الدين

الشبهة وأنواعها

  • حمد بن عبد الرحمن السريح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته، ومن والاه، أما بعد:

فمما ينبغي علمه أن أيَّ شبهة ترد على الإنسان، سواء كانت شبهة في الدليل الخبري الأمري، أو الدليل الخلقي الكوني، فهي لعدم التمييز بين الحد الفاصل بين المشتركين في معنى عام، أو أمر كلي. يقول ابن تيمية في تحرير معنى التشابه الذي لا يحصل به التمييز: “… هو: مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته إياه من وجه آخر حتى يشتبه على بعض الناس أنه هو أو مثله وليس كذلك… وهذا التشابه إنما يكون لقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما… [إذ] ما من شيئين إلاَّ ويجتمعان في شيء ويفترقان في شيء [آخر]” ثم  يكون الناس حيال هذا الاشتباه صنفين: فمنهم: “… من لا يهتدي للفصل بينهما فيكون مشتبهاً عليه، ومنهم من يهتدي إلى ذلك”،[1] وهم الراسخون في العلم والإيمان.

ذلك أن الشبهة حقيقَتَها أنها ما يظهر على أنه دليل وليس بدليل بحيث يصعب على الناظر فيها أن يقطع بترجيح حصول ما اقتضاه شبه الدليل أو أن يقطع بترجيح ضد ما اقتضاه شبه الدليل، وهي في الغالب تكون مع حصول غلبة الظن بترجيح الخطأ أو الباطل في أحد طرفي ما اقتضاه شبه الدليل، بل قد يبلغ الحال بالناظر أن يتيقن صواب الخطأ أو الباطل في الشبهة.

 ثم هذه الشبهة قد تكون راجعة لذاتها، كما لو اشتبه أمر من أمور الدين على مسلم، فليس الاشتباه عائدا إلى المسلم، لأنه مُسَلِّمٌ بكون الدين دليلا، لكن المسألة المعينة التي اشتبه فيها مقتضى الدليل أو ضده هو الذي أوقع الاشتباه والالتباس.

 وقد يكون الاشتباه عائدا إلى الناظر نفسه، وهذا كما يحصل مع غير المسلم الذي يلتبس عليه أمر من أمور الدين، سواء أراد الطعن في الدين والقدح فيه أم لم يرد، أعني: أن الناظر قد يكون متعمدا لإثارة الشبهة، بحيث يكون مع التباس أمر الدين عليه متعمدا للتشبيه على غيره بها، مع علمه أنه غير قادر في نفس الأمر على إزالة اللبس الحاصل له. كذلك قد يقع هذا النوع من الاشتباه للمسلم المتشكك في دينه، فهو لضعف يقينه، وتسلط الضلال عليه صار غرضا للشبهات، بل قد يبلغ به الحال أن يكون باحثا عنها، ومدافعا عن مثيريها والمشغبين بها، كما قال الله تعالى عن قصد من في قلبه زيغ عند اتباعه لمتشابه القرآن: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، وقد قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا –كما في الصحيحين وغيرهما-: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ، مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ، وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُم”. لكن قد يثير  الناظر الشبهة على غيره، وهو يعلم أنه في نفس الأمر قد يكون قادرا على إزالة الشبهة، فهو في هذه الحال لا يكون قاصدا للتشبيه على غيره؛ لأن قصده من إثارتها طلب حلها، وإزالة اللبس فيها.

ولهذا فإن هذا النوع من التشابه العائد إلى ذات الناظر في الشبهة منه ما هو نسبي ومنه ما هو حقيقي؛ فالنسبي منه هو الذي يكون لبعض الناس دون بعض، أو في زمن دون زمن، أو في مكان دون آخر، ولا يمكن أن يكون التشابه عاما لجميع الناس، وعليه تحمل قراءة من قرأ بالوصل في قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، فجعل الواو في قوله: (والراسخون في العلم) عاطفة على لفظ الجلالة. وهو مروي عن ابن عباس، وقال به مجاهد والربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم، وممن انتصر لهذا القول وأطال فيه ابن فُورَك. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: “أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله”. وقال النبي ﷺ فيما رواه البخاري ومسلم عن الشعبي، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: “إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعملهن كثير من الناس”، فدل على أن بعض الناس يعلمهن. وقد قال مجاهد بن جبر: “عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها”.

أما التشابه الحقيقي فهو الذي لا يعلمه إلا الله، كالعلم بكيفية صفات الله عز وجل، وكيفية الروح، أو بحقيقة ما أخبر الله به مما يكون وقوعه يوم القيامة، كالجنة والنار، والميزان، والصراط ونحو ذلك. فهذا النوع مما لا يعلمه إلا الله، وهو الذي تحمل عليه قراءة جمهور السلف في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم) على أن الواو للاستئناف، ويكون الوقف على قوله: (إلا الله)، وهذه القراءة مروية عن عمر وابن عباس وعائشة وابن مسعود وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وأبي بن كعب، نقله عنهم القرطبي وغيره، ونقله ابن جرير عن يونس عن أشهب عن مالك بن أنس، وهو مذهب الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد، وقال أبو نهيك الأسدي: “إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم: (آمنا به كل من عند ربنا)”.

ولهذا يروى عن ابن عباس، قوله: “التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب”، رواه ابن جرير الطبري في كتابه “التفسير” عن محمد بن بشار، عن مؤمل، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن ابن عباس، قولَه. فالتفسير الذي يعلمه العلماء هو ما يقع فيه اختلاف التضاد بينهم، فيكون الصواب فيه مع أحد الفريقين، ووقوع الاختلاف بينهم يدل على حصول الاشتباه، وهو اشتباه نسبي. والتفسير الذي لا يعلمه إلا الله هو الاشتباه المطلق، والمعنى أنه لا يعلم حقيقته أو كنهه إلا الله، لا أنه لا يعلم أحد معناه، وإلا لزم من ذلك أن يكون في القرآن ما لا يعلم معناه، وهذا مناف للبيان والهدى الذي وصف الله به القرآن.

والغرض أن الشبهة إذا عادت إلى الناظر نفسه فهي إما أن تكون اشتباها يعلم فيه الناظر عدم قدرته على التمييز بين الحق والباطل، وهو مع ذلك يثير الشبهة على نفسه وعلى غيره، فيكون بذلك زائغ القلب مبتغيا للفتنة، وإما أن يكون الناظر عالما بقدرته على تمييز الحق من الباطل، وإن لم يكن هو في نفس الأمر عند اجتهاده مصيبا فيما اختاره من أحد وجهيي ما اقتضاه الدليل، فهذا إذا أثار الشبهة فهو طالب إزالتها، وقاصد تحقيق الحق في ما دل عليه الدليل.

وقد يقع الاشتباه لذات الشبهة ولذات الناظر معاً، وذلك كما في حال المسألة من مسائل الدين الظنية التي ينظر فيها الكافر أو المسلم المتشكك؛ فالمسألة في ذاتها لم يدل الدليل على ما يقطع معه ناظرها بتصويب أو تخطئة أحد أوجه دلالته، والناظر نفسه قد التبس عليه صواب أو خطأ الدليل الديني، فليس هو بمسلم أو متيقن لصحة الاستدلال به ولا لصحة مقتضاه.

ولذلك فإن رد الشبهة يكون باعتبارات ثلاثة: الأول: اعتبار الاعتراض، وذلك بأن يقال لملقي الشبهة: لا نسلم بالمقدمة التي ذكرتها، أو نسلم بها ولا نسلم بالنتيجة التي توصلت إليها بسببها. فيقال -مثلا- لمن جعل تقديم العقل على النقل إذا تعارضا، أو بظاهر تعارض الفطرة مع الخبر: لا نسلم بحصول التعارض أصلا، بل المقدمة التي بنيت عليها النتيجة مقدمة غير مسلمة، ومن لازم استقامة البرهان تسليم الخصم بمقدمة خصمه. فإذا لم يسلم الخصم بالمقدمة؛ لزمه أن ينقضها، ويبين وجه عدم تسليمه لها، وهو اعتراض على المقدمة من غير تفنيد، بل غايته أن يبين أن استناد الخصم إلى المقدمة لا يصح أن يكون دليلا لما خلص إليه من النتيجة، إما لعدم التسليم بالمقدمة أصلا، وإما لأن نتيجتها لا تقتضيها المقدمة.

على أنه ينبغي أن يعلم أن من الشبه ما لا يعتمد على مقدمات مطلقا، لا خبرية أمرية ولا خلقية كونية، وذلك مثل سفسطات الملاحدة والزنادقة، ومهاترات وتهريشات كثير من أتباع المذاهب والنحل والملل الباطلة الزائفة، فمثل هذه حقها الإعراض عنها، كما قال تعالى: (والذين إذا مروا باللغو مروا كراما)، وقال: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).

ويكفي في دفعها وردها -لاسيما عند شيوعها وذيوعها- إن كانت القضية خلقية كونية تصويرها تصويرا صحيحا لمستمعها، وهو كاف بإذن الله في إخمادها ودفعها، بل وتبكيت صاحبها ورده عن غيه وضلاله، وفي ذلك يقول ابن تيمية في تقديم جزم العقول بالمقدمات الضرورية على ما يزعم من معارضتها بشبهات نظرية، “[ف] لا يصح للمناظرة، ولا يقبل في المناظرة أن يعارض هذا الجزم [بالمقدمات الضرورية] المستقرة في الفطرة بما يزعمه [المخالف] من الأدلة النظرية، وهذا المقام كاف في دفعه؛ وإن لم تحل شبهاته، كما يكفي في دفع السفسطائي، أن يقال: إنما تنفيه قضايا ضرورية، فلا يقبل نفيها بما يذكر من الشبهة النظرية”.[2]

فإن قيل: إن القضية لما كانت ضرورية لم يحتج إلى تصويرها؛ فإن من لازم ضروريتها عدم توقف تصورها على غيرها.

فالجواب على هذا، أن يقال: إن الضروري يكون ضروريا إما لما يلزم العقل لزوما لا يمكنه دفعه، ولا الاعتراض عليه، وإما أن يكون لما يحصل للعقل من دون احتياجه إلى تصور غيره، ولا كسبه. فليس من لازم كل ضروري أن يكون غير محتاج في تصوره إلى تصور غيره، وإنما شرطه أن يكون إذا تصور لم يمكن دفعه ولا الانفكاك عنه. يقول ابن تيمية: “إن القضايا الضرورية ليس من شرطها أن تكون مفرداتها بينة لكل أحد، بل شرطها أن مفرداتها إذا تصورت جزم العقل بها. وتصور الواحد نصف الاثنين بين لكل أحد، فلهذا كان التصديق التابع له أبين من غيره، ولهذا لم يكن هذا في العقل كبيان أن خمسة وخمسين وربعا وثمنا [هو] نصف مائة وعشرة ونصف وربع، وكلاهما ضروري”.[3]

وإن كانت الشبهة خبرية أمرية فيكفي فيها بيان الخبر أو الأمر، كما قال تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)، فجعل المأمور به هو إسماع كلام الله. وقال: (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك يتلى عليهم)، فجعل تلاوة الكتاب كافية في معرفة المراد، ومقنعة في إقامة البرهان على صحة الخبر والأمر. وقال النبي ﷺ فيما رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: “بلغوا عني ولو آية”، فجعل غاية الأمر البلاغ. فدلت الآيتان والحديث على أن إسماع كلام الله، وتلاوة كتاب الله، والبلاغ عن رسول الله ﷺ كاف في إقامة الحجة، وتحصيل المقصود.

الاعتبار الثاني: التفنيد، ويعني درأ الشبهة وردها، وبيان موضع الخلل فيها. والفرق بين هذا الاعتبار والذي قبله أن الإنسان هنا بعد أن ينقض المقدمة التي أورثت الشبهة، أو ينقض نتيجتها، يعمد إلى تأصيل بيان وجه النقض للمقدمة وعدم التسليم لها، ويورد على المقدمة غير المسلم بها أو نتيجتها ما يكون حاصله إبطالَها أو إبطالَ الاستدلال بها على القضية المعينة. وهذا يحصل كثيرا فيمن حصل له ما ظاهره التعارض بين الأدلة الخبرية الأمرية، فغالب التعارض حاصل بسبب قصور أو تقصير في الناظر عن فهم الأدلة فهما صحيحا، مما يفضي به إلى تعذر الجمع بينها، والتوفيق بين دلالتها ونتيجتها. فإذا بين له موضع الخلل في ظنه حصولَ التعارض، وأنه إنما أُتي من جهة قصوره أو تقصيره في الفهم، حصل التفنيد، وأمكن في نظره الجمع بين الأدلة والتوفيق بينها.

الثالث: اعتبار الفرض والتسليم، بحيث يثبت للخصم الحق المخالف لشبهته، ويبين وجه الدلالة عليه. فيكون الاعتباران السابقان كالتخلية لهذا الاعتبار، ويكون هو التحلية، وذلك ببيان الحق، وإزالة اللبس والغبش. وفي الأخذ بهذا الاعتبار كذلك جمع بين النفي والإثبات؛ فالاعتباران الأولان لنفي الشبهة والباطل الذي تلبس بلبوس الحق، والاعتبار الثالث لإثبات الحق وإحقاقه وبيانه.

وكلا الأمرين طريق شرعي قرآني في رد الباطل والشبهة: فقد قال الله تعالى في التخلية قبل التحلية: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها)، فبدأ بالباطل، وهو عبادة غيره معه، ووصفه بأنه كفر ليدل على أنه مناف للتسليم والإيمان، وهذا اعتراض على من حصلت عنده المقدمة الباطلة في زعم أن عبادة غيره معه لا تنافي التسليم والإيمان، ووصف المعبود معه بأنه طاغوت ليدل على أنه متصف بما يمنع استحقاقه للعبادة، وفي هذا رد وتفنيد على من عبده؛ إذ كيف يعبد من هذه صفته. فلما أخلى القلب من التسليم والإيمان الباطل، ومن التعلق بغير المعبود الحق؛ حلاَّه بالإيمان والتسليم الصحيح، وملأه بالتعلق بالمعبود الحق، فقال: (ويؤمن بالله). وفي هذا إلزام للمعاند ألا يصرف العبادة إلا لله؛ لأنه هو الذي تألهه القلوب، وتعبده وتخلص دينها له.

وقال تعالى في الجمع بين النفي والإثبات: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم)؛ فإن التصدير ببيان وحدانية الله نفي للمقدمة الباطلة التي جوزت لدى أتباعها أن يشركوا معه غيره؛ إذ اعتقدوا تعدد الآلهة. وهو لتحقيق إبطال هذه المقدمة نفى أن يكون معه آلهة غيره تستحق أن تعبد، فقال: (لا إله)، أي: لا معبود حق، وفي هذا النفي عدم تسليم بالمقدمة، وتفنيد لها؛ لأن الآلهة وإن سماها عابدوها آلهة، فلا يلزم منه أن تكون مستحقة لذلك، بل إن عين التسمية دلالة على ضلال من سماها بذلك، لأنه قدم بأن الإله واحد فكيف يجوز أن يسمى غيره باسمه، بل يمكن أن يقال: إن التصدير ببيان وحدانية الله تعالى أمارة على تسليم الخصم بهذه المقدمة، ولكن النزاع حصل من الخصم في جواز صرف العبادة إلى غيره، فلذلك جعل النفي، كما أنه متضمن لإبطال تعدد الآلهة، مظهرا لتناقض من قال بذلك؛ لأنه جمع بين تسليمه بأن الإله واحد، وبين تجويزه صرف العبادة لغيره. فلما نفى عن غيره استحقاق العبادة، أثبتها له وحده فقال: (إلا الله). والخصم يلزمه أن يسلم بذلك؛ لأن تسليمه بالمقدمة الأولى بأن الإله واحد، وأنه لا إله يستحق أن يعبد وإن سمي إلها، يلزمه بأن يسلم بأن الإله الواحد هو الذي يستحق أن يعبد، فجعل المقدمة الصحيحة لاستحقاقه العبادة أنه واحد، وصرفها لغيره يقتضي التعدد، والتعدد مناف للاستحقاق. فتأمل عظم هذه الحجة الباهرة القاطعة، التي تقطع كل شبهة لمشرك، وتخرس لسان كل عابد لطاغوت، وتجتث أصول الشرك من أصوله.

والله أعلم، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.

اقرأ ايضًا: انقيادٌ لا يلوي على حكمة


[1] التدمرية، ص102-106.

[2] بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، ص11.

[3] المصدر السابق، ص12.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى