- سوزان سبر
- ترجمة: محمود عمران
- تحرير: لطيفة الخريف
قتل هتلر ملايين البشر، لكنه أحب كلبه بلوندي.
كيف لك أن توفق بين حب الحيوانات والعصبية العرقية؟ كتابة جديدة تنظر إلى وجه من وجوه التاريخ التي مرت دون تمحيص إلى حد كبير.
بالقرب من مدينة فايمر، فقط على مرمى حجر من محرقة جثث معسكر بوخنفالد للاعتقال،
“تأرجحت القردة على الأشجار في حديقة صغيرة، وزقزقت الطيور في الأقفاص، ويوجد كذلك دببة بنية وبركة أسماك ذهبية، وكان الهدف من حديقة الحيوان توفير المتعة والترفيه للرجال الذين يقضون استراحة الغداء هنا” هكذا كتب قائد معسكر الاعتقال كارل كوخ، الذي افتتح حديقة الحيوانات في عام 1938، بتمويل من ابتزاز -الذي سمي تبرعات- من السجناء.
القتلة محبو الحيوانات
لم تكن المتعة والرفاهية مقصودة للسجناء والعمال المقهورين الذين اعتقلهم النازيون في بوخنفالد، ربما بنى النازيون هذه المجمعات واعتنوا بالحيوانات، ولكن لم يسمح إلا لموظفي الاعتقال بأخذ استراحة هناك: الحراس والموظفون المدنيون والمشرفون الذين عذبوا وقتلوا السجناء على الجانب الآخر من السياج الكهربائي، وفي بعض الأحيان كانوا يرمون السجناء في حفرة الدب، لأن قائد قوات الأمن الخاصة كارل كوخ كان يستمتع بمشاهدة الدببة تمزقهم إلى أشلاء.
خلف هذا السياج الكهربائي، كان هناك الحيوانات، وهؤلاء السجناء الذين تم تصنيفهم على أنهم أقل مرتبة من الإنسان من قبل الأيديولوجية النازية العنصرية. يعكس هذا السيناريو المنظر الوحشي العالمي للنازية من ناحية أخرى، والذي تلعب الحيوانات فيه دورًا مهما.
في بعض الأحيان كانت بمثابة نماذج، وأحيانا كصور للعدو، وأحيانا كانت مجرد وسيلة لتحقيق غاية. يقول يان موهنهاوبت، مؤلف كتاب (الحيوانات في الاشتراكية الوطنية) والذي يروي أيضا قصة حديقة بوخنفالد: كل من يريد التعرف على التعسفات والتناقضات الموجودة في النظام النازي فلا يجب أن يتجاهل الحيوانات.
لم تركز الأبحاث الأكاديمية حول الحقبة النازية حتى الآن على موضوع الحيوانات، حيث كان يخشى أن يؤدي التركيز على الحيوانات إلى “التقليل من التضحيات البشرية”. يرى موهنهاوبت -المؤرخ في جامعة كاسل والأستاذ الوحيد في ألمانيا للدراسات التي تتناول الإنسان والحيوان- بأنه خوف غير مبرر.
كالذئب يندفع نحو قطيع الأغنام
كانت الكلاب المفضلة لأدولف هتلر هي من نوع (جيرمان شيبرد)، وهي سلالة من الكلاب المطيعة للغاية، ولهذا السبب كانت تستخدم ككلاب حراسة في معسكرات الاعتقال وهي تشبه أسلاف الذئب. كان هتلر عاشقا للذئاب، وكان يحب أن يدعوه أصدقاؤه بلقب الذئب، وكان مقره في الحرب العالمية الثانية يدعى بوادي الذئاب أوعرين الذئاب.
استخدمت البروباجاندا النازية صورة الذئب البري بسنوات قبل أن تتولى زمام السلطة، وفي 1928 كان جوزيف غوبلز الذي سيصبح بعد ذلك وزيرالإعلام يهدد السياسيين الديمقراطيين في جمهورية فايمار خلال حملته الانتخابية تحت شعار: (مثل الذئب يمزق قطيع الأغنام، هكذا نأتي) وبعد خمس سنوات في عام 1933 أطاح النازيون بجمهورية فايمار، لقد فشلت الديمقراطية الألمانية الأولى.
وفي العام نفسه (1933)، أصدر النازيون قانونًا لحماية الحيوانات ينص من بين أمور أخرى على وجوب صعق الحيوانات ذات الدم الحار قبل ذبحها. ما يبدو وكأنه حب للحيوانات، كان يهدف في المقام الأول إلى منع اليهود من طقوس الذبح. “وفقًا للقادة النازيين، لم يكن هناك تناقض في المصطلحات بين حماية الحيوانات والجرائم الإنسانية” (من كتاب موهناوبت). على العكس من ذلك، لقد شعروا بأنهم جزء من نخبة أخلاقية.
الدعاية عن طريق الحيوانات: كلاب هتلر، أسود غورينج
تظهر صور كثيرة زعيم هذه النخبة الوحشية -أدولف هتلر- مع كلبه الجيرمان شيبرد بلوندي، ونائبه هيرمان غورينغ، الذي كان أيضا مدير جمعية الصيد الألمانية، نادرًا ما كان يُرى مع حيواناته الأليفة الغريبة. بين عامي 1933 و1940 احتفظ غورينج بسبعة أسود بالغة، والتي كانت لغورينج علامة على السلطة والهيبة.
كما هو الحال في كثير من الأحيان، استلهم النازيون من نماذج تاريخية قدوة لهم في التعامل مع الحيوانات مثل: القياصرة الرومان الذين يربون الأسود، وملوك أوربا في العصور الوسطى مثل ريتشارد قلب الأسد وهنري الأسد الذي ادعى خصائص “ملك الحيوانات”: القوة وشدة البأس والشجاعة.
القطط هي “اليهود” بين الحيوانات
كشف حب النازيين المفترض للحيوانات عن هوسهم العنصري حتى تجاه الحيوانات نفسها. مثل الناس تمامًا، تنقسم الحيوانات لديهم إلى ذات قيمة وغير مستحقة للحياة. في حين أن القطط الكبيرة الجارحة مثل الأسود والفهود كانت موضع إعجاب، وصف الكاتب النازي ويل فيسبر القطط المنزلية بأنها “الغادرة الماكرة المعادية للمجتمع” لأنها تطارد الطيور المغردة. خلص فيسبر إلى أن القطط هي “اليهود بين الحيوانات”.
وقد جاء هذا أيضًا في أعقاب تقليد حزين ومعتاد في أوروبا: فحتى العصور الوسطى، كان يعتقد أن القطط واليهود في تحالف مع الشيطان
لا حيوانات أليفة لليهود
كان هناك قطة تدعى (مجيل) يربيها الكاتب والباحث الألماني فيكتور كليمبيرر وزوجته إيفا. عندما وصل النازيون إلى السلطة، جُرِّد كليمبيرر -الذي كان يهوديًّا- تدريجيًّا من كل شيء تقريبًا: السمعة والمهنة والمنزل. ابتداء من سبتمبر 1941، اضطر إلى تثبيت نجمة يهودية صفراء على ملابسه. لم يعد يسمح لليهود بعد ذلك بالاحتفاظ بالحيوانات الأليفة، كان عليهم التخلي عن قطهم المحبوب، ورمز مثابرتهم، كتب فيكتور كليمبيرر في مذكراته: “ذيل القط الذي عقد عاليا في الهواء هو علمنا، ولن نتخلى عنه”. ولكن الزوجين لم يتمكنا من إخفاء القط، لذلك انتهى بهم الأمر إلى تسليمه لحديقة الحيوان.
كان الحظر على الحيوانات الأليفة خطوة أخرى على الطريق إلى الحرمان الكامل لليهود من كافة حقوقهم في ألمانيا، وقد بدأ الحظر في نفس الوقت الذي بدأ فيه الترحيل الجماعي لليهود إلى معسكرات الاعتقال عام 1941، لذلك لن يضطر اليهود إلى القلق بشأن الحيوانات الأليفة التي تركوها خلفهم.
‘ذات أهمية استراتيجية’: الخنازير ودودة القز
كان للنازيين نظرة إيجابية للخنازير، فقد كانت طعام السكان الألمان خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945). جمع النازيون في “منظمة المعونة الغذائية” نفايات مطابخ الأسر الغنية تحت شعار مكافحة التبذير، وهو شكل مبكر من أشكال إعادة التدوير.
ربيت حيوانات أخرى وقت الحرب في المدارس: منها دودة القز، وقد كانت هناك حاجة إلى الحرير المقاوم للقطع والطارد الماء والمقاوم للحريق إلى حد كبير، وذلك لإنتاج المظلات، ودرب العمال على صناعة الحرير لهذا الغرض، وكانت مهمة الطلاب هي إطعام ورعاية دودة القز.
بدأت تربية دودة القز في فصول المدارس الابتدائية كنوع من الأسلحة متعددة الأغراض كما يقول موهنهاوبت، فلم تستخدم فقط لشرح علم الأحياء في الكائنات الحية، بل أيضا لتعليم الأطفال فرادة العرق النازي بطريقة مناسبة، فقد لقَّن المعلمون الأطفال أنه بعد كل شيء، لن تكون التربية ناجحة إلا بعد فرز جميع العينات المريضة والضعيفة في وقت مبكر”.
أصبح التعصب العنصري للنازيين متجذرًا بعمق في الحياة اليومية والمجتمع؛ ولم يكونوا إلا على بعد خطوات قليلة من قتل ملايين الناس بعد تصنيفهم بأنهم “لا يستحقون الحياة” مثل اليهود والسنتي والغجر، والمعوقين، والمعارضين السياسيين. واستخدم النازيون الحيوانات وأساؤوا استخدامها للوصول إلى أغراضهم.