عام

كيف تكتب مقالاً عالي الطراز

  • فرجينيا جوين
  • ترجمة: علي أحمد
  • تحرير: ريم بنت علي الطيار

يقدم ستة من الخبراء النصائح لكتابة مسودة معدّة للنشر والقراءة.

تمتلك المسودات الأولية بنية محددة بدقة، لكن هذا لا يمنع وجود طريقة للكتابة توصل الرسالة العلمية بطريقة محبِّبة للقراءة، يناقش المؤلفون العلميون والمحررون أهمية ومعنى الإبداع، ويقدمون نصائح حول طريقة كتابة مقال عالي الطراز.

 

اجعل رسالتك واضحة

آنجل بورجا، عالم بحار لدى AZTI-Tecnalia، مُقدِّم لتجارة بضائع وخدمات مستدامة في باسايا، أسبانيا؛ محرر صحفي، ومؤلف لسلسلة حلقات عن كيفية كتابة مسودة علمية.

فكر بالرسالة التي تود إيصالها للقراء فإذا لم تكن الرسالة واضحة فسيؤدي ذلك لحدوث خطأ في التفسير لاحقاً، ويشيع الآن وجود مجموعة من المؤلفين من اختصاصات متعددة ما يجعل من وضوح الرسالة أمراً أكثر أهمية، وإني إذ أشجع مجموعات الباحثين للجلوس سوية بشكل شخصي للوصول إلى الإجماع ليس حول الفكرة الرئيسية وحسب، ولكن في اختيار البيانات والعرض البصري والمعلومات الضرورية لإيصال رسالة قوية.

ينبغي أن تكون المعلومات المهمة في متن النص، ولتجنب التشتت ينبغي على الكُتّاب أن يضيفوا بيانات أخرى إلى الحواشي.

تُرفض أعداد لا تحصى من المسودات؛ لأن فقرة المناقشة ضعيفة جداً ما يوحي بأن المؤلف بعيد عن فهم المادة المكتوبة، وينبغي على المؤلفين وضع نتائجهم في سياق معروف عالمياً لشرح ما الذي يجعل هذه النتائج مميزة وأصيلة.

هناك خيط رفيع بين التخمين والخلاصات المدعومة بالأدلة، إذ يمكن للمؤلف أن يضع تخمينه في المناقشة لكن من دون إفراط؛ فالمناقشات التي جُلُّها تخمينات لا تعد جيدة؛ لأنها ليست متجذرة في خبرات المؤلف.

كخلاصة، عليك وضع جملة أو اثنتين تشرح فيهما البحث الذي تخطط لإنجازه مستقبلاً وعما ينبغي اكتشافه تالياً.

 

قم ببناء إطار عملٍ منطقي

بريت مينش، مستشار علمي لدى مؤسسة Howard Hughes الطبية، مجمع جانيليا البحثي، آشبورن، فيرجينيا؛ مستشار في اتصالات العلم.

للبنية الأهمية الكبرى، فإذا لم تؤسس للبنية بشكل صحيح فلن يكون لديك حينها أدنى أمل.

لقد كتبت مقالاً بالاشتراك مع كي كوردينغ رسمنا فيه الخطوط العريضة للتفاصيل البنيوية لاستخدام أسلوب “سياق-محتوى-خاتمة” لبناء مفهوم مركزي، إنها واحدة من أكثر المقالات المعاد تغريدها حتى الآن.

كانت الجملة الأولى في كل فقرة تعرِّف السياق، بينما يحتوي صلب النص على الفكرة الجديدة في حين تقدم الجملةُ الأخيرة الخلاصةَ.

بالنسبة للمقالة ككل فقد أعدت المقدمةُ السياق، وتضمن المحتوى النتائج، واحتوت الخاتمة على المناقشة.

من المهم جداً أن تركز مقالتك على رسالة واحدة رئيسية يشير إليها العنوان بحيث ينبغي على كل شيء في البحث أن يكون دعامًا منطقياً، وبنيوياً لهذه الفكرة.

عليك أن تصل بالقارئ العادي للنقطة التي تتمكن عندها من تلقيمه فكرتك.

عليك ككاتب أن تخوض في تفاصيل المشكلة، أنا لن أعرف لِمَ عليّ أن أهتم لشأن تجربتك إلى أن تخبرني أنت لِمَ عليّ ذلك.

 

اشرح فكرتك بثقة

دالاس مورفي، مؤلف كتب في مدينة نيويورك، معلم، يقيم ورشات كتابة للعلماء في ألمانيا والنروج وأمريكا.

يعدُّ الوضوح إلزامياً في الكتابة العلمية لكنني أجد باستمرار أن عنصر ” الجِدّة” مغيّب، كما تعد الإجابة على سؤال “ما الذي قدمته في هذا المقال؟” عنصراً رئيسياً في إيجاد بنية المقالة، حيث يتوجب على كل قسم من المسودة أن يدعم تلك الفكرة الجوهرية الوحيدة.

هناك مفهوم ألماني يُعرف “بالخيط الأحمر” وهو عبارة عن المسار المباشر الذي يتبعه الجمهور من المقدمة إلى الخاتمة.

الخط الأحمر في العلم هو “ما الجديد؟ وما الذي يسترعي الانتباه؟” إنه السبب الرئيسي وراء كتابة المقال، لذلك فحالما يؤَسس له تصبح الفقرات التالية مترابطة منطقياً وتؤلف هذا الخط الأحمر.

عادة ما يخشى المؤلفون العلميون صياغة عبارات مغرقة في الثقة، ما ينتج عنه كتابات مرتبكة تبدو في موقع دفاعي تتخللها العديد من التحذيرات، كما لو أن المؤلفين يكتبون للتصدي للانتقادات التي لم يدلي أحدٌ بها بعد، والنتيجة كلامٌ عاديُ مبتذل يأخذ بالحسبان سمعة المجلة أكثر من صالح البشرية ككل.

إليكم مثالاً عما قصدته، لنقرأ الفقرة التالية: ” بالرغم من كونها ليست شاملة، فإن هذه الورقة البحثية تقدم مراجعات مفيدة للطرائق المعروفة لعوالم المحيطات المادية مستخدمة العديد من الأبحاث التي تشرح التحديات المنهجية كأمثلة، والتي تفسح المجال أمام حلول ناجحة للصعوبات الموروثة في أبحاث علوم المحيطات”.

الآن، لماذا يشيع استخدام الفقرة السابقة عوضاً عن هذه: ” تقدم هذه الورقة مراجعة لطرائق أبحاث علوم المحيطات مع أمثلة تشرح تحديات بعينها وتقدم حلولاً.”؟

إذا ما اكتسح اللغو النثري لغة العلم فلن يفشل الكاتب في إيصال فكرته وحسب، وإنما سيجعل القارئ يبذل مجهوداً كبيراً بسبب أسلوبه المنفّر هذا.

على القارئ أن يركز ويتذكر ما يقرأ، أما الكاتب فعليه أن يجعل هذه المهام سهلةً على القارئ. أنا أنصح العلماء أن يقرؤوا خارج مجال اختصاصهم؛ كي يتمكنوا من حيازة مَلَكة الكتابة الاحترافية.

 

احذر لعنة ” أسماء الزومبي”

زو دبلداي، عالم بيئة، جامعة آديلايد، أستراليا، مؤلف مشترك لمقال عن الإحاطة الإبداعية، ويكتب مقالات متاحة في منشورات علمية.

فكّر بقارئك المشغول والمتعب عندما تكتب مقالاً، واجعل ما تكتبه ممتعاً لك أيضاً.

لماذا يجب على الكتابة العلمية أن تكون جامدة وعسيرة على الهضم؟ البشر حيوانات تتقن قصّ القصص، وإذا لم نتشارك هذه السمة فينا كبشر فسيغدو من الصعب هضم معنى ما نقرأه.

ينبغي على الكتابة العلمية أن تكون حقيقية، ودقيقة، ومدعومة بالأدلة، لكن هذا لا يعني مطلقاً أنها لا يمكن أن تكون إبداعية؛ إذا لم يُقرأ العلم فهو غير موجود.

تكمن إحدى المشاكل الرئيسية في كتابة المسودات بعدم مقدرتك على أن تمهرها بطابعك، قد يصطدم الكاتب بأساتذته ومدققي مسوداته الأولى، أو محرري المجلات عندما يطبع مقالته بطابعه الخاص، ويخبرني الطلاب أنهم ملهَمون للكتابة، لكنهم قلقون حيال عدم دعم أو محدودية المشرفين عليهم.

علينا تجديد نظرتنا للأسلوب العلمي الذي لم يتطور منذ عقود.

قامت المؤلفة هيلين سورد بنحت مصطلح “أسماء الزومبي” لوصف مصطلحات مثل “implementation” و ” application”، والتي بنظرها تمتص رحيق الحياة من الأفعال المبنية للمعلوم.

ينبغي علينا أخذ مشاعر القارئ بالحسبان، ونبتعد عن اللغة الرسمية العامة لكن وبنفس الوقت لا يجب أن نُغرق العلم بالأحاسيس إذ لا بد من الموازنة بين إيصال الرسالة بشكل واضح واستخدام لغة براقة تساعد في رواية القصة.

لقد عنونت أحد مقالاتي بالعنوان التالي: ” ثماني مساكن طبيعية، ثمان وثلاثون تهديداً وخمس وخمسون خبيراً: تقييم المخاطر البيئية في منطقة بحرية متعددة الاستخدامات”.

لقد عانيت بعض المقاومة لكن في النهاية سمح لي المحررون بالاحتفاظ بهذا العنوان فهم غالباً أقل مقاومة مما يعتقد الناس.

بعد سماعي مؤخراً أتحدث عن هذا الموضوع قامت زميلة لي بذكر أنها رفضت مراجعة مقال؛ لأنها شعرت بأن الأسلوب مغرق في “لاعلميته” لكنها اعترفت لاحقاً أنها اتخذت القرار الخاطئ وأنها ستعمل على تعديله.

 

تجنب النثر البنفسجي[1]

بيتر غورسيتش، مدير تحرير، محرر بحوث مجلة نيتشر، لندن، عالم بيولوجي مختص بالنباتات سابقاً.

يجب على الكتاب أن يتوخوا الحذر فيما يخص “الإبداعية”، فقد تبدو جيدة إلا أن الهدف من المقالة العلمية يكمن في إيصال المعلومات، أما التأنق البياني، واللغة المجازية فيمكن أن تسبب التشتت، وتخدع القارئ غير الناطق بالإنجليزية، نصيحتي هي جعل الكتابة معقدة بالقدر الذي يتطلبه إيصال المعلومة فحسب.

هناك العديد من الطرق لكتابة مقالة غير مؤثرة، إحداها حذف معلومات مهمة من قسم المناهج المتبعة، من السهل حدوث ذلك خاصة في الدراسات المعقدة إلا أن نسيان المعلومات قد يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل إعادة إنتاج الدراسة، ما يعني فشل البحث.

من المهم أن يكون ما يقترحه البحث مترابطاً مع الأدلة التي تم جمعها، وبنفس الوقت ينبغي على المؤلف تجنب إبداء ثقة زائدة بما توصل إليه.

يبحث المحررون ومراجعو المسودات عن نتائج مثيرة للاهتمام ومفيدة، وبدون ذلك قد تُرفض المقالة.

 لسوء الحظ يكافح المؤلفون في القسم المخصص للمناقشة حيث عليهم أن يشرحوا لمَ نتائجهم مثيرة للاهتمام، وكيف يمكن أن تضفي فهماً أكبر لموضوع البحث.

على المؤلفين أن يعيدوا تقييم المعارف الموجودة وأن يحددوا مدى قدرة نتائجهم على إفساح المجال أمام عمل جديد في المستقبل، كما عليهم أن يقنعوا القراء أن لديهم شروحات بديلة بما يجعل النتائج التي توصلوا لها تستند إلى أرضية صلبة.

 

استهداف جمهور واسع

ستايسي كونيكل، مديرة الأبحاث والتعليم في Almetric، لندن، تقوم بتقييم المقالات بالاستناد إلى درجة استرعاهم للانتباه على الصعيد الرقمي.

لاتتوفر دراسات معمقة تربط نوعية الكتابة بمدى الأثر الذي تحدثه، إلا أن دراسة جديدة قام بها ن دي جيرولامو وآر إم ريندرز لمجلة الوبائيات السريرية تظهر أن المقالات ذات العناوين الواضحة، والمختصرة، والصريحة تكون أكثر ظهوراً على مواقع التواصل الاجتماعي أو الصحافة الشعبية.

ترتبط هذه النتائج بخبرتي، ونصيحتي الكبرى هي بالاتجاه مباشرة نحو الهدف.

يمضي المؤلفون الكثير من الوقت في إعداد نقاشات مطولة للرد على اعتراضات محتملة قبل أن يذكروا في النهاية قضيتهم.

عبّر عن هدفك بوضوح ودقة وبلغة غير اختصاصية إن أمكن ما يجعل القراء غير المختصين يستشعرون الغرض من الكتابة.

إذا كتبت بطريقة تصل لغير المختصين فأنت بذلك تفسح المجال للخبراء من اختصاصات أخرى أن يشيروا إلى طروحاتك في اقتباساتهم، كما أنك تجعل كتاباتك متاحة للناس العاديين ما يعدّ أمراً مهماً في المجالات الطبية الحيوية.

لاحظت آمي رييز، زميلتي في Almetric، انتشار صيحة جديدة بين الأكاديميين بأن يصبحوا أكثر تروياً وتعمقاً أثناء نشرهم لأعمالهم، إذ إننا نشاهد على سبيل المثال الكثير من العلماء يكتبون خلاصات واستنتاجات عامة في منشورات مثل The Conversation وهي قناة إعلامية يتشارك عبرها الأكاديميون الأخبار والآراء.

اقرأ ايضًا: ما لا يعرفُه الأكاديميّون عن “الكتابة العامّة”


(1) – النثر البنفسجي: مصطلح يستخدم في النقد الأدبي ويطلق على الكتابة النثرية المزخرفة والمليئة بالصفات والظروف والمجاز.

المصدر
nature

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى