كريم حلمي
إن كان الدين واحدًا في أصوله فلماذا تنشأ أنماط التدين المتعددة؟!
وإن كانت هذه الأنماط تختلف باختلاف طبائع البشر وثقافاتهم وصفاتهم الفردية، فلماذا لا تكون أنماط التدين الحداثية – المذمومة على ألسنة العلماء – وليدةَ اختلاف الطبيعة والبيئات وتكون تشكّلًا دينيًا موافقًا لقيم العصر كعامة أنماط التدين؟!
هذان السؤالان وغيرهما مما يُثار في أبواب جدلية الدين والتدين، ولنا مع ذلك وقفة!
لا شك أن أنماط التدين (التعبد، السعي إلى الله، ..) فيها دوران مع طبائع البشر واختلاف ثقافاتهم، بل الاختلاف بين طبيعتي الذكر والأنثى، وغير ذلك من عجائب الخلق.
ومما ينبغي أن يُعلم أن وجود أنماط للتدين – من هذا المنطلق – لا يتعارض مع المفهوم العام للدين، ولا يخرج عن حيز تطبيقه، والالتزام بجملته.
والله سبحانه الذي أرسل رسله بهذا الدين هو من خلق البشر على تنوع طبائعهم وهممهم وهمومهم وطاقاتهم، وأنزل سبحانه شريعته على علمٍ بنفوس عباده، ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾؟! وقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض: جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب”.
وهذا التنوع الإنساني فيه حِكَم جليلة ظاهرة، ولا تنتظم السنن الكونية إلا به، لكن هذا ليس مقام الخوض في ذلك.
لأجل ما سبق، كانت مظلة الدين واسعة جدًا، لا يُحاط بها، لكن يتعلق المرء منها بما يوافق فطرته وجبلته. وقد أخرج الإمام أحمد في المسند من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “استَقيموا ولن تُحصوا، واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ، ولَن يحافِظَ على الوضوءِ إلاَّ مؤمنٌ”.
فالحازم الشديد حظه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم = أكبر من حظه من اللِيْن والسهولة وإدخال السرور وجبر القلوب، والعكس، فتجد السَهْلَ الليِّن حظه من حسن الخلق وحفظ وُد القلب = أكبر من حظه من الشدة المحمودة.
والانبساطي حظه من البر والسعي في الحوائج وحمل الكَلّ = أكبر من غيره، والانطوائي حظه من العبادة والذكر والعلم وصلة الرحم القريبة = أكبر من غيره.
والواقعي الروتيني حظه من كمية الأوراد والرواتب واستقرارها أكبر، والحالم الملول العاطفي المتقلب حظه من كيفيتها واستحضار المعاني القلبية أكبر.
بل يمتد الأمر إلى الوظائف والصنائع، فالتاجر أو رجل أعمال ألصق بأبواب الصدقة والنفقة والوفاء بالعقود، والطبيب ألصق بأبواب الشفقة ودفع الكرب ورفعه والصبر والاحتمال، وهكذا.
ومن الناس يُفتح له باب العلم، فتستغلق عليه أبواب الفتوة والجهاد، كأبي هريرة رضي الله عنه، حامل لواء الحديث، ومن الناس من تشغله أبواب الفتوة والجهاد عن القرآن والعلم، كخالد رضي الله عنه، سيف الله المسلول على أعدائه.
بل من تدبير الله سبحانه أن كان ذلك في رؤوس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في أبي بكر رضي الله عنه لينٌ وسهولة يقومهما بشدة خالد وعمر، وكان في عمر رضي الله عنه شدة وحدة يقومهما بحلم أبي عبيدة ورقته، رضي الله عن الجميع.
وشدة عمر رضي الله عنه الفطرية كانت من دوافع رفضه للغنيمة يوم بدر[1]، فلم يكن رضي الله عنه أحكم وأسد مطلقًا ممن مال إلى اللين والرجاء، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما اجتمعت حكمة عمر رضي الله عنه – في هذا المقام – مع طبعه الصارم الشديد، وشدته كذلك هي هي من أوقفته موقفًا خلاف الأولى في صلح الحديبية[2]، فوافقت شدته الحق في الأولى، ولم توافقه في الثانية، وهذا مع كونه أفضل الصحابة وأحكمهم وأكثرهم إصابة للحق بعد أبي بكر رضي الله عنه.
وأنت تجد النبي صلى الله عليه وسلم يشير لذلك المعنى بذكر شعب الإيمان وتعديدها[3]، وبذكر أبواب الجنة وأعمالها التي تغلب على الناس[4]، وتجد الإشارة إليه كذلك في حديث ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى[5]، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: “إنك ضعيف”[6]، أي في أمر الأمارة، مع بيانه صلى الله عليه وسلم أنه أصدق الناس لهجة[7]، وهكذا.
ويدخل في ذلك الباب نحو اختلاف السلف في تفضيل العزلة أو الخلطة، والحق أن أكثر المروي عن السلف في التفضيل المطلق إنما هو خلاف طبع، لا خلاف شرع، فكلٌ منهم مال إلى طبعه، وكل إنسان يصلحه ما لا يصلح الآخر، مع قدر ضروري منهما جميعًا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك قبول النبي صلى الله عليه وسلم من الأعراب ما لا يقبله من غيرهم، فيقول في أعرابي لا يزيد على الفرائض شيئًا: “أفلح إن صدق”[8]، ويقول في ابن عمر بعد رؤية شديدة رآها: “نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل”[9].
وتجد ذلك في توظيف النبي صلى الله عليه وسلم للناس، وحثهم على التعبد والعمل بما يوافق حالهم، حتى من يطيل النوم، يوكله بتفقد موضع نزول الجيش بعد رحيله[10]!
وهذا الباب واسع جدًا، لو فصلنا فيه لكُتبت كراريس.
وكذلك الأمر في حكمة التشريع المميز بين الرجل والمرأة، فالتشريع جاء بما يصلح كل واحد منهما، ويوافق فطرته، ويلائم استعداده النفسي والذهني والجسدي والعاطفي، إلى آخر ذلك.
فالدين شعب كثيرة جدًا، لا يعجز أحد من البشر أن يجد فيها مسلكًا للاجتهاد والقربة يوافق طبعه واستعداده.
لكن هذه الشعب تجتمع في طريق رئيس لا ينبغي أن يحيد عنه أحد، ويحوطها كلها إطار صلب، لا يحتمل التسييل أو النسبية، وهذا هو موضع ظهور التكليف، ومشقته، ومخالفة الهوى، ومحال الاختبار والابتلاء.
ولو سُيّل هذا الطريق الرئيس، ودخله النسبية والاختيار = سقط معنى الدين وغابت فلسفته وحقيقته، فإن مفاهيم العبودية والانقياد والاستسلام والدين – بمعنى الخضوع -، ومفاهيم الاختبار والابتلاء = تتعارض مع نسبية تكيّفية مطلقة، وتلوّنٍ مناقض لوجود الثوابت العليا المركزية.
وهذا الطريق الرئيس طيفه واسع، وليس على رتبة واحدة، بل يبدأ من كليات الدين ومقاصده العليا – وعلى رأسها الإيمان بالله وتوحيده – ويمتد إلى فروع الواجبات والمحرمات، وأصول المستحبات العظمى.
وبعد؛ فإن فساد أنماط التدين الحداثية – المتمثلة في فكر ما يوسم بتيار الإسلام الحداثي – ليس ناجمًا عن التدثر بثياب أنماط التدين الواسعة التي يرجع تباينها إلى الاختلاف الضروري المُراعى في الطبائع والأحوال والبيئات، وإنما محل فسادها هو عَمْدها إلى تسييل المعاني المركزية الثابتة في الدين لأجل الهوى، والشريعة إنما تراعي الطبائع الضرورية الفطرية، وذلك إلى حد ما، ترتفع به أثقال المشقة البالغة، وتظهر فيه آثار اللطف والسعة، لكنّها لا تراعي الأهواء التي تتجارى بصاحبها.
ولو كانت الشريعة مبنية على أهواء الناس وكل ميل فيهم وطبع = لسقط التكليف والدين كما تقدم، ولسقط الإيمان، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به”، فلُب الإيمان هو انقياد الهوى لمركزيات الشريعة، ومما يناقض ذلك الإيمان = جر الشريعة جرًا، وليّها ليًا؛ لتنقاد لمجاري الأهواء، ولأن نفس الشريعة تضاد ذلك وتنافره = لزم مريدَ ذلك تبديلُها شيئًا فشيئًا، إلى أن تُبنى نسخة براجماتية قابلة لموافقة الهوى والانقياد له، وهذه النسخة ليست هي الدين – لا التدين – الذي بُعث به محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
والهوى طيف واسع كذلك، يدخل فيه الميل عن كل مشقة وكُره، [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ]، ومن الكُره: الضغط السياسي، والاجتماعي، والفكري، واحتمال الغربة، ومعاداة الأكثرية الغالبة، والصدود عن متاع الدنيا، إلى آخره.
عود على بدء ..
الحازم محاسب على حدٍ أدنى من حسن الخلق والتبسط وإن لم يكن مفتوحًا له في الباب، والليّن السهل محاسب على حد أدنى من الشدة في الحق وإن لم يكن مفتوحًا له في الباب، وكذا الانطوائي والانبساطي، والطبيب والتاجر، وجميع ما ذكرنا من الأنماط والطبائع.
فالأمر ليس نسبيًا ولا سائلًا، وإنما الشريعة ليست على رتبة واحدة، بل فيها مقاصد كلية عليا، ومركزيات أساسية، ثم الشريعة فيها واجبات بعضها آكد من بعض، وأشد اتصالا بمركز الشريعة من بعض، ثم الشريعة فيها مستحبات ومكروهات مركزية، ثم فيها مساحة واسعة جدًا من المستحبات والأولويات ومجاري الاجتهاد لا يمكن الإحاطة بها، أو بالدرجات العليا منها على الأقل، فمستقل ومستكثر، وهذا محل الأثر المقبول لهذا الاختلاف في الطبائع والثقافات والأعراف، ثم هنالك مساحة أوسع من المباحات.
وبعد؛ فهذه إشارة عجلى، وليُعلم أن هذا الباب كله دائر على ألسنة الفقهاء وأطباء الشرع، لكن بغير تلك اللغة، والله أعلى وأعلم، وهو الهادي إلى سواء الصراط.
[1] أخرج الإمام أحمد في مسنده حديثًا طويلًا لعمر رضي الله عنه، جاء فيه عنه رضي الله عنه: ” فَلَمَّا كَانَ يَوْمُئِذٍ، وَالْتَقَوْا، فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا وَعُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَؤُلاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونُ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ فَيَكُونُونَ لَنَا عَضُدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلانٍ – قَرِيبًا لِعُمَرَ – فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلانٍ، أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ.
فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ عُمَرُ: غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَإِذَا هُمَا يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبَكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ” – لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ – وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 67 – 68] مِنَ الْفِدَاءِ، ثُمَّ أُحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ”.
[2] أخرج الإمام أحمد في مسنده حديثًا طويلًا عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يحكيان فيه أمر الحديبية والصلح، ومما جاء فيه: “.. فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ “، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَا، وَأَطَالَا الْكَلَامَ، وَتَرَاجَعَا حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ، فَلَمَّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْكِتَابُ وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَوَلَيْسَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ. قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: ” بَلَى “، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ: ” أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي ” ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا”، وجاء فيه: ” فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ إِذْ جَاءَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْحَدِيدِ قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ … فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ، قَامَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ لُجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا. قَالَ: ” صَدَقْتَ “. فَقَامَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ، قَالَ: وَصَرَخَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، أَتَرُدُّونَنِي إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ، فَيَفْتِنُونِي فِي دِينِي. قَالَ: فَزَادَ النَّاسُ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا، وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ”. قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ، فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ. قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ. قَالَ: يَقُولُ: رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ، فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ. قَالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ، وَنَفَذَتِ الْقَضِيَّةُ ..”
[3] مثاله ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح: “الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شُعبةً، أفضلُها لا إلهَ إلا اللهَ، وأوضَعُها إماطةُ الأذى عن الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ منَ الإيمانِ”.
[4] أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيامِ دُعِيَ مِن بابِ الرَّيّانِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّدَقَةِ، فَقالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ ما على مَن دُعِيَ مِن تِلكَ الأبْوابِ مِن ضَرُورَةٍ، فَهلْ يُدْعى أحَدٌ مِن تِلكَ الأبْوابِ كُلِّها، قالَ: نَعَمْ وأَرْجُو أنْ تَكُونَ منهمْ.”
[5] أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ فُقَراءَ المُهاجِرِينَ أَتَوْا رَسولَ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجاتِ العُلى، والنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقالَ: وَما ذاكَ؟ قالوا: يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ، فَقالَ رَسولَ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ؟ وَلا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ قالوا: بَلى، يا رَسولُ اللهِ قالَ: تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً. قالَ أَبُو صالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَراءُ المُهاجِرِينَ إلى رَسولِ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالوا: سَمِعَ إخْوانُنا أَهْلُ الأمْوالِ بما فَعَلْنا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقالَ رَسولِ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ.
[6] أخرج الإمام مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَلا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قالَ: فَضَرَبَ بيَدِهِ على مَنْكِبِي، ثُمَّ قالَ: يا أَبا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّها أَمانَةُ، وإنَّها يَومَ القِيامَةِ خِزْيٌ وَنَدامَةٌ، إلّا مَن أَخَذَها بحَقِّها، وَأَدّى الذي عليه فِيها.
[7] روي من طرق عدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما أظلَّتِ الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ أصدقَ لهجةً من أبي ذرٍّ”.
[8] أخرج الشيخان من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنَّ أعْرابِيًّا جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ ثائِرَ الرَّأْسِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ أخْبِرْنِي ماذا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فَقالَ: الصَّلَواتِ الخَمْسَ إلّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي ما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيامِ؟ فَقالَ: شَهْرَ رَمَضانَ إلّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي بما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكاةِ؟ فَقالَ: فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ ﷺ شَرائِعَ الإسْلامِ، قالَ: والذي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شيئًا، ولا أنْقُصُ ممّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شيئًا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ أفْلَحَ إنْ صَدَقَ، أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ.”
[9] أخرج الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنها أنه قال: كَانَ الرَّجُلُ فِى حَيَاةِ النبي – صلى الله عليه وسلم – إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النبي – صلى الله عليه وسلم – فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا وَكُنْتُ أَنَامُ فِى الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَرَأَيْتُ فِى النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِى فَذَهَبَا بِى إِلَى النَّارِ فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَىِ الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ – قَالَ – فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لِى لَن تُرَاعْ. فَقَصَمنهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَمنهَا حَفْصَةُ عَلَى النبي – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ النَّبِىُّ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ سَالِمٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً.
[10] قال السهيلي في الروض الأنف: “وَفِيهِ – أي حديث الإفك – ذِكْرُ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ بْنِ رُبَيْضَةَ بْنِ خُزَاعِيّ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ مُرّةَ بْنِ فَالِجِ بْن ذَكُوَانُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ السّلَمِيّ، ثُمّ الذّكُوَانِيّ يُكَنّى أَبَا عَمْرٍو، وَكَانَ يَكُونُ عَلَى سَاقَةِ الْعَسْكَرُ يَلْتَقِطُ مَا يَسْقُطُ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى يَأْتِيَهُمْ بِهِ وَلِذَلِكَ تَخَلّفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الّذِي قَالَ فِيهِ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، وَقَدْ رُوِيَ فِي تَخَلّفِهِ سَبَبٌ آخِرُ وَهُوَ أَنّهُ كَانَ ثَقِيلُ النّوْمِ لَا يَسْتَيْقِظُ حَتّى يَرْتَحِلَ النّاسُ. وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ هَذَا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ “أَنّ امْرَأَةَ صَفْوَانَ اشْتَكَتْ بِهِ إلَى النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَذَكَرَتْ أَشْيَاءَ مِنْهَا أَنّهُ لَا يُصَلّي الصّبْحَ فَقَالَ صَفْوَانُ يَا رَسُولِ اللهِ إنّي امْرِئِ ثَقِيلُ الرّأْسِ لَا أَسْتَيْقِظُ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَإِذَا اسْتَيْقَظْت فَصَلّ””، والذي يظهر هو الجمع بين ما الأمرين، فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله على الساقة لثقل النوم وتأخر استيقاظه.
السلام عليكم, سبحان الله كما لو أنك كتبتها لي خصيصا, كنت أبحث عمن يفيدني بهذا الخصوص بارك الله في كاتبها و زاده علما و ألهمه العمل به.
نفع الله بكم وزادكم الله تعالى علماً وورعاً وفقهًا وحكمة.
برجاء الإستزادة من هذه المادة القيمة المشبعة فكريًا.
جزاكم الله خيرا ونفعكم ونفع بكم
جزاك الله خيرا ونفع بك
استمر بارك الله فيك
سددك الله