 19111951, ed. Brian McGuinness (Oxford, 2008), p. 395

[25] Letter from Wittgenstein, 21.5.46, in Briefwechsel. Innsbrucker elektronische Ausgabe, 2046720470.26     Cf. Karl Britton’s report, reprinted in Ludwig Wittgenstein: Briefwechsel. Innsbrucker elektronische Ausgabe, 398478

[26] Ibid. The articles appeared in Mind LV, No. 217 (January 1946), pp. 2548 and No

[27] (April 1946), pp. 13315.

[28] Mind, No. 217, p. 125, reprinted in Ludwig Wittgenstein: Briefwechsel. Innsbrucker elektronische Ausgabe, 398478

[29] Ludwig Wittgenstein, Zettel, ed. G. H. von Wright and G. E. M. Anscombe, trans. G. E. M. Anscombe (Oxford, 1981), 2nd ed., #455

[30] Philosophical Investigations 24:2 (April 2001), p. 159. Readers who would like to familiarize themselves with the current state of the debate, including Phillips’s responses to his critics, will find it profitable to read Wittgensteinian Fideism, eds. Kai Nielsen and D. Z. Phillips (London, 2005).

[31] Ludwig Wittgenstein, Philosophical Investigations, trans. G. E. M. Anscombe (Oxford, 1958), 2nd ed., Preface, pp. 89

[32] Philosophical Investigations 24:2 (April 2001), p. 153

[33] Ibid., p. 180

[34] Ibid., p. 153

[35] Ibid., p. 155

[36] Ibid., p. 184

[37] Letter to Rhees, 17.10.1944, in Ludwig Wittgenstein: Briefwechsel. Innsbrucker elektronische Ausgabe, 19752

[38] Philosophical Investigations 24:2 (April 2001), p. 116

[39] G. J. Warnock, ‘Sunday Mornings’, in Essays on J. L. Austin, pp. 389. Quoted in Bryan Magee, Confessions of a Philosopher (London, 1997), p. 67

[40] Rush Rhees, ‘The Fundamental Problems of Philosophy’, Philosophical Investigations 17:4 (Oct 1994), p. 577

[41] Wittgenstein’s entry of 07.10.1930, in Ludwig Wittgenstein. Public and Private Occasions, eds. James C. Klagge and Alfred Nordmann, trans. Alfred Nordmann (Lanham, 2003), p. 53

[42] Ibid., p. 59.

[43] Ibid., p. 161

[44] D. Z. Phillips, ‘On Wittgenstein’, in Philosophical Investigations 24:2 (April 2001), Section VIII, p. 151

[45] Philosophical Investigations 24:2 (April 2001), p. 130

المراجع:

– Hertzberg, Lars. ‘Rush Rhees on Philosophy and Religious Discourse’. Faith and Philosophy. Vol. 18. No. 4. October 2001.

– Klagge, James C. and Alfred Nordmann, (Eds.). Trans. by Alfred Nordman. Ludwig Wittgenstein: Public and Private Occasions. Lanham. 2003.

– Magee, Bryan. Confessions of a Philosopher. London. 1997.

– McGuinness Brian (Ed.). Wittgenstein in Cambridge: Letters and Documents 19111951. Oxford. 2008.

– Monk, Ray. Wittgenstein. The Duty of Genius. London. 1990.

– Phillips, D. Z. ‘On Wittgenstein’. Philosophical Investigations. 24:2. April 2001.

– Phillips, D. Z. (Ed.). Rush Rhees on Religion and Philosophy. Cambridge. 1997.

– Rhees, Rush. Discussions of Simone Weil. Ed. D. Z. Phillips. New York. 1999.

– ‘The Fundamental Problems of Philosophy’. Philosophical Investigations. 17:4. Oct. 1994.

– Seekircher, Monika, Brian McGuinness and Anton Unterkircher (Eds.). Ludwig Wittgenstein: Briefwechsel. Innsbrucker elektronische Ausgabe. Charlottesville. 2004. 1798417986.

– Urmson, J.O. Philosophical Analysis. Oxford. 1956.

– Wittgenstein, Ludwig. Blue & Brown Books. Oxford. 1969. 2nd Edition.

Culture and Value. Ed. G. H. von Wright. Trans. by Peter Winch. Oxford. 1998.

  • Philosophical Investigations. Trans. by G. E. M. Anscombe. Oxford. 1958. 2nd Edition.
  • Zettel. Eds. G. H. von Wright and G. E. M. Anscombe, Trans. By: G. E. M. Anscombe. Oxford. 1981. 2nd ed.
المصدر
wittgensteinrepository PDF file

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى