عام

كيف يُصنع الإرهاب

  • أسامة خالد
  • تحرير: سهام سايح

15 مارس 2019 يومٌ يعني الكثير للعالم أجمع.

يوم قتَل فيه السفاح برينتون تارانت 50 إنسان مسلم بغير وجه حق وكان تبريره أنّهم مهاجرون و مغتصبون لأرضه، حين تقرأ بيان الإرهابي تكتشف بأنّه ضعيف جدًا في قراءة التاريخ. ولو عدنا إلى المقطع الذي نشره وهو يرتكب الجريمة لسمعنا أغنية باللغة الصربية كلماتها تشير إلى رادوفان كاراديتش والملقب بسفّاح البوسنة الذي قام بعمل إبادة جماعية لمسلمي البوسنة (1992-1995).

نحن البشر في آخر 100 سنة أثبتنا بأنّنا كائنات متطورة جدًا ونواكب جميع ما يحصل حولنا من تطور سواء إيجابي أو سلبي، الجميع يعرف بأنّه ربّما يُنشَر مقطع في قروب (واتس آب) وغدًا يجد نفسه الأول في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، ما تفعله العولمة في العالم الآن شيء مخيف و جنوني.

بإمكانك الآن وأنت تقوم بتجهيز فطورك أن تناقش بروفيسور في المادة 46 من نظام التنفيذ القضائي، هذا مثال من الأمور الجيّدة التي أتاحتها لنا مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن الأمور التي أصبحت نقمةً على البشرية هو استخدام مواقع التواصل لنشر الكراهيّة مثل ما فعل الإرهابي برينتون دعوني أوضح نقطة مهمة جدًا .. نحن الآن لسنا أمام شخص تم غسل دماغه أو شخص غير واعي بما يفعل أو حتى مجنون، نحن أمام إرهابي مثقف وفاهم للتاريخ و لديه رسالة يريد أن يوصلها للعالم، هذا الإرهابي لو ظلّ سنين ينشر مقالات و مقاطع فيديو لكي يوصل لنا فكرته لن يستطيع أن يصل لما وصل له بعد الجريمة من انتشارٍ و ضجة.

بدليل بعد الحادثة مباشرة علّق عليها جميع رؤساء العالم (ترامب، بوتن، ماكرون، ميركل، بابا الفاتيكان والكثير غيرهم) هذه أشبه بدعاية مجانية لهذا الإرهابي، مرّ علينا الكثير من حالات الإرهاب وكانت أبشعَ من هذه وأسوء بمراحل و سنين ضوئية، لكن الجديد في هذه الجريمة هو أنّها صُوِّرت بطريقة أشبه بالأفلام ولمدة ربع ساعة ولم تمنع إدارة (فيس بوك) هذا الإرهابي من إيقاف البث.

لماذا فعل ذلك!؟ وكيف سينشر أفكاره من داخل السجن؟

في 22 يوليو من عام 2011 قام المجرم النرويجي أندرس بريفيك وهو من اليمين المتطرِّف بفتح النّار على مجموعة من المسلمين وقتل ما يقارب التسعين شخصًا، هو يعلم أساسًا بأنّ النظام في دولته ألغى حكم الإعدام، وهذا ما يسمح له بأن يعيش في سجون مرفهة ونحن هنا نتحدث عن سجن في دولة تعتبر من أكثر الدول سعادة في العالم (النرويج). في تقرير نشرته BBC فهذا الإرهابي كان يحصل على صالتين خاصتين و غرفة لألعاب الفيديو و صالة تدريب وغيرها من الرفاهيات. في بداية فترته في السجن وُضع في الحبس الانفرادي وحين خرج رفع قضية على الدولة بحجة أنّها وضعته في الانفرادي وتخيّلوا ماذا حصل !؟ .. ربح القضية بحجّة أنّ الحكومة قد انتهكت حقوقه الإنسانية، ووصلت لاستنتاج على لسان قاضي المحكمة بأنّ عُزلته الطويلة تهدِّد صحته العقلية.

ها نحن الآن وبعد 8 سنوات يأتينا مجرم آخر ويكرِّر نفس السيناريو بالضبط ولن تتم محاسبته، بل في أسوء الأحوال سيحصل على مؤبد وسيتم توفير كلِّ سبل الرّاحة له لكي ينشر أفكاره ويصبح بطلاً قوميًا وله أتباع.

ما جعلني أكتب هذه المقالة هو تعجُّبي لكمية الكره التي يُكنُّها الغرب للعرب و المسلمين، لو كان كلام الإرهابي صحيحًا بأنّ (المسلمين المهاجرين) احتلوا بلاده فهذه حجةٌ ضعيفة، لأنّ المهاجرين و اللاجئين إلى بلاده نسبة المسلمين فيها قليلة مقارنة بالديانات الأخرى، حرب هذا المجرم هي مع المسلمين العرب. التاريخ يؤكِّد كمية الكُره الموجهة لنا، أنا أتعجب من الذي يقول لابد أن نواجه الإرهاب بالنقاش و الحجة ! لابد أن يفهم هؤلاء بأنّنا محارَبون في ديننا وما أُخِذ بالقوّة لا يسترد إلاّ بالقوة.

(القاتل يظلُّ بريئًا حتى يُثبِت بأنّه مسلم) تخيّلوا لو أنّ من قام بهذه الجريمة مسلمٌ أو حتى غير مسلم ولكن لديه جذور إسلامية، ستجد كلمة إرهابي تقال في الدقيقة ألف مرة، ولكن بعض رؤساء الدول لم يُطلقوا مصطلح إرهابي على المجرم لأنّه خاص و مُفصَل على كل عربي مسلم . هل تتذكرون أغنية (أقتل عربيًا) التي قامت بها فرقة الروك البريطانية ماذا فعلت حينها صحيفة “Sun” ؟ قامت بتصوير العرب في رسم ساخر بأنّهم خنازير، وحين احتجّ أحد البريطانيين على هذا الأسلوب المبتذل قامت الصحيفة بتصوير خنازير تحتج وتتظاهر لتشبيهها بالعرب !! ويأتي بعد كلِّ هذا من يمجِّد الغرب ويدعوا للتطبيع معهم.

السنوات القادمة سنرى حربًا ضد العرب المسلمين، بعض رؤساء العالم سعداء بما حصل ولكن من أجل حفظ المصالح المادية مع العرب فقد عبَّروا عن حزنهم الشديد، ومن الأمور المضحكة المبكية حين صرّح المجرم نتنياهو عن حزنه وأسفه الشديد على ما حدث وهو الذي قتل و شرّد الملايين بدمٍ بارد.

وفي أثناء كتابتي لهذه المقالة انتشر خبرٌ عن رجل ستيني يمنع إرهابيًا من ارتكاب مذبحة في مسجد بالنرويج ها نحن نشاهد تارانت آخر، عندما نشاهد تعابير وجه المراهق المدعو فيليب مانسوس ستلاحظون بأنّه فخور جدًا بما قام به ويبتسم للكاميرات، لقد حقّق انتصارًا لذاته لأنّه بكلّ بساطة يرى بأنّ الطرف الآخر (المسلم) مجرد شيءٍ لا قيمة له. هذا المراهق لا يبحث عن شهرة ولكنّه يريد تفريغ الحقد الذي بداخله اتجاه المسلمين، وقد عبّر عن تأثره بالإرهابي الآخر تارانت وكان يرى بأنّ ما قام به هو الصحيح؛ لذلك في ديننا الإسلام وُضِعت الحدود (حد السرقة، حد القتل إلخ) لو أنّ هذا المراهق عرف بأنّ القتل له عقاب دنيوي وأنّ أمثال الإرهابي تارانت يأخذون جزاءهم الدنيوي بالقتل، لما فكّر حتى أن يُقدم على فعل أمرٍ كهذا لأنّه كما ذكرنا تجربة السجن في دول كالنرويج لا تعتبر إلا بمثابة رحلة أو مكان مناسب لنشر الأفكار المتطرِّفة والحصول على صخب إعلامي و شهرة.

الإرهابي تارانت و غيره هم جزءٌ لا يتجزأ من حلقة تدور و تدور .. غدًا سيظهر لنا مسلم يفجِّر نفسه وينتقم وبعدها يأتي تارانت آخر ويقتل مسلمين لا ذنب لهم . وهكذا إلى آخر يومٍ لنا على وجه هذه الأرض. يقول مكيافيلي في كتابة الأمير (إن أردنا الإساءة لإنسان فيجب أن تكون هذه الإساءة على درجةٍ بالغة لا نضطر بعدها إلى التخوُّف من انتقامه) وهنا كان يشرح كيف تُحقِّق انتصارًا كاسحًا ضد عدوك فالكتاب عبارة عن مرجع مجاني عن كيف تصبح مجرم محترف ومن هنا تبدأ الكراهية.

أخيرًا .. أتمنى أن أستطيع الخروج من هذا الكابوس وكلِّي أمل أن لا نشاهد جرائم بهذه البشاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى