عام

تطوّر الأطفال: نظريّات وأمثلة

  • كيندرا تشيري
  • ترجمة: سارة عبد المنعم
  • تحرير: سهام سايح

تُركز نظريّات تطوّر الأطفال على شرح كيفية تغيُّر الأطفال ونموهم طوال فترة الطفولة، تركز مثل هذه النظريات على مختلف جوانب التطور بما في ذلك النمو الاجتماعي والعاطفي والإدراكي.

تعتبر دراسة التنمية البشرية موضوعًا غنيًّا ومتنوعًا. نمرُّ جميعًا بتجارب شخصية خلال تطورنا، لكن من الصعب أحيانًا فهم الكيفية والغاية من نمو الناس وتعلمهم وتصرفهم بالطريقة التي يفعلون.

لماذا يتصرف الأطفال بطرق معيّنة ما؟ هل سلوكهم مرتبط بأعمارهم أو بعلاقاتهم العائلية أو بمزاجهم الفردي؟ يسعى علماء النفس التنمويون إلى الإجابة على مثل هذه الأسئلة؛ إضافة إلى فهم وشرح وتوقع السلوكيات التي تحدث على مدى الحياة.

لفهم التطور البشري، نشأت العديد من النظريّات المختلفة المتعلقة بتطور الأطفال لشرح مختلف جوانب النمو البشري.

خلفية نظريّات تطور الأطفال

توفِّر نظريات التطور إطارًا للتفكير في نمو الإنسان وتعلمه. لكن لماذا ندرس التطور؟ ماذا يمكن أن نتعلم من النظريات النفسية للتطور؟ إذا حصل أن تساءلت يومًا حول ما يُحفِّز التفكير والسلوك البشري، ففهم هذه النظريات يمكن أن يوفر معلومات مفيدة للفرد والمجتمع.

كيف تغير فهمنا لتطور الأطفال على مرِّ السنين

لطالما تمّ تجاهل تطور الطفل الذي يحدث من الولادة إلى البلوغ في معظم تاريخ البشرية، الأطفال غالبًا ما ينظر إليهم كمجرد نسخ صغيرة من البالغين، ولم تتم إعارة الكثير من الاهتمام لأصناف التطور الذي يحدث على مستوى القُدرات الإدراكية واستخدام اللغة والنمو البدني خلال مرحلة الطفولة والمراهقة.

بدأ الاهتمام  بمجال تطور الأطفال يظهر أخيرًا في أوائل القرن العشرين، لكنّه كان يميل إلى التركيز على السلوكيات غير الطبيعية. لكن مع مرور الوقت، أصبح الباحثون أكثر اهتمامًا بالمواضيع الأخرى، بما في ذلك تطور الأطفال النموذجي والعوامل التي تؤثر فيه.

كيف تُمكِّن دراسة تطور الأطفال من فهم التغيرات التي تحدث لهم

لماذا تعتبر دراسة كيفية نمو الأطفال وتعلمهم وتغيرهم شيئًا مهمًا؟ يعتبر فهم تطور الأطفال أمرًا ضروريًا لأنّه يمكننا من الإحاطة الجيدة بمختلف مراحل نمو الأطفال، معرفيًا وعاطفيًا وجسديًا، اجتماعيًا وتعليميًا، التي يمرون منها من الولادة حتى مراحل البلوغ الأولى.

تُعرف بعض النظريات الرئيسية لتطور الأطفال بالنظريات الكبرى؛ فهي تحاول وصف جميع جوانب تطورهم، وغالبًا ما تستخدم نهجًا مرحليًا. في المقابل، تُعرف نظريات أخرى بالنظريات المُصغرة؛ حيث إنّها تركز فقط على جانب محدود نسبيًا من التطور مثل النمو الإدراكي أو الاجتماعي.

النظريّات الرئيسية لتطور الأطفال

فيما يلي نبذة من نظريات تطور الأطفال العديدة و المقترحة من طرف منظرين وباحثين. تحدِّد النظريات الحديثة مراحل تطور الأطفال والأعمار النموذجية التي تحدث فيها التحولات الكبرى في النمو.

نظرية فرويد للتطور النفسي الجنسي

نشأت نظرية التحليل النفسي إثر عمل (سيغموند فرويد)، من خلال عمله السريري مع مرضى يعانون من أمراض عقلية، أصبح فرويد يعتقد بأنّ تجارب الطفولة ورغبات اللاوعي تؤثر في السلوك.

حسب فرويد، فالصراعات التي تحدث خلال كل من هذه المراحل يمكن أن يكون لها تأثير يستمر مدى الحياة على الشخصية والسلوك.

اقترح واحدة من أشهر النظريات الكبرى لتطور الأطفال، بحسب نظرية فرويد النفسية الجنسية، ينمو الطفل وفقًا لسلسلة من المراحل تُركز على مناطق متعة مختلفة في الجسم. وخلال كل مرحلة، يواجه الطفل صراعات تؤدي دورًا هامًا في مسار نموه.

تشير نظريته إلى أنّ طاقة الرغبة الجنسية (الليبيدو) تركز على مناطق مختلفة للإثارة الجنسية في كل مرحلة، أيُّ إخفاق في التقدم خلال مرحلة ما يُمكن أن يؤدي إلى تحجر عند تلك المرحلة، والتي يعتقد فرويد أنّ لها تأثيرًا في سلوك مرحلة البلوغ.

فماذا يحدث إذن عند كل مرحلة يستكملها الطفل؟ وعلى ماذا قد يترتب الأداء الضعيف للطفل أثناء مرحلة معينة من تطوره؟ إنّ الاجتياز الناجح لجميع المراحل يؤدي إلى تنمية شخصية بالغة سليمة. لكن الفشل في حلِّ صراعات مرحلة ما قد يؤدي إلى تثبيتات يمكن أن يكون لها تأثير على سلوك البالغ.

رغم أنّ بعض نظريات تطور الأطفال الأخرى تشير إلى أنّ الشخصية تستمر بالنمو مدى الحياة، إلا أنّ فرويد كان يعتقد أن التجارب الأولى هي التي تلعب الدور الأكبر في تشكيل التطور. فالشخصية حسب فرويد تتحدد إلى حد كبير عند سن الخامسة.

نظرية إريكسون للتطور النفسي الاجتماعي

كانت لنظرية التحليل النفسي قوة تأثير هائلة خلال النصف الأول من القرن العشرين. واصل كل من الذين ألهموا فرويد وتأثروا به التوسع في أفكاره وتطوير نظرياتهم الخاصة. من بين هؤلاء الفرويديين الجدد، أصبحت أفكار إريك إريكسون على الأرجح هي الأكثر شهرة.

تصف المراحل الثمانية لنظرية التطور النفسي لإريكسون النمو والتغيير اللذان يحصلان طوال الحياة، مع التركيز على التفاعل الاجتماعي والصراعات التي تنشأ خلال مراحل مختلفة من التطور.

رغم وجود بعض أوجه التشابه لنظرية التطور النفسي المجتمعي لإريكسون مع نظرية فرويد، إلا أنّها مختلفة جذريًا عنها من نواح عدة. فبدلا من التركيز على المصلحة الجنسية كالقوة المحركة في التطور، كان إريكسون يعتقد أنّ التفاعل الاجتماعي والخبرة يؤديان أدوارًا حاسمة.

وَصَفت نظريته عن التطور الإنساني ذات المراحل الثمانية هذه العملية من الطفولة حتى الموت، خلال كل مرحلة منها، يواجه الناس نزاعات تطورية تؤثر على الأداء المستقبلي وعلى النمو الإضافي.

على عكس العديد من النظريات التطورية الأخرى، تركز نظرية إريك إريكسون النفسية الاجتماعية على التطور على طول الحياة، في كل مرحلة، يواجه الأطفال والكبار أزمة تطورية تشكل نقطة تحول رئيسية. ويؤدي النجاح في التصدي لتحديات كل مرحلة إلى ظهور فضيلة نفسية تستمر مدى الحياة.

النظريّات السلوكية لتطوُّر الطفل

خلال النِّصف الأول من القرن العشرين، ارتقت مدرسة جديدة تسمى السلوكية لتصبح قوة مهيمنة في علم النفس. كان السلوكيون يعتقدون أنّ علم النفس بحاجة إلى التركيز فقط على السلوكيات الملاحَظة والقابلة للقياس من أجل أن تصبح أكثر انضباطا علميا.

وفقًا للمنظور السلوكي، يمكن وصف جميع السلوكيات البشرية انطلاقا من التأثيرات البيئية. أصرَّ بعض السلوكيين، مثل جون ب. واتسون وب. ف. سكينر، على أنّ التعلم يحدث فقط من خلال عمليات الارتباط والتعزيز.

تركز النظريات السلوكية لتطور الطفل على كيفية تأثير التفاعل البيئي على السلوك؛ وهي مبنية على نظريات منظرين مثل جون ب. واتسون، إيفان بافلوف، وب. ف. سكينر. هذه النظريات تتعامل فقط مع السلوكيات المرئية. ويُعتبر التطور رد فعل للمكافآت والعقوبات والمحفزات والتعزيزات.

تختلف هذه النظرية اختلافًا كبيرًا عن نظريات نمو الطفل الأخرى لأنّها لا تعطي أي اعتبار للأفكار أو المشاعر الداخلية. بدلا من ذلك، فإنّها تركز فقط على كيفية تشكيل التجارب للحال الذي نحن عليه.

هناك نوعان هامان من التعلم انبثقَا من هذا المنهج في اتجاه التطور؛ وهما التّكيُّف الكلاسيكي والتّكيُّف العملي. يشتمل التّكيف الكلاسيكي على التعلم عن طريق الجمع بين حافز يحدث طبيعيًا وحافز محايد في السابق. في المقابل، يستعمل التّكيف العملي التعزيز والعقاب لتغيير السلوك.

نظرية بياجيه للتطور الإدراكي

تهتم النظرية الإدراكية بتطوير عمليات تفكير الشخص. كما تنظر إلى كيفية تأثير عمليات التفكير على طريقة فهمنا للعالم والتفاعل معه. اقترح بياجيه فكرة قد تبدو بديهية في وقتنا الحاضر، لكنها ساعدت في إحداث ثورة حول طريقة تفكيرنا في تطور الأطفال: “الأطفال يفكرون بطريقة تختلف عن نمط تفكير البالغين”.

اقترح المُنظِر جين بياجيه واحدة من أكثر نظريات التطور الإدراكي تأثيرًا. وتسعى نظريته الإدراكية إلى وصف وتفسير تطور العمليات الفكرية والحالات العقلية. كما تتطرق أيضًا إلى كيفية تأثير عمليات التفكير هذه على طريقة فهمنا وتفاعلنا مع هذا العالم.

اقترح بياجيه على إثر ذلك نظرية للتطور الإدراكي تأخذ بعين الاعتبار خطوات وتسلسل التطور الفكري للأطفال.

– المرحلة الحسيةالحركية: وهي فترة تمتد من الولادة حتى سن السنتين تكون خلالها معرفة الرضيع حول العالم مقتصرة على تصوراته الحسية وأنشطته الحركية. تقتصر السلوكيات على الاستجابات الحركية البسيطة الناجمة عن المحفزات الحسية.

– المرحلة ما قبل الوظيفية: وهي فترة تتراوح بين 2 و6 سنوات، يتعلم خلالها الطفل استخدام اللغة. خلال هذه المرحلة، لا يفهم الأطفال المنطق الملموس حتى الآن، ولا يستطيعون التلاعب عقليًا بالمعلومات، كما لا يستطيعون استيعاب وجهة نظر الآخرين.

– المرحلة الوظيفية الملموسة: وهي الفترة المتراوحة بين 7 سنوات و11 سنة التي يكتسب خلالها الطفل فهمًا أفضل للعمليات العقلية. يبدأ الأطفال خلالها التفكير منطقيًا في الأحداث الملموسة ولكنهم يجدون صعوبة في فهم المفاهيم المجردة أو الافتراضية.

– المرحلة الوظيفية الرسمية: وهي فترة تتراوح بين 12 سنة ومرحلة البلوغ حيث يطور الناس خلالها القدرة على التفكير في المفاهيم المجردة. كما تظهر خلال هذه المرحلة مهارات من قبيل التفكير المنطقي، والتعليل الاستنتاجي، والتخطيط المنهجي.

نظرية بولبي للتعلُّق

هناك قدرٌ كبير من البحوث حول التطور الاجتماعي للأطفال. اقترح جون بولبي واحدة من أولى نظريات التطور الاجتماعي. ويعتقد بولبي أن العلاقات المبكرة مع مقدمي الرعاية تؤدي دورًا رئيسيًا في تطور الطفل وتستمر في التأثير على العلاقات الاجتماعية طوال الحياة.

أشارت نظرية التعلق لبولبي إلى أنّ الأطفال يولدون مع حاجة فطرية لبناء روابط. تساعد هذه الروابط في البقاء عن طريق ضمان حصول الطفل على الرعاية والحماية. ليس هذا فقط، ولكن هذه الروابط تتميّز بأنماط سلوكية وتحفيزية واضحة. بعبارة أخرى، يمارس كل من الأطفال ومقدمي الرعاية على حد السواء سلوكيات مصمّمة لضمان التقارب. ويسعى الأطفال إلى البقاء على مقربة من مقدمي الرعاية الذين يوفرون بدورهم ملاذًا آمنًا وقاعدة آمنة للاستكشاف.

توسَّع الباحثون أيضًا بناءً على العمل الأصلي لبولبي واقترحوا وجود عدد من أساليب التعلُّق المختلفة. فالأطفال الذين يحصلون على دعم ورعاية متواصلين يكونون مهيئين أكثر لتطوير نمط تَعلُّق آمن، في حين أنّ أولئك الذين يحصلون على رعاية أقل موثوقية يكونون أكثر عرضة لتطوير نمط ذو وجهين أو انطوائي أو غير منظم.

نظرية باندورا للتعلم الاجتماعي

تستند نظرية التعلم الاجتماعي إلى عمل الطبيب النفساني ألبرت باندورا. كان باندورا يعتقد أنّ عمليتا التكيف والتعزيز لا يمكن أن تفسرَا جميع التعلم البشري بشكل كاف. على سبيل المثال، كيف يمكن لعملية التكيف أن تأخذ بعين الاعتبار السلوكيات المكتسبة التي لم يتم تعزيزها من خلال التّكيف الكلاسيكي أو التّكيف العملي؟ .

وفقًا لنظرية التعلم الاجتماعي، يمكن أيضًا تعلُّم السلوكيات من خلال الملاحظة والنمذجة. فمن خلال مراقبة أعمال الآخرين، بمن فيهم الآباء والأقران، يستطيع الأطفال تطوير مهارات جديدة واكتساب معلومات جديدة.

نظرية باندورا لتطور الطفل تشير إلى أنّ الملاحظة تلعب دورًا حاسمًا في التعلم. لكن هذه الملاحظة لا تحتاج أن تأخذ بالضرورة شكلاً من مشاهدة نموذج حي. بدلا من ذلك، يمكن أيضًا للناس أن يتعلموا من خلال الاستماع إلى التعليمات الشفهية حول كيفية إجراء سلوك ما وكذلك من خلال مراقبة شخصيات حقيقية أو خيالية تعرض سلوكيات معينة في الكتب أو الأفلام.

نظرية فيجوتسكي الاجتماعية الثقافية

اقترح عالم نفس آخر يدعى ليف فيجوتسكي نظرية التعلم التكوينية التي أصبحت فيما بعد مؤثرة جدًا، خاصة في مجال التعليم. مثل بياجيه، يعتقد فيجوتسكي أنّ الأطفال يتعلمون بفعالية من خلال التجارب العملية. وتشير نظريته الاجتماعية-الثقافية أيضًا إلى أنّ الآباء ومقدمي الرعاية والأقران والثقافة عموما هم المسؤولون عن تطوير الوظائف الأعلى مرتبة.

من وجهة نظر فيجوتسكي، يعتبر التعلم عملية اجتماعية بطبيعتها. ومن خلال التفاعل مع الآخرين، يصبح التعلم مندمجًا في فهم الفرد للعالم. لقد اقترحت نظرية تطور الأطفال هذه مفهوم منطقة النمو التقاربي، وهو الفجوة بين ما يمكن للشخص أن يفعله بالمساعدة وما يمكن أن يفعله بمفرده. فبمساعدة أشخاص آخرين أكثر دراية يمكن للناس أن يتعلموا تدريجيًا ويزيدوا مهاراتهم ونطاق فهمهم.

كلمة من فيري ويل

كما ترون، فثُّلَّة من المفكرين المعروفين في علم النفس طوروا نظريات للمساعدة في استكشاف وشرح مختلف جوانب تطور الطفل. وعلى الرغم من أنّ هذه النظريات ليست كلها مقبولة تمامًا اليوم، إلا أنه كان لها جميعها تأثير هام على فهمنا لتطور الطفل. في الوقت الحالي، غالبًا ما يعتمد علماء النفس المعاصرون على مجموعة متنوعة من النظريات والمنظورات من أجل فهم كيف ينمو الأطفال ويتصرفون ويُفكرون.

وتُمثل هذه النظريات نبذة صغيرة فقط عن طُرق التفكير المختلفة في تطور الطفل. والواقع أنّ الفهم الكامل لكيفية تغيُّر الأطفال ونموهم على مدى الطفولة يتطلب النظر في العديد من العوامل المختلفة التي تؤثر على النمو البدني والنفسي. الجينات والبيئة والتفاعلات بين هاتين القوتين هي من تحدِّد كيف ينمو الأطفال جسديًا وعقليًا.

اقرأ ايضًا: التطور: نظرية فنّدتها الحقائق

المصدر
verywellmind

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى