تقارير ودراسات

هل يؤدي وجود الأغلبية المحافظة في الهيئة التشريعية الأمريكية إلى زيادة الإنفاق العسكري الحكومي؟

  • حمد بن عبد الرحمن السريح
  • ترجمة: مصطفى هندي

مقدمة

تعد النفقات الهائلة التي تنفقها الولايات المتحدة على الدفاع الفيدرالي سمةً بارزة في السياسة الأمريكية؛ وعلى الرغم من أن الإنفاق على الخدمات العسكرية قد يبدو مصدر قلق للمدققين الذين يديرون نفقات الميزانية السنوية فقط، إلا أنه في الواقع يجب أن يكون محط نظر أي مهتم بالإنفاق العسكري بالنظر إلى تركيبة أعضاء الكونغرس. من المهم أن نلاحظ أن العملية السياسية تميل انعكاسًا للمواقف الأيديولوجية تجاه الاختلافات الظرفية التي تؤثر على مقدار الإنفاق العسكري (Lindsay and Ripley، 1992، p. 433). ومن ثم، تهدف هذه الورقة إلى معالجة مسألة دور المواقف الأيديولوجية في تحديد زيادة الإنفاق العسكري، وتركز في المقام الأول على ما إذا كان وجود الأغلبية المحافظة في الهيئات التشريعية سيزيد من احتمالية الإنفاق العسكري أم لا.

لتوضيح الأمر بإيجاز، كلما كان هناك حضور أكبر للتيار المحافظ (الجمهوريين) في الهيئة التشريعية، زاد احتمال قيام الحكومة بزيادة نفقات الدفاع. الطريقة المعتادة في النظر إلى التيار المحافظ هي أن المحافظين يميلون عادة إلى الالتزام بالأيديولوجية الواقعية فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، وبالتالي فإن الأمن بالنسبة لهم قضية ذات أولوية. وبناءً على ذلك، عندما يمثلون الأغلبية، فإنهم سيدعمون زيادة النفقات العسكرية. نظرًا لأن سؤال البحث يفترض أن نفقات الدفاع تعكس وجود أيديولوجية معينة غالبة على الهيئة التشريعية، فإنه يحاول شرح كيف أن الهيئة التشريعية ذات الأغلبية المحافظة تزيد من إمكانية زيادة الإنفاق العسكري. وعلى الرغم من أنهم نادرًا ما يعترفون بذلك، إلا أن المحافظين غالبًا ما يسلمون بحقيقة أن سلوكياتهم مدفوعة بأفكار واقعية للتعامل مع السياسات الخارجية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه عند النظر في المقترحات الجمهورية، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن الهيئة التشريعية يمكن أن تتأثر بعوامل خارجية غير المواقف الأيديولوجية، مثل المؤسسات السياسية والتدخل الأجنبي، ولكن هذا يعني إلقاء الضوء على عوامل مختلفة من شأنها أن تصرف الانتباه عن خصوصية السؤال والقضاء على مبدأ البساطة والاقتصاد العلمي.

بشكل عام، هناك مقاربتان -على اختلاف محدداتهما- تتميزان بالتأكيد على الميل التشريعي نحو زيادة الإنفاق الدفاعي: المقاربة التي تؤكد أن الإنفاق العسكري هو في الأساس رد فعل للأيديولوجيا، والمقاربة التي تتمسك بالمصالح الاقتصادية مع اعتبار الأيديولوجيا محددًا غير منتظم التأثير. نظرًا لأن البحث في هذا الموضوع يميل إلى ملاحظة تأثير العملية السياسية في إنتاج هيئات تشريعية لها أيديولوجيات مختلفة -وخاصة أصوات الكونجرس- فإن المصادر ستكون مفيدة في الإجابة على السؤال “هل المحافظون أكثر تشجيعًا لزيادة الإنفاق العسكري من الليبراليين؟”؛ بعبارة أخرى: من خلال ملاحظة دفاع أيديولوجية معينة عن الإنفاق العسكري، فإننا سنتعرف على مستوى زيادة الإنفاق نتيجة لذلك، وبالتالي كلما زادت نفقات الدفاع في الهيئة التشريعية، زاد احتمال أن تكون وراءه حزبية أيديولوجية.

 

مراجعة الأبحاث السابقة

عادة ما يقال أن الأيديولوجيا يصعب قياسها، وبالتالي فهي مجهولة؛ وحجة هذا التيار مبنية على أن كل ما يمكن أن تولده إجراءات قياس الأيديولوجيا، هو إنتاج تقديرات غير موثوقة (Burden، Calderia، and Groseclose، 2000، p.242). لكن المهم هو تصور الأيديولوجيا في فهمها العملي. أي أن الأيديولوجيا تُقاس أساسًا من خلال التفضيلات الشخصية للمشرع والتي تظهر خياراته في سياقها الظرفي (Burden et al ، 2000 ،ص. 242). هذه الملاحظة مفيدة للقياسات العملية للأيديولوجيا، لذلك عند مناقشة دور الحزبية الأيديولوجية في التأثير على تشجيع زيادة النفقات العسكرية، فإن تحليل النظرية الواقعية يتناسب بشكل صحيح مع هذا التصنيف. بشكل عام، هناك مقاربتان -على اختلاف محدداتهما- تشتركان في الميل التشريعي نحو زيادة الإنفاق الدفاعي: المقاربة التي تؤكد أن الإنفاق العسكري هو في الأساس رد فعل للأيديولوجيا، والمقاربة التي تتمسك  بالمصالح الاقتصادية مع اعتبار الأيديولوجية محددًا غير منتظم التأثير. قدم عبد العالي و وارد (1998) نموذجين مقترحين لشرح الخيارات المختلفة للإنفاق العسكري: النموذج المحدود parochial model ونموذج السياسة policy model (ص 234). يؤكد النموذج المحدود على أن القوة الدافعة لسلوك الكونغرس هي المصالح الاقتصادية التي تهتم بها الدوائر الانتخابية (ص 234)؛ في حين يؤكد نموذج السياسة على التقييم الدقيق للسياسات العسكرية التي يتم تحديدها من خلال المنظور الأيديولوجي لأعضاء الكونغرس (ص 234).

تقول النظرية المعروفة باسم “الروابط التمثيلية representational linkages” أن سياسات الدفاع عادة ما تكون معقدة وحزبية، لذلك لا يوجد شكل منهجي للربط بين الدوائر الانتخابية والممثلين، تاركًا التأثير فقط للتفضيل الإيديولوجي للممثل الحزبي (Hurley & Hill، (2003)، p. 306-307). ويؤيد هذا المنظور التأكيدات القائلة بأن المخصصات الأمريكية للميزانية العسكرية منسجمة مع الانتماء الحزبي (Fordham، (2002، p. 80). على سبيل المثال، استنادًا إلى نموذج التخصيص على أساس الفروق، وعند النظر في الفرق في تخصيص موارد الميزانية بين للنشاط العسكري وبقية الميزانية، وجد فوردهام (2002) أنه عندما تحصل الولايات المتحدة على انحراف معياري واحد في ميزان القوة الاستراتيجي، قسم الديمقراطيون الزيادة التي مقدارها 5 مليارات دولار في الميزانية من خلال خفض 10.5 مليار دولار من القوات الاستراتيجية وإضافة 15 مليار دولار إلى الميزانية المتبقية. بينما وجه الجمهوريون الزيادة لإضافة 6.75 مليار دولار إلى القوات الاستراتيجية وخفض 1.75 مليار دولار من بقية الميزانية (ص 82). يبدو أن الاستنتاجات الرئيسية للبحث الحالي تدعم المقاربة التي تعتبر الأيديولوجيا هي العامل المؤثر في تحديد نفقات الدفاع عن السياسات العسكرية، لكن هذا لا ينفي حجة بعض العلماء الذين يفضلون جعل المصالح الاقتصادية هي الدافع وراء التفضيلات العسكرية.

يجادل فوردهام (2008) بأن التأكيد على دور الأيديولوجيا في تحديد تخصيص الإنفاق العسكري مبالغ فيه. وبالنسبة له، فإن المبالغة في تقدير التأثير الأيديولوجي هي نتيجة لتجاهل تأثير المصالح الاقتصادية الأوسع التي تصاحب عادة تفضيل الممثل الحزبي لأي سياسة عسكرية (ص 624). كما يلاحظ المؤلف، فإن التصور السائد للمصالح الاقتصادية يقتصر على العائدات الاقتصادية للمنطقة التمثيلية من خلال العقود العسكرية والأجور والرواتب الفيدرالية (ص 626). وفي مناقشته للقيود الضيقة للمبالغة في تقدير العامل الأيديولوجي، يصر فوردهام على أنه ثم إهمال لمسألتين هامتين (ص 623). الأولى، إن التأكيد على الأيديولوجيا يغفل الظروف الاقتصادية الدولية التي توجه سياسات معينة لحماية الأمن القومي داخل النظام العالمي الأمريكي. فبعد الحرب العالمية الثانية، كان صانعو السياسة الأمريكيون يعتزمون الحفاظ على هيكل اقتصادي عالمي من شأنه أن يسهل تأمين وتوجيه التجارة والاستثمار الدوليين لصالح الولايات المتحدة (ص 626). والنتيجة هي أن اهتمام الناخبين بالتجارة الدولية يؤثر على مواقف ممثليهم في سياسات الإنفاق العسكري (ص 627).

المسألة الثانية هي أن التفضيلات الأيديولوجية تتغير بمرور الوقت (ص 627). على سبيل المثال، على الرغم من أن عبد العالي و وارد (1998) وجدا في مقارنتهما للدرجات المتوسطة أن النموذج المحدود ليس له دلالة إحصائية تستحق اهتمامًا خاصًا، بينما يُظهر العامل الأيديولوجي قدرة مستقلة على التنبؤ بالتصويت التشريعي (ص 245). وهم يقرون، مع ذلك، بأن فترة البيانات التي جُمِعت لفحص النموذج المحدود قصيرة نسبيًا (ص 246). بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن الديمقراطيين كانوا مع زيادة الإنفاق العسكري بينما كان الجمهوريون متشككين في مثل هذه السياسات. ولكن منذ عام 1963 تغير هذا التفضيل الحزبي (ص 627). ومن ثم، يقترح فوردهام أن عزو السياسات العسكرية في المقام الأول إلى الأيديولوجيا يفتقر إلى تفسير لهذا التغيير، لا سيما فيما يتعلق بتداعياته السياسية. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بينما يقدم فوردهام دليلاً وافياً على المبالغة في تقدير الأيديولوجيا في الدعم العسكري، فإن الدراسات حول السياسات العسكرية والأيديولوجية تقنعني بأن الإنفاق العسكري هو في الأساس انعكاس للمخاوف الأيديولوجية بدلاً من ذلك.

 

منهجية البحث

الافتراض الذي سأقترحه هو أن الاتجاه المحافظ يؤثر على تفضيل زيادة الإنفاق العسكري. إلى هذا الحد، فإن فرضية العدم ستنفي الافتراض وتؤكد عدم وجود علاقة بين الأيديولوجية المحافظة (ممثلة في التيار الجمهوري) ومستوى الدعم لزيادة النفقات العسكرية. ما يترتب على ذلك هو الحاجة إلى المتغيرات المستقلة والتابعة لقياس ما إذا كانت هناك بالفعل علاقة بين التيار المحافظ ومستوى النفقات العسكرية، ودرجة قوة هذه العلاقة وكذلك الشكل الاتجاهي لهذا الوجود العلائقي. لاختيار المتغيرات المستقلة والتابعة، سأرجع إلى مجموعة بيانات دراسة الانتخابات الوطنية الأمريكية التي جمعتها جامعة ستانفورد وجامعة ميشيغان، نظرًا لأن مجموعة البيانات توفر مواد مفيدة يمكن من خلالها مقارنة المواقف المحافظة لزيادة الإنفاق الدفاعي وما إذا كانت تشير إلى وجود أي علاقة.

لقياس المتغير المستقل، سيُستخدم السؤال V083118x. يطلب السؤال من المشاركين البالغ عددهم 2323 شخصًا تحديد موقف مرشح جمهوري تجاه الإنفاق الدفاعي أثناء تصنيف خصائص كل قيمة على مستوى القياس الترتيبي. أي أن المشاركين يختارون تفضيلهم في نطاق يتراوح من دعم أقل للإنفاق الدفاعي -مما يُظهر التزامًا محافظًا منخفضًا- إلى دعم أكبر للإنفاق الدفاعي -مما يشير إلى انتماء محافظ مرتفع (بولوك ، 2012. ص 258). أشارت البيانات إلى وجود التزام محافظ لدى المرشحين الذين يدعمون زيادة الإنفاق العسكري. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان هذا الالتزام يشير إلى المدى الذي ينزع إليه التيار المحافظ في المقام الأول نحو سياسات الإنفاق الدفاعي. نتيجة لذلك، يجب أن تأخذ العملية التحليلية في الاعتبار الآثار المتغيرة لكل فئة. نظرًا لطبيعة التصنيف الترتيبي، فإن اختيار السؤال سيسهل قياس الافتراضات التي من شأنها أن تنتج مواقف محافظة، وبالتالي مقارنة كل فئة لاستنتاج درجة التباين في نسبة الانتماء للتيار المحافظ والدوافع المفترضة لهذه المواقف (المصالح الاقتصادية أو التفضيلات المدفوعة بالأيديولوجيا).

لأغراض تحليلية، سيعاد ترميز المتغير المستقل الأصلي من مقياس المستوى الترتيبي من فئة 7 إلى فئتين على نفس المستوى القياس. ستتألف الفئات الجديدة من القيم الثلاث التالية: دعم أقل ودعم معتدل والمزيد من الدعم للتيار المحافظ. تخدم إعادة ترميز المتغير المستقل عدة وظائف تحليلية. تتمثل إحدى الوظائف في تقديم تمييز دقيق بين القيم في الفئات المختلفة؛ إذ أن الترميز الأصلي لا يوفر تمييزًا واضحًا بين الاختلافات الفئوية وبين القيم المختلفة داخل النطاق. لذلك، فإن إصدار حكم بناءً على التشتت الأصلي يستلزم تقدير ما يميز كل فئة عن الأخرى. وبالتالي، سيكون ما يمكن أن تشير إليه الدلالة الإحصائية غامضًا بالنظر إلى حجم العينة والبالغ 2323 مشارك. هذا يؤدي إلى السبب الثاني لإعادة الترميز؛ فبما أن الفئات الثلاث الأولى في الترميز الأصلي تتكون من أقل من 140 إجابة، تمثل 6٪ فقط من الحجم الإجمالي للعينة، فإن تشتت الردود يُظهر تباينًا غير متساوٍ في انتظام العينة. ومن ثم، فإن التردد المنخفض لهذه القيم سيؤدي إلى إعاقة دقة الأهمية الإحصائية والقوة والاتجاه العلائقي، لكن توزيع هذه القيم إلى ثلاث فئات يساعد في تقليل هذا التباين مع الحفاظ في الوقت نفسه على قيمة الدعم الأقل. سبب آخر لإعادة الترميز هو أنه يساعد في تصنيف الفئات؛ حيث تقاس الفئات الموجودة في المتغير الأصلي في سلسلة متصلة تتراوح من “انخفاض” في أحد الطرفين و “زيادة” في الطرف الآخر، وما بينهما سيُرتب عدديًا دون تصنيف. لتسهيل التحليل، سيقوم التسجيل بتسمية الفئات الثلاث في القيم المذكورة أعلاه.

فيما يتعلق بالمتغير التابع، يمكن قياسه من خلال سؤالين في مجموعة البيانات حيث يُسأل المشاركون البالغ عددهم 2323 عن تفضيلاتهم فيما يتعلق بخفض عجز الميزانية (بولوك ، 2012 ، ص 258-259). السؤال الأول -V085076x- يطلب من المشارك تقديم تفضيله لخفض العجز عن طريق خفض الإنفاق العسكري، في حين أن السؤال الآخر -V085077x- يطلب من المشارك تقديم تفضيله لخفض العجز عن طريق الاقتطاع من نفقات البرامج الأخرى. لوضع المتغير التابع في حيز الإجراء والتطبيق، يوجه السؤال الأول بحيث يكون أكثر ملاءمة لالتقاط انعكاس السلوك التشريعي الناتج عم وجود الأغلبية المحافظة. من ناحية أخرى، نظرًا لأن سؤال البحث يتعلق بشكل خاص بالمواقف الأيديولوجية التي تتنبأ بسياسة الإنفاق العسكري، فإن مقارنتها بالمواقف تجاه الاقتطاع من نفقات البرامج الأخرى من شأنه تسهيل تحديد المتغير التابع عمليًا. بمعنى آخر، يمكن توضيح تفسير الزيادة في النفقات العسكرية من خلال ملاحظة المواقف المعيارية تجاه خفض الإنفاق العسكري، ومن ثم قياس مدى تأثير الانتماء المحافظ، أو ملاحظة المواقف العامة تجاه الاقتطاع من نفقات البرامج الأخرى، وبالتالي قياس رد الفعل التشريعي على هذه المواقف. ويترتب على ذلك أن السؤال الأول V085076x هو أكثر ملاءمة، بمعنى أنه يؤكد على أبعاد وملامح الافتراضات الأيديولوجية، التي تسعى هذه الورقة إلى شرحها، وبالتالي يساعد في تفعيل المتغير التابع.

كما كان الحال بالنسبة للمتغير المستقل، من المهم الإشارة إلى أنه سيعاد أيضًا ترميز المتغير الأصلي للمتغير التابع. يجب أن يكون التسجيل من مقياس ترتيبي من 7 فئات إلى ثلاث فئات من نفس المقياس: تشجيع تخفيض الإنفاق، ومعارض لخفض الإنفاق، ومتوسط بينهما. على غرار إعادة ترميز المتغير المستقل، سيُجرى التسجيل هنا لأغراض تحليلية. لشرح أسباب إعادة الترميز، من المناسب الإشارة إلى مقياس المتغير الأصلي الذي يتراوح من خلال الفئات السبع التالية: تفضل بشدة، تفضل لكن ليس بقوة، تميل نحو التفضيل، لا تميل إلى أي من الاتجاهين، تميل نحو المعارضة، تعارض لكن ليس بقوة، تعارض بشدة. كما لوحظ في تصنيف الفئات، هناك اختلافات طفيفة بين فئات التفضلي والمعارضة. ما ينشأ -نتيجة لذلك- هو تصورات مختلفة لنفس الفئة، حيث قد يكون المشاركون الذين لديهم نفس المفاهيم حول التفضيل أو المعارضة قد اختاروا فئات متغيرة في إجابتهم. أو -على النقيض من ذلك- قد يكون بعض المشاركين الذين لديهم مفاهيم مختلفة حول درجة الاختلافات قد اختاروا نفس الفئات عند الإجابة. يمكن توضيح ذلك بشكل أكبر عندما نعلم أن فئات “الميل نحو” على جانبي النطاق تمثل 2.7٪ فقط من إجمالي حجم العينة، لذلك ربما لم يميز هؤلاء المشاركون في هذه الفئات بين “تفضل/تعارض لكن ليس بقوة” و “الميل نحو” اتجاه أو آخر. إن التجميع في ثلاث فئات، حيث تُظهر الفئة الوسطى التمييز الوسيط بين التفضيل والمعارضة، سوف يميز التباين بين هذه الفئات المختلفة. سبب آخر لإعادة الترميز هو عرض الجداول التي تتكون من عدد أقل من الخلايا مما يعني درجات حرية أقل. هذه الدالة مفيدة لتوحيد التوزيع الاحتمالي، وبالتالي يمكن أن تنتج بيانات أكثر دقة لعملية التحليل.

كما ذكرنا سابقًا، تنص الفرضية الصفرية على عدم وجود علاقة بين النزعة المحافظة ومستوى الدعم لزيادة الإنفاق العسكري. من أجل رفض فرضية العدم أو الفشل في دحضها، ستُستخدم عدة إجراءات. لقياس الدلالة الإحصائية؛ سيستخدم اختبار مربع كاي chai-square. يمكن ملاحظة مربع كاي عند النظر إلى مخطط احتمالات X2 لتحديد القيمة الحرجة، ولكن فيما يتعلق بالاتساق، سأستخدم SPSS لإنتاج الناتج التحليلي لهذا الرقم. ما أحتاج إلى معرفته هو قيمة p- لمربع كاي، لأقرر ما إذا كانت العلاقة ذات دلالة إحصائية أم لا، وإذا كانت كذلك، فيمكنني النظر إلى قيمة القوة والاتجاه. الألفا التي سأبحث عنها هي 0.50، مما يمنحني ثقة بنسبة 95٪ على الأقل، مما يعني أنه يمكنني دحض الفرضية الصفرية التي ترفض وجود علاقة بين الانتماء المحافظ ومستوى تشجيع زيادة الإنفاق على الدفاع. بمجرد استيفاء قيمة ألفا المعينة، يمكنني حينئذٍ أن أدعي أنني لن أرتكب خطأ النوع الأول type I error، وبالتالي يمكنني الانتقال لقياس القوة والشكل. نظرًا لأنه يتم قياس كلا المتغيرين بمقياس ذي مستويات ترتيبية، فستُحسب قوة الارتباط بواسطة مقياس tau-b. يمكنني استخدام tau-b أو جاما gamma لهذه الحالة بالذات، لكنني فضلت tau-b لتقليل مقدار التراخي في تقدير درجة الارتباط لأنه يحسب ويتكيف مع الروابط الموجودة في الجدول. ما يخدمه tau-b أيضًا هو أنه يوفر اتجاه العلاقة. على سبيل الافتراض: أتوقع أن تكون tau-b سالبة، وبالتالي فإن العلاقة بين المتغيرات المستقلة والتابعة سلبية.

 

تحليل البيانات

سيجرى التحليل باستخدام المتغير المستقل للقياس على المستوى الترتيبي المعاد ترتيبه، والمستوى الداعم للمرشح الجمهوري لزيادة الإنفاق العسكري؛ ومقياس المستوى الترتيبي المعاد ترميزه، وموافقة المشارك على تقليل الإنفاق العسكري لخفض العجز.

صورة1

صورة2

المخرجات الإحصائية التي يولدها برنامج SPSS للتحليل الذي أُجري، كما هو موضح في الجدول 1، توضح الإحصائيات التالية: تظهر البيانات وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين المتغيرات المستقلة والتابعة. في مربع كاي 19.120 وعند درجة حرية تساوي 4 -مما ينتج عنه قيمة p تساوي بقيمة 0.001 – يمكننا أن نكون على الأقل على ثقة بنسبة 99.9 في المائة في رفض الفرضية الصفرية القائلة بعدم وجود علاقة بين الأيديولوجية الجمهورية (المحافظة) و مستوى الدعم لزيادة النفقات العسكرية. لذلك، يمكنني أيضًا أن أدعي بثقة 99.9٪ على الأقل أنني لن أرتكب خطأ النوع الأول عندما أزعم أن هناك في الواقع علاقة بين المواقف المحافظة للفرد والميل إلى دعم زيادة الإنفاق العسكري. ومع ذلك، بالنسبة لقوة العلاقة، تعرض إحصائيات الجدول tau-b بقيمة 0.027 بالسالب، مما يشير إلى وجود علاقة ضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، يساعد tau-b في تحديد اتجاه العلاقة، والذي يظهر هنا أنه سلبي. تشير العلاقة السلبية إلى اتجاه عكسي، حيث ترتبط الزيادة في المتغير المستقل بانخفاض في المتغير التابع. بشكل عام، أظهرت الإحصائيات وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين التيار المحافظ ومستوى الدعوة لزيادة الإنفاق الدفاعي. ما تشير إليه درجة العلاقة، مع ذلك، هو أن العلاقة ضعيفة، مما يعني أن هناك متغيرات مستقلة أخرى يمكن أن تفسر المتغير التابع، وهو تحذير ورد ذكره منذ البداية.

 

المناقشة

يؤكد النهج النظري الذي تناول سؤال البحث أن الأيديولوجيا هي العامل الحاسم في تشكيل التفضيلات العسكرية. عند استخدام نظرية الارتباط التمثيلي، يمكن للمرء أن يدرك أن التحزب الأيديولوجي يفسر التمسك المحافظ بفكرة زيادة النفقات العسكرية؛ أي: بناءً على افتراضنا، يُترك المحافظون (الجمهوريون) لتفضيلاتهم الأيديولوجية للتعامل مع السياسات العسكرية، وبما أنهم يفضلون عمومًا المنظور الواقعي للتعامل مع الشؤون الخارجية، فإنهم يعطون الأولوية للأمن، وبالتالي زيادة الإنفاق العسكري. ومع ذلك، لاحظ هيرلي وهيل (2003) أن “القضايا الحزبية المعقدة، أو تلك المرتبطة بتعريف الحزب، قد تعجل من إعادة الاصطفاف الحزبي، إما بسرعة… أو بشكل تدريجي أكثر” (ص 306). توضح قيمةtau-b (0.027-) ما كان متوقعًا في قسم منهجية البحث، وهو أن البيانات لا تشير إلى تناسق العلاقة بين المتغير المستقل (الأيديولوجية المحافظة) والمتغير التابع (مستوى تفضيل الإنفاق العسكري). لتقييم نمط التصويت في الكونجرس لسياسات الإنفاق العسكري، يجادل ليندسي وريبلي (1992) بأنه يجب على الباحثين التحقيق في “العلاقة الثلاثية” بين الحزبية ولجان الكونجرس والأعضاء العاديين (ص 432). إنهم لا ينكرون أن المصالح الاقتصادية للدوائر الانتخابية تلعب دورًا في التأثير على بعض البرامج العسكرية، لكنهم أصروا على أن الدور الأدنى للدوائر الانتخابية يجب أن يُنسب إلى الأساليب المنهجية المحدودة للتحقيق في الدافع الحقيقي للكونغرس لسياسات الإنفاق العسكري (ص. 433) . لمعالجة هذه المشكلة، يجب أن يوسع البحث المستقبلي حجم عينة المتغير التابع، ويعيد ترميزها في مقياس على مستوى الفاصل الزمني. سيساعد إعادة الترميز على مستوى الفاصل الزمني في مقارنة وسائل القيم بحيث يمكن لمقياس ANOVA أن ينتج درجة ارتباط أكثر دقة. أيضًا، يمكن للمرء استخدام القياس المقسم تراتبي، والتحكم في النوع عند استخدام الأيديولوجيا كمتغير كاشف.

 

الاستنتاج

ترتبط النفقات العسكرية إلى حد كبير بالتفضيلات الإيديولوجية للسلوك التشريعي. على الرغم من أنه يمكن للمرء أن يجادل في أن الأيديولوجية المحافظة ليست سوى عاملاً يصوغ خيارات زيادة نفقات الدفاع، فإن حقيقة الأمر هي أنه: نظرًا لأن الخيارات التأسيسية لا ترتبط بشكل تمثيلي بالاختيار التمثيلي، فإن الممثلين يُترَكون لمعتقداتهم الشخصية. لذلك يبقى السبب الأيديولوجي هو العامل الحاسم في التنبؤ بالسياسات العسكرية. نتيجة لذلك، يسمح لنا الوجود الجمهوري في المجلس التشريعي بالتنبؤ بزيادة الإنفاق العسكري. لا يمكن بأي حال من الأحوال إهمال القوى الخارجية، مثل المؤسسات السياسية أو الأحداث الدولية، التي تعزز فهم استجابات معينة للهيئة التشريعية، ولكن حتى تحظى المقاربات المنهجية لجمع البيانات المتعلقة بالآثار الاقتصادية بقبول سائد، فإن الانتماء المحافظ هو المتنبئ الرئيسي بزيادة الإنفاق العسكري.

اقرأ ايضًا: أمريكا تعلن إفلاسها الروحي، وعلينا المقاومة


المراجع

Abdolali, N., & Ward, D. (1998). The senate armed services committee and defense budget making: The role of deference, dollars, and ideology. Journal of Political and Military Sociology, 26, 229-252.

Burden, B., Caldeira, G., & Groseclose, T. (2000). Measuring the ideologies of U.S. senators: The song remains the same. Legislative Studies Quarterly, 25(2), 237-258. http://www.jstor.org/stable/440370. (Accessed: October 10, 2014).

Fordham, B. (2002). Domestic politics, international pressure, and the allocation of american cold war military spending. The Journal of Politics, 64(1), 63-88. http://www.jstor.org/stable/2691665. (Accessed: October 10, 2014).

Fordham, B. O. (2008), Economic interests and congressional voting on security issues. The Journal of Conflict Resolution, 52, 623-640. http://www.jstor.org/stable/27638631. (Accessed: October 22, 2014).

Hurley, P., & Hill, K. (2003). Beyond the demand-input model: A theory of representational linkages. The Journal of Politics, 65(2), 304-326. http://www.jstor.org/stable/3449808. (Accessed: October 22, 2014).

Lindsay, J., & Ripley, R. (1992). Foreign and defense policy in congress: A research agenda for the 1990s. Legislative Studies Quarterly, 17(3), 417-449. http://www.jstor.org/stable/439739. (Accessed: October 22, 2014).

Pollock, P. (2011). An SPSS companion to political analysis. (4th ed). Washignton DC: CQ Press Collecge.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى