- د. إسماعيل العبودي*
- اسم الكتاب: منطق الكلام من المنطق الجدلي الفلسفي إلى المنطق الحجاجي الأصولي
- اسم المؤلف: حمو النقاري
- سنة النشر: 2010
- عدد الصفحات: 516
- الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف
مقدمة
قارن النقاري في هذا الكتاب بين جدل الأصوليين/المتكلمين وجدل الفلاسفة، بعد أن فصل تفصيلاً وافياً عن كلا الجدلين، وانتهى إلى نتائج مهمة في الفروق بينهما والتشابهات أيضاً، ويعتبر هذا الكتاب فريداً في بابه، وسبك بلغة أصولية منطقية عالية، وبنية أفكاره من بدايته بناء منطقياً تراتبياً، ولا غرابة في ذلك فمؤلف الكتاب أبرز تلامذة طه عبدالرحمن، وتأثر به في بناءه الأصولي والمنطقي، وبالذات في المنطق غير الصوري، وأشرف عليه في هذا الرسالة، وأشرف عليه أيضاً في رسالته للماجستير، وكانت في المقارنة بين ابن تيمية والغزالي في نظرتهم للمنطق،[1] وفي هذا الكتاب قارن حمو بين جدل الفلاسفة وجدل المتكلمين، ليكتمل نظرة إلى أدوات النظر العلمي النظري التي استخدمت في العلوم الإسلامية، واستفاد من تكوينه الفلسفي والمنطقي واهتم بمدارس الحجاج المعاصرة في نقاشه للمسائل ذات الصلة.
قسم المؤلف كتاب إلى مدخل عام، و بابين يحتويان على عدة فصول، مدخل عام ناقش فيه معنى الفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية، والباب الأول ناقش المدافعة النظرية في العقائد في الفكر العربي الإسلامي، وفيه يشرح المؤلف موقف الفرق الإسلامية من النظر والمناظرة وسبب قيام هذه الفرق، أما الباب الثاني فهدفة دراسة منطق المدافعة النظرية في العقائد، وفي هذا الباب شرح الجدل الفلسفي في فصل، وفي فصل مستقل كتب عن المناظرة، والفصل الأخير عرض للمنطق الحجاجي المعاصر، ثم قارن بينه وبين الجدل الكلامي والفلسفي.
المدخل العام
في المدخل العام سأل سؤالاً في ثنايا المدخل جواب عليه، أما السؤال فهو “ما الذي يسمى باسم الفكر العربي الإسلامي؟”[2] وسطر هدف هذا السؤال في أول مقطع من المدخل فقال فهو يساعد “في الوقوف على مظان ومآخذ ومدارك المنهج في الفكر”[3]، وطريقته في بحث الموضوع هو الاستشكال والتحليل اللغوي الدلالي المعجمي والتداولي، فبدأ باستشكال الفكر ثم الفكر الإسلامي، بعد ذلك لفظة العربي لتكون الفكر العربي الإسلامي، وعمل مثل هذا في مسمى المعرفة الإسلامية التي جسدت المعرفة الإسلامية-العربية ومنها المعرفة الكلامية[4].
في هذا المدخل بين النقاري منهجه في تحديد معاني المفاهيم خاصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية “تبقى دلالتها أو دلالاتها الاصطلاحية، مهما كانت درجتها التجريدية التي رفعت إليها، تبقى مشدودة إلى دلالاتها أو دلالاتها اللغوية الأصلية بجامع أو رابط”[5]، وهذا ما طبقه على بعض المصطلحات التي يناقشها فهو يرجعها إلى أصلها اللغوي واشتقاقاتها ليستخرج منها معانيها، بل ويستشكل المعاني المضادة للمعاني المفحوصة، مثل “علم” المعاني المضاد له “جهل”[6]، ونص على أن هذه المنهجية تستعين بعلم “فقه اللغة”[7] وهو منهج اتبعه في هذا الكتاب غيره من كتبه.
أما المثال على منهجه في التحليل اللغوي مفهوم “المعرفة” “والعلم” فهما يجمعهما معنى الاستعلام “يطلب به فاعله، وهو “المستعلم” مطلوباً من المطالب، هو المراد علمه، وذلك عن طريق الاستهداء أو الاسترشاد، أو الاستدلال بأمور تهدي وترشد وتدل إليه، هي العلامات”[8] والاستعلام انتقال من العلامة إلى ما تدل إليه، والاستعلام في جوهره إلى الاستدلال،[9] والاستدلال فيه معنى السير والسعي،[10] ويبني على كل مقدمة استدلالية من اللغة نتيجة يتوصل بها إلى مطلوبة، ينتهي النقاري من هذه المتتاليات الاستدلالية إلى أن العلوم الإسلامية “لا تنطلق من افتراض ثنائية المنقول وغير المنقول… ولكن تنطلق من افتراض التميز العام للسعي العلمي في المجال الثقافي الإسلامي-العربي”[11]، وفي النهاية حدد طرق هذا المسعى الإسلامي للعلم والمعرفة في أربع طرق وهي 1- طريق البديهيات والحسيات 2- طريق الدليل 3- طريق النقل 4- طريق الوحي،[12] واختار النقاري للدرس علم الكلام وبالذات أداته الاستدلالية وهي المناظرة.[13]
الباب الأول: المدافعة النظرية في العقائد
في أول الباب الأول عرف المؤلف علم الكلام ثم عرف علم الكلام أو فقه علم الكلام وهو مقصود كتابه، وعرف فقه علم الكلام بقوله “فقه وجوه الاستدلال النظري والتناظري التي تؤسس علمية وعقلانية الكلام الإسلامي- العربي القديم”[14]، أما دواعي حدوث الصنعة الكلامية فيه فقد ناقش المؤلف المقتضى الخارجي والمقتضى الداخلي، أما الأول فيقصد فيه المؤلف الجماعات من غير المسلمين مثل النصرانية والمجوسية وغيرهم، أما وجه تأثير المقتضى الخارجي في حدوث صنعة الكلام فهو “ما نجم عنها من خلخلة في التوافق العقدي المطلوب وجوده بين المسلمين. فمن تكلم على النصراني أو على المجوسي قد يلتزم لوازم لا تقر بها جماعة المسلمين، خصوصاً وأن المتكلم لا بد أن يكون كلامه اجتهاداً تغيب فيه النصوص الإسلامية”[15]
ثم انتقل المؤلف إلى المقتضى الداخلي وقسمه إلى قسمين مقتضى طبيعي، ومقتضى ظرفي ولده التكلم مع غير المسلمين،[16] أما سبب المقتضى الطبيعي في حدوث الكلام فهو الخلاف في فهم آيات الاعتقاد، والكلام هو محاولة لحل الخلاف في هذه الآيات والاعتقادات سواء النظري أو التناظري[17]، وفي المقتضى الداخلي الظرفي قسمه المؤلف إلى قسمين؛ الأول: يمثله المعتزلة، فبسبب ردهم على غير المسلمين التزموا بعقائد تخالف ما عليه المسلمين[18]، الثاني: وهم الشيعة، ففي ظروف التكلم على الخصوم السياسيين، و”رد الدين إلى السياسة”[19]، فهاتان الطائفتان سببا استفزازاً للجماعة الإسلامية للرد عليهم، فهذا الاستفزاز مع المقتضى الداخلي الطبيعي نشأ علم الكلام.
في الفصل الأول من الباب الأول ناقش المؤلف الاستفزاز العقدي الداخلي وهو يشمل الاعتزالي والشيعي، وبدأ بالأول منهما، ربط المؤلف نشأت الاعتزال بظرفيتين الأولى: عقدية والأخرى: سياسية، والمقصود بها الفتنة الكبرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما،[20] أما الظرفية الأولى، وقد مرت معنا، فقد تصدى المعتزلة لغير المسلمين وجادلوهم في حقائق العقيدة، فلزمهم هذا الجدل والدفاع الدخول في الفلسفة والإلهيات فتأثروا بها والتزموا منها ما يخالف الإسلام.[21] أما الظرفية السياسية، فركز المؤلف على نشأة الاعتزال وربطها بالشيعة، وبالذات بطرف من الشيعة دعم الدعوة العباسية،[22] وهذا ما جعل المعتزلة قريبين من الدولة العباسية وأثروا في قراراتها وخاصة المأمون في فتنة الإمام أحمد، ثم لما تغيرت سياسة العباسيين ولفظهم المجتمع الإسلامي السني احتواهم الشيعة.[23] استنتج المؤلف أنه بسبب قرب المعتزلة من الدولة العباسية أثر عليهم في “تقليلهم من شأن المناظرة كمنهج للتعاون في الوقوف على صواب المعتقدات”[24].
ثم انتقل المؤلف إلى شرح النظرية الاعتزالية عموماً، فهي توجب النظر على كل إنسان، ووجوب النظر دلت عليه الأدلة العقلية وليست الشرعية،[25] ونتيجة قولهم بوجوب النظر هو القول بوجوب أن “تكون المعرفة الحاصلة لهم واحدة إذا كان دليلها واحدا لهم”[26] أما السؤال عن ما هو الدليل على حصولي على العلم وليس الظن أو الجهل فيجيب عليه القاضي عبدالجبار “اعتقاد الشيء على ما هو به مع سكون النفس”[27] فصحة النظر الصحيح هو سكون النفس.[28] وسكون النفس هذا يوجب على الناظر ألّا يهتم بالانقطاع في المناظرة أو الانتقال؛ لأنها ليست بالضرورة سببا لضعف الدليل فقد تكون لذهاب الدليل أو قصور العلم، “وعلى كل ينبغي الحذر من المناظرة، خصوصاً لمن لم يكن من أهل النظر”[29] وإن فعل وناظر فقد جنى على نفسه وإن كان من أهل النظر فلن يغلبه أحد.[30]
أما عن طريقة تعاملهم مع المدارك الشرعية فأتوا إليها من باب المتشابه والمحكم فقالوا “يكون الدليل المحكم هو الدليل الشرعي الموافق لدليل العقلي، ويكون الدليل المتشابه هو الدليل الشرعي المخالف للدليل العقلي”[31]، فإذا وجدوا دليلاً شرعياً متشابهاً صرفوا عن معناه ليوافق المعنى العقلي بطريقة اللغة واحتمالات الدلالات[32] أو المجاز.[33]
أما الخصائص المنهجية للفكر المعتزلي فهما أنها “نزعة نظرية فردانية ذات طابع سيكولوجي” وأنها “نزعة لا حوارية”،[34] وبناء على هذه المنهج يرى المؤلف أن من رد علم الكلام فالباعث الحقيقي له هو رد الاعتزال،[35] أما موقف فلاسفة الإسلام فهم رفضوا شيء من الاعتزال وقبلوا آخر، أما الذي رفضوه فهو طريقة الاستدلال،[36] فالفلاسفة يوجبون تربيباً مخصوصاً للاستدلال وليس مبنياً على سكون النفس، أما ما يوافقون به الاعتزال فهو ردهم للحقائق الشرعية إلى الحقائق العقلية.[37]
في نفس فصل “الاستفزاز العقدي” خصص المؤلف قسماً للتشيع بقسميه الإسماعيلي والاثناعشري، بعد أن قدم تلخيصاً تاريخياً لنشأة التشيع وفروعه، ركز على جانب الإمامة وأهميتها عندهم، ويرى المؤلف أن التشيع مثله مثل الاعتزال أساس نشأته هو الاستفزاز العقدي في الجانب السياسي وليس نشأةً متميزة؛ ولذا جعل الكلام السني من أهدافه “إبعاد مسألة الإمامة من مجال أصول الدين”[38]، وإعادة الاعتبار للمجالات المجمع عليها.[39]
بدأ المؤلف بالإسماعيلية وقال إنهم يرفضون النظر، ويوكلون النظر إلى أولي الأمر وهم الأئمة؛ وبناء عليه رفضوا الاستدلال بالقرآن “بدون توسط الدليل الإمام”[40] بل و “الاستدلال بالعقل أو النظر أو القياس أمر مرفوض”،[41] والعقل يفضي إلى الكفر.[42]
أما الشق الثاني من التشيع فهم الاثناعشرية، فهم يرون أن القرآن الذي بين أيدي المسلمين ناقص،[43] مع ذلك فهذا القرآن له ظاهر وبطن بل وبطون[44]، وأن باطن القرآن يدعو للولاية للأئمة،[45] وأن تأويل القرآن لا يعرفه إلا الأئمة،[46] وينتهي المؤلف إلى أن نهج الشيعة الاثناعشرية هو أنه يجب على المجتهد أن يحذر من “الاعتداد بالرأي والعقل في مباشرته للقرآن للانتقاع به”[47] والثاني: الحذر “التعويل على العلم بالعربية في استنباط معاني القرآن”[48]، أما طريق الحصول على العلم عند الشيعة فهو استظهار وسماع كلام الأئمة ليحصل له بذلك العلم والمراس فيه.[49]
الفصل الثاني: الكلام السني العملي غير المناظر
يقصد المؤلف بهذا الوصف هو الموقف السلفي للأئمة المتقدمين، واعتمد في شرح موقف هؤلاء الأئمة على ستة من علمائهم، وهم الآجري، وأبو طالب المكي، والخطابي، وابن عبد البر، والهروي، واللالكائي،[50] ومن أهداف هذا البحث هو بيان أن هؤلاء العلماء إنما رفضوا نوعاً مخصوصا ًمن الكلام وليس كل الكلام، وهذا الرفض قائمٌ ليس فقط على اعتبارات دينية، إنما “أيضاً لاعتبارات منطقية وأدبية بيّنها أهل المناظرة من علماء الإسلام”[51]، ثم استدل على هذه الفرضية استدلالاً منطقياً مرتباً بناء على كلام هؤلاء العلماء.
أول ما بدأ في هذا الاستدلال هو تحديد سبب رفض السلف للكلام وقسمه لقسمين قسم: لعلم الكلام نفسه، والآخر: للمشتغل بعلم الكلام وهم المتكلمين، وبدأ بالأول وحدد ستة أسباب لهذا الرفض 1- أنها مخاصمة “لا يتوخى منها المتخاصمان الوصول للحق”[52]، 2- الجدل يفترض التكافؤ بين المجادلين وهو بعيد عن التحقق،[53] 3- الجدل لا يحصل فيها العلم والإيمان وقد يكون الحق في قول ثالث[54]، 4- أن الجدل يخاض فيها بمباحث نهينا عن النظر فيها،[55] 5- الجدل يفضي إلى مضار منها العداوة والتفرقة،[56] 6- “الجدل الكلامي مذموم والجدل الفقهي مطلوب”[57].
ثم انتقل إلى تحديد نقود السلف على المشتغل بعلم الكلام وهو المتكلم نذكر منها: 1- مجادل غير عامل،[58] 2- “مغتر بعقله منخدع ذكائه”[59]، 3- “يزعم المتكلم أيضاً امتيازه عن الصحابة والسلف الصالح”[60]، 4- عدم اعتدادهم بعلوم القرآن والسنة[61]، 5- أصحاب طباع مريضة،[62] 6- أهل أهواء وبدع،[63] 7- وما يخرجون به من نتائج مخالفة للكتاب والسنة.[64]
واقتراح هؤلاء العلماء في التعامل مع علم الكلام، فيهجر المتكلم ويعالج و”لا يستمع إليه ولا يرد عليه بالجدل”[65]، والإمساك عن الخوض في علم الكلام،[66] أما البديل عن علم الكلام فهو 1- “التسليم لأهل المعرفة”[67] 2- “اتباع طرائق السلف في العلم و في العمل”[68]، خرج النقاري من تحديده لأقوال هؤلاء العلماء النقدية على الجدل الكلامي، إلى أن نقدهم هو “رفض لجدل مخصوص”[69] وبالإمكان وجود جدل يتجاوز هذه النقود ويكون ملتزم بالآداب الشرعية، وهذا ما عمله “علماء الإسلام لتقنين المناظرة وآداب البحث”[70] لرفع الذم عن الجدل والتكلم في العقائد، وفي ختام هذا الفصل يقول المؤلف “الكلام المذموم إذن هو الكلام غير المنضبط بآداب المناظرة وأخلاقياتها، والمخل بالشروط… التي بفقدها تفسد المناظرة”[71]
الفصل الثالث: التكلم السني المناظر
قسم المؤلف هذا الفصل إلى قسمين الأول: للتكلم الأشعري والثاني: للتكلم الحنبلي المتأخر ويقصد به عمل ابن تيمية وابن القيم. خصص المؤلف القسم الأول للتكلم الأشعري، وقال إن هدف التكلم الأشعري هو حفظ عقائد السلف في مقابل المخالفين،[72] واستعان هذا الحفظ بالمدارك الشرعية مع المدارك العقلية،[73] وأول ما حاول مؤسس الأشعرية فعله هو التأسيس لمشروعية علم الكلام، وأنه ليس كله باطل إنما فيه ما هو صحيح وحق،[74] وكان الرد من ثلاث وجوه الأول: أن ردهم على الكلام لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيلزمكم ما يلزم المتكلمين أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة،[75] الثاني: أن مسائل الكلام وردت مجملة في القرآن والسنة ولم تفصل،[76] الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهل مسائل الكلام مفصلة إلا أنه لم تحدث على عهدة فيتكلم فيها مثل مسائل الفقه الأخرى وبالأخص مسائل الفرائض مثل العول وغيرها، وقس على ذلك مسائل الكلام حدثت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوجب الكلام فيها.[77]
واجه الأشاعرة في بداية نشأتهم الشيعة الإمامية في قولهم بأن الإمامة أصلٌ في الدين، فرد الأشاعرة على ذلك بأنها ليست أصلاً في الدين بل هي مصلحة اجتماعية؛ ولهذا فالخلاف مع الإمامية ليس خلافاً في العقائد إنما في السياسة؛[78] وبناء على هذا؛ فالخلاف العقدي هو الخلاف في “الذات الإلهية” وصفاتها، وكان موقف الأشاعرة وسطاً بين المجسمة والمعطلة،[79] وبدأ هذا التوجه الوسطي أبو الحسن الأشعري الذي ترك المعتزلة “وحاول إعادة توجيه “المادة العقلية” الرائجة داخل هذه المدرسة لصالح “الاعتقاد السلفي””[80]، فتأسست العقيدة عند بداية نشأت الأشعرية على المدارك العقلية والشرعية، وعمل على تهذيب العقدية الأشعرية أبو بكر الباقلاني ثم من بعده إمام الحرمين الجويني فبسطها في كتابه الشامل ولخصها في الإرشاد، وهذا المدرسة تسمى مدرسة المتقدمين.[81]
حاول المؤلف أن يحلل المدرسة الأشعرية المتقدمة من ناحية المضامين والمنهج، أما من جهة المضامين فيه فتتميز بحضور جملة من المدارك العقلية التي “نقلت أو اجتهد في وضعها، لتكون “مواد خادمة” للعقائد السلفية”، فاستخدم فيزياء معينة تخدم بناء العقائد السلفية.[82] أما من جهة المنهج فعدت المدرسة الأشعرية المتقدمة أن المدارك العقلية قواعد وأحكام للعقائد ولازمة لها، وبعبارة أوضح “المواد العقلية المستخدمة إذن مثلها مثل العقائد الإيمانية في وجوب الاعتقاد إن لم تكن أوجب بسبب كونها قاعدة وأصل”[83]، أما طريقة بناء هذه الأدلة فيستدل المؤلف بقول ابن خلدون أنها لم “تحترم في عملياتها النظرية، من الناحية الصورية، الضوابط المنطقية”[84]، والمقصود هنا هو عدم تبنيهم للمنطق الأرسطي؛ ولذلك لسذاجة القوم ولأن صناعة المنطق كانت في بداية نشأتها في الإسلام، وتحرج القوم من استخدامها لملابستها للعلوم الفلسفية المخالفة للعقيدة،[85] وبعد ظهور صناعة المنطق، والتفريق بينه وبين الفلسفة أصلح المتكلمين المتأخرين أدلة ومضامين مدرسة المتقدمين على طريقة المنطق الأرسطي.[86]
وبعد دخول المنطق في علم الكلام تغير الكلام من جهة المنهج حيث رفضت قاعدة “بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول”،[87] أما من جهة المضامين فاستبدلت بعض المواد العقلية عند المتقدمين بمواد اقتبس بعضها من كلام الفلاسفة في الإلهيات والطبيعيات،[88] هذا التحول هو ما يسمى بطريقة المتأخرين، وقد تميزت هذه الطريقة من حيث المضامين التباس علم الكلام والفلسفة وتوغل المتكلمين بالفلسفة ومسائلها، وظهر ما سمي بلطائف الكلام أو دقائقه وهي المسائل التفصيلية جداً في الصنعة مثل الجوهر والذرات وغيرها،[89] بالرغم من ذلك فهناك بعض كتب علم الكلام لم تخوض في هذه المسائل الدقيقة بل ركزت على الجليل من علم الكلام، إلا أنهم اضطروا لمناظرة الفلاسفة فهم الطرف الأساس في المناظرة في هذه المرحلة،[90] وتميزت طريقة المتأخرين من جهة المنهج بتبنيها عند بناء الأدلة بالصورية المنطقية على مذهب أرسطو، وعلى هذا تم نقد المخالفين لأنهم لم يبنوا أدلتهم بصورية أقيسة وحدود أرسطو.[91]
نوه المؤلف بأبي حامد الغزالي وبنهجه بربط اللغة والحكمة والتصوف ووصلها بالقرآن والسنة، واعتمد هذا الوصل باللغة، فاللغة “أصل الأصول”[92].
التورط الأشعري “في مباحث الفلاسفة الإلهية والطبيعية”[93] أوجب على العلماء تصحيحاً للمسار ونقداً لهذا التوجه وإعادة ربطه بالمدارك الشرعية، وهذا ما قام به ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية،[94] وهو ما سيكون موضوع القسم القادم من فصل الكلام السني المناظر.
القسم الثاني: التكلم الحنبلي المتأخر
قدم المؤلف لهذا التوجه بتقويم سريع لما سبق من التوجهات العقيدة الاعتزال والاشعرية سواء المتقدمة والمتأخرة فكتب أن الادعاء بالاحتياج إلى المدارك العقلية لتعضيد العقيدة أدى “إلى الابتعاد عن المصرح به في النصوص الإسلامية الأصلية القرآن والسنة”[95]، ومن هذه الخلفية العلمية برزت المدرسة الحنبلية المتأخرة ناقداً الأدلة والمدلولات وطرق النظر.[96] وإعادة “الاعتبار… للنصوص الإسلامية الأصلية”[97]، وقد تناول المؤلف التكلم الحنبلي من خلال ثلاث مسائل، الأولى: موقفه من المعرفة العقدية، الثاني: طريقة مواجهتهم للمخالفين، الثالث: طريقة بنائه لدعواه بالتمسك بالكتاب والسنة.
أما المسألة الأولى فالمعرفة العقدية “شريفة مقصودة لذاتها، غير منفصلة لا عن العمل ولا عن العالم”[98] وتؤثر في علم وعمل العارف،[99] أما أدلة هذه المعرفة فهي الأدلة القرآنية التي وردته نصاً في القرآن[100] وأيضاً الأدلة العيانية التي حظ عليها القرآن نفسه[101]، “فقد كان المجهود الأكبر للاتجاه الحنبلي المتأخر متمثلاً في الإلحاح على الحجية المطلقة للأدلة القرآنية وأصليتها الإسلامية سواء في محتوياتها ومضامينها أو في أسلوبها ونظمها”[102].
وقد واجه الحنابلة المتأخرون ما يرون أنه ابتداع في علم الكلام من جهتين من جهة المضامين والمناهج، وكان سبب الابتداع بمضامين العقيدة هو “ادعاء الاحتياج إلى “مدركات عقلية” لتقرير العقائد الإيمانية”[103]، أما من جهة المناهج فكان نقد الحنابلة المتأخرين وبالذات ابن تيمية للمناهج الكلامية وبالأخص الأشاعرة المتأخرين هو إدخالهم المنطق اليوناني الصناعي في استدلالهم العقدي وبعدهم عن طريقة تبليغ القرآن للعقائد والإيمان”.[104]
أما المطالبة الحنبلية في تصحيح علم الكلام فهو الاعتصام بالقرآن والسنة في الاستدلالات العقدية، فينبغي الفصل بين علوم الأنبياء وعلوم الطبيعة،[105] وتكون الأولى هي “الأصل في العلم بالأحكام الدينية”[106]، فإن وافقت المدارك العقلية المدارك الشرعية “كانت حقاً وإن خالفته كانت باطلاً”[107]، أما المطالبة والمقترح الحنبلي في تشييد الأدلة العقدية فهو الاعتماد على الأدلة الفطرية لا الأدلة الصناعية، والأدلة الفطرية وردت في الوحي وهي التي فطر الله الناس عليها ولا تكون بما يخالف بما أتى عليه الوحي.[108]
الفصل الرابع: الكلام عند أهل التفلسف الإسلامي-العربي الاستفزاز المنهجي والعقدي الفلسفي
قرأ المؤلف موقف الفلاسفة المسلمين من علم الكلام من خلال ثلاثة عناوين الأول: هو في كيفية فهمهم لعلم الكلام ومحددات هذا الفهم، الثاني: هو قيمة علم الكلام عند الفلاسفة ومنشأ هذا الرأي، الثالث: البديل الذي اقترحوه لعلم الكلام.[109]
الكلام عند الفارابي هو “فعالية حجاجية لغوية متجسدة في مواد دينية”[110]، ويخرج بوصف الحجاجية النظر الاستنباطي الفقهي الذي لا يفترض وجود مخالف أو مناظر، فوظيفة المتكلم هو المحاججة والمناظرة ضد المتشكك في الأدلة الدينية،[111] وقد يكون الفقهية متكلم في نفس الوقت كما يقول الفارابي.[112] ويتفرع من الأدلة الدينية آراء وأفعال، ومن وجهة نظر الفارابي الآراء قضايا غير مأمونة الصدق،[113] وقد تكون كاذبة، وهي حكم متكل فيها على الغير،[114] وهذا يشمل الآراء الدينية أيضاً،[115] أما الأفعال “فهي تعليمات وتوجيهات سلوكية مباشرة”[116].
يصل الفارابي من هذه الأقوال إلى نتيجة مهمة في عمله فيرى أن الفلسفة مثل الملة لها جانبان عمل ونظري، إلا أن الجانب النظري في الفلسفة مبرهن عليه أما الملّي فــ”لا براهين”[117]؛ وبناء على هذا فأقوال الملة مجرد آراء أما الفلسفة “أقوال مبنية بناءً برهانياً”[118]؛ ولهذا فالملة بحاجة للفلسفة بطريقين إما تبني ما قاله الفلاسفة “لكي نشترك معهم في ثمار فكرهم”[119]، أو تتميم ما لم يقولوه باستثمار ما قالوه[120].
يرى النقاري أن الحكم بغياب البرهان عن الأدلة الدينية وتقسيم الدين إلى قول وعمل تشبيهاً بالفلسفة هو تمهيداً للادعاء بــ”عدم استقلال الملة بنفسها وافتقارها إلى الحكمة”[121]، وترتب على هذا الحكم من الفلاسفة محاولتهم لتبيئة البحث الفلسفي في الإسلام وإعطائه وظيفة شرعية في المجتمع المسلم ثم الاجتهاد فيه وتتميم الناقص فيه “في إطار التراث الحكمي العام”[122]، ولتثبيت هذه الشرعية حاول الفلاسفة تقديم الآراء الملية في صورة “تخيلات وتمثيلات يخاطب بها العموم”[123]؛ وذلك لفائدتها بالتقرب إلى فهم المعاني الحكمية الفلسفية، والآراء الدينية ليست فقط قابله للكذب وأنه متكل فيها للغير، إنما أيضاً هي تخيلات وتمثيلات، ينتهي هنا المؤلف من شرح رأي الفلاسفة بعلم الكلام وينتقل إلى السبب والبنية التي خرج منها هذا ادعاء أن الآراء الملية تخييلات وتمثيلات للحقائق الفلسفية المبرهن عليها كما هي عند الفلاسفة.[124]
لتحديد البنية التي انطلق من الفلاسفة المسلمين لتحديد رأيهم بعلم الكلام اعتمد المؤلف على ابن رشد للقيام بهذه المهمة، فابن رشد ينظر للعلم للكلام من ثلاث زوايا المخاطب وطرق المخاطبة والقصد من هذه المخاطبة، أما المخاطب فهم صنفان الأول الجمهور والأخر العلماء ولكل من هذين الصنفين تعليم شرعي خاص، أما الفارق بين هذين الصنفين فهو امتلاك الألة البرهانية، فالجمهور لا يمتلكها أما العلماء فيملكون الألة البرهانية[125] الأرسطية؛ الغرض من هذا الادعاء هو إثبات “وجود مقصودين متمايزين توخهما واضع الملة”[126]، أما الخطاب الأول: فهو للجمهور وهدفه العمل، أما الخطاب الثاني: فهو خطاب للعلماء وبجانب العمل فهم “مطالبون بالتيقن العلمي”[127]، وخطاب الجمهور مضامين عمليه ويجب أن تكون هذه المضامين لها مثال وشبيها لكي يتصورها الجمهور،[128] وطريقة تبليغ الجمهور بهذه المضامين هو قياس التمثيل والمساواة والأدنى والأولى،[129] فهي طرق غير مركبة يشترك في فهمها الجميع.[130]
واضع الملة خاطب العلماء بطريقة مختلفة عن مخاطبته للجمهور فهو لم يصرح لهم إنما نبههم فقط على المعاني،[131] وهي معاني أخرى غير معاني الجمهور، إنما هي المعاني الحكمية الفلسفية، بل ونبه كما يقول ابن رشد إلى سبيل الحصول هذه المعاني وهي الآلة البرهانية المؤيدة إلى المعاني الفلسفية،[132] ترتب على هذا التقسيم قيام “مبدأ يقتضي بضرورة تقديم معاني الحكمة الإنسانية التي أدى إليها البرهان على المعاني الشرعية”[133] بالطريقة التي فهم بها الجمهور؛ وبناء عليه يجب محاكمة فهم الجمهور للشريعة على المعاني الفلسفية ومدى مطابقتها لها؛ لأن هناك تماثل بين المعاني الشرعية والمعاني الفلسفية؛[134] والمعنى الشرعي هو المصرح به في الملة، أما المعنى الفلسفي فهو “المعنى الموجود بنفسه”[135]؛ فالمعنى الفلسفي صادق بصدق مقدماته؛ ولذا أصبح المعنى الملي فرعاً له فإذا خالف الفرع الأصل وجب على العلماء البحث في التنبيه عن المعنى الفلسفي في التمثيل الموضوع للجمهور لمعرفة المعنى الحقيقي المقصود به فالمعنى الملي يصبح “ممثلاً للمعنى الموجود بنفسه”[136]، والمعنى الممثل به نوعان قريب وآخر بعيد ومركب،[137] أي بمعنى أن هناك معنى ملياً مصرحاً به مخالفاً للمعنى الفلسفي إلا أنه تمثيله للمعنى الفلسفي قريب وهناك ما هو تمثيل بعيد.
المعاني الملية من وجهة نظر ابن رشد وغيره من الفلاسفة لها درجتان الأولى: للجمهور والأخرى: للعلماء أصحاب البرهان، وهناك صنف “أراد أن يستند إلى ظواهر الملة لا لاتباعها عملياً ولكن لتأسيس العلم عليها”[138]، هذا الصنف “لم يقدر على حل الشكوك التي عرضت له في المعاني الملية الظاهرة”[139]، والمقصود بهذا التعريض هم المتكلمين؛ وينتهي النقاري إلى أن التقسيم بين العلماء والجمهور هدفه التهوين من علم الكلام وأدواره.
نظر الفلاسفة إلى علم الكلام من جهتين المضامين وأساليبهم وطرق بحثهم، أما مضامين المتكلمين من وجهة النظر الفلاسفة المسلمين فهي بدع، وغير مفيدة للجمهور، ومقدماتهم واهية فهي إما كاذبه أو غير بينة بنفسها؛ ولذلك فهي مفسدة للشريعة وللجمهور.[140] أما أساليب المتكلمين فهي طرق لم ينبه الله عليها،[141] ولا يستفيد منها الجمهور، لا تنضبط بقانون، غير برهانية، ومتكلفة، وجاهلة بمقاصد الشرع،[142] وقد يعمد المتكلم إلى الكذب والمغالطة والبهت،[143] وبناء على هذه التوصيفات لعلم الكلام وللمتكلمين اقترح الفلاسفة أن يتم “تعزيز الصناعة الكلامية بالجدل والخطابة آنذاك تكون مفيدة للجمهور… دون أن ترقى إلى منزلة الفلسفة المفيدة وحدها للعلماء”[144].
الباب الثاني: منطق المدافعة النظرية في العقائد
الفصل الأول: منطق الجدل
انتهى المؤلف في الباب الأول إلى أن الفلاسفة المسلمين “ماثلوا بين الكلام والجدل”[145]؛ ولذا حاول الفلاسفة تطعيم علم الكلام بعلم الجدل وعلم الخطابة، ولأجل فهم رأي الفلاسفة لعلم الكلام الإسلامي نافش المؤلف علم الجدل كما يراه الفلاسفة المسلمين، صحيح أن الجدل عند الفلاسفة المسلمين مستند على الجدل الأرسطي إلا أنه “فهم يبعد أحياناً كثيرة عن الثابت فعلا في الكتابة الجدلية الأرسطية خصوصا في كتاب “الطوبيقا””[146]، ويرى المؤلف هناك فرقاً بين الجدل الأرسطي وجدل الفلاسفة المسلمين؛ لأن الأخيرين “فهموا الجدل انطلاقاً من القياس التحليلي”[147]، والسبب الثاني حضور المتكلمين في صياغتهم لعلم الجدل. واعتمد المؤلف في شرح الجدل عند فلاسفة الإسلام على الفارابي وابن رشد.
ولتحقيق هدف المؤلف من معرفة موقع علم المناظرة الإسلامي في التفاعلات الحوارية، والتي يرى المؤلف أنه أقرب إلى الفحص عند الفلاسفة منه إلى الجدل؛ ولذلك راجع جميع الأدوات اليونانية الحوارية كما سيأتي، والهدف الثاني للمؤلف إبراز علم الجدل بصفته مقاماً استعلائياً يحتوي على “التصارع والتغالب والتنافس”[148]، أما الهدف الثالث فهو إبراز الهدف النهائي للفلاسفة من إرجاع علم الكلام للجدل وهو “رد الشريعة إلى الحكمة”[149]، وبناء على هذه الأهداف رتب المؤلف مباحث هذا الفصل، بالمبحث الأول: ناقش أسئلة الفحص والسفسطة والخطابة والعلم، أما المبحث الثاني: أثبت فيه مقام الجدل الاستعلائي، والمبحث الثالث: في تقويم الجدل داخلياً وخارجياً، أما المبحث الرابع والأخير: من الجدل إلى العلم.
المبحث الأول: من الفحص والسفسطة والخطابة والبرهان إلى الجدل
في رأي الفارابي أن أي تفاعل حواري بين طرفين لا يخرج عن أربعة أشكال تنقسم إلى قسمين: الأول العلم: وينقسم إلى سؤال العلم الذي يطلب الحق، وسؤال الجدل للارتياض، أما القسم الثاني: فهو اللاعلم وينقسم إلى سؤال الغلط وهو الخطابة، والتغليط وهو السفسطة.[150]
بدأ المؤلف بسؤال الفحص وهو يختص بالجاهل الذي يلتمس معونة غيره للوصول للقياس الصحيح للوضع، وفيه طرفين سائل ومجيب،[151] وقد يكون هذا الوضع تعاوناً وقد يكون تغالباً،[152] إلا أن هدف سؤال الفحص هو الوصول إلى الطريق العلمي، والذي يعنى عند الفلاسفة القياس الأرسطي، ففي النهاية الجدل هو فقط للارتياض على القياس العلمي الأرسطي، وهذه النتيجة تبخيس للجدل ومن ورائه التعاون للوصول للحق.[153]
أما سؤال السفسطة فهو تغليط يكون من جهة السائل أو المجيب وهو “حكمة مموهة”[154]، وغرض السفسطائي إما منافع يحصلها أو بأن يقال عنه أنه حكيم،[155] أما خطاب السوفسطائي فهو إما قول مرائيّ يوهم أن صورة الدليل قياسية وهي ليست كذلك، أو قول قياسي سوفسطائي وهو أن يكون صورة قياس لكنها مقدمات مشهورة وليست علمية[156]، و مخاطب السوفسطائي فهو من لا يتقن المعرفة المنطقية،[157] ووجوه تغليط السوفطائي فهي من جهة اللفظ والمعنى والقياس،[158] وأورد الفلاسفة حلولاً لهذه المغالطات بحسب وضعها.[159]
شرح المؤلف سؤال الخطابة كما فهمه الفلاسفة المسلمين، فالخطابة عندهم هو إبطال وضع معين،[160] ويتأسس هذا الإبطال على ادعاءات حقوق غير مشروعة،[161] ويستعمل طرق غير مفيدة في تحصيل العلم ولا ارتياضه، بل هي قريبة من وضع السفسطائي إلا أنه تختلف عنها بالمقصد، فالخطيب لا يعلم أن هذه الطرق غير موصله للحق بعكس السفسطائي فهو يعلم إلا أنه يغالط،[162] وهذه الطرق غير المشروعة التي يستعين بها الخطيب لا تفيده في إبطال الوضع إنما تفيده في “تنمية القول وتكثيره”[163] و “إخفاء عجزه”[164].
السؤال الأخير هو سؤال العلم، وهو سؤال من يريد التعلم من العالم المختص صاحب البرهان،[165] وذكر الفارابي عشرة أسئلة في هذا الباب[166] “عائدة كلها إلى طلب البرهان”[167]، أما السائل فقد قسمهم فلاسفة الإسلام إلى خمسة الأول: الطالب المتعلم الثاني: الطالب المستزيد وإجابة هذين السائلين بالإفهام للأول وبإزالة الإشكال للثاني،[168] الثالث: الطالب المختص المعاند بالغلط، والغلط فساد بالترتيب، وجوابه في تصويب الترتيب،[169] الرابع: الطالب المختص المعاند بالمغالطة، وهذا السؤال يسمى سؤال الامتحان،[170] وجوابه هو “العلم بمواضع المغالطات في الصناعة”[171]، أما السائل الأخير: فهو الطالب غير المختص المعاند بالغلط أو المغالطة، فيكون الجواب على غير المختص “بأمور خارجة عن الصناعة” وهي المشهورات وهي تدخل في “نطاق “الجدل”” وليس في نطاق العلم،[172] وله الحق في ذلك النطاق الكذب والاستناد إلى المحال والتنازل عن شروط البرهان، وهذا بعد “استعمال البراهين والمقدمات اليقينية”[173] كما يقول الفارابي.
المبحث الثاني: المقام الجدلي مقام استغلابي: من مقام التعاون إلى مقام الاستغلاب
“الجدل إدارة للكلام بين ناظرين “سائل” و “مجيب””[174] فالسائل يريد أن يتنصر ويغلب المجيب وذلك حينما يعجز في الدفاع عن الوضع، والمجيب يرد بالدفاع ورد جميع أدلة السائل،[175] “ومدار الكلام في الجدل على الأمور المشهورة”[176]، والأمور المشهورة خمسة منها القضايا العملية، والمختلف فيها بين الفلاسفة، وهناك قضايا في العلوم يمكن إثباته بالبرهان أو بالمشهور،[177] والآراء المبتدعة أي غير المشهورة عند الفلاسفة،[178] وكثيراً ما يطلق عند الفلاسفة المسلمين مصطلح “الوضع” ويراد عدة معاني إلا أنه يعني في علم الجدل “المطلوب الجدلي” أي القضية محل الجدل، قضية ينتمي كل من موضوعها ومحمولها إلى مقولة من المقولات العشرة والتي هي “الجوهر والكمية والكيفية والإضافة وأين ومتى والوضع وأن يكون له وأن يفعل وأن ينفعل””[179]، وبالأخص الجدل قضية مشهورة مشكوك فيها بسبب عدم الشهادة فيه، أو تضاد الشهادة فيه عند الفلاسفة والجمهور أو بينهم، وبالمجمل هي تضاد الأقيسة، أو تضاد الأقيسة مع الشهادة.[180]
ويستدل السائل بقصد هدم وضع المجيب وإبطاله و”تسلم الوضع منه”[181]، أما المجيب بهدفه “تقلد الوضع والإقرار به”[182] أو بعبارة أخرى الحفاظ على وضعه الجدلي، وله في ذلك المنع أو التلقي بقول معاند ومعارض،[183] ومقام الجدل يحتوي على “خمسة أصناف من الأفعال، “القياس” و “النقض” و “السؤال” من قبل السائل، وفعلا “المقاومة” و “الحجة” من المجيب”[184]، وانتهى المؤلف بتعريف الجدل باقتباس تعريف ابن رشد مع إضافة توضيحات فيقول “وتتوخى “الصناعة الجدلية” “تعريف القوانين والأشياء الكلية التي منها تلتئم” هذه الأفعال “وبها تكون أفضل وأكمل”[185].
