- آدم جرانت
- ترجمة: فاطمة الشحي
- تحرير: أحلام زينول
هناك احتمالات أن زملاءك في العمل أفضل منك في تقييم بعض أبعاد شخصيتك.
عندما غرد دونالد ترامب بأنه “عبقري مستقر جدا”، اتهمه الصحفيون والنقاد بأنه يفتقر إلى الوعي الذاتي، لكن الحقيقة أن لا أحد يمتلك وعيًا ذاتيًا كاملًا، فأنت ربما تعتقد بضعة أشياء عن نفسك، لكنها خاطئة.
سواء كانت محاولة للحصول على وظيفة أو إثارة إعجاب من تحب، يقضي الناس الكثير من الوقت في صنع مزاعم ورسم صورة عن أنفسهم. هذا منطقي فأنت الشخص الوحيد على سطح الأرض الذي لديه معرفة مباشرة عن كل فكرة، وشعور وخبرة امتلكتها يوماً ما، من يستطيع معرفتك أفضل منك أنت؟ ولكن دخولك لكواليس عقلك يجعلك أحيانا آخر شخص على الأرض يجب على الآخرين الثقة به في معرفة نفسك. فكر بها كامتلاكك لسيارة: فمجرد قيادتك لها لسنوات لا يجعلك تحدد متى ولماذا يتعطل محركها.
أظهرت ست عشرة دراسة صارمة أجريت على آلاف الأشخاص في العمل أن الزملاء الآخرين أفضل في تمييز كيف تؤثر شخصيتك على أدائك الوظيفي. وكعالم اجتماع إذا أردتُ الحصول على قراءة عن شخصيتك، سأطلب منك أن تملأ استبيانا عن مدى توازنك، وودك، وانفتاحك، وفضولك. ولكن سيكون من الأفضل لي أن أسأل زملاءك عنك وتقييمهم لك في هذه الصفات. غالباً تكون دقة وصفهم أضعافًا، فهم يستطيعون أن يروا أمورًا لا تستطيع أو لا تريد أنت رؤيتها. تكشف هذه الدراسات أنه مهما كان ما تعرفه عن نفسك، فإذا كان زملاؤك لا يعرفونه، فهو غير مرتبط أساسا بأدائك الوظيفي.
النقطة العمياء للبشر متوقعة: هناك عدد من السمات التي لا يستطيع البشر بأنفسهم أن يروها، ويستطيع الآخرون ذلك. طلب عالم النفس سيمون فازير من الناس أن يقيموا أنفسهم وأربعة من أصدقاءهم في مجموعة من السمات مثل الاستقرار العاطفي والذكاء والابتكار والإصرار، ثم النظر فيما إذا كانوا يمكنهم أن يتنبؤوا بخصائصهم الشخصية أفضل مما فعل أصدقائهم، حيث تعرضوا لأكثر من اختبار لقياس هذه السمات.
الأخبار الجيدة هي أن لديك شئ من البصيرة الفريدة لإدراك استقرارك العاطفي، ففي هذه الدراسة تفوق الأشخاص على أصدقاءهم في التنبؤ بمدى قلقهم عند إلقائهم خطاب حول كيفية شعورهم بأجسادهم، ولكنهم ليسوا أفضل من أصدقائهم (أو حتى من الغرباء الذين إلتقوا بهم قبل ثماني دقائق مضت) في توقع مدى إصرارهم في مناقشة جماعية. وعند محاولة توقع أدائهم في اختبار حاصل الذكاء IQ وأحد اختبارات الإبداع كانوا أقل دقة من أصدقائهم.
