- نشر: TheSchoolofLife
- ترجمة: منى الرومي
- تحرير: فاطمة صبحي
القلق هو شعور لا يتمنّى المرء معاناته أبدًا، ولا ينبغي له أن يشعر به إلا عندما تستدعي الأمور ذلك؛ لذا قد يخيّل للناس أن فكرة وجود أشخاص يبحثون عن أمر يثير قلقهم سعيًا للتوازن الحياتيّ هو مجرد ضرب من الخيال أو السخف.
ومع ذلك، سرعان ما يتسلل إلى بعضنا شعور بالتوتر عندما تكون الأحوال مستقرة ويخيّم السكون على الجو العام، فيبدأ الشعور بالقلق حيال المستقبل وما يخبئه من شرور عندما لا نجد شيئا مروعاً للقلق نستيقظ في منتصف ليلة هادئة مليئة برهبة لا رحمه و نلتقط هواتفنا سريعاً على أمل أن نلتقى صدمة القلق المطلوبة، نفحص الأخبار بحثاً عن القصص المزعجة؛ فإن لم نجد نسرع بتفقّد بريدنا الإلكتروني بحثَا عن أية رسائل هجومية والتي لابد أنها ستثقل كاهلنا بالمشاكل، وهكذا هي حياتنا الطبيعية نبحث عن أي أمر يثير قلقنا لكي نبقى في حالة الذعر الدائم الذي اعتادته أنفسنا.
قد يجد البعض أن هذا الأمر مثير للسخرية وقد يكذبه آخرون، و لكن في الحقيقة فإن الحاجة للعثور على أمر يدعو للقلق لا يعد أمرًا طبيعيا؛ إنما هو دليل على نوع معين من المشاكل التي تستحق قدرًا خاصًا من التعاطف والفهم الصحيح لحالة هذا المريض.
فالحاجة الملحة للقلق هنا هي دليل على المرور بحادثة –في الماضي لم يتم تحليلها ولا فهم أبعادها كاملة- بعثت القلق والحزن فينا بشكل كبير؛ فقبل أن تكون قدراتنا العقلية كابالغين في مكانها المناسب، عانينا من العديد من الأحداث المؤلمة التي جعلت بدورها إنذاراتنا الداخلية في وضع “التشغيل” دائما، ولم نتمكن من إيقافها أو بالأحرى تهدئة أنفسنا أنذاك.
والكارثه العظمى هي أننا قد نسينا الصدمة الأصلية ولم نلاحظ حتى أن إنذاراتنا الداخلية مازالت تعمل! فهذه المخاوف التي تنم عن قلق هوسي -كما كانت من قبل “كل شيء” غير قادرة على التركيز على حادثة أو اثنتين من الماضي والحزن على أثرهما؛ بالتالي كأنما أعيد توزيع هذا القلق الذي يعود إلى مكان و زمان بعيد وتقسيمه على مئات الموضوعات المتغيرة في الوقت الحاضر (من مكان العمل إلى السمعة، ومن المال إلى المهام المنزلية) لأن مصدره وأصوله الحقيقية لا تزال غير معروفة لمن يعاني منه.
ولهذا لا ينبغي أبدًا على أي شخص الاستهزاء أو أن يتجرأ ويشير بسخرية إلى هؤلاء الناس و (حاجتهم للقلق)، بل علينا أن نرفع من سقف فهمنا لاستيعاب ما وراء هذه الحاجة من خوف و رعب دفين في العقل اللاواعي والذي بدوره أدى لهذا الوضع المؤسف في الحاضر.
وقد جسّد المحلل النفسي دونالد وينيكوت ديناميكية هذا النسيان في عبارة لا تنسى: “الكارثة التي نعتقد أنها ستحدث قد حدثت بالفعل”.
فنحن الذين نعاني من هذا القلق الهوسي بغنى عن التعليقات السلبية والساخرة و إنما كُل ما نحتاجه هو الرفقة الداعمة بذكاء، لتغمرنا بالحب وتقوّي بصيرتنا لكي نتحلى بالجرأة الكافية للنظر في أحزان الماضي؛ لأن شعورنا الدائم بالخوف إنما هو إشارة لعارض حزن من الماضي لم يجد هدفه حتى الآن؛ وسعينا المستمر للبحث عما يقلقنا وإنذاراتنا المنتبهة دائما محض أدلة على أننا ما زلنا لم نوفّق فى إيجاد أي شيء في العالم الخارجي يستجيب لما هو فى عالمنا الداخلي من رعب وفزع.
وبالطبع لا أقصد هنا أنه لا يوجد أي شيء يدعو للقلق في الوقت الحاضر، فقط الأمر أقل بكثير مما يميل أصحاب القلق الهوسي إلى تصديقه. علاوة على ذلك ، فإن هذه الأمور التي تدعو للقلق يمكن التعامل معها بقدر أكبر من المرونة … أكبر بكثير مما يمكن أن يتخيله صاحب القلق الهوسي؛ لأنه يتعامل مع مثل هذه الأمور فيما يتعلق بقوته وقدرته على البقاء بما يوصف بحس الطفل.
وفى النهاية بدلاً من تفقد هواتفنا باستمرار في الساعة 4 صباحًا، يجب علينا أن نقوم تدريجيًا بعملية مقايضة من أجل راحتنا، علينا أن نستبدل مشاعر الرهبة حيال أي شرّ مرتقب في المستقبل بفهم عميق لحالتنا من قبل شخص مختص، وأن نعطي الماضي الذي لم نفهمه تماما بعد -ولكنه أثقلنا بصدمات موجعة وغير عادلة- حقه من الحزن.
اقرأ ايضاً: القلق هو الدافع وراء الاكتئاب، لأنّه لا يخضع للسيطرة الواعية