المبحث الثالث: تقويم الجدل
يناقش المؤلف في هذا المبحث علم الجدل عند الفلاسفة المسلمين وبالأخص عند الفارابي وابن رشد في قسمين الأول: آداب الجدل والثاني: منطق الجدل، فالأول يبحث في الوصايا الأخلاقية للمجادل، والثاني لقوانين المجادلة، وعنون المؤلف لهذين القسمين بالتالي القسم الأول: التقويم الخارجي، والثاني: التقويم الداخلي.[186]
القسم الأول: التقويم الخارجي للجدل
الوصايا والآداب التي ذكرها المؤلف في الجدل خمسة أصناف، وصايا بمن لا يجادل، والقضايا التي ليست موضع جدل، ووصايا للمتجادلين جميعاً، وشيء مختص بالسائل، وأخرى للمجيب.[187]
- الوصايا المتعلقة بمن لا يجادل، لا تجادل لكل من انتصب للجدل.[188]
- الوصايا المتعلقة بما لا يكون موضع جدل، وهي القيم الإنسانية،[189] المحسوسات،[190] القضايا التي ليست داخلة في الجدل أي ليست مقدماته مشهورة،[191] اليقينيات،[192] التي ليس فيها رأي وقياس،[193] القضايا الضارة. [194]
- وصايا للمتجادلين جميعاً، وهي التعود على عكس المقاييس،[195] البحث السابق على ما يبطل الوضع وما يثبته،[196] معرفة مقاييس المسائل الجمهورية،[197] والمسائل التي يصعب إثباتها،[198] المعرفة سلفاً بالحدود والأصول في الصناعة محل الجدل،[199] التمرن على التعميم والتخصيص والتركيب والتفريع،[200] استخدام الاستقراء.[201]
- الوصايا المختصة بالسائل، وهذا الصنف من الوصايا أدق وأوسع الوصايا ومنها، جهز الأصل الذي ستعتمد عليه في إبطال الوضع،[202] ثم رتب السؤال تبعاً للأصل،[203] لإلزام المجيب بنتائج إبطال وضعه استخدم المقدمات الكلية المحيطة بالضرورية وليس الضرورة نفسها؛ لكي لا يستطيع إنكار الضرورة المنتج لإبطال وضعه، ويستخدم المقدمات الاستقرائية لنفس الهدف،[204] ومن ضمن الوصايا إخفاء النتيجة[205] وهذه الوصية لها مسالك وطرق يجب اتباعها ليحصل المطلوب وهو إبطال الوضع، ويوصي الفلاسفة بتنميق القول والاتساع فيه وذلك بالاستقراء أو بقسمة الأشياء المتجانسة،[206] الوضوح في القول والتمثيل له،[207] مناسبة القول لمؤهلات المخاطب،[208] ينصحون أهل الجدل بالحيطة من الأوضاع العسيرة مثل الاسم المشترك والمستعار ومبادئ العلوم،[209] وآخر الوصايا هي استعمال “القياس الجيد”.[210]
- الوصايا المختصة بالمجيب، يقدم الفلاسفة للمجيب نصيحتين الأولى: قبل أن تدخل في مقام الحافظ لوضع جدلي معين يجب “فليكن ذلك الوضع مما طالت مزاولتك له، وعملت جميع المقدمات المبطلة والمثبتة”[211]، أما الوصية الأخرى: فهي تجنب “حفظ وضع غير مشهور”[212].
القسم الثاني: التقويم الداخلي للجدل
يحتوي هذا القسم على عملين الأول: ضبط وتقعيد منطق الهدم الذي هو في الأساس عمل السائل، والثاني: هو ضبط وتقعيد منطق الحفظ وهو للمجيب، وسيراجع هذا القسم التقعيدات المنطقية للهدم والحفظ.
منطق الهدم
قسم المؤلف منطق الهدم إلى قسمين وهما: الأدلة وصورة الأدلة، وستكون البداية بالأول ويتلوه الثاني، الدليل الجدلي في الأصل هو مسألة جدلية وإذا أقر بها الطرفان أصبحت مقدمة جدلية،[213] وهذا ما يعنيه المؤلف “بالأدلة” التي هي المقدمات الجدلية المقر بها، وبما أن المقام مقام جدلي فالأدلة هي مشهورة[214] كما مر معنا.
1- معرفة أدلة التدليل الجدلي
ناقش المؤلف في هذا المبحث طريقة معرفة الأدلة الجدلية وقسمها إلى أربعة آلات، الأولى: آلة الاقتضاب وهي الأطول، وآلة القدرة على تمييز الاشتراك، وآلة القدرة على تمييز الفصول، وآلة القدرة على إدراك المتشابه.
الآلة الأولى: الاقتضاب
وهي آلة تمكن “الناظر المجادل من امتلاك المشهورة بطريق صناعي”[215]، وهي “آلة بها تقتضب الكثرة وتختزل في الوحدة”[216]؛ ولذا فالمجادل يحتاج إلى فعلين للحصول على مادة جدلية مقتضبة الأولى: معرفة واسعة في أراء الجمهور وجميع الفلاسفة والصنائع، والثانية: القدرة على استنباط أعم صور المقدمات الجدلية من هذه الآراء، أي المقدمة التي يدخل فيها كثيراً من الآراء الجدلية بناء على معرفته السابقة بها، وإذا امتلك المجادل المقدمات المقتضبة استطاع أن يفرع عن هذه المقدمات أراء مشهورة كثيرة تكون مقدمة جدلية.
وهذه الآراء إما أن تكون حملية أو شرطية، وقد يكون هذان إما موضع أو نوع، والنوع هو مقدمة جدلية في إبطال وضع المجيب، وتأتي حملية وشرطية في القياسين الحملي والشرطي على التوالي،[217] والأنواع ليس لها عد أو حصر،[218] أما الوضع فليس مقدمة إنما هو أصل يندرج تحته النوع التي يدلل بها على الأوضاع،[219] فالأوضاع هي المشهور الأعم[220] الذي “تستمد منه الأنواع وبالتالي الأقيسة، إذ الأنواع مقدمات الأقيسة”[221]، والأوضاع بهذا المعنى والوصف محدودة بعدد معين ليست مثل الأنواع، ولها أصناف فمنها البرهاني، ومنها المشهور، ومنها السوفسطائي، والأخير لا يفيد بالتدليل إنما هي وصايا، ستركز هذه المراجع على المواضع البرهانية والمشهورة لأنها الأهم، وستتضح معنى هذه المصطلحات والفرق بين النوع والوضع حينما يأتي تعداد الأوضاع فهي لب الجدل الفلسفي.
المواضع البرهانية
ومواضع البرهان عشرة منها ما يستخدم للإبطال والإثبات ومنها ما استخدم لواحد منها[222]، وقبل تعداد المواضع ذكر المؤلف تعريف ابن سينا للمواضع فقال “حكم منفرد من أن شأنه أن تتشعب منه أحكام كثيرة تجعل كل واحد منها جزء من قياس”،[223] أما ابن رشد فيرى أنها “أحوال وصفات عامة وقوانين يصار منها إلى استنباط المقدمات الجزئية في قياس”[224] والمواضع هي: 1- إثبات أو إبطال الوضع من خلال آلية التحديد في الموضوع والمحمول، أي الحد المنطقي،[225] 2- إثبات أو إبطال الوضع عن طريق تفريغ الجنس إلى أنواعه،[226] 3- إثبات أو إبطال الوضع عن طريق استخدام التقابل،[227] 4- إبطال الوضع عن طريق لازم الوضع،[228] 5- إبطال الوضع باستخدام جنس موضوع الوضع،[229] 6- إبطال الوضع باستخدام الأغراض غير المفارقة مثل وجود الموضوع دائماً والمحمول غير دائم،[230] 7- إبطال الوضع عن طريق لوازم محمول الوضع،[231] 8- إبطال الوضع عن طريق استخدام أضداد محمول الوضع،[232] 9- إثبات الوضع عن طريق استخدام ملزوم الوضع،[233] 10- إثبات الوضع عن طريق استخدام نوع من أنواع موضوع الوضع.[234]
المواضع المشهورة
المواضع المشهورة أربعة مواضع وهي: 1- الاستخدام المشهور للتضاد في إثبات الوضع وإبطاله وذكر المؤلف ستة أشكال من الأضداد،[235] 2- الاستخدام المشهور للزوم في المتقابلات في إثبات الوضع وإبطاله،[236] 3- الاستخدام المشهور على جهة التساوي والتفاضل في إثبات الوضع وإبطاله،[237] 4- الاستخدام المشهور في التشبيه للإثبات والإبطال.[238]
الآلة الثانية: معرفة الأدلة الجدلية
أما الآلة الثانية من آلات معرفة الأدلة الجدلية هي “القوة على تمييز الاسم المشترك”[239] أما هدف معرفة الاسم المشترك فهي للإيضاح والتخاطب في معنى واحد بعينه، ويستخدم للتغليط.[240]
الآلة الثالثة: القوة على أخذ الفصول
“القوة على أخذ الفصول”؛[241] ويعنى بذلك تحديد الأشياء بالحد، والتمييز بينه وبين غيرها.[242]
الآلة الرابعة: معرفة أوجه الشبه
وهي عكس السابقة، فالسابقة معرفة الفصل أو الفرق، وهذه الآلة معرفة أوجه الشبه بين المتشابهات، وفوائد معرفة التشابه هي التحديد، وتحديد أحد المتناسبين، لتخليص المعاني الكلية للقياس البرهاني، وأيضاً في قياسات الوضع، ومفيد في الاستقراء.
2- معرفة صورة التدليل الجدلي
صورة التدليل تشمل نوعين الأول: القياس الجدلي والثاني: الاستقراء، والقياس هو نفسه صورة القياس البرهاني إلا أن مواد القياس الجدلي مشهورة وليست صادقة،[243] أما الاستقراء فقد عرفه ابن رشد بقوله “نقلة الحكم من أكثر جزئياته أو جميعها إلى الكلي”[244]، ولا يستعمل الاستقراء إلا في الإثبات،[245] ولاستعماله وجهين، الأول وهو الغالب ووظيفته تصحيح المقدمة الجدلية،[246] وهذا الوجه يوافق أصول النظرية القياسية الأرسطية،[247] والآخر وهو قليل الاستعمال ووظيفته تصحيح المطلوب نفسه،[248] وهذا لا يراعي قواعد القياس؛[249] ويقر الفلاسفة بفائدة الاستقراء للجمهور إلا أنهم يفضلون القياس الجدلي عليه، وهذا أتى من تفضيلهم للقياس بشكل عام.[250]
منطق الحفظ: التقعيد لأفعال المجادل المجيب
لما انتهى المؤلف من تقعيد منطق الهدم انتقل المؤلف لمنطق الحفظ يتفرع إلى قسمين الأول: ضوابط الاستجابة لسؤال التسليم، والثاني: ضوابط الاستجابة للتدليل الجدلي، وسيكون مناقشة هاتين المسألتين على التوالي.
ضوابط الاستجابة لسؤال التسليم
في الوضع الجدلي السائل لا يبادر إلى التدليل على إبطال وضع المجيب، إلا أنه أولاً يستلم من المجيب مقدمات تكون صالحة لبناء القياس الجدلي عليه، هذه أول خطوة في بداية الجدل؛ ولذا “على المجيب المجيد لفعل الجواب أن يجعله غير عائد على وضعه بالإبطال”[251]، وقدم الفلاسفة المسلمين قواعد يجب أن تحترم ليحفظ المجيب وضعه ومنها 1- سلم بما هو مشهور ومحمود إن كان لا ينتفع به السائل،[252] 2- وسلم بما هو غير محمود ولا مشهور، ونبه على غير المحمود إن كان لا ينتفع به،[253] 3- سلم بما هو لا مشهور ولا غير مشهور إن لا ينتفع به ولا تبين للسائل شهرته،[254] 4- لا تجحد المشهور وإن كان السائل ينتفع به،[255] 5- لا تسلم ولا تجحد ما هو لا محمود ولا غير محمود إن كان ينتفع به السائل،[256] 6- لا تسلم بالشنيع،[257] 7- إذا كان الدلالة مشتركة فلها توضيح أكثر فينبغي للمجيب إذا كان المعاني جميعها صادقة أو كاذبة فقل نعم أو لا وإن كان بعضها صادق والآخر كاذب ففصل قولك.[258]
ضوابط الاستجابة لسؤال تسلم المقدمات المشهورة أو غير المشهورة
في هذا المبحث أورد المؤلف عدة حالات تتعلق بوضع المجيب سواء مشهور أو غير مشهور أو مشهور عند طائفة معينة، ثم ناقش قول الفلاسفة في طريقة تَسلم المقدمات من السائل بحسب وضع المجيب من ناحية الشهرة وغيرها، وفي كل حالة حدد الفلاسفة طريقة علم السائل فيها ليبطل وضع المجيب، فمثلاً إذا كان وضع المجيب مشهوراً شهرة مطلقة، فسيحرص السائل استلام مقدمة شنيعة من المجيب ليستطيع استخدام هذا الشنيع ليبني عليه قياساً يبطل في وضع المجيب؛[259] وبناء يجب على المجيب أن لا يسلم بالشنيع؛[260] لأن التسليم بالشنيع هو ما سيبطل وضعه، وفي المقابل إذا كان الوضع لا مشهور ولا غير مشهور، فينبغي على المجيب “أن لا يسلم إلا بما هو مشهور أو بما هو شنيع”[261].
ضوابط الاستجابة لتدليل السائل المبطل للوضع
وهذا القسم ينقسم إلى صورة القياس ومادته، عدد المؤلف خمس مقدمات وثلاث نتائج فاسدة يستطيع المجيب أن يدفع ويرد القياس السائل إذا احتوى قياسه إحدى هذه المقدمات والنتائج ويكون قد كبت السائل،[262] أما المقدمات فهي: 1- الكاذبة، 2- الشنيعة، 3- أن تكون المقدمة بحاجة للبيان أكثر من النتيجة،[263] 4- أن تكون المقدمات كثيرة، مع أنه بالإمكان أن تكون أقل،[264] 5- أن تكون المقدمات بغير ما سلم به المجيب أو زاد فيها السائل.[265] أما النتائج فهي: 1- “أن يكون منتجاً لغير المطلوب”[266]، 2- “أن يكون منتجاً بالعرض لا بالذات”[267] مثل نتيجة صادقة من مقدمة كاذبة، أو نتيجة مشهورة من مقدمة شنيعة، 3- “أن تكون النتيجة أشهر من المقدمات”[268].
ضوابط الاستجابة لتدليل السائل المبطل للوضع
والأدلة تنقسم إلى قياس واستقراء، والقياس ينقسم إلى مادة القياس وصورة القياس، أما من ناحية مادة القياس فيأتي فسادها من جهة مقدماته، فتكون من خمس نواحي وهي شناعة المقدمة أو كذبها، أو أنها بحاجة للبيان أكثر من النتيجة،[269] أو أن المقدمات كثيرة وبالإمكان تقليلها، وأخيراً أن تكون المقدمة ليست هي مما سلم بها المجيب.[270] أما فساد مادة القياس من جهة النتيجة فهن ثلاث، أن تكون منتجة لغير المطلوب، أو منتجة بالعرض لا بالذات، مثل نتيجة صادقة لمقدمة كاذبة، أو أن “النتيجة أشهر من المقدمات”[271].
وضوابط الاستجابة لقياس السائل من حيث صورته فهي تنحصر في مدى إنتاجية القياس وانضباطه الصناعي على نسق “النظرية القياسية اليونانية والأرسطية خاصة”[272]، وهي مبنية جزئياً على مادة القياس الموضحة سابقاً، وهي مدى إنتاجية القياس، ثم ينتقل إلى هل هو منتج للمطلوب؟ ثم هل إنتاجه بالعرض أو بالذات؟ ثم ينتقل إلى النتيجة فينظر هل النتيجة أو مقدماته صادقة أم كاذبة؟ وأخيراً ينظر في استعمال المقدمات و “تم على الشرط الصناعي أم لا؟”[273].
وفي دليل الاستقراء الجدلي عدد المؤلف عدة استعمالات له منها لأجل القياس ومنها تكثير وتفهيم القول وإيقاع المجيب.[274] أما ضوابط الاستجابة للأدلة، فأول شيء يجب التسليم بها لأن في إنكارها إنكاراً للمحسوس، ثم ينقض المجيب الكلي الذي يريد السائل إثباته وذلك من خلال نقضه أو عدم التسليم به، ويجب أن تكون المناقضة بالنقيض وليس بالضد، وإن لم يستطع المجيب نقض الكلي فينبغي أن يأتي المجيب بنقيض النتيجة.[275]
خصص المؤلف آخر هذا المبحث لمآل المقام الجدلي، وهما مقامان: الأول: مقام التبكيت وهو “نجاح السائل في إبطال وضع المجيب”،[276] ومقام العناد وهو “فشل السائل في إبطال الوضع على المجيب”.[277]
المبحث الرابع: من الجدل إلى العلم
قسم المؤلف هذا المبحث إلى قسمين: أما الأول” فهو عن “قيمة مآل المقام الجدلي”، والمآل الجدلي هو كما مر في المبحث السابق هو التبكيت أو العناد، وهذين المقامين مقامي استعلاء كما بين المؤلف سابقاً أن الجدل مقام استعلائي، ومقام الاستعلاء يجعل المرء يطلب تجويد أدواته الجدلية أكثر فأكثر لينتصر مرة أخرى ويطلب الغلبة؛ ولذا يجب على المجادل أن يسعى إلى كمال إتقان الصناعة الجدلية، وإتقان الصناعة الجدلية ينفع في أمور فلسفية أخرى وهي: 1- الترويض على الرقي “نحو العلوم اليقينية للبحث فيها”.[278]، 2- “إمداد العلوم اليقينية بمقدماتها ومطالبها وتدليلاتها”[279] من ناحية الأقيسة والمقدمات، 3- “التأسيس للصناعة البرهانية”[280] وذلك خاصة في العلم الطبيعي والإلهي والمدني[281] التي قد تحتاج إلى مواد مشهورة؛ لأنها لم تتميز بالذهن تميزاً صافياً من المادة،[282] 4- “الإفادة في مبادئ العلوم اليقينية”[283]، بالرغم أنها مبادئ إلا أنها قد تكون معطلة لعدم استعمالها أو بسبب التنشئة أو غيرها،[284] فيفيد الجدل في إبرازها وتثبيتها وذلك بعدة طرق: بالاستقراء الجدلي، وبالحدود والرسوم، ومفيدة لعناد مخالفها بادئ الرأي،[285] وإضافة البرهان للمتشكك، وتبصرة العامة والجمهور،[286] 5- صيانة الفلسفة، وذلك بمعرفة طرق السفسطة وحل تشكيكاتهم.[287]
عنون المؤلف القسم الثاني من هذا المبحث بــ “العودة إلى العلم: تخليص العلم وخدمته” بين فيه أن هدف تعلم علم الجدل هو إثبات أهمية السؤال العلمي؛ وتخليص السؤال العلمي من أشكال الأسئلة الأخرى،[288] والسؤال العلمي يختلط ويتركب من أسئلة أخرى؛ وذلك بسبب الجهل[289] أو الطبع أو المناسبة والملائمة،[290] وتحصل مناسبة الجدل والسفسطة والخطابة في الدخول في تركيب المخاطبة الفلسفية في عدة أنواع من المخاطبات: مخاطبة الفيلسوف للجمهور، ومخاطبة أتباع الفيلسوف لغيرهم، ومخاطبة أتباع الفيلسوف لمخالفيهم،[291] وبناء على هذا “لإنجاز هذا التخليص لابد أولاً من معرفة “اللا علم”، لا بد من معرفة “السفسطة” و “الخطابة” و”الجدل” و “الشعر””، وهدف تعلم الجدل عند الفلاسفة يبين موقفهم من علم الكلام بل ومن الشريعة وادعائهم قيامها على المشهور وقيام الحكمة على الحق واليقين.[292]
الفصل الثاني: منطق المناظرة
عنون المؤلف المبحث الأول من هذا الفصل بــ (من السؤال إلى النظر) وأشار إلى أن العلم الأصل فيه الاستعلام سواء عن طريق الذات أو الغير،[293] وكأن المؤلف يلمح إلى الفرق بين منطق المناظرة الاستعلامي ومنطق الجدل الاستعلائي، ثم حدد المؤلف مقام الاستعلام إلى ثلاث أمور رئيسية وهي: تعيين الحكم وهو فعل ادعاء،[294] ودليل الحكم وهو فعل نظر، وتحديد وجه الدلالة وهو فعل توجيه،[295] ثم سينتقل المؤلف إلى شرح هذه الأفعال إلا أنه قبل شرح هذه الأفعال، أشار المؤلف إلى أسبقية السؤال على النظر، وبما أن علمي الجدل والمناظرة هما من يرتب صحيح الأسئلة والأجوبة؛ فيكون الأصل هو “أصلية المناظرة وفرعية النظر”[296].
ثم انتقل بعد هذه الإشارة إلى الأفعال الثلاثة والتي هي فعل الادعاء، والنظر، والتوجيه أو الدعوة، أما الفعل الأول فهو الادعاء فيجب أن يستدل عليه المدعي وأن يكون دليله سالماً من المعارض.[297] والفعل الثاني من أفعال الاستعلام فهو فعل النظر، ورد المؤلف فعل النظر إلى القياس،[298] ثم قسم النظر إلى قسمين التقويم الخارجي والداخلي للنظر، أما التقويم الخارجي والمقصود بالتقويم الخارجي الشروط غير المنطقية، وقسم الناظرين إلى ثلاث أقسام الأولى الناظر المكلف واستدل من القرآن على وجوب النظر،[299] ثم تكلم عن الشروط العائدة إلى الناظر المتمذهب فهو ملزم بثلاث أفعال التثبت من سلامة أدلة مذهبه ليستطيع الدفاع عنها، ثم التمكن في الذود عنها،[300] ويجب عليه أن يعرف أصول المخالفين فـــ”يختار ما يؤديه النظر إلى صحتها”[301]؛ ولذا فالناظر المتمذهب يحتاج لقواعد الناظر المتوحد أيضاً وهو الناظر الثالث كما سيأتي، وللناظر المتمذهب نواهي ومحاذير وواجبات: أما النواهي فهي عن التقليد والبحث عن النفع الدنيوي، والأخذ بالمشهور من الأقوال،[302] أما المحاذير فهي تأتي من الاخذ بالمشهور من أقوال الصناعة التي يختص به،[303] وتأتي من استمالة ذوي الجاه له،[304] والواجبات هي البحث والصبر عليه والعدل[305] والتريث.[306]
ثم انتقل المؤلف إلى التقويم الداخلي للنظر والمقصود به آليات النظر المنطقية ولم يطيل المؤلف في هذا المبحث وأحال إلى رسالته للماجستير وهي في المقارنة بين التقنين الأرسطي للقياس والتقنين الأصولي له بين الغزالي وابن تيمية،[307] وبين أن التقنين الأصولي يندرج تحت الخطاب الطبيعي،[308] ثم أشار إلى أن النظر للإنسان المسلم يحمل بعداً تدينيًّا كما يحمل بعداً نظرياً؛ وبناء على هذا حينما يدعي المسلم دعوى معينة فهي تحمل في طياتها دعوة وهي “مكمن سلامة النظر التي تكمل صحة النظر”[309]؛ لأن الداعي يصحح نظرة بإشراك الآخر معه؛ وبه يصحح الناظر دعواه ويسلم من المعارضة.
الدعوة هي الفعل الثالثة من أفعال النظر بعد الادعاء والنظر، يرى المؤلف أن المستدل لا يريد فقط أن يستدل لنفسه بل وأن يلزم الغير بما توصل إليه من نظر، “وبعبارة أخرى، حضور الاستدلال يكون بحضور السؤال”[310]، وقد ينازع المستدل بدعوى فيكون هناك “معارضة مختصة بالدليل”[311] وهي معارضة على دليل المستدل، “ومعارضة غريبة”[312] وتعني مقابلة التدليل بتدليل يعارض نتيجة دليل المدعي، وسميت معارضة غريبة لأنها لا تختص بدليل المدعي إنما بدليل أخر، ولكلا المعارضتين أفعال خاصة بها ذكرها المؤلف.[313]
المبحث الثاني: من النظر إلى المناظرة
عرف المؤلف في هذا المبحث علم الجدل لغة واصطلاحاً للترادف بينه وبين المناظرة، فالجدل هو “المدافعة ليظهر الحق”[314] أما علم الجدل فهو “العلم الذي يعرف فيه صحيح الدفع وفاسده”[315]، وبناء على هذا فللجدل والمناظرة أربعة أركان سؤال، وجواب، ثم اعتراض،[316] ويليه إجابة على الاعتراض،[317] إلا أن نظر الأصوليين لم يقتصر على تقنين هذه العلاقات بل نظروا بأن الجدل والمناظرة تنعقد في ظل شهود من الناس؛ ولذا قننوا أدب وأخلاق المناظرة،[318] وهذا ما سيكون مدار نقاش المؤلف في المباحث التالية وهي التقويم الخارجي للمناظرة أي أداب المناظرة، ثم التقويم الداخلي للمناظرة، ثم أخيراً مآل المناظرة.
القسم الأول: التقويم الخارجي للمناظرة
ركز المؤلف في هذا القسم على مجلس المناظرة وآدابه، إلا أن المؤلف قبل أن يشير إلى الآداب عرج على أهمية المناظرة عند الأصوليين المسلمين، وأشار إلى أنهم يرون المناظرة تفاعل فطري بين الناس،[319] وأن القرآن يحتوي على حجاج وجدل،[320] والمناظرة تدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[321]
أما قواعد الجلوس للمناظرة فقد ذكر المؤلف ستة عشر قاعدة: منها عدم الجلوس للماجن والسفيه، ويجب أن يجلس المناظر بكيفية لا تشوش على المقابل،[322] وعدم الاستصغار للجليس، والتحلي بالصبر، وتدبر كلام الخصم، وعدم اليأس من ظهور الخصم،[323] وعدم التساهل فيمن حقه التضييق ولا العكس،[324] و”لا تتكلم إلا فيما تعلم”[325]، ولا تستطرد في كلامك، والاستدلال بالأقوى من الأدلة،[326] والإذعان للحق إذا ظهر.[327]
ثم عرج المؤلف على الآداب المشتركة التي يجب على الجالسين المناظرة التقيد بها منها: الالتزام بالقصد إلى إظهار الحق، وألا يبالي الطرفين بأي منهما قامت الحجة، والتلطف[328]، “ألا يكون الطرفان مناهبين ولكن مناوبين”[329] في الحديث، وعدم الجلوس في المناظرة لعلم لا تفهمه، و”تغاضَ عن صاحبك إذا قل أدبه”[330].
وخصص المؤلف آداباً مختصة للمستدل ومنها لا تجلس جلوس المستدل إلا إذا كنت ممن يفيد سؤاله، و”إذا كان السؤال فاسداً فلا تجب”[331]، وليكن جوابك تابعاً للسؤال، ولا يكن جوابك قاصراً عن مقصود السائل، و”لا تعرض في جوابك عن محل السؤال”[332]، وقرر الحجة بعد الدعوى من غير فصل،[333] ولا تكن مبهماً.[334] ثم انتقل المؤلف إلى الآداب المختصة بالمعترض ومنها، يجب أن يكون هدف السؤال الكشف عن الحق،[335] وأن يكون المجيب ممن يفيد سؤاله، وأن يكون السؤال مما يمكن معرفة جوابه، ويجب أن يكون السؤال مفهوماً للمجيب.[336]
بعد توضيحه لآداب المستدل والمعترض أو المجيب والسائل تطرق المؤلف إلى مسألة مهمة في كتب المناظرة الإسلامية وهي في ترتيب الأسئلة والأجوبة، أما الأسئلة فهناك طريقة للمتقدمين وهي أن يسأل السائل سؤالاً واحداً ثم ينتظر إجابة المجيب ثم ينتقل إلى آخر، أما طريقة المتأخرين فالسائل يعرض جميع الأسئلة ثم يجيب عنها المجيب،[337] وهذا الترتيب يعتمد عليه ترتيب الأجوبة فللمتقدمين ترتيب مختلف عن طريقة المتأخرين ويترتب على هذا الاختلاف حقوق المجيب في ترتيب إجابته على الاعتراض، فنزوله في درجات الاعتراض يعني إسقاطه لحقه في الاستدلال بها، فمثلاً حينما يمنع حكم الأصل في الفرع، ثم يقول بفساد الاعتبار ففي حكم المتقدمين هذا نزول في الاستدلال أما على طريقة المتأخرين فلا يعتبر نزولاً بالاستدلال ويصح استدلاله.[338]
القسم الثاني: التقويم الداخلي للمناظرة
يقصد المؤلف في هذا المبحث الأدوات الاستدلالية في علم المناظرة الإسلامي، في مقدمة القسم ذكر المؤلف أربع درجات للمناظرة: الأولى: المدافعة في الفهم، الثانية: المدافعة بالنص، الثالثة: المدافعة بالاعتداد بالنص، الرابعة: المدافعة في الاعتداد بتدليل مخصوص، وقسم المؤلف الدرجة الرابعة إلى قسمين الأولى للقياس والثانية للاستدلال.[339]
الدرجة الأولى: المدافعة في الفهم
المقصود بهذه الدرجة هو طلب الاستفسار في معنى لفظة معينة فيها إجمال أو غرابة، ويجب على المعترض بالاستفسار أن يدلل على الإجمال أو الغرابة،[340] وللمستفسر أن يمنع الغرابة والإجمال ويدلل لذلك، وإن عجز فيلزمه البيان، والغاية من الاستفسار “هو الكشف عن المراد من الكلام”[341]
الدرجة الثانية: المدافعة في الاعتداد بالنص
النص المقصود به هنا القرآن والسنة، أما الاعتراض بالاستدلال بالقرآن فذكر المؤلف ثمانية اعتراضات منها أن المستدل لا يقول بالدلالة التي استدل بها،[342] والقول بالموجب،[343] والإجمال،[344] والنسخ،[345] وأن يؤول المعترض الآية،[346] والمعارضة بآية أخرى أو قراءة.[347] أما أوجه الاعتراضات بالاستدلال بالسنة فقسمها المؤلف إلى الاعتراضات على السند وعلى المتن، وأما من جهة السند فهي المطالبة بأثبات السند، والقدح في السند،[348] أما الاعتراضات من جهة المتن فيه تنحصر في “معارضة المستدل بنص آخر”[349] وقسم المؤلف هذه المعارضة إلى قسمين وهما ترجيح الأخبار من جهة إسنادها،[350] والآخر من جهة متنها.[351] وفي آخر هذه الدرجة وهي “المدافعة في الاعتداد بالنص” علق المؤلف على بقوله أن “أهل النقل من هذه الناحية أكثر أعباء من أهل “العقل””[352] فهم إضافة إلى نظرهم في الاستدلالات ينظرون في صحة الرواية، وهذا زائد على نظر أهل العقل.[353]
الدرجة الثالثة: المدافعة في الاعتداد بالتدليل مطلقاً
يعنى المؤلف بفساد الاعتبار هو مخالفة الدليل للإجماع أو النصوص الشرعية أو مخالفاً للأصول،[354] أما تصحيح الاعتبار من خلال الاجماع فهو بإثبات عدم مخالفته للإجماع،[355] أما في فساد الاعتبار في النصوص فيجوز للمستدل أن يجيب إما بالنسخ، أو الطعن في السند، أو بعدم الظهور، أو بالتأويل،[356] أو بالقول بالموجب، أو بالمعارضة، والأخير الترجيح.[357]
الدرجة الثالثة: المدافعة في الاعتداد بتدليل مخصوص
هذه الدرجة أطول الدرجات في التقويم الداخلي للمناظرة، ويقصد المؤلف بالتدليل الخاص القياس وفي جزء آخر منه في الاعتبار بالقياس الفرعي وسيأتي مقصود المؤلف يه، وقسم الأول إلى خمسة مقدمات كما سيأتي:
المقدمة الأولى: دعوى حكم الأصل
وتعني “منع حكم الأصل”[358]، وفي هذه الحالة يجب على المستدل أن يبين وضع استدلاله ثم يفسره ثم يستدل له.[359]
المقدمة الثانية: الادعاء بأن الحكم في الأصل معلل بوصف كذا والمقصود بها “المدافعة في تعليل حكم الأصل،[360] وأطال المؤلف في هذه المقدمة وحصرها بالممانعة في العلة وفرع عليها مسائل المقدمة، فبعد أن أثبت المستدل حكم الأصل في مقابل المعترض، فهو في هذه المقدمة يثبت أن للأصل علة، والمعترض يمنع وجود العلة فهذه صورة المقدمة الثانية، وتنبي عليها عدة اعتراضات.[361]
- منع وجود العلة، وفي هذه الحالة يجب على المستدل أن يثبت وجود العلة بأي من وجوه إثباتها السببية أو العقلية أو الحسية.[362]
- الكلام على التعليل “منع العلية”، ومعناه “المطالبة بتصحيح العلة”[363]، وهنا يجب على المستدل أن يصحح العلة بالنص أو المنطوق أو بالسبب أو بالتأثير أو بشهادة الأصول.[364]
- منع العلية-منع التأثير،[365] وفي هذا النوع ذكر المؤلف ثلاثة أنواع، عدم التأثير في الوصف، بمعنى أن الوصف طردي،[366] عدم التأثير في الأصل ومقصوده أن هناك علة أخرى في النص، وعدم التأثير في بالحكم يقصد به أن المستدل ذكر في العلة قيد غير مؤثر في الحكم، أما أوجه الرد على الاعتراض بعدم التأثير فهو الدفع بأن العلة منصوصة؛ ولذا فلا تحتاج إلى تأثير، أو أن يثبت في موضع أخر أن العلة مؤثرة.[367]
- النقض أو المناقضة أو منع اطراد العلة مطلقاً، المقصود بهذا الاعتراض أن العلة المستدل بها تخلفت في موضع من مواضع الحكم لمانع أو لفوات شرط أو مطلقاً، أي أنها غير مؤثرة في جميع المواطن، وللمستدل أربع طرق للرد على النقض وهي: 1- منع النقض، 2- المطالبة بالدليل عن النقض، 3- إبداء في المانع في محل النقض، 4- الاحتجاج بتخصيص في الموضع محل النقض.[368]
- الكسر أو نقض المعنى أو النقض المكسور، أو منع اطراد العلة بعد إلغاء قيد، وهو وجه من وجوه النقض، وبهو بمعنى أن “يتحقق فيه معنى العلة مع تخلف الحكم عنه”[369]، أما وجه رد الاعتراض فيه مثل رد النقض ويزيد عليه إثبات الفرق في محل الكسر، وإثبات الفرق وهو “إبداء وصف في محل الكسر أو صورته يناسب ما اختص به من الحكم”[370]
- منع العلية: منع الانعكاس “بمعنى أن الحكم موجود والوصف مرفوع”،[371] أما طريقة رد هذا الاعتراض فهي مختلفة عما سبق، فيجب أن يتفق المتناظران أولا ً على أن انعكاس العلة قادح فيها؛ فإذا لم يتفقا فلا يعتد بالانعكاس قادحاً.[372]
- منع العلة: القول بموجِب العلة، موجب العلة هو “اقتضائها المتقدم”[373]، وهذا الموجب “لا يؤدي في محل النزاع وصورته، للحكم الذي انتهى إليه المستدل”[374].
- منع العلية: القول بموجَب العلة، فإذا كان الأول يقصد الاقتضاء المتقدم فهذا يقصد به الاقتضاء المتأخر، “أي فيما توجبه وتقتضيه”[375] مثل التعميم مما حقه التخصيص، أو الإطلاق فيما واجبه التقييد.[376]
- منع العلية: إيجاب العلة كل إحكامها، وهي أن يثبت المستدل للعة حكماً واحداً وهي توجب حكمين.
- منع العلية: المعارضة في الأصل بمعنى أخر يصلح للعلية، وهو بمعنى المعارضة بعلة أخرى، وللمستدل في مواجهة هذا الاعتراض ثلاثة خيارات 1- أن يبطل هذا الوصف والعلة التي قدمها المعترض بطرق الاعتراض سالفة الذكر، 2- أن يبين إلغاء الوصف سواء عن طريق النص أو الاجماع، 3- أن يرجح علته بأي من طرق الترجيح المعروفة.[377]
المقدمة الثالثة: المدافعة في تعليل الفرع وهو بمعنى “الاعتراضات التي ترد على ادعاء المستدل بأن العلة موجودة في الفرع”،[378] وللمعترض في هذه الدرجة ثلاثة طرق في الاعتراض، الأولى: منع وجود العلة في الفرع، وهنا يجب على المستدل أن يستدل بالشرع أو العقل أو الحس على وجود العلة،[379] الثانية: منع المساواة بين الأصل والفرع، أو بمعنى أخر الفرق بين بين الأصل والفرع،[380] الثالثة: “المعارضة في الفرع بوصف آخر”[381]، والمستدل في هذه المعارضة سيقوم مقام المعترض ويعترض على علة المعترض.[382]
المقدمة الرابعة: المدافعة في لزوم الحكم للفرع، وهو اعتراض وجود الحكم في الفرع، وفي هذه المقدمة وجهان للمعارضة الأولى: المخالفة ويقصد به “أن الــحكم في الفرع… حكم مخالف حقيقة للحكم في الأصل وإن تساويا وتشابها في الصورة”[383] فيجب المماثلة والمساواة العامة وليس الصورية، ويستطيع المستدل أن يرد ببيان أن الحكم واحد في الفرع والأصل، أو أن يبين “أن اختلاف المحل لا يوجب اختلاف ما حل في المحل”[384]. أما الاعتراض الثاني الذي يمكن أن يورد في هذه الدرجة فهو القلب، وهو ادعاء المعترض “ان دليل المستدل يقتضي ويستلزم خلاف ما رتب عليه”[385]، وينتهي هذا الوجه من الاعتراضات إلى المعارضة،[386] ووجه رد المستدل على المعترض فهو أن يعارض قول المعترض بأوجه المعارضة التي مرت، والوجه الأخر هو “بإفساد دليل القالب”.[387]
المقدمة الخامسة: المدافعة بالإلزام بالمدعي وارتفاع النزاع، “وهو الاعتراض الذي يرد على ادعاء المستدل بأن مدلوله هو المدعي الذي يطلب من المستدل له الالتزام به ويسمى هذا الاعتراض باسم (القول بموجب العلة)”[388]، القول بالموجب “دعوى نصب الدليل في غير محل النزاع”[389]، وهو في جميع الأدلة وليس خاصاً في القياس.[390]
لما انتهى المؤلف من شرح الاعتراضات الواردة على القياس انتقل إلى الاعتراضات الواردة على اعتبار القياس الفرعي، وهذا المبحث لطيف في بابه، ويقصد به المؤلف بالذات مؤلفات آداب البحث والمناظرة وأشار بالخصوص لكتاب السمرقندي “آداب البحث” وكتاب ساجقلي زاده “الوليدية” وقال إن هؤلاء المؤلفين نقلوا مفاهيم ومصطلحات المناظرة المخصصة للقياس التمثيلي إلى القياس الشمولي، ثم فصل طريقة في الاعتراض على قياس الشمول من خلال استخدام أدوات المناظرة في قياس التمثيل، وعرضها في ثلاثة وجوه الأول: “منع مقدمة من المقدمتين اللتين يرتب عليهما الحكم ويسمى هذا المنع بالمناقضة”[391] الثاني: المنع بالنقض وهو اعتراض على نفس الدليل بالاستناد إلى الشاهد وهما تخلف اللازم عن الملزوم، واستلزام الدليل للمحال[392]، الثالث: منع المدلول ويسمى المعارضة،[393] ولها ثلاث صور: بالقلب[394] والمثل والغير،[395] وفي المعارضة فصل في الاعتراض على القياس الشرطي،[396] والاعتبار الاستدلالي وهو المعنى الدال على الحكم بما يقتضيه العقل،[397] ومن الاعتراضات الاعتراض على الاستدلال بالسبب،[398] الاعتراضات على الاستدلال بالشرط،[399] الاستدلال بالتلازم والتنافي.[400]
القسم الثالث: مآل المناظرة
لابد للمناظرة أن تنتهي؛ ولذا ضبط العلماء طريقة انتهائها، فقد يكون قطع للمكالمة في حالة إخلال أحد الأطراف بشروط المناظرة الخارجية، أو بالانقطاع عن الوصول للغرض المطلوب من المعترض أو السائل، والانقطاع قد يكون سكوت أو انتقال لمسألة أخرى.[401]
الفصل الثالث: بين منطق الجدل ومنطق المناظرة
بالرغم من الخلاف بين علمي الجدل والمناظرة سواء أدباً أو استدلالاً، إلا أنهما
“رافدين قابلين للوصل بما جد اليوم في الدرس المنطقي المعاصر”[402]؛ ولذا بدأ المؤلف في شرح الدرس الحجاجي المعاصر باختصار، ثم انتقل إلى التفريق بين الجدل والمناظرة.
المبحث الأول: التوجهات العامة في الدرس المعاصر للتفاعل الحجاجي
يقول المؤلف إن هناك “توجهات منطقية لا وصورية أمنت بقصور المنطق الصوري”[403] الأرسطي، ثم عدد بعض النتائج التوجهات المنطقية الجديدة ومنها 1-إعادة الاعتبار للمضمر والمطوى،[404] 2- إعادة الاعتبار للمدلل له ولحضوره في تدليل المدلل، 3- إعادة الاعتبار لأدلة لم يتناولها المنطق الصوري.[405] أما مدارس الحجاج المعاصرة فذكر المؤلف منها أربعة: 1- التناول اللغوي[406] وهو يهتم بالأفعال اللغوية، 2- التناول الوظيفي وهو يركز على الغاية المتوخاة من الحجاج، 3- التناول الاجتماعي ويرى أن الحجاج “حوارا ذا مناصب وأدوار يتعاقب عليها المتفاعلان”[407]، 4- التناول الجدلي[408] وهو يدرس “قواعد الادعاء والانتقاد، الإثبات والإبطال، السؤال والجواب”[409].
وأشار المؤلف إلى خصائص الحجاج وهي 1- خاصية الطبع،[410] 2- لغوية الحجاج،[411] 3- زمانية الحجاج،[412] 4-خاصية تغير ركوب الحجاج لتغيير الأحكام والمعتقدات والقيم والمقاصد،[413] ويعين بهذا أن المتحاجين أن يغيرا موقفهما خلال الحجاج، 5-دوران الحجاج بين التعاون والتغالب، هما مدرستان: تعاونية تتوخى الصدق والصواب،[414] وأخرى تغالبية تصنف الجدل على أنه لعب نظري للفوز، والجدل عند بعض مشايعي نظرية الغالب (لورنزن، لورنز) “وسيلة لإبقاء النظر في الحجاج نظرا مقيداً بحدود المنطق الصوري البرهاني”[415]، 6- خاصية الانضباط بجملة من القواعد وهي قواعد لغوية إنجازية وتأويلية، وقضوية،[416] ونظرية، وتقويمية، ووظيفية[417]. وفي الأخير ذكر معايير للحجاج وهي 1- الاختلاف بين المتحاججين،[418] 2- الرجوع الرأي إذا اقتضى الأمر ذلك، 3- مناسبة الأدلة أي قبول الطرفين لها، 4- القدرة على النظر وإرادته، 5- الرجوع إلى أهل الاختصاص إذا خرج عن اختصاص المتحاججين،[419] 6- تجنب الخبط بين مواضع الحجاج وتداخلها.[420]
المبحث الثاني: وجوه التدافع بين النظرية الحجاجية الفلسفية والنظرية الحجاجية الأصولية
بالرغم أن المدرستين تتفقان في تثمين النظر العقلي إلا أنهما تختلفان في جوانب مهمة فالمناظرة مختصة بالنظرية التعاونية الحجاجية المعاصرة، والجدل يميل إلى نظرية اللعب التغالبية، أما قيم المناظرة فهي: 1- قيمة وجوب التعاون في البحث عن الحق وتوصيله للغير، 2- وجوب استرشاد المسترشد، 3- وجوب تصويب المخطئ، 4- وتنبيه الغافل، 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[421] أما قيم الجدل فهي: 1- وجوب المجاهدة والمغالبة، 2- الإرشاد إلى الحكمة اليونانية، فالجدل طريق إلى الحكمة اليونانية، 3- تصويب العامة والجمهور في آرائهم الملية.[422]
وبناء على اختلاف هذه القيم يرى المؤلف “أن معظم ما تذم به المناظرة يوصى به في الجدل، ومعظم ما يوصى به في المناظرة بضده أو نقيضه في الجدل”[423]، ثم ذكر ستة أمثال لهذه الاختلافات.
ومع وجود هذا التضاد بين الجدل الفلسفي والجدل والمناظرة إلا أن المناظرة بروحها حاضرة عند الفلاسفة المسلمين في باب آخر وهو باب الفحص، وهدفها التعاون بين المتجادلين، وهو ما لا يوجد في طوبيقا أرسطو ولا خطابته كما يقول المؤلف،[424] ويكونان الطرفين في الفحص صادقين، منظمين لأدوارهما في ناحية السؤال والجواب، منتهيين إلى تخليص الصدق من الكذب،[425] وبالرغم من وجود هذا الباب عند الفلاسفة إلا أنهم لم يعتنوا به العناية اللازمة.[426]
ثم انتقل المؤلف إلى موضوع في غاية الأهمية ومن أهم ما تطرق له المؤلف، وهي الفروق المنطقية بين الجدل والمناظرة إلا أن المؤلف لم يطِل في هذا الباب، ومما قاله من الفروقات أن “أصلية عبء التدليل في المناظرة، وأصلية عبء الاعتراض في الجدل”[427]، فهدف الجدل هو إبطال وضع معين، أما هدف المناظرة فهو إثبات وضع معين، وبناء على الوضع فــ “المتفاعل المنتصب للقيام بدور الادعاء في الجدل ليس هو المتفاعل المنتصب للقيام بدور الادعاء في المناظرة”[428]، فوظيفة المدعي في الجدل هي فقط التسليم أو المنع أو الاعتراض، أما في المناظرة فدوره مختلف فالمدعي يقوم بجميع الأدوار لتصحيح دعواه،[429] والمناظرة والجدل كلاهما ادعاء إلا أن “الجدل في هذا الادعاء من جهة بيان وجوه إفساده، والمناظرة تنظر فيه من جهة بيان وجوه تصحيحه”[430]؛ استنتج المؤلف من هذا الوصف أن المناظرة قد تستفيد من الجدل وليس العكس، فيدمج التعليل الجدلي بدرجة المعارضة في المناظرة، والتعليل المناظرتي غير قابل للدمج بالجدل؛ لأنه أوسع منه،[431] وهذا “يبين إمكان تضمين الجدل في المناظرة (و) أن المناظرة أعم وأشمل”[432]، وأيضاً “انفتاح المناظرة على الجدل واحتواءها لما صح منها”[433]، ومما ذكر في هذا الباب، أن التدليلات في الواضع الجدلية تذكر عند الأصوليين في قياس الأولى والأدنى والمساواة،[434] أما القياس المنطقي الأرسطي الشرطي والحملي الذي يذكره الجدليون الفلاسفة، فيذكره أصحاب المناظرة في باب “”الاستدلال” الذي يشمل الصور التدليلية التي لا تكون على هيئة قياس”[435]، يبدو أنه في هذه العبارة يقصد بها كتب آداب البحث والمناظرة الذين ذكرهم سابقاً وأنهم تأثروا بالقياس الأرسطي.
بعد هذا النقاش في تواصل المناظرة مع الجدل، قال المؤلف إن الفلاسفة “رفضوا الوصل بين جدلهم والمناظرة”[436]، وذلك أنهم يهونون المناظرة كمنهج وقام هذا التهوين على سببين: الأول: أن المناظرة تقبل المعارضة، فيقول الفلاسفة لا يعمد المجيب للمعارضة “إلا بسبب القصور في القدرة على إبطال المدعى مباشر”[437]، أما السبب الثاني: فهم يقولون إن إبطال الحجة لا يؤدي إلى إبطال الدعوى، وأقر المؤلف أن هذا صحيح صورياً لكنه “مردود من الناحية الطبيعية”[438] فإذا قدم إنسان دليلا على حكم معين ولم يقبله المعترض؛ فهذا المدلول بالنسبة للمعترض ليس له؛ وبذا يكون غير ثابت بالنسبة له.[439]
الخاتمة
يحمل هذا الكتاب رؤية مهمة يقصد منها المؤلف رفع عمل المناظرة بوصفها منهجاً يوازي المناهج المنطقية غير الصورية المعاصرة، وهذا من أهداف المؤلف في هذا الكتاب؛ ولذلك أشار في مبحث لهذه المناهج المعاصرة، ثم قارن بعده بمبحث بين جدل الفلاسفة وجدل المتكلمين، في ضوء ما صح من هذه الدراسات، وفعلاً قد أحسن صنعاً في هذه المقارنات.
وبما أنه عمل بشري فلا يخلو هذا الكتاب من بعض الملاحظات، وهذه الملاحظات تظهر أكثر في النصف الثاني من الكتاب من ناحية جدل الفلاسفة، كثيراً من رسائل الدكتوراه تبدأ بمخطط طموح ورؤية واضحة، إلا أنه بعد البدء بالعمل وطول المدة يستعجل بعض الباحثين إنهاء رسالته، فيكون نفس الكاتب وجودة الرسالة في أولها أكثر من عجزها، وهذا الحكم شامل لهذه الرسالة، فواضحاً الفرق بين النصفين سواء بالتدقيق أو حتى اللغة، فلم يشبع المؤلف نقاشه في المناظرة خاصة فيما سماه التقويم الداخلي، وبالأخص حينما فرق بين علم الجدل الأصولي الكلامي وعلم آداب البحث والمناظرة، فلم يناقش هذا التفريق طويلاً، وهو ما انعكس على مقارنته بين الجدل الفلسفي والجدل الأصولي، فدمج بين علم الجدل الكلامي وعلم آداب البحث، بل والمقارنة بين الجدل الفلسفي والأصولي، مع أن المتوقع أن هذا المبحث من الأهداف الرئيسية للكتاب، إلا أن المؤلف اختصر الكتابة فيه اختصاراً شديداً.
أشار المؤلف في المدخل والخاتمة أنه سيستخدم لغة عربية عالية سواء في التراكيب أو الألفاظ، وهذا هدف نبيل، إلا أنه في بعض المواضع نحت المؤلف بعض المصطلحات مع وجود مقابل لها من نفس العلم وأبرز مثال على ذلك تقسيم المؤلف للجدل والمناظرة للتقويم الداخلي والتقويم الخارجي، فبإمكانه أن يستخدم المصطلحات التي استخدمها المتقدمون ففي التقويم الخارجي يسمونه آداب الجدل، وهذا الأمر يسير في مقابل تقسيمه لأدلة المناظرة ففي الدرجة الثالثة والخاصة في تدليل مخصوص ذكر في المقدمة الخامسة القول بالموجب ثم كتب أن هذا الاعتراض يسري على جميع الأدلة، إذن فما قيمة التقسيم إذا كان لم يستقيم، فكان من الأفضل السير على تقسيم العلماء المتقدمين في كتبهم ليتضح المقصود أكثر ويستطيع القارئ أن يربط بين كتابة المؤلف وكتابة المتقدمين.
النقطة الأخيرة هي أن المؤلف ذكر منع العلية في موجِب وموجَب العلة، ولم يحيل إلى أي مرجع أصولي أو كلامي يدل على هذا التقسيم وقد يقصد بالموجِب الذرائع، والموجَب المآلات، إلا أن أساس هذين الدليلين هو البحث الحجاجي المعاصر وليس جدل الأصوليين كما ذكر المؤلف هذا في كتاب آخر له.[440]
بالرغم من هذا فهذا الكتاب من أفضل ما كتب في علم الجدل بجانب كتاب أستاذه المؤلف طه عبدالرحمن، أما المواضيع التي ما زالت تحتاج إلى بحث وإكمال لهذا الكتاب فهو تحديد الفروق بين علم الجدل الكلامي والأصولي وعلم آداب البحث والمناظرة، وبين علم آداب البحث والمناظرة وعلم الجدل الفلسفي؛ لأن المؤلف يرى أن علم آداب البحث والمناظرة اعتمد على قياس الشمول، وبالتأكيد هذا الاعتماد أثر في أدلة وأدوات علم آداب البحث والمناظرة؛ ولذا احتاج لمقارنة خاصة مع كلا العلمين لقربهما منهما لأننا لن نستطيع السير في مقارنة المناظرة في ما جد من بحث منطقي غير صوري معاصر إن لم نستطع توضيح الفروق بين هذه العلوم.
- د. إسماعيل العبودي: باحث سعودي.
[1] النقاري، حمو، المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني من خلال أبي حامد الغزالي وتقي الدين ابن تيمية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2013.
[2] النقاري، حمو، منطق الكلام من المنطق الجدلي الفلسفي إلى المنطق الحجاجي الأصولي، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2005، 5.
[3] المرجع السابق، 7.
[4] المرجع السابق، 31.
[5] المرجع السابق، 31.
[6] المرجع السابق، 31.
[7] المرجع السابق، 32.
[8] المرجع السابق، 35.
[9] المرجع السابق، 35.
[10] المرجع السابق، 36.
[11]المرجع السابق، 39.
[12] المرجع السابق، 43.
[13] المرجع السابق، 44.
[14] المرجع السابق، 47.
[15] المرجع السابق، 59.
[16] المرجع السابق، 61.
[17] المرجع السابق، 63.
[18] المرجع السابق، 63.
[19] المرجع السابق، 64.
[20] المرجع السابق، 67
[22] المرجع السابق، 69.
[23] المرجع السابق، 70.
[24] المرجع السابق، 71.
[25] المرجع السابق، 72.
[26] المرجع السابق، 76.
[27] المرجع السابق، 77.
[28] المرجع السابق، 79.
[29] المرجع السابق، 81.
[30] المرجع السابق، 81.
[31] المرجع السابق، 83.
[32] المرجع السابق، 85.
[33] المرجع السابق، 86.
[34] المرجع السابق، 88.
[35] المرجع السابق، 89.
[36] المرجع السابق، 90.
[37] المرجع السابق، 89، 90.
[38] المرجع السابق، 94.
[39] المرجع السابق، 94.
[40] المرجع السابق، 99.
[41] المرجع السابق، 99.
[42] المرجع السابق، 100.
[43] المرجع السابق، 101.
[44] المرجع السابق، 102.
[45] المرجع السابق، 103.
[46] المرجع السابق، 104.
[47] المرجع السابق، 107.
[48] المرجع السابق، 107.
[49] المرجع السابق، 107.
[50] المرجع السابق، 111.
[51] المرجع السابق، 111.
[52] المرجع السابق، 112.
[53] المرجع السابق، 112.
[54] المرجع السابق، 113.
[55] المرجع السابق، 114.
[56] المرجع السابق، 114.
[57] المرجع السابق، 115.
[58] المرجع السابق، 116.
[59] المرجع السابق، 117.
[60] المرجع السابق، 117.
[61] المرجع السابق، 118.
[62] المرجع السابق، 118.
[63] المرجع السابق، 118.
[64] المرجع السابق، 119.
[65] المرجع السابق، 119.
[66] المرجع السابق، 120.
[67] المرجع السابق، 120.
[68] المرجع السابق، 120.
[69] المرجع السابق، 122.
[70] المرجع السابق، 123.
[71] المرجع السابق، 123.
[72] المرجع السابق، 127.
[73] المرجع السابق، 127.
[74] المرجع السابق، 127.
[75] المرجع السابق، 128.
[76] المرجع السابق، 129.
[77] المرجع السابق، 129.
[78] المرجع السابق، 130.
[79] المرجع السابق، 130، 131.
[80] المرجع السابق، 131.
[81] المرجع السابق، 131.
[82] المرجع السابق، 132.
[83] المرجع السابق، 133.
[84] المرجع السابق، 133.
[85] المرجع السابق، 133.
[86] المرجع السابق، 133.
[87] المرجع السابق، 134.
[88] المرجع السابق، 134.
[89] المرجع السابق، 135.
[90] المرجع السابق، 135.
[91] المرجع السابق، 135.
[92] المرجع السابق، 139.
[93] المرجع السابق، 139.
[94] المرجع السابق، 139.
[95] المرجع السابق، 141.
[96] المرجع السابق، 141.
[97] المرجع السابق، 142.
[98] المرجع السابق، 142.
[99] المرجع السابق، 142.
[100] المرجع السابق، 143.
[101] المرجع السابق، 143.
[102] المرجع السابق، 145.
[103] المرجع السابق، 146.
[104] المرجع السابق، 148.
[105] المرجع السابق، 151.
[106] المرجع السابق، 151.
[107] المرجع السابق، 153.
[108] المرجع السابق، 155، 156.
[109] المرجع السابق، 159.
[110] المرجع السابق، 160.
[111] المرجع السابق، 160.
[112] المرجع السابق، 160.
[113] المرجع السابق، 162.
[114] المرجع السابق، 162.
[115] المرجع السابق، 163.
[117] المرجع السابق، 166.
[118] المرجع السابق، 166.
[119] المرجع السابق، 166.
[120] المرجع السابق، 167.
[121] المرجع السابق، 167.
[122] المرجع السابق، 167.
[123] المرجع السابق، 167،168.
[124] المرجع السابق، 168.
[125] المرجع السابق، 170.
[126] المرجع السابق، 170.
[127] المرجع السابق، 170.
[128] المرجع السابق، 171.
[129] المرجع السابق، 171.
[130] المرجع السابق، 172.
[131] المرجع السابق، 172.
[132] المرجع السابق، 173.
[133] المرجع السابق، 173.
[134] المرجع السابق، 174.
[135] المرجع السابق، 174.
[136] المرجع السابق، 174..
[137] المرجع السابق، 174.
[138] المرجع السابق، 177.
[139] المرجع السابق، 177.
[140] المرجع السابق، 178.
[141] المرجع السابق، 178.
[142] المرجع السابق، 179.
[143] المرجع السابق، 181.
[144] المرجع السابق، 282.
[145] المرجع السابق، 189.
[146] المرجع السابق، 189.
[147] المرجع السابق، 189.
[148] المرجع السابق، 190.
[149] المرجع السابق، 190.
[150] المرجع السابق، 191.
[151] المرجع السابق، 193.
[152] المرجع السابق، 194.
[153] المرجع السابق، 195.
[154] المرجع السابق، 199.
[155] المرجع السابق، 200.
[156] المرجع السابق، 201.
[157] المرجع السابق، 202.
[158] المرجع السابق، 203.
[159] المرجع السابق، 212.
[160] المرجع السابق، 213.
[161] المرجع السابق، 214.
[162] المرجع السابق، 214.
[163] المرجع السابق، 222.
[164] المرجع السابق، 222.
[165] المرجع السابق، 223.
[166] المرجع السابق، 223، 224.
[167] المرجع السابق، 224.
[168] المرجع السابق، 226.
[169] المرجع السابق، 227.
[170] المرجع السابق، 228.
[171] المرجع السابق، 229.
[172] المرجع السابق، 229.
[173] المرجع السابق، 230.
[174] المرجع السابق، 233.
[175] المرجع السابق، 233.
[176] المرجع السابق، 233.
[177] المرجع السابق، 234.
[178] المرجع السابق، 235.
[179] المرجع السابق، 237.
[180] المرجع السابق، 237.
[181] المرجع السابق، 238.
[182] المرجع السابق، 238.
[183] المرجع السابق، 238.
[184] المرجع السابق، 239.
[185] المرجع السابق، 239.
[186] المرجع السابق، 247.
[187] المرجع السابق، 249.
[188] المرجع السابق، 249.
[189] المرجع السابق، 250.
[190] المرجع السابق، 251.
[191] المرجع السابق، 252.
[192] المرجع السابق، 252.
[193] المرجع السابق، 252.
[194] المرجع السابق، 252.
[195] المرجع السابق، 253.
[196] المرجع السابق، 254.
[197] المرجع السابق، 254.
[198] المرجع السابق، 254.
[199] المرجع السابق، 254، 255.
[200] المرجع السابق، 255.
[201] المرجع السابق، 255.
[202] المرجع السابق، 255.
[203] المرجع السابق، 256.
[204] المرجع السابق، 256.
[205] المرجع السابق، 256.
[206] المرجع السابق، 257.
[207] المرجع السابق، 260.
[208] المرجع السابق، 260.
[209] المرجع السابق، 260، 261.
[210] المرجع السابق، 263.
[211] المرجع السابق، 264.
[212] المرجع السابق، 264.
[213] المرجع السابق، 267.
[214] المرجع السابق، 267.
[215] المرجع السابق، 268.
[216] المرجع السابق، 268.
[217] المرجع السابق، 271.
[218] المرجع السابق، 272.
[219] المرجع السابق، 272.
[220] المرجع السابق، 273.
[221] المرجع السابق، 273.
[222] المرجع السابق، 275، 276.
[223] المرجع السابق، 293.
[224] المرجع السابق، 293.
[225] المرجع السابق، 275.
[226] المرجع السابق، 277.
[227] المرجع السابق، 279.
[228] المرجع السابق، 279.
[229] المرجع السابق، 279.
[230] المرجع السابق، 280.
[231] المرجع السابق، 280.
[232] المرجع السابق، 281.
[233] المرجع السابق، 281.
[234] المرجع السابق، 281.
[235] المرجع السابق، 282.
[236] المرجع السابق، 285.
[237] المرجع السابق، 286.
[238] المرجع السابق، 290.
[239] المرجع السابق، 294.
[240] المرجع السابق، 296.
[241] المرجع السابق، 297.
[242] المرجع السابق، 297.
[243] المرجع السابق، 299.
[244] المرجع السابق، 300.
[245] المرجع السابق، 300.
[246] المرجع السابق، 300.
[247] المرجع السابق، 301.
[248] المرجع السابق، 300.
[249] المرجع السابق، 301.
[250] المرجع السابق، 301.
[251] المرجع السابق، 303.
[252] المرجع السابق، 303
[253] المرجع السابق، 303
[254] المرجع السابق، 303
[259] المرجع السابق، 304.
[260] المرجع السابق، 306.
[261] المرجع السابق، 308.
[262] المرجع السابق، 310.
[263] المرجع السابق، 309.
[264] المرجع السابق، 310.
[265] المرجع السابق، 310.
[266] المرجع السابق، 310.
[267] المرجع السابق، 310.
[268] المرجع السابق، 310.
[269] المرجع السابق، 309.
[270] المرجع السابق، 310.
[271] المرجع السابق، 310.
[272] المرجع السابق، 311.
[273] المرجع السابق، 311.
[274] المرجع السابق، 312.
[275] المرجع السابق، 313.
[276] المرجع السابق، 317.
[277] المرجع السابق، 318.
[278] المرجع السابق، 325.
[279] المرجع السابق، 327.
[280] المرجع السابق، 328.
[281] المرجع السابق، 328.
[282] المرجع السابق، 330.
[283] المرجع السابق، 331.
[284] المرجع السابق، 331.
[285] المرجع السابق، 332.
[286] المرجع السابق، 333.
[287] المرجع السابق، 334.
[288] المرجع السابق، 355.
[289] المرجع السابق، 356.
[290] المرجع السابق، 357.
[291] المرجع السابق، 338.
[292] المرجع السابق، 339.
[293] المرجع السابق، 343.
[294] المرجع السابق، 343.
[295] المرجع السابق، 344.
[296] المرجع السابق، 345.
[297] المرجع السابق، 347.
[298] المرجع السابق، 347.
[299] المرجع السابق، 349- 351.
[300] المرجع السابق، 353.
[301] المرجع السابق، 353، نقلاً عن الأشعري.
[302] المرجع السابق، 354.
[303] المرجع السابق، 354.
[304] المرجع السابق، 354.
[305] المرجع السابق، 355.
[306] النقاري، حمو، المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني من خلال أبي حامد الغزالي وتقي الدين ابن تيمية.
[307] النقاري، حمو، منطق الكلام، 356.
[308] المرجع السابق، 357.
[309] المرجع السابق، 358.
[310] المرجع السابق، 359.
[311] المرجع السابق، 359.
[312] المرجع السابق، 361.
[313] المرجع السابق، 362.
[314] المرجع السابق، 366.
[315] المرجع السابق، 366.
[316] المرجع السابق، 366.
[317] المرجع السابق، 367.
[318] المرجع السابق، 367.
[319] المرجع السابق، 371.
[320] المرجع السابق، 372.
[321] المرجع السابق، 373.
[322] المرجع السابق، 376.
[323] المرجع السابق، 377.
[324] المرجع السابق، 378.
[325] المرجع السابق، 378.
[326] المرجع السابق، 378.
[327] المرجع السابق، 379.
[328] المرجع السابق، 380.
[329] المرجع السابق، 380.
[330] المرجع السابق، 381.
[331] المرجع السابق، 381.
[332] المرجع السابق، 381.
[333] المرجع السابق، 382.
[334] المرجع السابق، 382.
[335] المرجع السابق، 382.
[336] المرجع السابق، 383.
[337] المرجع السابق، 384.
[338] المرجع السابق، 386-387.
[339] المرجع السابق، 392.
[340] المرجع السابق، 393.
[341] المرجع السابق، 394.
[342] المرجع السابق، 395.
[343] المرجع السابق، 395.
[344] المرجع السابق، 397.
[345] المرجع السابق، 397.
[346] المرجع السابق، 397.
[347] المرجع السابق، 398.
[348] المرجع السابق، 399.
[349] المرجع السابق، 400.
[350] المرجع السابق، 400.
[351] المرجع السابق، 400.
[352] المرجع السابق، 402.
[353] المرجع السابق، 402.
[354] المرجع السابق، 403.
[355] المرجع السابق، 405.
[356] المرجع السابق، 406.
[357] المرجع السابق، 407.
[358] المرجع السابق، 410.
[359] المرجع السابق، 411- 412.
[360] المرجع السابق، 413.
[361] المرجع السابق، 413.
[362] المرجع السابق، 413- 414.
[363] المرجع السابق، 414.
[364] المرجع السابق، 414- 415.
[365] المرجع السابق، 415.
[366] المرجع السابق، 416.
[367] المرجع السابق، 417.
[368] المرجع السابق، 418-421.
[369] المرجع السابق، 421.
[370] المرجع السابق، 423.
[371] المرجع السابق، 424.
[372] المرجع السابق، 424.
[373] المرجع السابق، 425.
[374] المرجع السابق، 425.
[375] المرجع السابق، 425.
[376] المرجع السابق، 426.
[377] المرجع السابق، 427.
[378] المرجع السابق، 428.
[379] المرجع السابق، 428.
[380] المرجع السابق، 429.
[381] المرجع السابق، 429.
[382] المرجع السابق، 430.
[383] المرجع السابق، 431.
[384] المرجع السابق، 431.
[385] المرجع السابق، 431.
[386] المرجع السابق، 435.
[387] المرجع السابق، 436.
[388] المرجع السابق، 437.
[389] المرجع السابق، 438.
[390] المرجع السابق، 438.
[391] المرجع السابق، 439.
[392] المرجع السابق، 441.
[393] المرجع السابق، 442.
[394] المرجع السابق، 442.
[395] المرجع السابق، 443.
[396] المرجع السابق، 443.
[397] المرجع السابق، 444.
[398] المرجع السابق، 445.
[399] المرجع السابق، 446.
[400] المرجع السابق، 448.
[401] المرجع السابق، 453.
[402] المرجع السابق، 475.
[403] المرجع السابق، 459.
[404] المرجع السابق، 459.
[405] المرجع السابق، 460.
[406] المرجع السابق، 464.
[407] المرجع السابق، 465.
[408] المرجع السابق، 465.
[409] المرجع السابق، 465.
[410] المرجع السابق، 465.
[411] المرجع السابق، 466.
[412] المرجع السابق، 467.
[413] المرجع السابق، 468.
[414] المرجع السابق، 469.
[415] المرجع السابق، 480.
[416] المرجع السابق، 480.
[417] المرجع السابق، 481.
[418] المرجع السابق، 483.
[419] المرجع السابق، 484.
[420] المرجع السابق، 485.
[421] المرجع السابق، 488.
[422] المرجع السابق، 489.
[423] المرجع السابق، 490.
[424] المرجع السابق، 491.
[425] المرجع السابق، 491.
[426] المرجع السابق، 492.
[427] المرجع السابق، 492.
[428] المرجع السابق، 492.
[429] المرجع السابق، 492.
[430] المرجع السابق، 493.
[431] المرجع السابق، 493.
[432] المرجع السابق، 493.
[433] المرجع السابق، 494.
[434] المرجع السابق، 494.
[435] المرجع السابق، 494.
[436] المرجع السابق، 494.
[437] المرجع السابق، 494.
[438] المرجع السابق، 495.
[439] المرجع السابق، 496.
[440] النقاري، حمو، المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني، 43.