فكر وثقافة

هل يمكن للقراءةِ أن تجعلك أكثرَ سعادة؟

  • سيريدوين دوفي
  • ترجمة: تالا خالد شراحيلي
  • تحرير: ناريمان علاء الدين

منذ عدة سنواتٍ مضت، أُعطيتُ، كهديةٍ، جلسةً عن بُعد مع مُعالجٍ بالقراءة في مدرسة الحياة بالمقرِّ الرئيسي في لندن. والذي بدوره يقدّم دوراتٍ ابتكارية لمساعدة النَّاس في التعامل مع التحديات الوجودية اليومية على المستوى العاطفي. عليَّ أن أعترف أنني في البداية لم أحبذ فكرة إعطائي وصفة قرائية. بشكلٍ عام، فضّلت أن أقلد التزام فيرجينيا وولف العاطفي وشغفها وأن أعتمد على الصدفة في اكتشافاتي الخاصة في القراءة، الأمر لا يقتصر على الكتبِ ذاتها، ولكن في طبيعة وقوعي عليها، بطريقةٍ عشوائية ومعنوية (في الباص بعد انفصالٍ عاطفي، في نزل السوّاح في دمشق، أو في أكوام المكتبة المظلمة في المدرسة، أثناء التَّصفح بدلاً من الدراسة). لطالما كنت أنزعج من طريقة بعض القراء في الدعوة إلى القراءة، يقولون لك، عليك أن تقرأ هذا، دافعين بكتابٍ في يديك ويصاحب ذلك نظرةٍ بها بريق وحماسة ، بلا قبولٍ وسماحٍ لحقيقة أن الكتب تعني أشياء مختلفة للأشخاص- أو في نفس الوقت، قد تعني أشياء مختلفة لذات الشخص- في نقاطٍ شتّى من حياتنا.

على سبيل المثال: في عمرِ العشرين، أحببت قصص جون أبدايك عن ”Maples” وكرهتها في الثلاثين، ولست متأكدة بالضبط من سبب ذلك. ولكن، الجلسة كانت بمثابةِ هدية، ووجدت نفسي بشكل غير متوقع مستمتعة بالإستبيانة الأولية التي أرسلتها لي إيلا بيرثود، المُعالجة بالقراءة، عن عادات قراءتي. لم يسألني أحد قط هذه الأسئلة من قبل، وعلى الرغم من ذلك لطالما كانت قراءة الأدب القصصي أساسيةً في حياتي. أخبرت بيرثود: أحب الغوص في الكتب في إجازاتي الطويلة -سأحزم كتباً أكثر من الملابس-. كشفت عن سرِ صغير وذلك هو أني لا أحب شراء الكتب او اقتناءها ودائما ما أفضّل أن أحصل عليهم من المكتبة (وكما أني كاتبة، فهذا لا يعد أمرا جالبا للحظ الجيد لمبيعاتي.) وفي ردي على سؤال “ما الذي يثير قلقك في هذه اللحظة؟” فوجئت بما أردت أن أعترف به، هو أنني قلقة بشأن عدم امتلاكي أي مصادر روحية لإنقاذ نفسي أمام أي حزن مستقبلي محتوم عند خسارتي لشخصٍ عزيز. أنا لست متدينة، ولا أريد أن أكون، ولكن، أود أن أقرأ عن انطباعات الآخرين في وصولهم إلى نوع مبكر وغريب من الإيمان بـ “كائن أعلى” كطريقة عاطفية للصمود. والإجابة عن هذه الأسئلة كانت كفيلةً بجعلي في حالة أفضل. تبادلنا الرسائل على البريد، كانت بيرثود تتعمق أكثر فأكثر، سائلةً إياي عن تاريخ عائلتي وخوفي من الحزن، وعندما أرسلت لي الخطة القرائية النهائية، كانت مليئة بكتبٍ ثمينة والتي لم أقرأها من قبل. وعلى رأس الإقتراحات، كان هناك كتاب “المرشد” “the Guide” لـ آر كي ناريان. وكتبت لي بيرثود، واصفةً إياه لي:”قصة لطيفة، عن رجل بدأ عمله في الحياة كمرشدٍ سياحي في محطة قطار في مالجودي، الهند، مرّ بتجارب وأعمال عديدة، قبل أن يجد قدره غير المتوقع في أن يصبح مرشداً روحيا. اختارت لي بيرثود هذا الكتاب رغبةً في أن تجعلني أشعر بالبهجة. والكتاب الآخر كان “إنجيل المسيح” لجوزيه ساراماغو، ساراماغو هنا، لا يكشف عن موقفه العاطفي ولكن يصور نسخة واضحة ومقنعة لقصةٍ نعرفها جيدا. “هندرسون ملك المطر” لـسول بيلو. “سيدهارتا” لهرمان هسه. وكانت توجد أعمال خيالية موصاةٌ لي وأيضاً تضمّنت التوصيات كتباً واقعية، مثل “قضية من أجل الرب” لـكارين آرمسترونغ و “الخلاصة” لعالم الأعصاب ديفيد إيقل مان “كتاب قصير ورائع عن إمكانية الحياة ما بعد الموت.”