يعرف الناس أنفسهم بشكل أفضل في السمات التي يصعب ملاحظتها ويسهل الاعتراف بها. الاستقرار العاطفي هو حالة داخلية، لذلك لا يراها أصدقاؤك كما تراها أنت. وبالرغم من أن الناس لا يريدون تسمية أنفسهم بأنهم غير مستقرين، فالنطاق المقبول اجتماعياً واسع جدا لذلك لا نميل إلى الشعور بالقلق الشديد حيال تعرضنا لبعض القلق. لكن مع السمات الملاحظة أكثر (الظاهرة) فلا نملك معرفة مميزة عنها؛ فإذا كنت شديد الانفتاح أو انطوائي متطرف، فنحن لا نريد أن نسألك، نستطيع أن نلمح ذلك بسرعة من خلال الارتجالات التي تقوم بها أو تذمرك من أن زوجك يكتب بصوت عال. وفي معظم الصفات التي قيمناها، لا يمكن الوثوق برأيك حولها، فمن المحتمل أنك تريد أن تقنع الجميع -ونفسك- بأنك ذكي ومبدع.
لهذا السبب يبالغ الناس في تقدير ذكائهم باستمرار، وهو نمط يبدو أكثر وضوحًا لدى الرجال منه لدى النساء. هو أيضا سبب مبالغة الناس في تقدير كرمهم، لأنها صفة مرغوبة. ولهذا يقع الناس ضحية النزعة المفضلة لدي ألا وهي: نزعة أنا لست انحيازيًا، حيث يميل الناس للاعتقاد بأن لديهم تحيزات أقل من المتوسط، لكن لا يمكنك أن تحكم إذا ما كنت متحيزا أم لا، لأنه عندما يتعلق الأمر بنفسك فأنت الأكثر تحيزا على الإطلاق. وكلما ظن الناس أنهم أكثر موضوعية كلما تعصبوا أكثر، لأنهم لا يدركون بأنهم غير محصنين ضد التحيز.
عندما يكون من السهل عليك ملاحظة سمة ما أو يصعب عليك الاعتراف بها، فأنت بحاجة إلى أناس آخرين يكونون مرآةً لك. قد يكون أبواك الحنونان وأصدقاؤك المقربون أكثرَ معرفةً بك، لأنهم يلاحظونك أكثر. ولكن قد تكون رؤيتهم ضبابية أيضا، لأنهم اختاروك وغالباً ما يشاركونك تلك الرغبة المزعجة في رؤيتك بشكل إيجابي. أنت بحاجة إلى أشخاص لديهم الدافع لرؤيتك بشكل دقيق، وقد توصلتُ أكثر من أي وقت مضى إلى أن هؤلاء الأشخاص هم زملاؤك. فالأشخاص الذين تعمل معهم لديهم مصلحة قوية لجعلك أفضل (أو على الأقل أقل سلبية)، يكمن التحدي في أنهم غالبا ما يترددون في إخبارك بالأشياء التي لا تريد سماعها، ولكنك بحاجة إلى الاستماع إليها.
خلال الأشهر القليلة المنصرمة، تعلمت الكثير بشأن كيفية التغلب على تلك الحواجز. أثناء تسجيل أحد اللقاءات دعوت نفسي إلى بعض أماكن العمل غير التقليدية؛ فوجئت أنهم في كل مكان عمل جعلوا الأولوية الكبرى مساعدة الناس لاكتساب الوعي الذاتي، وفي بعض الأحيان كان ذلك جزءًا من تقييم أدائهم الوظيفي. وتكونت لدي رؤى جديدة حول كيف يستطيع الناس رؤية أنفسهم بشكل أفضل.
أولا: إذا أردت أن يعرفك موظفوك حقا، لا تقطع الاجتماعات الأسبوعية. فأنت تحتاج إلى الغوص عميقاً في المواقف الحرجة. حين تحدثت مع أفراد طاقم فضاء ذهبوا لمحطة الفضاء الدولية معا، وجدتُ أن ناسا قد أعدتهم من خلال إرسالهم إلى الحياة البرية لمدة ١١ يوما معا، وفور وصولهم تخلى عنهم مرشدهم وتاهوا، قالوا أنهم خرجوا من تلك التجربة وهم يعرفون بعضهم البعض أفضل من الزملاء الذين عملوا معهم لسنوات. في Morning star وهو مصنع معجون طماطم رائد، استطاع أن يعمل بكفاءة لعقود دون وجود أي رئيس، ذهلت عندما اكتشفت أن المؤسس غالباً ما كان يقابل المتقدمين للعمل في منازلهم لمدة ثلاث إلى خمس ساعات.
ثانيا: انظر لما يزعجك واكتبه لأنه يمكن أن يكون مرجعًا مفيدًا لك. لقد رأيت الكثير من المدراء يكتبون كتيباتهم الخاصة بهم لمساعدة الأشخاص على فهم ما الذي يجعلهم يُخرجون أفضل أو أسوأ ما لديهم. لكن من الأفضل أن يكون لديك أناس يعرفونك جيداً يكتبون لك دليل المستخدم المناسب لك. في زيارة قمت بها إلى the hedge fund Bridgewater Associates، وجدت أن الموظفين يقيمون بعضهم يومياً في ٧٧ معيارٍ مختلف! يبدو ذلك مهولا، لكنه يدفع الناس ليكونوا صادقين مع أنفسهم؛ أما في Morning Star يكتب الموظفون سمات وظائفهم بناء على الكيفية التي يخططون بها للمساهمة في رسالة الشركة خلال تلك السنة، ثم عليهم أن يجعلوا زملاءهم يشاركونهم فيها، ثم بعدها يقيم زملاؤهم أداءهم ويحددوا أجورهم.
ثالثا: ضع نفسك في مواقف تجعلك لا تتجاهل التقييمات والمراجعات الآتية من مصادر متعددة. تشير الدراسات إلى أن صديق واحد يمكنه قياس ذكاء الشخص وإبداعه من نفسه، وإذا كانوا أربعة أصدقاء فإنك تحصل على تقييمات أفضل وأدق. عندما تسللت إلى غرفة الكُتّاب في برنامج Daily Show أخبرني المقدم ترفور نوح أن ٩٠٪ من الكوميديا تكون واقعية على المسرح، فبمجرد بدءه الإشارة للمواضيع يحصل على ردات فعل فورية من الجمهور حول ما هو مضحك. في Bridgewater يتم تقييم تقييمات الأداء بالنظر لمدى مصداقية زملائك في إثبات أنفسهم في كل مجال. عندما يكون لخمسة من زملائك المقربين سجل حافل من التنظيم العالي ويقولون أنك لست كذلك، سيكون من الصعب الجدال بأنك على حق وأنهم مخطؤون.
تخيل لو أن البيت الأبيض يُنظّم بهذا الشكل. يُقَيَّم الرؤساء في استطلاعات الرأي العامة طوال العام، في حين لو تركوا فرقهم هي التي تقوم بتقييمهم، لتعلموا أكثر. وبما أن الاستقرار العاطفي هو حالة داخلية وطالما هو مستقر فقد يكون الرئيس ترامب قادر على تقييم ذلك بدقة. ولكنه مثل الآخرين، ربما لا يستطيع أن يرى نفسه بوضوح عندما يتعلق الأمر بالسمات المرغوبة أوغير المرغوبة كالذكاء على سبيل المثال.
أول قاعدة في الذكاء هي ألا تتحدث عن ذكائك، فهو شيء تثبته، لاشيء تجادل بشأنه. كما قال باتون أسولت الكوميديان المشهور أن الشخص الذي يتجول قائلاً “أنا مضحك” هو شخص غير مضحك، إن كنت مضحكا حقا فستجعل الناس تضحك.
لذا إذا أدرتُ أن أعرف ما إذا كان المرشحين السياسيين أذكياء، لن أعبأ بدرجاتهم في اختبار IQ ، فقط سأسألهم سؤالاً واحداً: ما مدى ذكائك برأيك؟
سيعرف العباقرة الحقيقيون أنه ليس هم من يحكم بذلك.