- رياض صالح الشمراني
- اسم الكتاب: تغيُر العقل – كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
- اسم المؤلف: سوزان غرينفيلد
- اسم المترجم: إيهاب عبد الرحيم
- سنة الإصدار: 2017م
- دار النشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت
- عدد الصفحات:392
اهتمامي بهذا الكتاب أتى أثناء تفكيري لسنوات في موضوع واحد وإن كان بأشكال متعددة وهو هل استخدامنا المتزايد للتقنيات الرقمية وتشمل الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة والحواسيب المكتبية وأجهزة الألعاب له أثر على مختلف نواحي حياتنا؟ هل له أثر في أحلامنا وتطلعاتنا؟ هل له أثر في علاقتنا بعضنا ببعض؟ هل يؤثر في قيمنا ومعتقداتنا؟
كيف يؤثر في آرائنا فيما حولنا؟ وكيف يؤثر في أنماطنا الاستهلاكية؟ هل له أثر في علاقة الأزواج ببعضهم؟ ما هو أثره في طريقة تربيتنا لأطفالنا؟ ما هو أثره في العلاقة بين الجنسين ورؤية كل منهما للآخر؟ وما أثره في المهارات والخبرات التي نكتسبها؟ وأثره في طريقة أدائنا لأعمالنا؟ وغيرها من الأسئلة التي أفكر فيها ولا أجد لها غالباً أجوبة، وبقدر ما تكبر الأسئلة وتزداد تضيع الأجوبة وتحتار، ولا عجب من ذلك فالتداخل بين الاجتماعي والثقافي والنفسي والتقني في هذه الأسئلة يجعل أجوبتها متعلقة بتعاون هذه المجالات، ومع ذلك ألاحظ – على الرغم من سيطرة استخدام هذه التقنيات على حياتنا واستحواذها على معظم أوقاتنا وخاصة الفئات الأصغر سناً- ندرة الكتب والمقالات والبحوث وحتى الحوارات حول أثرها الحاصل والمحتمل في حياتنا في مختلف جوانبها الآن ومستقبلاً!
وأنقل عن الكاتبة قولها “إنّ الوجود اليومي المتمركز حول الهاتف “الذكي” والحاسوب المحمول وأجهزة الإكس بوكس قد يغير جذريا ليس مجرد أنماط حياتنا اليومية بل أيضا هوياتنا وحتى أفكارنا الداخلية بطريقة لم يسبق لها مثيل”
من الضروري إثارة مثل هذه الأسئلة وغيرها الكثير مما يتعلق بنمط حياتنا الحالي المتمحور حول الأجهزة التقنية، وبحثها من قبل الدارسين والأساتذة في مختلف التخصصات النفسية والاجتماعية والعصبية وعلم المعلومات والتعاون فيما بينهم للوصول لنتائج قد تساعد على التخفيف من آثارها علينا في مختلف مناحي حياتنا.
قد يقول قائل إن هذه الأجهزة وفرت لنا كثير من الخدمات والامتيازات التي لم نكن نحلم بها قبل بضع سنين فقط وأسارع في الرد وأقول إنني هنا لا أتحدث عن هذه الخدمات بل عن استخدامنا المفرط لهذه الأجهزة وقضائنا عليها معظم ساعات يوميا وتفريطنا في مهامنا الحياتية الواقعية مقابل تصفح هنا أوهناك.
تقول الكاتبة “إن التكنولوجيا الرقمية لديها القدرة على أن تصبح غاية بدلاً من كونها وسيلة، وأن تتحول إلى أسلوب حياة في حد ذاتها، وعلى الرغم من أن الكثيرين سيستخدمون الإنترنت للقراءة أو التعلم أو الترفيه، فإن العالم الرقمي يوفر إمكانية لأن يصبح عالماً قائماً بذاته من التواصل الاجتماعي إلى التسوق إلى العمل والتعلم والترفيه وغيرها وللمرة الأولى قد تتفوق الحياة أمام الشاشة على الحياة الحقيقية.
بعد هذه المقدمة دعونا نستعرض كتابنا “تغير العقل” وهو محاولة رائدة من متخصصة في علوم الأعصاب لبحث في الآثار المحتملة لاستخدام الأجهزة الرقمية على طريقة تفكيرنا وعلى أدمغتنا ومواهبنا العقلية التي حبانا الله بها، في وقت احتفى الجميع بهذه التقنيات الجديدة واعتبروها ثورة توازي الثورة الزراعية أو الصناعية.
في البداية تعرف الكاتبة مصطلح “تغير العقل” بأنه مفهوم شامل تم تركيبه من تجميع ملاحظات اجتماعية ظاهرة، وآراء الخبراء والمهنيين وتحليل مجموعة واسعة من النتائج المباشرة وغير المباشرة من مختلف التخصصات.
وتقول إن تغير العقل يقصد به أنه يتناول العديد من الطرق والأشكال التي يمكننا بها كأفراد أن نفكر ونشعر ونتفاعل بعضنا مع البعض كلما ازداد طول عيشنا أمام الأجهزة الرقمية ويتعلق الأمر بالعلوم العصبية وعلم النفس والعلوم الاجتماعية وغيرها.
وتؤكد أن ظاهرة “تغير العقل” لها عدة سمات:
أولاً: أنها ظاهرة عالمية، بحيث اكتسحت معظم دول العالم.
ثانياً: أنها ظاهرة غير مسبوقة، حيث إن الجلوس ساعات طويلة أمام الشاشة واستئثارها باهتمامنا ونشاطنا، لم يسبق مطلقاً أن فعلناها مع الكتاب والسينما والراديو وحتى التلفاز، ولم يكن لكل هذه الوسائل من القدرة على جعلنا مدمنين عليها كما لهذه الأجهزة الرقمية، وإمكانية التواصل المستمر مع أفراد خارج المنزل بصورة أكثر حميمية مع أفراد الأسرة الذين يعيشون على مقربة منا، وغير مسبوقة من ناحية أننا نقضي أوقات عديدة ونحن مجرد متلقين سلبيين لتجارب الانترنت المفتعلة من قبل شخص آخر، نحن فقط ننتقل بين الخيارات المتاحة.
ثالثاً: أنها ظاهرة مثيرة للجدل، فهناك كثير من التقنيين وغيرهم من ينظر لتأثير استخدام التقنيات الرقمية على أنه مفيد على مستوى بعض المهارات العقلية، والاطلاع على ثقافات متعددة والتواصل مع أناس من مختلف الدول، وهناك من يرى حتى من التقنيين بأن فوائدها المحتملة تتضاءل أمام العواقب السيئة لها.
فتنقل مثلاً عن أحد مؤسسي تويتر قوله إن استخدام تويتر ساعات في كل مرة يبدو غير صحي، وعن رئيس مجلس إدارة جوجل السابق “ما زلت أعتقد أن الجلوس وقراءة كتاب أفضل وسيلة لتعلم شي ما في الواقع، وأخشى أننا في سبيلنا إلى أن نفقد ذلك”.
كما أن أكثر التقنيين وافقوا في استطلاع أجري عليهم أن جيل الألفية (المولود بعد عام 2000م) سيعاني بحلول عام 2020م من تشتت الانتباه والافتقار لملكات التفكير العميق وإلى المهارات الاجتماعية، والاعتماد غير الصحي على الإنترنت والهواتف الذكية لأداء مهامهم.
وتشير وفقاً لدراسات قام بها متخصصون في علم النفس أنه كلما زاد تواصل الناس عبر الإنترنت زاد شعورهم بالعزلة.
رابعاً: أنها ظاهرة متعددة الأوجه، حيث تندرج تحت ثلاثة مجالات رئيسة:
١- مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها في الهوية والعلاقات.
٢- ممارسة الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها المتعلقة بالانتباه والإدمان والعنف.
٣- محركات البحث والتصفح وتأثيراتها في التعلم والذاكرة.
المجال الأول وهو تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الهوية:
فالمستخدم حين يصور وجبته أو موقعه الحالي أو نشاطه فإنه يستمد رضاه عن نفسه من موافقة الآخرين وتعليقاتهم وليس بالضرورة من الموقف ذاته.
ولها تأثير على الخصوصية فكثير من المستخدمين يشارك بمعلومات شخصية لأشخاص لا يعرفونهم.
وتأثيرها في جعل بعض المستخدمين يعيشون في ظل توقعات الآخرين وآرائهم وتقييماتهم بدلاً عن العيش وفق تجاربهم الخاصة والعائلية وحسب تأملاتهم وذكرياتهم وأحلامهم وقناعاتهم الشخصية.
وأيضا مواقع التواصل قد تعرضك لجمهور متقلب وغير متفهم وغير مدرك لظروفك المحيطة، وبالتالي متسرع في إصدار الأحكام.
والمجال الثاني لظاهرة تغير العقل هو تأثير ممارسة الألعاب الإلكترونية على الانتباه والإدمان والعدوانية:
أثبتت بعض الدراسات أن الإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية تؤدي إلى الزيادة في السلوك العدواني، والتفكير العدواني المترافق مع تدهور السلوك الاجتماعي الإيجابي، ولا تؤدي بالضرورة إلى السلوك العنيف جنائياً بل قد تزيد من احتمال العدوانية المنخفضة الشدة.
وقد تسبب كذلك التهور وضعف التفكير في عواقب أفعالنا، وتؤدي إلى الإدمان والتكاسل عن ممارسة الأنشطة المختلفة في العالم الحقيقي.
والمجال الثالث وهو التصفح عبر الإنترنت وتأثيره على عمليات التعلم والذاكرة:
حيث إن جاذبية تصفح الإنترنت، والانتقال عبر الروابط المختلفة، والوصول إلى كمية هائلة من المعلومات لدرجة الإغراق، والاختلاف بين مصادر المعرفة الورقية وبين السيلكون وغيرها، تعمل جميعها كعوامل متعددة لإعادة صياغة عمليات التفكير لدينا.
وقبل أن تستطرد الكاتبة في تعداد تأثير التقنيات الرقمية على عقولنا، تحدثت في عدة فصول عن كيف يعمل الدماغ وكيف يتغير وكيف يصبح الدماغ عقلاً، والفكرة الأساسية هي “لدونة” المخ البشري والمقصود بها هي أن الدماغ في حالة تشكل وتغير مستمر نتيجة للتجارب البيئية من اجتماعية وتعليمية وغيرها وأيضا عمليات التفكير والخيال والتأمل، وعدم وجود بيئة محفزة قد يسبب ضموراً تدريجياً للمخ على قاعدة “استخدم قدراتك وإلا فستخسرها”.
وتقول إن ما يجعل الدماغ عقلاً هو قدرتنا على ربط المحسوسات الواردة إلينا وغيرها من الظواهر أو الحقائق، ورؤيتها من منظور شيء آخر، وأننا كأشخاص بالغون قد نفقد عقولنا حتى ونحن واعون، وذلك عندما نكون متأثرين جداً بالمحفزات الحسية الخارجية، ومستوعبين تماماً في حالة (هنا والآن) ،وقتها تعمل عقولنا على مستوى ارتباطات عصبونية محدودة، ولا يكون للواقع من حولنا مغزى، وتكون الوقائع من حولنا معزولة عن أي سياق أوسع، وتعمل القشرة أمام الجبهية (وهي المسؤولة عن التفكير واتخاذ القرار) بنشاط أقل، وتفزز مستويات أعلى للدوبامين المسبب للنشوة.
وهذه الحالة للعقل هي الحالة الطبيعية للأطفال والمقامرين والمدمنين ومن يعانون من الفصام، وقد يسبب هذه الحالة استخدامنا المفرط للتقنيات الرقمية.
بعد ذلك تعود الكاتبة للحديث بشكل أوسع عن المجالات الثلاث الرئيسة لتأثير استخدام التقنيات الرقمية على عقولنا.
تتحدث أولاً عن مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها على الهوية والعلاقات، وتنقل عن دراسة أجريت في بريطانيا أنه في عام ١٩٨٧م كان الناس في المتوسط يقضون ست ساعات يومياً في التفاعل الاجتماعي وجهاً لوجه، وأربع ساعات عبر وسائل الإعلام الإلكترونية (هاتف، فاكس)، وفي عام ٢٠٠٧م أي بعد 20 عاماً أصبح الناس يقضون ثمان ساعات يومياً في التواصل عبر وسائل الإعلام الإلكترونية المتطورة، وساعتين ونصف في التواصل وجهاً لوجه.
وتقول إن ميل الأفراد لمواقع التواصل الاجتماعي قد يكون من أسبابه الشعور بالوحدة، وأننا نحاول أن نرسم صورة مثالية لذواتنا من خلالها.
وكثيراً من الأفراد المستخدمين لهذه المواقع يحاولون إبراز صورة لذات غير حقيقية لهم، يعرضون كل ما يعزز هذه الصورة ويخفون ما يشوهها مما يسبب ازدواجية لدى هؤلاء الافراد.
كما أثبتت الأبحاث أن الهوية (الذات) التي نحاول إظهارها على مواقع التواصل الاجتماعي ليست هي الهوية الحقيقية بل هي هوية مصممة عن عمد أو مرغوبة اجتماعياً يطمح لها الأفراد ولكنهم لم يتمكنوا بعد من تحقيقها، مما قد يسبب وجود هذه الفجوة إلى الشعور بالانفصال والوحدة.
وتتابع أن مواقع التواصل اجتماعي قد تغذي اتجاه الهوس بالذات (النرجسية).
وقد تسبب أيضا انخفاض لاحترام الذات بسبب العيش في تجارب الآخرين ورسم معايير زائفة للسعادة ومقارنة حياتي بحياة الآخرين التي تبدو رائعة.
والخطر هنا هو أن بعض الأفراد قد يُعرف النجاح أو الإنجاز أو العلاقة الجيدة مع الآخرين بأنها تعتمد على عدد المتابعين والمتفاعلين مع محتواه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
إن الكاتبة هنا صورت حياة الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها حلقة مفرغة من تمثيل سعادة مبالغ فيها، والشعور بالغيرة من سعادة الآخرين والشعور التالي بالحاجة إلى زيادة الحالة المعروضة لإظهار سعادة أكبر!
ولك أن تتخيل أي شعور ستشعر به إذا عشت مستقبلاً في مجتمع يسعى أفراده لتحقيق الشعور بالطمأنينة النفسية عن طريق الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص الذين يتابعونهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي (لم يعد من المستقبل أصبح واقعاً الآن).
بعد ذلك تتحدث عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات، وترى أن تناقص التعاطف يتناسب طردياً مع زيادة العلاقات عبر الإنترنت، لأن الإساءة لمشاعر شخص آخر عبر الانترنت لا تتيح لك القدرة على رؤية ردة فعله وملاحظة لغة جسده وملامح وجهه، ومن ثم الاعتذار إليه.
كما أثبتت الدراسات أن الاستخدام المفرط للإنترنت قد يؤدي إلى انخفاض القدرة على التواصل مع الآخرين بشكل فعال، حيث تتكون لديهم مشاكل في معالجة وفهم تعبيرات الوجه للآخرين. وأشار الدكتور ماكدويل McDowell إلى أن الأفراد الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مفرطة قد يكتسبون خصائص شبيهة بالتوحد مثل تجنب التواصل بالعينين.
إن نمو التعاطف لدى أطفالنا مرتبط بتعرضهم لتجارب وبيئة تساعدهم على ذلك في وقت مبكر، وبما أن الأنشطة المتمحورة حول الشاشة لا تساعدهم على ذلك، حيث لا ينظر أحد إلى أعينهم، ولا يلاحظون التغيرات في لغة الجسد، فإنهم قد تظهر عندهم صعوبات شبيهة بما يحدث في حالات التوحد، إن غياب الفرصة على الإنترنت للتدرب على المهارات الاجتماعية قد يؤدي إلى نقص في العلاقات العميقة ، وإلى مزيد من عدم الثقة بالآخرين لأن العلاقات العميقة والثقة بالناس تنشأ في أفضل صورها من خلال التواصل وجهاً لوجه وملاحظة لغة الجسد وتعبيرات الوجه.
وأثبتت دراسة أجريت عام ٢٠١٣م أن المبالغة في استخدام الفيس بوك (كمثال على مواقع التواصل الأخرى) ترتبط بنتائج سلبية في العلاقات، مما يؤدي إلى مزيد من الخيانة الزوجية والطلاق.
وفي تأثير استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع بشكل عام، ذكرت دراسة أنه ما بين ٢٠٪ إلى ٤٠٪ من الشبان كانوا ضحايا للتنمر عبر الإنترنت وارتفع عدد الأفراد الذين يمكن تعرضهم للتنمر بسبب زيادة استخدام هذه المواقع.
وذكرت دراسة أخرى أن المتنمرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي يشعرون بقدر أقل من الندم، لعدم وجود اتصال بين المتنمر والضحية، وأن المتنمرين قد يتناسون إنسانية ضحاياهم.
ثم انتقلت الكاتبة إلى المجال الثاني لتأثير استخدام التقنيات الرقمية على عقولنا وهو تأثيرات الألعاب الإلكترونية على الانتباه والإدمان والعنف.
أُدرج “اضطراب استخدام الإنترنت” كحالة مرضية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية DSM-5، ويوصي الباحثون بإجراء المزيد من الدراسات حولها.
كما أثبتت دراسة أن المراهقين يقضون وقتاً أطول في ممارسة الألعاب ويسبق تفكيرهم حولها تفكيرهم في أمور حياتهم الأخرى، وأنهم يمارسونها لهدف الهرب من مشاكلهم العاطفية، ويواجهون صعوبات الدراسة والتفاعل مع المجتمع.
ويشير بعض الباحثين أن جاذبية الألعاب الالكترونية قد تكون في أنها تبسط العالم، وتعلق العواقب وتضخم ردود الأفعال، وتضع أهدافا+ واضحة ويستكشف اللاعب من خلالها هوية جديدة له.
كما ذكرت عدة دراسات أنه إذا مارس المراهقون الألعاب الالكترونية لأكثر من ساعة واحدة يومياً فإنهم يظهرون مزيداً من أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
وتوصلت الكاتبة إلى أن الإفراط في ممارسة الألعاب الالكترونية قد يؤثر على الانتباه طويل المدى وهو اللازم للتفكير ولفهم شيء ما بطريقة متعمقة.
هل للألعاب الإلكترونية تأثير على زيادة التهور والعدوانية؟
تشير نتائج الأبحاث إلى أن تقمص شخصيات الألعاب الالكترونية العنيفة يجعل اللاعبين أكثر عدوانية بصورة مسبقة.
ووجدت دراسة أخرى أن ممارسة الألعاب العنيفة تؤدي إلى زيادة كبيرة في إزالة التحسس والاستثارة الفسيولوجية لمشاهد العنف في البيئة المحيطة، وزيادة السلوك العدواني وانخفاض السلوك الاجتماعي الإيجابي.
ووجدت دراسة أخرى أنه أثناء ممارسة لعبة عنيفة ينخفض نشاط مناطق محددة من الدماغ مسؤولة عن التعاطف ويزداد نشاط مناطق مسؤولة عن العدوان والتحفز.
ووجدت دراسة أن الألعاب العنيفة مرتبطة بحوادث المركبات والإيقاف من قبل الشرطة وعادات القيادة غير الآمنة.
قام باحثون من الصين بعملية مسح لأدمغة مراهقين يمارسون الألعاب الالكترونية بمعدل 10 ساعات يومياً لمدة تقارب ثلاث سنوات، ومقارنة النتائج بصور لأدمغة مراهقين يمارسون الألعاب لأوقات أقل، وأظهرت المقارنة وجود تشوهات في المادة البيضاء في الدماغ وهي مسؤولة عن التعاطف والانتباه وصنع القرار والسيطرة الإدراكية.
كما أن ممارسة الألعاب الالكترونية تزيد من إفراز الدوبامين في الدماغ مما يثبط نشاط القشرة أمام الجبهية وهي المسؤولة عن إدراك العواقب والتفكير بشكل أكثر عمقًا.
ثم انتقلت الكاتبة إلى المجال الثالث وهو التصفح عبر الإنترنت وتأثيره على الذاكرة والفهم.
إن تصفحنا للإنترنت والانتقال من صفحة لأخرى وموقع لآخر وفيديو لغيره، يعرض أدمغتنا للتشبع بالمعلومات والإجابات، ولكن مع تشتت انتباهنا وضياع ما أردنا معرفته حقاً، فتصفحنا العشوائي غالباً يحول أدمغتنا من ربط المعلومات والتوصل لأفكار أكبر، إلى مجرد تجميع أجزاء وقطع متناثرة من المعلومات.
وجدت دراسة أجرت مقارنة بين جيل جوجل (المولود بعد سنة ١٩٩٣م) والأجيال التي قبله من حيث قدراتهم على البحث عن المعلومات عبر الإنترنت.
لوحظ أن بحث جيل جوجل اتسم بالقص واللصق والعجلة واعتماد النتائج الأولى التي تظهر، والميل للإجابة السريعة مع تجاهل الفروق الدقيقة أو التشكيك في النتائج الظاهرة، وعدم القدرة على تقييم المعلومات، مما يترك هذا الجيل عالقين بصفة خاصة على سطح عصر المعلومات، وذلك بالتضحية في كثير من الأحيان بالعمق مقابل الاتساع والسطحية.
ثم تحدثت الكاتبة بعد ذلك عن خصائص الشاشة كوسيط نقضي عليه وقتاً طويلاً، ونستقي منها كل أنواع المعلومات مختلفةً بذلك عن كل أنواع الوسائط السابقة من كتب وصحف وراديو وغيرها.
الخاصية الأولى: وهي أن النص يضيء على سطح صلب بدلاً عن أن يكون مطبوع على صفحة رقيقة، وهنا فارق إمكانية الاستخدام من حمل وإمساك وطي وكتابة، وتوصلت دراسة أن القراءة الالكترونية أسفرت عن فهم أقل نتيجة لانتقال القارئ صعودًا وهبوطًا في النص الالكتروني، بخلاف الورقي الذي يعطيك مجالاً للتوقف والتعليق والتمثيل المكاني للمادة المقروءة، كما أن هناك احتمال أكبر لإجهاد العينين عند القراءة الالكترونية.
الخاصية الثانية: سهولة أداء مهام متعددة على الشاشة.
إن انتباهنا يتشتت بفعل عرض هذه التقنيات الرسائل والمؤثرات السمعية البصرية المتلاحقة بسرعة.
في استطلاع للرأي أُجري على طلاب الجامعات الأمريكية ذكر ٣٨٪ منهم أنهم لم يتمكنوا من الاستمرار في المذاكرة لأكثر من 10 دقائق دون فحص والنظر إلى أجهزتهم.
وأثبتت دراسة أن المهام المتعددة داخل الفصل الدراسي كأن يبحث الطالب عن معلومة على جوجل تخفض من نسبة الفهم للمادة.كما ذكر أكثر من نصف طلاب الجامعات أن تبادل الرسائل الفورية أثناء المذاكرة له تأثير ضار على أدائهم الدراسي.
وأشارت نتائج عدة بحوث إلى أن تعدد المهام يؤدي إلى زيادة الوقت اللازم لتحقيق المستوى نفسه من التعلم، وكذلك زيادة الأخطاء مقارنة بمن يقومون بالمهام نفسها بالتعاقب.
الخاصية الثالثة: الشاشة تحوي روابط تشعبية واقتراحات مشاهدة مما ليس بالضرورة أن يكون مفيد لك في مساعدتك على القراءة بفهم واستيعاب أكثر، فهو رابط لم تقترحه أنت.
كما أن طبيعة إدراكنا أن ما يعرض على الشاشة هو للترفيه أقرب منه للتعلم، يقلل من استخدامنا للموارد المعرفية الموجودة على الإنترنت بصورة نافعة وجدية.
الخاصية الرابعة: عادات القراءة عبر الشاشة تختلف عن عاداتها عبر الكتب.
حيث كشفت عدة أبحاث حللت سلوك القراءة عبر الشاشة على مدى 10 سنوات أن الانخفاض في الانتباه طويل المدى أصبح يميز وبشكل متزايد مهارات القراءة والكتابة وعاداتها لدى الناس.
تتسم القراءة عبر الشاشة بالانتقال من صفحة لأخرى ورابط لآخر، والقراءة السريعة والقراءة الانتقائية، في حين تقل القراءة المتعمقة والمركزة.
والقراءة عبر الورق تعطي وقتا أطول للتأمل والتفكير النقدي للأفكار الواردة فيه.
وتوصلت أبحاث قارنت بين التعليم وجهاً لوجه والتعليم عبر الشاشة، أن الأفكار المركبة لا يمكن نقلها على نحو فعال عبر الشاشة كما هو الحال عند نقلها من شخص لآخر، وتقول دراسة أخرى أن الذين حضروا المحاضرات وجهاً لوجه كان متوسط درجاتهم أعلى من الذين شهدوا عروضاً تقديمية عبر الشاشة.
إن التعليم هو تجربة إنسانية، تمثل التكنولوجيا تشتيتاً للانتباه عندما نحتاج إلى معرفة القراءة والكتابة والحساب والتفكير النقدي.
وتلخص الكاتبة مقارنتها بين الشاشة والوسائط الأخرى وتقول “إن الفرق بين رقاقات السيلكون والورق، وسبل تشتت الانتباه التي ينطوي عليها تعدد المهام، ووجود روابط تشعبية قد تتشعب بك بعيداً عن هدفك، والميل إلى التصفح بدلا من التفكير بعمق تشير جميعها إلى حدوث تحولات جوهرية في الكيفية التي تعمل بها عقولنا”.
بعدها تنتقل الكاتبة من عرض نتائج الدراسات والبحوث، لتبوح لنا بمخاوفها من عالم تجري حوسبته بشكل شامل ومتسارع وآثارها المستقبلية في عقولنا وعقول أطفالنا.
فتقول “من خلال الثقافة الرقمية اليوم وتزايد الحوسبة هناك خطر أن نفكر نحن البشر كحاسوب وتتلاشى مميزاتنا كبشر نفهم ونتخيل ونتعاطف ونحب ونكره”.
”ليس من المبهج أن نتخيل العالم مأهولًا بأفراد يمتلكون تنسيقاً حركياً ذكياً، والذين يمكنهم أداء مهمات عدة جيداً، ولديهم حاصل ذكاء مرتفع، ولكنهم غير قادرين على الفهم والتأمل وطرح أسئلة أصيلة”.
“إن التفكير الإبداعي لا يمكن تحميله أو شرائه من الانترنت، ولكن من الممكن تطويره من خلال توفير البيئة الملائمة”.
هنا تنتهي رحلتي مع هذا الكتاب، وقد بدأتها بتساؤلات، وأختمها بسؤال أليس من الأفضل والأنفع لنا كأفراد وآباء وأمهات وأصدقاء أن نستعيد توازننا وأن نستخدم أجهزتنا كوسيلة وليست غاية؟
أعجبني المقال ، وذهبت لأقرأ الكتاب لعل قراءة الكتاب توضح أكثر
ولكن شكرا على الملخص