في السنوات القادمة، شققت طريقي الخاص عبر الكتب الموجودة في القائمة، وعلى وتيرتي الخاصة، وتتخللها اكتشافاتي الشخصية. ولطالما كنت محظوظة كفاية لامتلاكي القدرة لأصمد أمام مواقف مؤلمة لم تُختبر وتُجرب بعد، حتى اليوم، بعض الأفكار التي استخلصتها من هذه الكتب ساعدتني على تخطي شيء مختلف تماما. وذلك عندما عانيت من ألمٍ جسدي لبضعة أشهر. الأفكار بحد ذاتها مبهمة -وكما هو حال اكتساب المعلومات من قراءة الأدب القصصي- ولكن هنا تكمن قوتها. في عصرٍ علماني، أظن بأن قراءة الأدب القصصي من الطرق القليلة المتبقية التي يمكن أن تقودنا إلى سموِّ ذاتي. تلك الحالة الصعبة التي تتقلص فيها المسافة مابين الذات والكون. قراءة الأدب القصصي تجعلني أنسى كل إحساس بذاتي ولكن في ذات الوقت تجعلني أشعر بأنني فريدة في ذاتي. وكما كتبت وولف، أكثرُ القرّاءِ حماسةً:” يقسمنا الكتاب إلى جزئين حينما نقرأ” ، لأن حالة القراءة تتمثل في كونها تلغي الأنا بشكل كامل، وتعد باتصال دائم مع عقلٍ آخر. العلاج بالقراءة مصطلح واسع جداً ويقود إلى الممارسات القديمة للتشجيع على القراءة لتحقيق الآثار العلاجية المطلوبة.

استخدم هذا المصطلح لأول مرة في مقال ماتع في سنة 1916 ونشر في مجلة أتلانتيك الشهرية:”عيادة أدبية” وفيه شَرَح المؤلف أنه عثر على معهد للعلاج بالقراءة يديره أحد معارفه في قبو كنيسته، اسمه باجستر، يوزع فيه توصيات قرائية تحمل في طياتها قيما علاجية، وأوضح باجستر بقوله :”العلاج بالقراءة..هو علم جديد” قد يكون الكتاب، منشطاً، مسكناً، مزعجاً، أو مخدراً، الهدف هنا أنه لا بد وأن يفعل لك الكتاب شيئا، ويجب عليك أن تعرف ماهية هذا الشيء. قد تكون طبيعة الكتاب أشبه بشراب مهدئ، أو أشبه بضمادة شافية. لمن هو في منتصف العمر ومصحوبٌ بأفكار متحجرة بشكل جزئي، باجستر يعطي هذه الوصفة التالية:” عليك أن تقرأ روايات أكثر، وليس قصصاً مُرضية تجعلك تنسى نفسك. يجب على هذه الروايات أن تكون، استقصائية، قوية. لاذعة، قاسية، (وجورج برنارد شو على رأس القائمة). أخيرا استُدعي باجستر ليتعامل مع مريض “أخذ جرعة زائدة من أدب الحرب ” تاركا المؤلف يفكر بالكتب التي تبث حياة بداخلنا، تم تجدد نبض الحياة فينا بقوةٍ ولكن ببطءٍ أيضاً.

اليوم، العلاج بالقراءة يُعبّر عنه في صيغٍ عديدة،بدءاً من الدروس الأدبية إلى نزلاء السجون إلى الجلسات القرائية التي تُقام من أجل كبار السن الذين يعانون من الخرف. وأحيانا قد تعني جلسات فردية أو جماعية للقراء الذين فقدوا التركيز ويريدون أن يجدوا طريق العودة إلى الاستمتاع بالكتب مجددا. بيرثود وصديقتها القديمة، المعالجة بالقراءة، سوزان إلدركن، غالباً ما تمارسان العلاج بالقراءة الفعال. وإلدركن التي تؤيد القوة الإصلاحية المتمثلة في قراءة الأدب القصصي. الاثنتان تقابلاتا في جامعة كامبريدج قبل أكثر من عشرين عاما، ونشأت بينهما رابطة قوية بسبب تشابه الكتب التي يملكانها، وبالتحديد رواية اتالو كالفينو “لو أن مسافراً في ليلة شتاء” والتي بدورها تتحدث عن طبيعة القراءة. وفي تطور علاقتهما، بدآتا بوصف روايات لمعالجة اضطرابات بعضهم البعض، كالإنكسار العاطفي، أو عدم الاستقرار الوظيفي. عندما كانت سوزي تمر بأزمة مهنية، أرادت عندها أن تكون كاتبة ولكن كانت تتساءل ما إذا كانت قادرة على التعامل مع الرفض المحتوم لذلك، أعطتها قصائد دون ماركيز “آرتشي وميهاتيبل” . قالت لي بيرثود: بما آن آرتشي الصرصار كرس نفسه لفنه لدرجة أنه كان يقفز على الآلة الكاتبة ليكتب حروف قصائده كل يوم في مكاتب مجلة “the evening sun” في نيويورك، فهي بالتأكيد تستطيع أن تكون مستعدة لأن تعاني من أجل فنها أيضاً. في السنوات اللاحقة، إلدكرن أعطت بيرثود والتي بدورها كانت تريد أن تجد طريقة لتوازن فيها مابين كونها رسامة وأم، رواية بيتريك قيل “ملاحظات من معرض” وهي رواية عن امرأة رسامة وناجحة ولكن مضطربة. ظلتا هكذا، يتبادلان توصيات الروايات، وللأصدقاء والأهل، لعدة سنوات. وفي سنة 2007  عندما كان الزميل البروفيسور آلان دي بوتون في جامعة كامبريدج، يفكر في بدء مدرسة الحياة، شاركوه فكرة عمل عيادة معالجة قرائية، ذكرت بيرثود: “وعلى حد علمنا، لم يكن في ذلك الوقت أحد قد فعلها، العلاج بالقراءة لو كان موجودا أصلا فهو لا يتعدى كونه مستندا على السياق الطبي وأيضا معتمدا على كتب المساعدة الذاتية. ولكن كنا نكرّس أنفسنا للأدب القصصي كأسمى علاجٍ ولأنه يعطي القراء تجربة تحويل جوهرية. تعقبا إلدركن وبرثود تاريخ العلاج بالقراءة والذي اتضح أنه من الإغريق القدامى، الذين نقشوا فوق مدخل إحدى المكتبات في طيبة ووصفوه بأنه:” مكان شفاء الروح” الممارسة رأت النور وظهرت بنفسها في نهاية القرن التاسع عشر عندما بدأ سيغموند فرويد باستخدام الأدب خلال جلسات التحليل النفسي. بعد الحرب العالمية الأولى، الجنود المصابون بالصدمة والعائدون إلى منازلهم من الجبهة، كانت توصف لهم وصفات قرائية. وكما تدرب أمناء المكتبات في الولايات المتحدة على مهارة تقديم الكتب للجنود في الحرب العالمية الأولى، وتوجد قصة عن رويات جين أوستن أنها كانت تستخدم لأغراضٍ قرائية علاجية في بريطانيا في الوقت نفسه. ولاحقا في نفس القرن، العلاج بالقراءة استخدم في طرق عديدة، في المستشفيات، والمكتبات وأصبح مؤخرا يستعمل من قبل الأطباء النفسيين والعاملين في رعاية كبار السن والاختصاصيين الاجتماعيين، بوصفه طريقة علاجية فعالة قابلة للتطبيق.

الآن توجد شبكة للمعالجين بالقراءة، دُرِّبوا واختيروا بواسطة بيرثود وإلدركن ومرتبطة مع مدرسة الحياة، وتعمل في أرجاء العالم من نيويورك، إلى ملبورن. قالت بيرثود:” إن تحولات الحياة المحورية هي من أكثر الأمراض شيوعا والتي ترتاد لدينا بكثرة طلباً للتداوي، كأن تكون عالقًا في مسارك الوظيفي، أو أن تشعر بالإكتئاب بسبب علاقة عاطفية أو المعاناة من فقد. كثيراً ما يرى المعالجين بالقراءة المتقاعدون، أيضا الذين يعلمون أن أمامهم عشرين عاما من القراءة ولكن ربما سابقا لم يقرؤوا إلا الجرائم ويريدون إيجاد شيء جديد يساعدهم على البقاء.

الكثير هم ممن يطلبون المساعدة للتكيف مع مرحلة الأبوة أو الأمومة. قالت بيرثود:” كان لدي زميل في نيويورك، رجل رُزق بأول مولود له، وكان قلقاً بشأن مسؤوليته تجاه مخلوق آخر، أوصيته بكتاب درجة حرارة الغرفة لـنكلسون بيكروالذي يتحدث عن رجل يُطعم الحليب لطفله ولديه هذه الأفكار التأملية حول الأبوة، وبالطبع أوصيته بكتاب” أن تقتل طائرا بريئا” لـهاربر لي، لأن أتيكس فتش هو الأب المثالي للأدب. ألّفت برثود وإلدركن كتابا بعنوان: “العلاج بالرواية: الدليل الشامل للعلاج بالأدب” وهو مكتوب بأسلوب قاموس طبي ويطابق بين الأمراض مثل “الفشل” مع مقترحات علاجية لكتب مثل “تاريخ السيد بولي” لـ اتش جي ويلز. أول مرة نُشر الكتاب في المملكة المتحدة في عام 2013، وأيضا نشر في تسعة عشر دولة، والعقد يسمح للمحرر أو أمين المكتبة أن يضيف في الكتاب إلى نسبة خمسة وعشرين بالمئة من الأمراض ومطابقتها مع توصيات قرائية بحيث تناسب مختلف القراء في كل دولة وتشغيل كُتّاب محليين أكثر. والأمراض المضافة تكشف عن خلفيات ثقافية؛ ففي الطبعة الهولندية، أحد الأمراض المضافة أن يكون لدى الشخص مغالاة في فرض رأيه على ابنه أو ابنته. وفي الطبعة الهندية أضيف “التبول في الأماكن العامة” و”الهوس بلعب الكريكيت” أما الإيطاليون فأضيف “الضعف الجنسي” و”الخوف من الطرق السريعة” و “الرغبة في التحنيط” والألمانيون أضافوا “كره العالم” و “كره الحفلات”.

بيرثود وإلدركن تعملان الآن على نسخة أدبية للأطفال وهي عبارة عن مجموعة قصصية من المتوقع أن تنشر في 2016.

ولجميع القراء النهمين الذي عالجوا أنفسهم بالكتب طيلة حياتهم، ليس من المفاجئ أن قراءة الكتب جيدة لصحتك العقلية وعلاقاتك مع الآخرين، لكن بالضبط لماذا أو كيف ذلك، الآن، هذا السؤال أصبح أوضح من ذي قبل، والفضل يعود للبحث الذي يتحدث عن تأثير القراءة على العقل، “العصبونات المعكوسة” منذ هذا الإكتشاف في منتصف التسعينات، وهي العصبونات التي تتحفز عندما نقوم بالفعل ونرى شخصا آخر يقوم بالفعل، نرى أن علم الأعصاب الوجداني أصبح أكثر وضوحا.

دراسة نشرت في عام 2011  في المراجعة السنوية لعلم النفس مستندة إلى تحليل صور الرنين المغناطيسي لدماغ المشتركين، أظهرت الدراسة، عندما يقرأ الناس عن تجربة، أن نفس المناطق العصبية لديهم تتحفز كما لو أنهم مروا بها بأنفسهم.

وذلك ينطبق أيضا عندما نقرأ القصص ونحاول تخمين مشاعر الشخص الآخر.

دراسات أخرى نشرت في عامي 2006  و2009  أظهرت شيئا مشابهاً، أن الأشخاص الذين يقرؤون الأدب القصصي بكثرة يكونون أكثر تعاطفا مع الآخرين (وحتى بعدما أخذ الباحثون بالحسبان أن الأشخاص الذين لديهم نزعات عاطفية كبيرة، يفضلون قراءة الروايات).

وفي عام 2013 نُشرت دراسة في مجلة العلم، وجدت أن قراءة الأدب الخيالي (بدلا من الروايات الواقعية أو الأعمال الأدبية) حسَّن من نتائج المشتركين التي تقيس التصور الاجتماعي والعاطفة والتي هي بدورها جوهرية في “نظرية العقل”: وهي القدرة على تحري دقة ما يمكن أن يفكر أو يشعر به الشخص الآخر وغالباً ما تبدأ مهارات الإنسان في التطور قرابة سن الرابعة. يعمل، كيث أوتلي، الروائي والبروفيسور في جامعة تورنتو لعدة سنوات على الإشراف على مجموعة باحثة ومهتمة بعلم النفس والأدب القصصي. ذكر في كتابه الذي نشر عام 2011 (أشياء كالأحلام: علم نفس الخيال) بدأنا بإظهار كيف يمكن للهوية أن تُحدَّد عن طريق الشخصيات المبتكرة وكيف يمكن للفن الأدبي أن يُحسِّن من القدرات الاجتماعية، وأن يستثير وجداننا، وكيف يمكن أن يحُدث تغييرات على الصعيد الذاتي.”

الأدب القصصي هو نوع من المحاكاة، لا يتم تشغيله على أجهزة الكمبيوتر ولكن على العقول، محاكاة الذوات في تفاعلاتها مع الآخرين مستندة إلى التجربة، والقدرة على التفكير في احتمالات المستقبل حيث أن الفكرة تعيد إيمانا راسخا للقراء والكُتَّاب على حدٍ سواء، وهو أن الكتب هي أفضل الأصدقاء، فهي تعطينا فرصةً للتدرب على التفاعل مع الآخرين بلا أي ضررٍ دائم. في مقالةٍ له نشرت عن القراءة  في عام1905  عبّر بروست بشكلٍ جميل:” مع الكتب، لا وجود لتواصل اجتماعي إجباري، لو قضيت المساء برفقة هؤلاء الأصدقاء -الكتب- ذلك سيكون لأننا حقا نريد ذلك، وعندما نتركهم، نقوم بذلك بكل أسف، وعندما تركناهم، لا توجد أي من تلك الأفكار التي قد تفسد الصداقة..”ماذا يظنون بنا؟” “هل فعلت شيئا خاطئا أو قلت شيئا غير لبق؟” “هل يحبوننا؟”. ناهيك عن عدم وجود قلق من كوننا منسيين بسبب استبدالنا بشخص آخر.

جورج إليوت، والتي شاع عنها تخطيها لمأساة فقدان شريك حياتها عن طريق دخولها برنامج قرائي إرشادي مع شاب تزوجته في النهاية، وتؤمن جورج بأن “الفن هو أقرب طريق للحياة، إنه طريقة لتوسيع التجربة والخبرة وتمديد روابطنا مع زملائنا الرجال خارج حدود شخصياتنا.” ولكن لا يوافق الجميع على هذا الوصف للأدب القصصي في كونه يجعلنا نتصرف بشكل أفضل في الحياة الواقعية، ففي كتابها الذي صدر عام 2007 بعنوان:”التعاطف والرواية”.

اقرأ ايضاً: أكثر من الحب وأكثر من الخمرة

تعارض سوزان كين فرضية التعاطف مع الإيثار وتشكك في كون الروابط العاطفية التي نخرج بها من خلال قراءتنا للأدب القصصي تُترجم فعلاً إلى سلوك عاطفي واجتماعي، وتشير إلى صعوبة إثبات فرضية كهذه، كتبت كين:” الكتب لا تحدث بذاتها تغييراً، وليس الجميع يشعر بهذه الطريقة، ولا يجب عليهم ذلك.” وكما يعرف أي قارئ نهم للكتب، القراء قد يصبحون أيضاً انطوائيين وكسالى، قراءة الرواية ليست كفريق رياضي، بدلاً عن ذاك، ناقشت كين:” أننا يجب أن نستمتع بما يعطينا إياه الخيال، وهو التحرر من الإلتزام الأخلاقي للشعور بشيءٍ تجاه الشخصيات المبتكرة، كما هو حال الإنسان الحقيقي، الذي يعيش في ألم أو معاناة، والتي هي من المفارقات التي تعني أن القراء أحيانا يستجيبون للمواقف والشخصيات غير الحقيقية بعاطفة جياشة بسبب الخيال الحسي، وهي تؤيد بكل إخلاصٍ الفوائد الصحية الشخصية الناتجة عن تجارب غامرة مثل القراءة والتي تسمح بهروب منعشٍ من الضغوط العادية اليومية.”

وحتى إن كنت لا توافق في كون قراءة الأدب القصصي يجعلنا نتعامل مع الآخرين بشكل أفضل ولكن أيضا هي طريقة لجعلنا نتعامل مع أنفسنا بشكل أفضل. القراءة أظهرت أنها تضع عقولنا في حالة أشبه بالغيبوبة الممتعة كالتأمل، وتجلب  منافع الاسترخاء العميق والهدوء الداخلي. القراء المنتظمون ينامون بشكلٍ أفضل ويحظون بمستوياتٍ أقل من التوتر، وثقة عالية بالنفس، ومعدلاتٍ أقل من من الاكتئاب مقارنةً بغير القراء. المؤلفة جانيت ونترسون كتبت ذات مرةٍ:” الخيال والشعر هما جرعات أدوية.،وما يشفياه هو تعويض الخيال لما يمزقه الواقع.”

إحدى زميلات بيرثود وصفت لي كيف ساعدتها الجلسات الجماعية والفردية  التي حضرتها مع برثود في التعامل مع تداعيات سلسلة من الأزمات، وبما في ذلك خسارة زوجها، نهاية خمس سنوات من الخطوبة و سكتة قلبية.

قالت:”شعرت بأن حياتي بلا معنى، شعرت بالفشل كامرأة.” وعلى رأس الكتب التي وصفتها لي بيرثود كانت رواية جون ايرفنج “فندق نيو هامبشابر” كان الكاتب المفضل لزوجي والذي لم أستطع القراءة له لأسباب عاطفية. اندهشتْ وتأثرتْ للغاية عندما رأتْ اسمه في القائمة وبالرغم من أنها كانت تتجنب قراءة كتب زوجها حتى وجدتْ قراءتها كما تقول : “تجربة عاطفية مُجزية جداً سواء أكان في الأدب نفسه أو في التخلص مما في داخلي.”

كما أنها أعربت عن امتنانها العظيم لبرثود على إرشادها إلى رواية توم روبنز “Jitterbug Perfume” والتي كانت منحنى تعليمياً حقيقياً بالنسبة لي بشأن التجريب والتحيز.

من أحد الأمراض المدرجة في كتاب “العلاج بالرواية” هو الشعور بإحساس غامر تجاه عدد الكتب العظيم في العالم. وهو من الأشياء التي عانيت منها بشكل متكرر. إلدركن تقول أن هذا واحدٌ من أكثر المشاكل شيوعا بين القراء الجدد.  ولا يزال حافزا قويا لها ولعملها هي وبيرثود كمعالجات بالقراءة “تشعر بأنه على الرغم من أن كثيرا من الكتب تُنشر الآن أكثر من أي وقت مضى، إلا أن الناس يختارون من مجموعة أصغر فأصغر، انظر إلى أغلب قوائم أندية الكتب وستجد أنها جميعها نفس الكتب، والتي نادت الصحافة بقراءتها وتحدثت عنها.

لو أنك حسبت في الحقيقة كم كتاباً تقرأ في السنة،  ذلك العدد المحتمل من الكتب الذي سوف تقرأ قبل وفاتك، ستبدأ بإدراك أنه يجب عليك أن تكون انتقائياً جدا من أجل تحقيق أقصى منفعة من وقت قراءتك، وما هي الطريقة الأفضل لفعل ذلك؟ أن ترى معالجاً بالقراءة. واقبل دعوتهم التي اقتبسوها عن شكسبير في مسرحية (تيتوس أندرونيكوس) الذي قال فيها :”تعالوا، وخذوا ماتشاؤون من مكتبتي، وتناسوا بها الآلام.”

اقرأ ايضاً: ضياع البوصلة والتبدد في عوالم المعرفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى