عام

حان الوقت لإنهاء “العلاقة الخاصة” مع إسرائيل

لم تعد فوائد الدعم الأمريكي لإسرائيل تفوق تكاليفه

  • ستيفن إم. والت
  • ترجمة: مصطفى هندي

مقدمة المترجم

فيما يتعلق بأراضينا المحتلة، لا ينبغي أن نتوقع الكثير من أقطاب السياسة العالمية الذين صموا آذانهم وأغمضوا أعينهم عن الجرائم التي يرتكبها العدو بدعمهم غير المشروط حينا، وبصمتهم المطبق حينا آخر.

إن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل لم يكن مرآة صادقة للساسة الأمريكيين، ومنذ اللحظة الأولى أدركوا مغبة هذا الدعم، ومع ذلك استمروا فيه؛ ويمكننا القول إنه من بعد آيزنهاور، لم يملك أي رئيس أمريكي خيارًا عندما يتعلق الأمر بتأييد إسرائيل؛ نظرا للنفوذ المتزايد للوبي الصهيوني داخل أمريكا؛ فانتقاد إسرائيل داخل أمريكا يعني أن تفقد وظيفتك الحكومية وتتعرض لحملات تشهير وتوبيخ واسعة.

لكن عندما تخرج أصوات من داخل هذه القوى تندد بهذا الدعم غير المشروط -لأسباب سياسية محضة- وتبين أن هذا الدعم لم يعد له أي مسوغ أخلاقي أو إستراتيجي، فالأمر يتخذ منحىً آخر، وهو ما فعله أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستيفن إم. والت في هذا المقال.

ولأن والت ينطلق من خلفية سياسية محضة، ومن حرصه على مصلحة بلده بالمقام الأول، فلا نتوقع منه أن يرى الصورة كاملة، أو على الأقل كما نراها نحن، لكنه على الرغم من ذلك: يؤكد جزءًا لا بأس به من الحقائق التي أضحت واضحة للعيان.


لا جديد تحت الشمس؛ فقد انتهت الجولة الأخيرة من الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالطريقة المعتادة: وقف إطلاق النار؛ وترك الفلسطينيين أسوأ حالاً، وبدون معالجة للقضايا الأساسية. كما قدمت تلك المواجهة المزيد من الأدلة على أن الولايات المتحدة يجب ألا تمنح إسرائيل بعد الآن دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا غير مشروط. إن فوائد هذه السياسة معدومة، وتكاليفها مرتفعة، وهي آخذة في الارتفاع. وبدلاً من علاقة خاصة، تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى علاقة طبيعية.

في وقت مضى، كان من الممكن تبرير العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على أسس أخلاقية. كان يُنظر إلى إنشاء دولة يهودية على أنه استجابة مناسبة لقرون من معاداة السامية العنيفة في الغرب المسيحي، بما في ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- الهولوكوست.[1] ومع ذلك، كانت الأساس الأخلاقي مقنعا فقط إذا تجاهل المرء العواقب والكوارث التي حلت بالعرب الذين عاشوا في فلسطين لقرون عديدة، وإذا آمن المرء أيضا أن إسرائيل دولة لها نفس القيم الأمريكية الأساسية.[2] وحتى من هذا المنظور كانت الصورة معقدة. ربما كانت إسرائيل هي “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، لكنها لم تكن ديمقراطية ليبرالية مثل الولايات المتحدة، حيث من المفترض أن تتمتع جميع الأديان والأعراق بحقوق متساوية (على الرغم من عدم تحقق هذا الهدف بشكل كامل)؛ وتمشيا مع الأهداف الأساسية للصهيونية، فضلت إسرائيل اليهود على كل الأعراق والأديان الأخرى بتصميمها الواعي على استبعادهم.

لكن اليوم، وبعد عقود من السيطرة الإسرائيلية الوحشية لم يعد من الممكن التمسك بالحجة الأخلاقية للدعم الأمريكي غير المشروط. قامت الحكومات الإسرائيلية بجميع ألوانها بتوسيع المستوطنات، وحرمت الفلسطينيين من الحقوق السياسية المشروعة، وعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل نفسها، واستخدمت القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة لقتل وترهيب سكان غزة والضفة الغربية ولبنان، كل هذا مع إفلات تام من أي عقوبات. بالنظر إلى كل هذا، فليس من المستغرب أن تقوم منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية مؤخرًا بإصدار تقارير موثقة جيدًا ومقنعة تصف هذه السياسات المختلفة بأنها نظام فصل عنصري. لقد أدى الانجراف نحو اليمين المتطرف  في السياسة الداخلية الإسرائيلية والدور المتزايد للأحزاب المتطرفة في السياسة الإسرائيلية إلى إلحاق المزيد من الضرر بصورة إسرائيل، بما في ذلك بين العديد من اليهود الأمريكيين.

في الماضي، كان من الممكن أيضًا القول بأن إسرائيل كانت تمثل رصيدًا استراتيجيًا قيمًا للولايات المتحدة، على الرغم من المبالغة في قيمتها في كثير من الأحيان. خلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، كان دعم إسرائيل وسيلة فعالة لكبح النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط لأن الجيش الإسرائيلي كان قوة قتالية أعلى بكثير من القوات المسلحة للعملاء السوفييت مثل مصر أو سوريا. كما قدمت إسرائيل معلومات استخبارية مفيدة في بعض الأحيان.

لقد انتهت الحرب الباردة منذ 30 عامًا، ومع ذلك، فإن الدعم غير المشروط لإسرائيل اليوم يخلق مشاكل لواشنطن أكثر مما يحل. لا يمكن لإسرائيل أن تفعل شيئاً لمساعدة الولايات المتحدة في حربيها ضد العراق. في الواقع، كان على الولايات المتحدة إرسال صواريخ باتريوت إلى إسرائيل خلال حرب الخليج الأولى لحمايتها من هجمات سكود العراقية. حتى لو كانت إسرائيل تستحق الثناء على تدمير مفاعل نووي سوري ناشئ في عام 2007 أو المساعدة في تطوير فيروس ستوكسنت الذي أضر مؤقتًا ببعض أجهزة الدفاع الإيرانية= فإن قيمتها الاستراتيجية أقل بكثير مما كانت عليه خلال الحرب الباردة. علاوة على ذلك، لا يتعين على الولايات المتحدة تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل لجني مثل هذه الفوائد، وفي الوقت نفسه، تستمر تكاليف العلاقة الخاصة في الارتفاع. غالبًا ما يبدأ منتقدو الدعم الأمريكي لإسرائيل بلفت النظر إلى المساعدات العسكرية والاقتصادية بمقدار 3 مليار دولار التي تقدمها واشنطن لإسرائيل كل عام، على الرغم من أن إسرائيل الآن دولة غنية يحتل دخل الفرد فيها المرتبة التاسعة عشرة في العالم. هناك بلا شك طرق أفضل لإنفاق هذه الأموال، لكنها تمثل قطرة في بحر الولايات المتحدة، الدولة التي يبلغ اقتصادها 21 تريليون دولار. إن التكاليف الحقيقية للعلاقة الخاصة سياسية.

كما رأينا خلال الأسابيع الماضية، فإن الدعم غير المشروط لإسرائيل يجعل من الصعب على الولايات المتحدة ادعاء المكانة الأخلاقية العالية على المسرح العالمي. إدارة بايدن حريصة على استعادة سمعة وصورة الولايات المتحدة بعد أربع سنوات ضائعة من إدارة دونالد ترامب. إنها تريد أن تميز بشكل واضح بين سلوك الولايات المتحدة وقيمها، وقيم خصومها مثل الصين وروسيا؛ وفي هذه العملية، تعيد ترسيخ نفسها كمحور أساسي لنظام قائم على القواعد. لهذا السبب، أخبر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الإدارة ستضع “الديمقراطية وحقوق الإنسان في قلب سياستنا الخارجية”. ولكن عندما تقف الولايات المتحدة بمفردها وتستخدم حق النقض ضد ثلاثة قرارات منفصلة لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، فإنها تعيد التأكيد مرارًا وتكرارًا على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وتفوض بإرسال أسلحة إضافية بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل، وتقدم للفلسطينيين خطابًا فارغًا حول حقهم في العيش بحرية وأمن مع دعم حل الدولتين (وهذا الحل الأخير لم يعد بعض الخبراء يأخذونه على محمل الجد)، وبالتالي فإن ادعاء الإدارة الأمريكية بتفوقها الأخلاقي لا يعدو كونه خطابًا أجوف ومنافقًا. وليس من المدهش أن تسارع الصين في انتقاد الموقف الأمريكي، وأن يسلط وزير الخارجية الصيني وانغ يي الضوء على عجز الولايات المتحدة عن العمل كوسيط عادل من خلال عرض استضافة محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ربما لم يكن عرض توسط الصين عرضًا جادًا، لكن أيا ما كانت ستفعله بكين، فإنها بالكاد تستطيع أن تفعل ما هو أسوأ مما فعلت واشنطن في العقود الأخيرة.

التكلفة الدائمة الأخرى لـ “العلاقة الخاصة” هي الاستهلاك غير المتناسب للنطاق الترددي للسياسة الخارجية مع إسرائيل. يواجه بايدن وبلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان مشاكل أكبر مما يدعو للقلق من تصرفات دولة شرق أوسطية صغيرة. ومع ذلك، ها هي الولايات المتحدة مرة أخرى متورطة في أزمة -هي من صنعها- تتطلب اهتمامها وتستغرق وقتًا ثمينًا بعيدًا عن التعامل مع تغير المناخ، والصين، وجائحة كورونا، وفك الارتباط الأفغاني، والانتعاش الاقتصادي، ومجموعة من المشاكل الأكثر ثقلًا. إذا كان للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل، فإنها ستحظى بالاهتمام الذي تستحقه، ولكن ليس أكثر.

ثالثًا، يؤدي الدعم غير المشروط لإسرائيل إلى تعقيد جوانب أخرى من دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. سيكون التفاوض على اتفاقية جديدة للتراجع عن إمدادات الأسلحة النووية الإيرانية ووضع حد لها أسهل بكثير إذا لم تواجه الإدارة معارضة مستمرة من حكومة نتنياهو، ناهيك عن المعارضة الشرسة للعناصر المتشددة من اللوبي الإسرائيلي هنا في الولايات المتحدة. مرة أخرى، من شأن علاقة طبيعية أكثر مع الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية أن تساعد جهود واشنطن طويلة الأمد للحد من الانتشار في أماكن أخرى…

رابعًا، ساعدت عقود من الدعم غير المشروط لإسرائيل في خلق الخطر الذي واجهته الولايات المتحدة من الإرهاب. كان أسامة بن لادن وشخصيات رئيسية أخرى في القاعدة واضحة وضوح الشمس في هذه النقطة: كان مزيج الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل والمعاملة الإسرائيلية القاسية للفلسطينيين أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى مهاجمة “العدو البعيد”. لم يكن هذا هو السبب الوحيد، لكنه لم يكن سببا تافها. كما كتب تقرير لجنة 11 سبتمبر الرسمي بشأن خالد شيخ محمد، الذي وصفه بأنه “المهندس الرئيسي” للهجوم: “حسب روايته، فإن عداوة خالد شيخ تجاه الولايات المتحدة لم تنبع من تجاربه هناك باعتباره طالبا، بل بسبب خلافه العنيف مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة لصالح إسرائيل”. لن تختفي مخاطر الإرهاب إذا كان للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل، لكن الموقف الأكثر عدالة والذي يمكن الدفاع عنه أخلاقياً سيساعد في تقليل معاداة الولايات المتحدة التي ساهمت في التطرف العنيف في العقود الأخيرة.

ترتبط العلاقة الخاصة أيضًا بالمغامرات الأكبر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قرار غزو العراق في عام 2003؛ هذه الفكرة الهوجاء التي لم تحلم بها إسرائيل نفسها -والفضل يعود للمحافظين الجدد المؤيدين لإسرائيل في الولايات المتحدة في هذا العدوان الغاشم- حتى لقد عارض بعض القادة الإسرائيليين الفكرة في البداية، وأرادوا من إدارة جورج دبليو بوش التركيز على إيران بدلاً من ذلك. ولكن بمجرد أن قرر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أن الإطاحة بالزعيم العراقي آنذاك صدام حسين ستكون الخطوة الأولى في برنامج أوسع لـ “التحول الإقليمي”، فإن كبار المسؤولين الإسرائيليين -بمن فيهم نتنياهو ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك وشمعون بيريز- تدخلت في الفعل وساعدت في بيع الحرب للشعب الأمريكي. كتب باراك وبيريز حججًا وظهرا على وسائل الإعلام الأمريكية لحشد الدعم للحرب، وذهب نتنياهو إلى الكابيتول هيل لإعطاء رسالة مماثلة إلى الكونجرس. على الرغم من أن الدراسات الاستقصائية أظهرت أن اليهود الأمريكيين يميلون إلى أن يكونوا أقل دعمًا للحرب من الجمهور ككل، إلا أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية ومنظمات أخرى في اللوبي الإسرائيلي ألقت بثقلها وراء حزب الحرب أيضًا. العلاقة الخاصة وحدها -بدون الغباء السياسي الذي لازمها- لم تكن لتتسبب في اندلاع الحرب، لكن مما لا شك فيه أن العلاقات الوثيقة بين البلدين ساعدت في تمهيد الطريق.

إن العلاقة الخاصة -والشعار المألوف بأن التزام الولايات المتحدة بإسرائيل “لا يتزعزع”- جعلت أيضًا من تأييد إسرائيل اختبارًا أساسيًا للخدمة في الحكومة، ومنعت أعدادا من الأمريكيين القادرين من المساهمة بمواهبهم وتفانيهم في الحياة العامة. كونك داعمًا بقوة لإسرائيل لا يشكل حاجزًا أمام منصب رفيع في الحكومة -بالعكس قد يكون ميزة- ولكن حتى كونك منتقدًا معتدلا يعني مشكلة فورية لأشخاص بعينهم. إن الربط بين التعيين في الحكومة وبين “تأييد إسرائيل” كفيل باستبعاد الكفاءات – كما حدث عندما تم اختيار الدبلوماسي المخضرم ومساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاس دبليو فريمان في البداية لترشحه لرئاسة مجلس الاستخبارات الوطني في عام 2009 – كما يمكنه أن يجبر المرشحين على التلون وجلد الذات. حالة كولين كال الأخيرة -الذي حصل ترشيحه وكيل وزارة الدفاع للسياسة بالكاد على موافقة مجلس الشيوخ على الرغم من أوراق اعتماده التي لا تشوبها شائبة- هي مثال آخر على هذه المشكلة، ناهيك عن العديد من الأفراد المؤهلين تأهيلا جيدا الذين لم يتم حتى النظر في تعيينهم لنفس السبب. لا داعي للجدال؛ اسمحوا لي أن أؤكد أن المسألة ليست أن هؤلاء الأفراد لم يكونوا مؤهلين بشكل كافٍ لخدمة الولايات المتحدة؛ كل ما في الأمر هو الخوف من أنهم قد لا يكونون ملتزمين بشكل حاسم بمساعدة دولة أجنبية.

يمنع هذا الوضع غير الصحي كلاً من الإدارات الديمقراطية والجمهورية من السعي وراء أفضل المواهب ويزيد من تضليل الخطاب العام الأمريكي المتزايد. يتعلم أصحاب السياسة الطموحون بسرعة عدم قول ما يفكرون به حقًا بشأن القضايا المتعلقة بإسرائيل، وبدلاً من ذلك، يتكلمون بالتفاهات المألوفة حتى عندما يناقضون الحقيقة. عندما يندلع نزاع مثل الإرهاب الأخير في غزة، يتنقل المسؤولون العموميون والصحفيون إلى منصاتهم، محاولين عدم قول أي شيء قد يوقع أنفسهم أو رؤسائهم في المشاكل. الخطر لا يكمن في الوقوع في كذبة؛ الخطر الحقيقي هو أنهم قد يقولون الحقيقة عن غير قصد. كيف يمكن للمرء إجراء مناقشة صادقة حول الإخفاقات المتكررة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عندما تكون العواقب المهنية لتحدي وجهة النظر التقليدية قاتمة؟

من المؤكد أن الشقوق في العلاقة الخاصة بدأت تظهر. من الأسهل الحديث عن هذا الموضوع أكثر مما كان عليه من قبل (بافتراض أنك لا تأمل في الحصول على وظيفة في وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع)، وقد ساعد أفراد شجعان مثل بيتر بينارت وناثان ثرال في اختراق حجاب الجهل الذي طال أمده والذي أحاط بهذه القضايا. لقد غير بعض مؤيدي إسرائيل مواقفهم بطرق تمنحهم أفضلية كبيرة. في الأسبوع الماضي فقط، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً يشرح بالتفصيل حقائق الصراع بطريقة نادراً ما حدثت ذلك من قبل. الصور المبتذلة القديمة حول “حل الدولتين” و “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” تفقد قوتها بشكل متزايد، وحتى بعض أعضاء مجلس الشيوخ والممثلين قد خففوا من دعمهم لإسرائيل مؤخرًا -على الأقل في خطاباتهم- لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان هذا التغيير في الخطاب سيؤدي إلى تغيير حقيقي في سياسة الولايات المتحدة ومتى من الممكن حدوث ذلك؟

إن الدعوة إلى إنهاء العلاقة الخاصة لا تعني الدعوة إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أو إنهاء كل الدعم الأمريكي.[3] بل هي دعوة للولايات المتحدة أن تكون لها علاقة طبيعية مع إسرائيل على غرار علاقات واشنطن مع معظم الدول الأخرى. مع وجود علاقة طبيعية، ستدعم الولايات المتحدة إسرائيل عندما تفعل أشياء تتفق مع مصالح وقيم الولايات المتحدة وتنأى بنفسها عندما تتصرف إسرائيل بطريقة أخرى. لن تحمي الولايات المتحدة إسرائيل من إدانة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا عندما تستحق إسرائيل هذه الحماية بوضوح. لن يمتنع المسؤولون الأمريكيون عن الانتقاد المباشر والصريح لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي. سيكون السياسيون والمحللون وصناع القرار الأمريكيون أحرارًا في مدح أو انتقاد أفعال إسرائيل -كما يفعلون بشكل روتيني مع الدول الأخرى- دون خوف من فقدان وظائفهم أو دفنهم في حملة من التشهير ذات الدوافع السياسية.[4]

العلاقة الطبيعية ليست طلاقًا: ستستمر الولايات المتحدة في التجارة مع إسرائيل، وستظل الشركات الأمريكية تتعاون مع نظيراتها الإسرائيلية في أي عدد من المشاريع. سيستمر الأمريكيون في زيارة الأراضي المقدسة، وسيواصل الطلاب والأكاديميون من البلدين الدراسة والعمل في جامعات بعضهم البعض. يمكن أن تستمر الحكومتان في تبادل المعلومات الاستخباراتية حول بعض القضايا والتشاور بشكل متكرر حول مجموعة من موضوعات السياسة الخارجية. لا يزال بإمكان الولايات المتحدة أن تقف على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة لإسرائيل إذا كان بقاءها في خطر كما هو الحال بالنسبة لدول أخرى. ستظل واشنطن أيضًا تعارض بشدة معاداة السامية الحقيقية في العالم العربي وفي دول أجنبية أخرى وفي ساحتها الخلفية.

يمكن لعلاقة أكثر طبيعية أن تفيد إسرائيل أيضًا. لفترة طويلة، سمح الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل باتباع سياسات عكست مرارًا وتكرارًا ووضعت مستقبلها على المدى الطويل في شك أكبر. ويأتي على رأسها المشروع الاستيطاني نفسه والرغبة غير الخفية في إنشاء “إسرائيل الكبرى” التي تضم الضفة الغربية وتحصر الفلسطينيين في أرخبيل من الجيوب المعزولة. لكن يمكن للمرء أن يضيف إلى القائمة غزو لبنان عام 1982 الذي أنتج حزب الله، والجهود الإسرائيلية السابقة لتعزيز حماس لإضعاف فتح، والهجوم المميت على سفينة الإغاثة في غزة مافي مرمرة في مايو 2010 ، والحرب الجوية الوحشية ضد لبنان في عام 2006 والتي جعلت حزب الله أكثر شعبية، والاعتداءات السابقة على غزة في أعوام 2008 و 2009 و 2012 و 2014. كما ساعد عدم رغبة الولايات المتحدة في جعل المساعدات مشروطة بمنح إسرائيل للفلسطينيين دولة قابلة للحياة في تدمير عملية أوسلو للسلام، مما أدى إلى تبديد أفضل فرصة حقيقية لحل الدولتين.

إن وجود علاقة طبيعية أكثر -علاقة يكون دعم الولايات المتحدة فيها مشروطًا وليس تلقائيًا- من شأنه أن يجبر الإسرائيليين على إعادة النظر في مسارهم الحالي وبذل المزيد لتحقيق سلام حقيقي ودائم. على وجه الخصوص، سيتعين عليهم إعادة التفكير في الاعتقاد بأن الفلسطينيين سوف يختفون ببساطة والبدء في التفكير في الحلول التي من شأنها ضمان الحقوق السياسية لليهود والعرب على حد سواء. النهج القائم على الحقوق ليس الدواء الشافي وسيواجه العديد من العقبات، لكنه سيكون متسقًا مع القيم المعلنة للولايات المتحدة ويوفر المزيد من الأمل للمستقبل مما تفعله إسرائيل والولايات المتحدة اليوم. والأهم من ذلك كله، سيتعين على إسرائيل أن تبدأ في تفكيك نظام الفصل العنصري الذي أنشأته على مدى العقود العديدة الماضية لأنه حتى الولايات المتحدة ستجد صعوبة متزايدة في الحفاظ على علاقة طبيعية إذا ظل هذا النظام قائما.

اقرأ ايضًا: معاندة إسرائيل للتاريخ والأخلاق والقانون


[1] – الحقيقة هي أن الصهيونية استغلت الهولوكوست ومعاداة السامية لحشد اليهود وضم القوى الغربية إلى صفها، ولم يكن شعار معاداة السامية غير ستار لتحقيق الأغراض الصهيونية، لكن واقعيًا: فهرتزل نفسه كتب “سوف يصبح المعادون للسامية أصدقاءنا الذين يمكن الاعتماد عليهم، وستكون الدول المعادية للسامية حلفاء لنا”؛ ولا تزال تستخدم معاداة السامية لوصم كل من يعارض انتهاكات إسرائيل العنصرية. فالكلام على أن دعم المشروع الصهيوني كان في لحظة من اللحظات ذا أساس أخلاقي محض وهم. -المترجم.

[2] – وهو محض إيمان، لا تؤيده أي حقيقة. -المترجم.

[3] – إذا فعلت أي دولة أخرى ما تفعله إسرائيل فلن يكون بينها وبين أمريكا إلا الحرب، وليس مجرد علاقة طبيعية، فقد أعلنت أمريكا الحروب العسكرية والاقتصادية على دول لم تفعل معشار ما فعلته إسرائيل. -المترجم.

[4] – هذا متوقع من المؤلف، فهو ينطلق من قيم أمريكية محضة، ودوافع سياسية بالمقام الأول وليست أخلاقية. -المترجم.

المصدر
foreignpolicy

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى