مراجعات كتب

عرض كتاب: “مأزق الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”

  • يحيى غريب
  • تحرير: أثير البدراني

 

من العام 2011 ، وتتوالى الدراسات والأبحاث لرصد وتحليل مرحلة ما يسمى بالربيع العربي وما تلاها من أحداث، وقد شملت هذه الدراسات أبعادًا مُتداخلة ما بين السياسي والإقليمي والإجتماعي والإقتصادي والعسكري والأمني.

بيد أن أغلب هذه الدراسات قد افتقرت للرصد الاجتماعي، لاسيما المُدَعَمْ بالإحصائيات الإمبريقية المعمّقة، كما خَلَت أغلب هذه الدراسات من التركيز على الشباب العربي وتوجهاته فيما بعد الثورات.

وبعد سبعة أعوام من الثورات العربية خرج كتاب؛ “مأزق الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” والذي يعتبر لَبنة في سد هذه الثغرة الشاغرة فيما يخص رصد الواقع الشبابي العربي وأحلامه وآماله.. وتوجهاته.

التعريف بالكتاب والمنهجية:

صدر كتاب “مأزق الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”[1] بتحرير أكاديميين ألمانيين هما يورغ غِرتل ورالف هِكسِل.[2]  وقد اشترك في هذا الكتاب عددٌ من المؤسسات مثل مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، وجامعة ليبزيغ الألمانية كذلك، وبتعاون مع شركة بابليك وكانتار[3] المغربية. إضافةً إلى تعاون متعدد مع معاهد استطلاع الرأي الحكومية والخاصة في الدول التي تم دراستها.

حاول الكتاب، والذي وقع في 500 صفحة؛ بحث سؤالين أساسيين:

الأول: “كيف يبدو الوضع بالنسبة إلى الشباب العربي بعد ست سنوات على ما يُعرف بالربيع العربي؟!”.

والثاني: “كيف يتعامل الشباب مع حالات فقدان الأمن وغياب اليقين الجديدة التي يواجهونها في حياتهم اليومية؟!”.

وللإجابة عن هذين السؤالين فقد أُجريت مقابلات ميدانية مع نحو 9 آلاف شاب تتراوح أعمارهم بين 16 و30 من ثمانية بلدان من منطقة الشرق الأوسط وتسع جنسيات، وهي: البحرين، مصر، الأردن، لبنان، المغرب، فلسطين، تونس، اليمن، إلى جانب اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان. وكانت العينة لكل بلد 1000 شاب لكلٍ من الجنسيات التسعة على حِدة، مع اعتبار توزيع جغرافي متنوع لضمان نزاهة العيّنة المبحوثة مع تصنيف الفئات العمرية المختلفة، وقد اُستخدمت تقنيات حاسوبية صُممت خصيصًا لهذا الاستطلاع.[4]

وقد أُخذت إجابات المبحوثين عبر استبيان مطول من نحو 200 سؤال، استغرق الجواب عنه حوالي 60 دقيقة لكل فرد، وقد تم تطوير هذا الاستبيان عدة مرات ليُناسب البحث المراد عمله، وذلك التطوير كان من قِبل جامعة ليبزيغ وفريق استشاري متخصص أُختير خصيصًا لهذه المهمة.[5]

وبعد مرحلة الإستبيان كان هناك مرحلة أخرى من الأسئلة المفتوحة أو المقابلات الميدانية مع الشباب العربي والسماع الشفهي للمبحوثين، وذلك عبر فريق ميداني تكوّن من أكثر من 50 فرد دُرب خصيصًا لهذه المهمة، وقد بلغ عدد المساهمين بالتحليل والدراسة في الكتاب نحو 16 أكاديميًا من جنسيات متنوعة.

ويتميز الكتاب بعدد الإحصائيات والبيانات التي قلما تخلو منها صفحة من صفحات الدراسة، إذ زُود الكتاب بعددٍ كبير من الجداول الإحصائية والرسومات التوضيحية، مع شرح تفصيلي للجداول، وتحليل للمحتوى والدلالات التي تحملها الجداول.

وهو ما يجعل الكتاب مبني على نمط إحصائي وبياني أكاديمي، وتحليل علمي لهذه النتائج التي تم التوصل إليها ميدانيًا.[6]

العادات والقيم:

يتناول القسم الأول من الكتاب العادات والقيم، ويُرّكز على موضوعات القِيم والدين والجندر والعائلة. ويشير الفصل إلى أن الشباب العربي يتمتع بمجموعة متنوعة من القيم ومُخطّطات الحياة، لكنها تختلف باختلاف التفاعلات العائلية والمدرسيّة والشبكات الإجتماعية المتنوعة من بلد لآخر. بيد أن هناك ثلاثة قِيم اعتبرتها الدراسة قيما أساسية للشباب العربي في بلدانهم المختلفة، وهي:

  • الرغبة في استتباب النظام الأمني.
  • والرغبة في مستوى معيشي ملائم ووظائف مناسبة.
  • والرغبة في الحصول على شريك حياة جدير بالثقة المستقبلية.

أما الدين؛ فتشير المؤشرات إلى أن شباب الوطن العربي ما زال يقع في خانة “متدين جدًا” أو “متدين نسبيًا” وأن هذين المؤشرين هما الأكثر إنتشارًا بين الشباب. كما أن الدراسة تشير إلى أن التديّن ينتشر في المدن الكبرى كما إنتشاره في القرى الصغيرة.

وترى الدراسة كذلك أن المتدينين أغلبهم من حَمَلة الشهادات الجامعية، كما أن التدين يُعتبر عاملًا كبيرًا للتفاؤل والأمل في عالم الشباب العربي بعدما تفككت مراسيه الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن -في الوقت نفسه- يغلب على الشباب التدين الفردي أو ما كان يُسميه تايلور بعصر “الفردانية التعبيريّة”.

وفيما يخص الجندر؛ فإن الدراسة ترى أن العالم العربي مازال متحيزًا جندريًا إلى الرجل، وهو ما يسبب فقدان الأمن والمساواة في عالم الشباب. ويتميز الشباب المنتمون إلى طبقات اجتماعية عالية بقدرتهم على التمتع بحياتهم، كما يحظى أغلب الشباب بتعليم أفضل من الذي حصل عليه آبائهم. وقد رصَدت الدراسة كذلك مسألة التحرش الجنسي باعتبارها تجلي واضح بين الشباب العربي للعنف ضد جسد المرأة.

أما العائلة فتبين من الدراسة أنها مازالت المُحتضِن الأساسي للشباب العربي غير المتزوج، حيث تختمر بداخلها الخطط المستقبلية بعد مناقشتها مع الأسرة، وقليلًا ما ينفصل الشباب العربي عن أُسرهم قبل الزواج، وغالبًا ما تكون هناك رغبة من الشباب في الإنفصال عن أهلهم بعد الزواج مما يقلل حالات المراهنة على الإعتماد العائلي بين الشباب. إلا أن الدراسة قد أشارت أن عددًا كبيرًا من الشباب يجد صعوبة في الزواج في الوقت الراهن.

الاقتصاد:

يتناول الكتاب في القسم الثاني منه؛ الاقتصاد وتفاعلاته مع الشباب في الوطن العربي وشمال أفريقيا، ويُركزعلى قضايا مثل “الاقتصاد والعمالة” و”الطبقة الوسطى” و”الجوع والعنف” و”التنقل والهجرة واللجوء”.

وترى الدراسة أن الليبرالية الجديدة “New Liberalism” قد قَلَّصت آليات الحماية الإجتماعية عبر فتح أسواق جديدة في الوطن العربي، وهو ما زاد من المخاوف الاقتصادية مع توسع حالات فقدان الأمل وغياب اليقين، والاضطراب السياسي الذي صاحب الثورات.

وهو ما جعل العمالة لكثير من الشباب العربي مرتبطة بالأسواق العالمية في مجالات خدميّة مثل مجالات الطاقة والسياحة والأراضي، وليست مرتبطة بالعمالة الوطنية المحلية، وآل وضع الشباب إلى وضع مادي متضرر في أغلب البلدان العربية، ويزيد هذا الوضع حِدة ومرارة مع الشباب حديث الزواج.

أما الوظائف الحكومية فقد اختفت إلى حدٍ كبير أو تقلصت دائرتها بين الشباب العربي، وهو ما جعل الشباب ذوي الشهادات الجامعية في مستوى وظيفي أقل من أعضاء القطاع العام الحكومي رغم حصولهم على مستوى تعليمي يفوق الأجيال السابقة.

وقد أثر الوضع الإقتصادي المُتردي على دورة حياة الشاب من حيث الزواج وتكوين الأسرة، والقدرة على الانفصال عن العائلة والعيش منفردًا، مما يجعل هذا الجيل “أكثر عرضة لسلسلة من الصدمات الاجتماعية والاقتصادية”.

وفيما يتعلق بالطبقة الوسطى ووضع الشباب فيها، فقد حدث نوع من غياب الأمان والانتماء السياسي بين الشباب. وباتت حياة الشباب ترتبط بحياة عائلاتهم. كما تسببت الحروب الأهلية والإضطرابات التي ضربت عددًا من البلدان بعد الثورات العربية في تفاقم الخوف الاجتماعي وتشظي الطبقة الوسطى وظهور بوادر انقسام فيها.

ومع الوقت اتسعت حالات الخوف وقلة الأمن اليومي بين الشباب، وهو ما اقترن بأنماط مختلفة من العنف المباشر والجسدي، وهو ما يؤدي إلى تشكل مساحات مختلفة من فقدان الشعور بالأمان الاجتماعي، وزادت المجاعات الغذائية في عدد من الدول لاسيما التي صاحبتها حروب أهلية.

أما الهجرة وحركة اللاجئين؛ فقد نشرت الدراسة أن الشباب العربي المُصمِم على الهجرة لا يتجاوز 10% ووصفت هذه النسبة بأنها نسبة صغيرة على نحوٍ لافت. وقد اعتبرت الدراسة بأن ذلك يرجع في جزءٍ منه إلى صعوبة اتخاذ قرار الهجرة ورغبة الشباب العربي في متابعة الحياة مع أهلهم في بُلدانهم، وكما اعتبرت الدراسة الهجرة الجديدة بأنها هجرة للعمل أو الحصول على ارتقاء وظيفي مُناسب.

واعتبرت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي قد شجعت من رغبة الشباب في الهجرة لأسباب أخرى مثل؛ الترفيه، إلا أن العديد من الشباب العربي يرى بأنه لا يمكنه الاستقرار في أوروبا ولا يعتبرها الفردوس الأرضي لأنها تُخالف قيمه الإجتماعية.

أما الفئة الأكثر رغبةً في الهجرة فهم اللاجئون السوريون، الفارّون من الحروب، فهم الأكثر رغبة في السفر ولمّ الشمل مع أُسرهم لشعورهم بالحاجة إلى الاستقرار المطوّل في ظل الأوضاع التي تمُر بها بلادهم.

السياسة والمجتمع:

رصدت الدراسة في القسم الثالث منها موضوع الشباب والسياسة والمجتمع، عبر محددات مثل الاتصال والإعلام وتأثيرهما على الشباب، والسياسة ودور الشباب فيها، وأخيرًا المشاركة المدنية.

فيما يتصِل بالإتصال والإعلام؛ فقد رأت الدراسة أن الإعلام قد ربط الشباب العربي بالعالم الكبير بفضل تقنيات التواصل الحديثة، وأصبح بإمكان الشباب العربي الاتصال الدائم بالإنترنت عبر شاشة الهاتف، وهو ما جعل الشباب يتجه إلى فضاء إعلامي خاص بعيدًا عن الفضاء الإعلامي الرسمي للدولة المتمثل في القنوات التلفزيونية المحليّة.

ويُلاحظ أن الفروقات الاجتماعية والجندرية لا تلعب دورًا كبيرا في الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن جميع الأعمار والأجناس قد انفتحوا على شبكات التواصل، وكذلك جميع الطبقات الاجتماعية. وقد ظهر في الوقت نفسه استقطاب سياسي واجتماعي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

أما فيما يتعلق بالسياسة؛ فإن بيانات المسح تُشير لتطلّع الشباب إلى توفير الدولة للضمان الاجتماعي فيما يتعلق بالوظائف والأمن المعيشي، ويرى الشباب أن التقصير في هذه الأمور إنما هو تقصير من الدولة في المقام الأول، وبحسب الدراسة فإن عددًا من الشباب؛ يرى أن التدخل الأجنبي في بلادهم قد ألحق الضرر ببلادهم كثيرًا.

وتوصلت الدراسة إلى أن الناشطين العرب قد ازداد عددهم بفضل الانترنت والعمل الميداني، ولهم سمات تميزهم؛ منها: نمط تدينهم حيث يعتبرون أقل في تدينهم مقارنة بباقي الشباب العربي، كما أنهم ينتمون إلى فئات من ذات الدخل المتوسط في الغالب، واهتمامهم المتزايد بالسياسة والشأن العام وهوسهم باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

ورصدت الدراسة كذلك بعض الظواهر الشخصية للناشطين السياسيين مثل كون أغلبهم عُزاب، وأكثر ميلًا للتشاؤوم، ومن المرجح أنهم تعرضوا للعنف أكثر من غيرهم، ويرتفع عددهم في البلاد ذات النظام الجمهوري والتي تعرضت لانتفاضات عربية.

واعتبرت الدراسة أن المشاركة الميدانية والعمل في الحياة المدنية في أوساط الشباب العربي قد تنامى بعد الثورات، فقد صرح ثُلثي الأشخاص الذين تمت مقابلتهم بأنهم يشاركون في أنشطة اجتماعية وسياسية أو يتطوعون للخدمات العامة، وكانت النسبة الأكبر في هذه المشاركة مُرتبطة بقضايا إنسانية مثل مساعدة الفقراء والضعفاء، ثم القضايا الخيرية غير السياسية، ثم تأتي المشاركة الميدانية السياسية في المرتبة الأدنى.

في نهاية الدراسة قام الباحثون بمقارنة نتائجهم بدراسة مؤسسة شيل الألمانية على الشباب الألماني “Shell Youth Study”  وتوصلوا إلى أن الشباب العربي يتشابهون إلى حد بعيد مع الشباب في ألمانيا لكن تظل للبيئة اعتباراتها الخاصة.

ويبقى القول بأن؛عالم الشباب العربي لم يُفحص بشكلٍ كافِ، وأن التَشكُلات التي يمر بها الشباب باتت بمثابة نواة لتيارات شبابية واجتماعية وفكرية جديدة لم تُعرف بين الشباب في العقود الماضية، وهو ما يُؤذن بتحولات جذرية في مجتمعات الشباب العربي تحتاج إلى الدراسة والفهم.


[1]  وقد ; وقد كُتب الكتاب بالألمانية في 2017 وتُرجم إلى الإنجليزية 2018 ثم إلى العربية 2019، عنوان النسخة الألمانية:
Zwischen Ungewissheit und Zuversicht: Jugend im Nahen Osten und in Nordafrika (Bonn, Verlag J.H.W. Dietz, 2017)

عنوان النسخة الإنجليزية:

coping with uncertainty youth in the middle east and north Africa (Saqi Books 2018)

[2] “Ralf Hexel ” رالف هيكسل: مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة فريدريش إيبرت، كما شغل مناصب قيادية مختلفة لمشاريع في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.

“jörg gertel” بروفيسور الجغرافيا الاقتصادية في جامعة لايبزيغ، كما أنه حاصل على عدد من الشهادات العلمية في الجغرافيا والأنثروبولوجيا والدراسات الإسلامية.

[3] مؤسسة مغربية للأبحاث السياسية ودراسات الحالة Kantar Public

[4] هناك وصف تفصيلي بالمنهجية المسخدمة في قياس العينة المستهدفة في محلق نهاية الكتاب، كما أن هناك ملحق آخر فيه الأستبيان، وثالث للمؤشرات الطبقية، انظر ص 424 وما بعدها.

[5] يتكون هذا المجلس الإستشاري من 10 أعضاء من جنسيات وجامعات مختلفة حول العالم

[6] نشرت مؤسسة Friedrich Ebert Stiftung   هذه البيانات والجداول والإحصاءات على موقعها الإلكتروني، كما قامت بنشر نماذج الاستبيان في الدول المختلفة، ويمكن الإطلاع عليها على هذا الرابط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى