- جينيفر راف*
- ترجمة: العنود الراشد
- تحرير: مريم العريني
لكي تكوّن رأيًا سليما عن مستجدات مجالك، يجب أن تكون مطلعًا على جديد الأبحاث التي تُنشر بصفة دورية، وعليك أن تكون مستعدًا لقراءة المنشورات البحثية الأولية حتى تستطيع التمييز بين الرصين والضعيف من البحوث العلمية، حيث يتوجب على كل باحث وطبيب في مرحلة الدراسات العليا تعلّم مهارة قراءة الأبحاث العلمية، ويمكن لقارئ هذا المقال تعلمها أيضاً، وكأي مهارة يبتغي الإنسان اكتسابها فإنها تحتاج إلى صبر وممارسة.
تختلف عملية قراءة البحث العلمي عن عملية قراءة مقالة علمية في جريدة أو مدونة؛ فقارئ البحث سيقرؤه بترتيب مختلف عما كتبه الباحث، وليس هذا فحسب، بل عليه أن يدوّن الملاحظات أثناء قراءته، ثم يكرر القراءة مرّات كثيرة، وأن يبحث عن أبحاث أخرى لفهم بعض التفاصيل، حيث سيستغرق القارئ وقت طويلا في بداية الأمر، ولكن مع الممارسة والخبرة الطويلة سيقل الوقت الذي يستهلكه في ذلك.
البحث العلمي الذي سأتحدث عنه هنا هو مقال بحثي أو تقرير جديد يحاول الإجابة عن سؤال أو أسئلة معينة خاضع لنظام مراجعة الأقران، وعادة ما يقسم إلى: ملخص، ومقدمة، ومناهج، ونتائج، وخاتمة أو تفسير أو مناقشة.
قبل أن تبدأ قراءة البحث العلمي الذي بين يديك يجب عليك أولاً أن تقرأ عن خلفية الكاتب وانتماءاته المؤسسية؛ حيث تعتبر بعض المؤسسات العلمية -كجامعة تكساس- محايدة نوعا ما، في حين أن بعض مراكز الأبحاث لها أجندة خفية على عكس الصورة التي تحاول إظهار نفسها بها بأنها موثوقة، كما عليك أن تنتبه إلى الصحيفة أو المجلة التي قامت بنشر البحث، وأخيراً عليك الاحتياط من الصحف المشبوهة أو المواقع التي قد تظهر على أنها صحف علمية خاضعة لمراجعة الأقران، ولكنها ليست كذلك كموقع Natural News.
الدليل المفصل لقراءة مقالة بحثية
- لا تبدأ بقراءة الملخص بل ابدأ بقراءة المقدمة
الملخص هو الفقرة الأولى التي يفتتح بها البحث العلمي، وهو في الواقع الفقرة الوحيدة من البحث التي عادةً ما يقرأها الكثير من غير المتخصصين عند محاولتهم بناء فرضية علمية؛ (وهذا تصرف غير سليم عليك تجنبه). اقرأ الملخص في النهاية، لأنه يشتمل على موجز البحث، حيث تجعلك قراءته في البداية غالبًا منحازًا دون قصد إلى تفسير الكاتب للنتائج التي توصل إليها.
- حدد أهم سؤال يناقشه البحث
والسؤال هنا ليس “عما يتحدث هذا البحث؟” بل “ما هي المشكلة التي يحاول هذا المجال العلمي بأكمله حلها؟”، فهذا سيساعدك في التركيز على سبب كتابة هذا البحث، ومن ثم عليك التدقيق في مجال البحث، فقد يوصلك التدقيق إلى دليل يثبت وجود أجندة خفية.
- لخص المعلومات الأساسية في خمسة جمل أو أقل
ويكون التلخيص من خلال كتابة بعض الأسئلة والإجابة عليها، مثل: ما هي الأعمال السابقة التي تجيب عن أهم سؤال في هذا المجال؟، وما هي قيود البحث؟، وبالنسبة للكاتب: ما هي الخطوة التالية التي ينبغي القيام بها؟، فمن أجل فهم هذا البحث لابد أن تقوم بشرح موجز عن سبب كتابته لبحثه الذي بين يديك.
- حدد السؤال/الأسئلة موضع النقاش
ما الذي يريد الكاتب الإجابة عنه في بحثه؟، قد يكون هناك عدة أسئلة أو سؤال واحد عليك كتابته، وإذا كان البحث مثلًا من النوع الذي يقوم باختبار فرضية عدم (H0)[1]، أو أكثر من فرضية فعليك تحديدها.
- حدد المقاربة البحثية
وذلك بالإجابة عن سؤال: ما المقاربة/الطريقة التي اتبعها الكاتب للإجابة عن سؤال البحث؟
- اقرأ قسم المناهج المتبعة
وذلك برسم مخطط يوضح ما يقوم به الكاتب تحديدًا، وإضافة ما تحتاجه من تفاصيل حتى تفهم العمل على أكمل وجه.
- اقرأ قسم النتائج
اكتب فقرة/فقرات النتائج لكل من التجارب والأشكال والبحوث التي يتضمنها البحث، ولا تقرر ما تعنيه النتائج في الحال، بل اكتفي بكتابتها كما هي أولًا، وركز على النتائج التي تكون ملخصة في جداول وأشكال، وقد يتطلب منك أيضًا الاطلاع على ملفات إضافية على الإنترنت للعثور على بعض النتائج، بالإضافة إلى التركيزعلى:
- كلمتي “مؤثر إحصائيًا” و”غير مؤثر إحصائيا”، فلكل واحدة منهما معنى إحصائي دقيق.
- هل تتضمن الرسوم البيانية عمود الخطأ؟[2] لأنه في بعض الأبحاث يشير انعدام مؤشر مدى الموثوقية إلى الخطأ في القياسات.
- حجم العينة: هل أجريت الدراسة على ١٠ أشخاص أم على ١٠٠٠٠ شخص؟ فقد يكون ١٠ أشخاص عدد كافٍ لغرض البحث، ولكن يُفضل إجراء الدراسات على عدد أكبر.
- حدد ما إذا كانت النتائج تجيب على السؤال/الأسئلة موضع البحث
وذلك بطرحك لسؤال: ماذا يقصد الكاتب؟، ثم محاولة الإجابة عليه، واحرص ألّا تستمر في القراءة من دون التفكير بهذا السؤال، فلا بأس من تغيير رأيك بعد أن تأخذ تفسير الكاتب بعين الاعتبار، -وفي الحقيقة إن كنت مبتدئا في هذا النوع من التحليل فعلى الأرجح ستُغير رأيك-، حيث يُعد تكوين تفسيرات شخصية قبل قراءة أي تفسيرات أخرى عادة جيدة.
- اقرأ جزء الخاتمة أو المناقشة أو التفسير
ما رأي الكاتب بالنتائج؟ هل توافقه الرأي؟ هل يمكنك أن تجد طريقة أخرى لتفسير النتائج؟ هل قام الكاتب بتحديد أي نقاط ضعف في بحثه؟ هل وجدت نقاط ضعف أخرى غابت عن الكاتب؟ (لا تفترض بأن الكاتب معصوم عن الخطأ!) ما الخطوة التالية التي يقترح الكاتب القيام بها؟ وهل توافقه الرأي؟.
- ارجع إلى البداية واقرأ الملخص
ثم أجب عن السؤالين التاليين: هل يتطابق الملخص مع ما قاله الكاتب في البحث؟ وهل يتناسب مع تفسيرك للبحث؟.
- اطلع على ما ذكره الباحثون الآخرون عن هذا البحث
من هم الخبراء (المعترف بهم أو الذين رشحوا أنفسهم كخبراء) في هذا المجال بالذات؟، هل لديهم أي انتقادات على هذه الدراسة لم تفكر بها من قبل؟، هل يؤيدونها بشكل عام؟، عليك ألا تهمل هذه الأسئلة! وحان الوقت الذي أقترح فيه استخدام Google ولكن عليك استخدامه كحل أخير لتكون مستعدًا للتفكير بشكل نقدي فيما يقوله الآخرون.
اقرأ ايضًا: كيفَ تُضر المجلاتُ العلميَّة مثل (Nature) و (Cell) و (Science) بالعلم ؟
- أستاذة مساعدة في علم الإنسان الحيوي من جامعة كانساس في برنامج دكتوراه مشترك في علم الوراثة وعلم الإنسان
[1] فرضية العدم أو الفرض الصفري، هو الذي يتبنى عدم وجود علاقة أو فرق ذي دلالة إحصائية بين متغيرين أو أكثر من متغيرات الدراسة، مثال: (لا يوجد فارق مؤثر إحصائيًا بين طريقة العرض وطريقة الاستكشاف في تحصيل الطلاب). ويقابله الفرض البديل، وهو الفرض الذي يتبنى وجود علاقة أو فارق مؤثر إحصائيًا بين متغيرين أو أكثر من متغيرات الدراسة، مثال: (يوجد فرق مؤثر إحصائيًا بين طريقة العرض وطريقة الاستكشاف في تحصيل الطلاب). الإشراف.
[2] أعمدة الخطأ هي تمثيلات بيانية لتحديد مدى اختلاف البيانات، وتُستخدم للإشارة إلى الخطأ أو عدم اليقين في القياسات. تمنح هذه التمثيلات فكرة عامة حول دقة القياس أو مدى ابتعاد القيمة العملية عن القيمة الحقيقية (الخالية من الخطأ). الإشراف.
ربما المقصود بالمقالة هو قراءة مستخلص البحث العلمي وليس قراءة البحث العلمي.