- كندرا تشيري
- ترجمة: العنود الخليوي
- تحرير: روان ناصر
التعلُّم هو عملية معالجة معلوماتية معقّدة تتأثر بعوامل متنوّعة للغاية، وكما يعلم غالبية الآباء فالملاحظة تلعب دورًا هامًا في تحديد محتوى وأسلوب تعلّم الطفل. وكما يُقال، فإن الطفل كالإسفنج الذي يمتصّ المعلومات والخبرات التي يمرُ بها.
ولأن عملية التعليم معقّدة، نشأت نظريات نفسية تفسّر كيف يتعلم الناس ولماذا. اقترح العالم النفسي آلبرت باندورا نظرية تنصُّ على أن المراقبة والنمذجة يلعبان دورًا رئيسيًا في التعلّم الاجتماعي.
نظرية باندورا ليست كنظيراتها من النظريّات السلوكية، فهي تُشير إلى أن كل السلوكيات تُكتسب عبر التكيّف؛ كما أن نظريته تأخذ باعتبار المؤثرات النفسية كالذاكرة ومدى الانتباه.
المبادئ الأساسية لنظرية التعلّم الاجتماعي
كيف تعمل نظرية التعلّم الاجتماعي؟
أصبحت مدارس علم النفس خلال النصف الأول من القرن العشرين قوة مهيمنة. اقترح علماء السلوك أن التعلّم هو نتيجة تجارب شخصية نتجت من البيئة المحيطة كنتيجة لأمور مترابطة وكنتيجة لأسلوب تعزيز السلوكيات؛ أما نظرية باندورا فتشير إلى أن جميع أنواع التعلّم قد لا تكون ناتجة عن أسلوب التعزيز، على الرغم من كون نظريته تتفق في المبادئ الأساسية مع نظريات التعلّم التقليدية.
على سبيل المثال، فإن الأطفال والبالغين يظهر عليهم أنهم تعلّموا أشياء لم يخوضوا تجربة مباشرة معها. لو أعطاك أحدًا مِضربًا وأخبرك أن تضرب الكرة، فإنك ستعرف ما يجب عليك فعله حتى لو لم تلعب تلك اللعبة من قبل، وذلك لأنك رأيت غيرك يقوم بهذا إما بالتلفاز أوعلى أرض الواقع.
وفي حين تُشير النظريات السلوكية للتعلّم إلى كون التعلّم ناتجًا عن أمور مترابطة المصدر وهي التكيّف وتعزيز السلوك والعقاب، فإن نظرية باندورا للتعلّم الاجتماعي اقترحت أن التعلّم يمكن أن يحدث عن طريق أمر بسيط وهو ملاحظة ما يفعله الآخرين.
أضافت نظريته عنصرًا اجتماعيًا لما كان سائدًا، وتناقش كون الأشخاص يستطيعون تعلّم معلومات وسلوكيات جديدة خلال ملاحظتهم للآخرين، يُعرف هذا الأسلوب باسم “التعلّم المرئي” وهو أسلوب يمكن استخدامه لتفسير سلوكيات متنوّعة منها ما لا يمكن تفسيرها باستخدام نظريات التعلّم الأخرى.
أمور يجب عليك معرفتها تخصّ نظرية التعلّم الاجتماعي
هناك ثلاثة مفاهيم جوهرية في نظرية التعلّم الاجتماعي، أولها هي إمكانيّة تعلّم الأشخاص عبر رؤية الآخرين، ثانيها أن الحالة النفسية عنصر أساسي في هذه العملية، ثالثها أن هذه النظرية تنصّ على أنه ليس من الضروري عندما يتعلم الفرد شيئًا أن يغيّر من سلوكياته.
وكما بيّن باندورا في كتابه “نظرية التعلّم الاجتماعي” الصادر عام 1977: “التعليم سيكون مُجهِدًا للغاية بل شديد الخطورة لو اعتمد الأشخاص على نواتج أفعالهم وحدها ليتعلموا منها ما يجب عليهم فعله” وأضاف: “لحُسن الحظ، فإن غالبية السلوكيات الإنسانية تُتناقل عبر النمذجة، وهي عملية مراقبة الآخرين كي يُنشئ الفرد فكرته عن كيفية القيام بهذا السلوك، وينتج عن هذه المعلومات التي تُبرمَج لدى الفرد نموذج له للقيام بالسلوك.”
- يستطيع الأشخاص التعلّم عبر المراقبة
خلال إحدى أشهر التجارب في تاريخ علم النفس، برهن باندورا أن الأطفال يستطيعون تعلّم وتقليد السلوكيات التي يرونها في غيرهم من الأشخاص. شَهِد الأطفال في تجربة باندورا بالغًا يتصرف بعنف تجاه دمية البوبو، وبعدما سُمِح للأطفال باللعب في الغرفة مع دمية البوبو، بدأوا بإظهار ما رأوه بتقليدهم للتصرفات العنيفة التي رأوها سابقًا.
حدّد باندورا ثلاثة نماذج للتعلّم المرئي:
- نموذج مباشر يشمل شخصًا يطبّق أو يقوم بالسلوك.
- نموذج إرشاد لفظي يشمل وصف أو شرح للسلوك.
- نموذج رمزي يشمل شخصيات حقيقية أو خيالية تقوم بالسلوك، كمن في الكتب أو الأفلام أو البرامج التلفزيونية أو وسائل التواصل الاجتماعي.
وكما ترون، فالتعلّم المرئي لا يتطلّب الرؤية البصرية بالضرورة، فسماع إرشاد لفظي كالاستماع لمرئيات البودكاست يقود الفرد للتعلّم، كما يمكننا التعلّم بالقراءة والانصات أو مشاهدة سلوكيات الشخصيات في الكتب والأفلام.
وكما يمكنكم أن تتخيلوا، فإن التعلّم بالملاحظة أصبح بيئة خصبة للجدال بين أوساط العلماء والآباء بخصوص تأثير ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، فالكثير يقلقه أن يتعلّم الطفل السلوكيات السيئة كالعدوانية من ألعاب الفيديو العنيفة والأفلام والبرامج التلفزيونية والمقاطع في الإنترنت.
- الحالة النفسية مُهمّة للتعلّم
ملاحظة تصرّفات الغير ليست بالكافية دائمًا لتتم عملية التعلّم، وذلك بسبب أن الحالة النفسيّة والدوافع تلعب دورًا هامًا في تحديد ما إذا كان الفرد سيتعلم السلوك أم لا.
بينما اقترحت نظريات التعلّم السلوكية أن التعزيز السلوكي من طرف خارجي هو ما يصنع التعلّم، باندورا أدرك أن التعزيز لا يكون دائمًا من طرف خارجي.
وضَّح باندورا أن التعزيز المحيطي من طرف خارجي ليس بالعنصر الوحيد الذي يؤثر على السلوك والتعلّم، ووصف التعزيز الفعلي بكونه شكلاً من أشكال المكافآت الداخلية، كالكبرياء والرضى والشعور بالإنجاز، وهذا يؤكّد أن الأفكار الداخلية والوعي يساعدان في إنشاء حلقة وصل بين نظريات التعلّم والنظريات التطوّرية. وفي حين وضَعت الكثير من الكتب نظرية التعلّم مع النظريات السلوكية فإن باندورا ذاته يصف منهجه كنظرية وعي مجتمعية.
- التعلّم لا يستلزم تغييرًا في السلوك
كيف لنا أن نحدّد ما إذا كان الشيء قد تعلّمه الشخص؟ في كثير من الحالات يكون التعليم باستعراض السلوك أمام المتعلِّم. عندما تعلّم طفلاً كيف يركب الدراجة، يمكنك أن تحكم ما إذا نجحت علمية التعلّم أم لا بجعل الطفل يجرّب ركوب الدراجة بِلا مساعدة منك.
ولكن في بعض الأحيان فنحن نستطيع تعلّم الأشياء من دون تلقينها لنا بشكل واضح، فبينما اعتقد علماء السلوكيات أن التعلّم يقود إلى تغيير دائم للسلوكيات، وضّح التعلّم المرئي أن الأشخاص يستطيعون اكتساب معلومات من دون إبداء سلوكيات جديدة.
كيف تتم عملية التعلّم المرئي؟
من المهم الأخذ بالحُسبان أن ليست جميع السلوكيات التي يراها الفرد يتعلمها بشكل فعّال، والسبب يكمن في عنصرين وهما النموذج والمتعلِّم، حيث يلعبان دورًا فيما إذا كانت عمليّة التعلّم ناجحة أم لا. هذا بالإضافة إلى متطلَّبات معيّنة وخطوات محددّة يجب اتّباعها
الخطوات التالية تتعلّق بالتعلّم المرئي وعملية النمذجة:
- الانتباه: فحتى تتعلّم شيئًا، يجب عليك أن تعير انتباهك له. أي شيء يعيق انتباهك يؤثر سلبًا على عملية تعلّمك المرئية. إن كان النموذج الذي تتعلّم منه مثيرًا لاهتمامك أو كان هناك عُنصر غير مألوف في ذلك الموقف الذي تمرُّ فيه = زادت احتمالية إعارة انتباهك لأجل عملية التعلّم.
- الحفظ: قدرة الاحتفاظ بالمعلومات هي عنصر آخر مهم في عملية التعلّم. يتأثر الحفظ بعدّة عوامل، ولكن قُدرتك على استرجاع المعلومات لاحقاً والتصرّف تبعًا لها هو عُنصر أساسي في عملية التعلّم المرئي.
- التقليد: عندما تُعير انتباهك بشكل كُلّي إلى النموذج وتلقنت المعلومة منه، يأتي دور تطبيقك للسلوك الذي تعلّمته. كلما تدرّبت على السلوك أكثر، كلما تحسّنت في أدائه أكثر وزدت مهارة في أدائه.
- المحفّز: ولأجل نجاح عملية التعلّم المرئي، عليك أن تكون متحفّزًا لتقليد ذلك السلوك الذي نُمذِج أمامك. كما أن التعزيز والعقاب يلعبان دورًا مُهمًا في عملية التحفيز، تعرُّضك لهذه المحفزات قد يكون فعّالاً للغاية وذلك ينطبق على رؤيتك لآخرين يتعرّضون لها. على سبيل المثال، لو رأيت طالبًا غيرك يكافأ بمزيد من الدرجات لانتظامه في الحضور فإنك قد تُحاول أن تبكّر في حضورك بعدة دقائق كل يوم.
بعض تطبيقات نظرية التعلّم الاجتماعي
هناك العديد من التطبيقات على أرض الواقع لنظرية التعلّم الاجتماعي، إحدى أمثلتها هو استخدام الباحثين لها لفهم ومعرفة احتمالية انتقال العنف والعدوانية عبر التعلّم المرئي. وعبر دراسة العنف في المحتويات المرئية، يستطيع الباحثين الوصول إلى نتائج أفضل لفهم ماهية العوامل التي قد تقود الأطفال للتصرف بعدوانية كما يَرون في التلفاز والأفلام.
وكما أن التعلّم الاجتماعي يمكن استخدامه لتعليم الأشخاص تصرفات إيجابية، فيستطيع الباحثين استخدام نظرية التعلّم الاجتماعي للتحقيق ومحاولات فهم الطرق التي يمكن بها الاستفادة من القدوات ذات التأثير الإيجابي لتشجيع السلوكيات المرغوبة تسهيلاً لعملية التغيّر الاجتماعي.
كلمة أخيرة
بالإضافة إلى تأثيرها على بقيّة علماء علم النفس، فنظرية باندورا للتعلّم الاجتماعي لديها آثار مهمة في مجال التعليم. فكُلاً من المعلمين والآباء اليوم يُدركون أهميّة نمذجة الأفعال الصالحة. وهناك استراتيجيات كتشجيع الأطفال وتعليمهم الفعاليّة الذاتية نشأت من نظرية التعلّم الاجتماعي.
وكما لاحظ باندورا، فإن الحياة ستكون صعبة للغاية بل خطيرة إن كنت تتعلّم كل شيء من تجاربك الشخصية، فإن التجارب الاجتماعية تشكّل جزءًا كبيرًا منك لذا ليس من الغريب أن يلعب عنصر رؤية الآخرين دورًا مُهمًا في حصولك على المعرفة والمهارات.
بفهمك لكيفية عمل نظرية التعلّم الاجتماعي فإنك ستقدّر الدور القوي الذي تلعبه عملية الرؤية في تشكيل الأشياء كما نعرفها والتي نقوم بها.
اقرأ ايضاً: ثلاثة طرق لمساعدة الأطفال على التفكير بصورة نقدية