الدين

حول مصطلح الفكر الإسلامي

  • أ. د. عبد الله بن محمد القرني

مصطلح الفكر الإسلامي والمفكر الإسلامي مما استحدث في هذا العصر، ولم يكن له وجود مستقل عن العلم الشرعي على مدار التاريخ الإسلامي.

ومنشأ ذلك أنه قد حصل للعلم الشرعي جمود في العصور المتأخرة، وضعفت قدرة كثير من العلماء عن القيام بواجب تنزيل الأحكام الشرعية على النوازل العصرية، وانتشرت كثير من الأفكار المعاصرة والفلسفات العلمانية التي لم تكن معهودة من قبل، وأصبح البحث عن حلول لتلك الإشكالات ملحَّا ولا يحتمل التأجيل.

وهنا ظهرت طائفة من المفكرين المسلمين لها خبرة بالواقع الفكري الجديد وإدراك لخطورته، لكن مع ضعف في العلوم الشرعية التي يبنى عليها الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، فلم تكن عندهم الخبرة الكافية بعلم أصول الفقه ولا بعلم مصطلح الحديث ولا بالتراث العلمي في مجال الاعتقاد والفقه والتفسير وما إلى ذلك، ووجدوا أنفسهم يتعاملون بفهم مباشر للنصوص مع واقع فكري يسعون لبيان الموقف الإسلامي منه ، ويحرصون على حماية الهوية الإسلامية من التأثر به.

ومع ما تميز به الفكر الإسلامي من الدفاع عن الهوية الإسلامية والرد على كثير من الشبهات المعاصرة حول الإسلام وإظهار مكانة الدين الإسلامي وشهادته على الواقع المعاصر إلا أنه ظهرت بعض الانحرافات عن الحقائق الشرعية نتيجة ما سبقت الإشارة إليه من الخلل في منهج التعامل مع النصوص الشرعية.
والمنهج القائم على العلم والعدل في التعامل مع هذه الظاهرة أنه كما لا ينبغي غمط المفكرين الإسلاميين فيما أحسنوا فيه مما هو أصل اهتمامهم وهو نقد الفكر الغربي وبيان خطره على الأمة فإنه لا ينبغي في المقابل قبول ما أدخلوا فيه أنفسهم مما لم يحسنوه ولم يتهيأوا له ، وهو ما حصل لهم من الانحرافات في فهم النصوص الشرعية نتيجة مخالفة المنهحية العلمية المعتبرة عند أهل العلم.

وقد تباينت هذه الانحرافات وتنوعت، بل إنها قد تناقضت في بعض الحالات، لكنه يشملها مع ما بينها من تفاوت أنها لم تكن مستندة إلى معايير شرعية منضبطة، وإنما كانت استجابة لظروف خاصة، وردود فعل لأحوال محددة ، ثم أخذت عند أصحابها طابع التعميم، ولم تقف تلك الانحرافات عند مجرد الاستجابة لمواقف معينة، وإنما ترتب عليها إحداث تفسيرات جديدة لحقيقة الدين، ومع أن كل تفسير من تلك التفسيرات هو مجرد تغليب لأمر جزئي إلا أن كل طرف كان يزعم بأن ما ادعاه هو التفسير الحقيقي للدين ، مما أحدث خلافات حادة بين تلك الاتجاهات ، وزاد من شقة التفرق والخلاف بين المسلمين.

وليس المقام هنا لحصر تلك الانحرافات وتفصيل القول فيها، إنما هي إشارات يسيرة تدل على مبدأ الفقه والبصيرة في الموقف من هذه الظاهرة.
فمن ذلك أنه قد وجد من يغلب جانب التفسير السياسي للإسلام، ويبالغ في مفهوم الحاكمية وتطبيقاتها على الواقع، وترتبت على ذلك إشكالات خطيرة فيما يتعلق بالحكم على المجتمعات الإسلامية ووصمها بالجاهلية.
ووجد في مقابل هذا الغلو غلو آخر تبناه من ينادي بما يسميه منهج السلم واللاعنف، ويصل الأمر عند أصحاب هذا الاتجاه إلى تشويه صورة الفتوحات الإسلامية حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم، والزعم بأنها كانت لأغراض توسعية كالحال في سائر الامبراطوريات.
كما وجد من يؤكد على التفسير الحضاري للإسلام على حساب ما هو أهم منه مما يتعلق بأصول الاعتقاد وأحكام العبادات.
بل وصل الأمر إلى أنه قد وجد من ينادي بالتأسيس لفلسفة التصوف باعتباره الحقيقة الصحيحة للإسلام، وتقديم ما يسمى بالفقه الإئتماني الذي هو التصوف البدعي على ما يسمى بالفقه الإئتماري الذي هو حاصل منهح العلماء في تقرير المسائل الشرعية.

وهكذا تنوعت مظاهر هذه الانحرافات في دوامة من التفسيرات التي لا تقف عند حد، مما سبب إشكالات كثيرة لا يمكن حلها إلا بالتقيد بالمنهج الذي أصلَّه العلماء وتوارثوه في فهم النصوص الشرعية، والحرص على الالتزام بالإجماعات وعدم مخالفتها، اعتبار المعنى الشامل للدين الإسلامي، وتجنب التفسيرات الجزئية للإسلام أو ما يظن أنه حقيقة الدين بدون برهان من النصوص الشرعية وما عليه الإئمة المعتبرون في فهمها، وإذا تحقق ذلك لم يبق أي مبرر لوجود فكر إسلامي منحاز عن منهجية العلم الشرعي.

اقرأ ايضًا: كيف نفهم عبارات السلف في أهل الأهواء والبدع؟!

المصدر
تيلجرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى