العلم

كيف وُجدت موجات الجاذبية الأولى؟

  • نيكولا تويللي
  • ترجمة: خزنه الدوسري
  • تحرير: بلال الخصاونة

“بعد عقود من التكهنات والبحث المطول، جاءت إشارة تعدنا بتغيير فهمنا للكون”

منذ مائة عام، تنبأ ألبرت أينشتاين بوجود تموجات متحركة في المكان والزمان؛ منذ أكثر من مليار سنة، اصطدم زوج من الثقوب السوداء بملايين المجرات، فقد كانا يدوران حول بعضهما البعض لدهور عديدة في شكل هو أقرب لرقصة زوجين، يجتمعان مع كل مدار ويندفعان نحو بعضمها أقرب فأقرب، وبحلول الوقت الذي كانا فيه على بُعد مئات الأميال من بعضهما فقط؛ يدوران بسرعة تقارب سرعة الضوء مطلقين موجات كبيرة من طاقة الجاذبية، تسبب ذلك في تدمير المكان والزمان و بات كالماء عند الغليان، وفي جزءمن الثانية اندمجت الثقوب السوداء أخيراً، فكانت تُشع طاقة أكثر مائة مرة من جميع نجوم الكون مجتمعة، و قد شكلوا ثقباً أسودَ جديداً،أثقل باثنين وستين مرة من شمسنا وكان عرضه تقريباً مثل ولاية “مين”، مع صار النظام أكثر سلاسة وبافتراض أن النظام كرة متسطحة قليلًا، تسربت بعض من الطاقة منتشرة في الأرجاء، ثم عاد الزمان والمكان إلى هدوئهما مجدداً.[1]

انتشرت الموجات إلى الخارج وفي كل اتجاه، وكانت تضعف كلما تقدمت، وعلى الأرض نشأت الديناصورات تطورت وانقرضت، بينما الموجات استمرت، منذ حوالي خمسين ألف عام؛ وصلت الموجات مجرتنا درب التبانة تمامًا كما بدأ الإنسان العاقل باستبدال الإنسان البدائي باعتباره النوع المهيمن من القردة على كوكب الأرض.[2]

قبل مائة عام، تنبأ ألبرت أينشتاين و هو أحد أكثر العلماء تقدماً في هذا المجال؛ بوجود هذه الموجات مما أنتج عقودًا من التكهنات والبحث غير المثمر[3]. ولكن قبل سبعٍ وعشرين عامًا، بُني مرصد مقياس التداخل الليزري للأمواج الثقالية (the Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory) أو اختصاراً (LIGO) للكشف عن التموّجات في نسيج الفضاء نفسه التي تنبأ بها أينشتاين، ثم في الرابع عشر من سبتمبر في عام 2015م في تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا؛ بتوقيت أوروبا، وصلت الموجات إلى الأرض، وكان ماركو دراغو، وهو طالب مرحلة ما بعد الدكتوراه، إيطالي يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عامًا، كما انه عضو في فريق البحث العلمي في المرصد، وهو عبارة عن “تعاون بين معاهد الفيزياء الدولية ومجموعات البحث المكرسة للبحث عن موجات الجاذبية”، كان ماركو أول شخص لاحظها، فبينما كان جالسًا أمام جهاز الحاسب الخاص به في معهد ألبرت أينشتاين في هانوفر بألمانيا، يراقب بيانات الليغو عن بُعد؛ ظهرت الموجات على شاشته على شكل تمايل مضغوط بالتوافق مع اهتزازات متناغمة أقل من تريليون بوصة، كان يمكن سماع مايسميه علماء الفلك “زقزقة” (صوت خافت من منخفض إلى مرتفع)[4]، في ذلك الصباح، في مؤتمر صحفي في واشنطن العاصمة، أعلن فريق “ليغو” أن الإشارة تشكل الملاحظة المباشرة الأولى لموجات الجاذبية.

عندما رأى دراغو تلك الإشارة ذُهِل، حيث قال “من الصعب فهم ما يجب فعله”، وأبلغ زميل له تصرف بسرعة بديهة حين قام بالاتصال بغرفة عمليات “مرصد أمواج الجاذبية” (LIGO) في ليفينغستون بولاية لويزيانا. بدأ الخبر ينتشر بين آلاف العلماء المشاركين في المشروع، وفي كاليفورنيا حين أقَلَّ ديفيد ريتزي -المدير التنفيذي لمختبر مرصد (LIGO)- ابنته إلى المدرسة، ذهب إلى مكتبة في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، حيث استقبله وابل من الرسائل منها: “لا أتذكر بالضبط ماقلته”، “كان الأمر على هذا المنوال”، “يا إلهى ماهذا؟”.

فيكي كالوجيرا، أستاذة فيزياء وعلم الفلك في جامعة نورث وسترن، كانت في اجتماعات طوال اليوم، ولم تسمع الأخبار حتى وقت العَشاء، حيث قالت: “طلب مني زوجي إعداد الطاولة، ولكني كنت أتجاهله تمامًا، وأتصفح كل رسائل البريد الإلكتروني الغريبة وأفكر، ما الذي يحدث؟”.

راينر فايس، الخبير الفيزيائي البالغ من العمر ثلاثة وثمانين عامًا والذي اقترح لأول مرة في عام 1972 بناء مرصد الأمواج الجاذبية (LIGO)، كان في إجازة في ولاية ماين، حين قام بتسجيل الدخول ورأى الإشارة وصاحَ “يا إلهي!” بصوت عالٍ لدرجة أن زوجته وابنه جاؤُوا راكضين.

بدأ الفريق عملية شاقة للتحقق من بياناتهم مرتين وثلاثة وأربعة، قال ريتزي: “لقد قمنا بإجراء قياس يبلغ قطره حوالي جزء من ألف من قطر البروتون؛ يدلنا على ثقبين أسودين اندمجا منذ أكثر من مليار سنة”، هذا ادعاء غير عادي ويحتاج إلى أدلة قوية، في غضون ذلك، أقسم علماء المرصد (LIGO) على السرية المطلقة، ومع انتشار الشائعات حول الاكتشاف، من أواخر سبتمبر وحتى هذا الأسبوع؛ تصاعدت الإثارة الإعلامية، كان هناك تذمر بشأن جائزة نوبل لكن الفريق أعطوا أي شخص يسأل عنها جزءا من الحقيقة باختصار؛ وقالوا أنهم مازالوا يحللون البيانات وليس لديهم ما يعلنونه، وحتى كالوجيرا لم تخبر زوجها.

يتكون (LIGO) من مرصدين في منشأتين، يفصل بينهما ما يقرب من 1900 ميل[5]، حوالي ثلاث ساعات ونصف بالطائرة، ولكن نفس الرحلة تستغرق أقل من عشرة آلاف جزء من الثانية بالنسبة لموجة الجاذبية. الكاشف في ليفينغستون بولاية لويزيانا حيث يقع على مستنقعات شرق باتون روجو تحيط به غابة صنوبر تجارية، بينما المنشأة الثانية تقع في هانفورد بولاية واشنطن على الحافة الجنوبية الغربية من الموقع النووي الأكثر تلوثًا في الولايات المتحدة، وسط نباتات عشبية صحراوية وأعشاب نباتية ومفاعلات تم إيقاف تشغيلها، في كلا الموقعين يمتد زوج من الأنابيب الخرسانية يبلغ ارتفاعه حوالي 13 قدمًا بزوايا قائمة في المسافة بحيث تشبه المربعات من أعلى المرافق والأنابيب طويلة جدًا حيث تصل إلى ما يقرب من ميلين ونصف بحيث يجب رفعها عن الأرض بمقدار ياردة في كل طرف لإبقائها مستلقية مع انحناءات الأرض تحتها.

(LIGO) أو مرصد الموجات التثقالية؛ هو جزء من جهد كبير لاستكشاف أحد الآثار المراوغة للنظرية النسبية العامة لأينشتاين، حيث تنص النظرية على انحناء نسيج الزمكان في وجود الكتلة، وأن هذا الانحناء يُنتِج التأثير المعروف بإسم الجاذبية، فعندما يدور ثقبان أسودان حول بعضهما البعض يتمددان ويضغطان على الزمكان؛ مثل الأطفال الذين يركضون في دوائر على الوثّابة، مما يخلق اهتزازات تنتقل إلى الحافة ذاتها؛ هذه الاهتزازات هي موجات جاذبية، حيث تمر من خلالنا طوال الوقت من مصادر عبر الكون، ولكن لأن الجاذبية أضعف بكثير من قوى الطبيعة الأساسية الأخرى “الكهرومغناطيسية”، على سبيل المثال؛ التفاعلات التي تربط مكونات الذرة معًا لا نشعر بها أبدًا[6]، يعتقد أينشتاين أنه من غير المرجح أن تُكتشف، حيث أعلن مرتين أنها غير موجودة، ثم عكس تنبؤاته مرة أخرى، لاحظ أحد المعاصرين المتشككين أن الأمواج بدت وكأنها “تنتشر بسرعة الأفكار”.

مرت خمسة عقود تقريبًا قبل أن يبدأ شخص ما في بناء أداة للكشف عن موجات الجاذبية، كان أستاذ الهندسة جو ويبر من جامعة ميريلاند التي تقع في كوليج بارك هو أول شخص حاول ذلك، أطلق على جهازه اسم هوائي شريط الرنين، ظنَ ويبر أن أسطوانة الألمنيوم يمكن أن تعمل مثل الجرس مما يضخم الضربة الضعيفة لموجة الجاذبية، فعندما تصطدم الموجة بالأسطوانة فإنها تهتز بشكل طفيف جدا بينما المستشعرات الموجودة حول محيطها ستقوم بترجمة الرنين إلى إشارة كهربائية، وللتأكد من أنه لم يكتشف اهتزازات الشاحنات المارة أو الزلازل الصغيرة؛ طوّرَ ويبر العديد من الإجراءات الوقائية حيث علّق قضبان في الفراغ وقام بتشغيل اثنين منهم في وقت واحد في مواقع منفصلة فكان أحدهما في حرم جامعة ماريلاند وواحد في مختبر أرجون الوطني بالقرب من شيكاغو، فإذا رن كلا القضبان بنفس الطريقة خلال جزء من الثانية مع بعضهما البعض فقد يكون السبب هو موجة الجاذبية.[7]

و في شهر يونيو من عام 1969م أعلن ويبر أن القضبان سجلت شيئًا ما، وشعر الفيزيائيون ووسائل الإعلام بسعادة غامرة، كما ذكرتصحيفة “تايمز” أنه “تم فتح فصل جديد في تصور الإنسان للكون”، وبعد فترة وجيزة بدأ ويبر في الإبلاغ عن الإشارات بشكل يومي، لكن الشك انتشر؛ حيث قامت مختبرات أخرى ببناء قضبان فشلت في مطابقة نتائجه، وبحلول عام 1974م استنتج الكثيرون أن ويبر كان مخطئًا، (استمر في ادعاء اكتشافات جديدة حتى وفاته عام 2000م).

شكَّل إرث ويبر المجال الذي أنشأه فقد أوجد تصورًا مغلوطًا أن صيادي موجات الجاذبية كما قال وايس؛ “كلهم كاذبون وليسوا حذرين، والله أعلم ما الذي يقيسونه بالضبط”، تم تعزيز هذا التصور في عام 2014م عندما اكتشف العلماء في التلسكوب ذي الرأسين بالقرب من القطب الجنوبي ما بدا أنه إشعاع ثقالي خلفه الانفجار العظيم حيث كانت الإشارة حقيقية، لكن اتضح أنها نتاج الغبار الكوني، ترك ويبر أيضًا وراءه مجموعة من الباحثين كان الدافع وراءهم عدم قدرتهم على إعادة إنتاج نتائجه، فبدأ فايس المحبط من صعوبة تدريس عمل ويبر لطلابه الجامعيين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ بتصميم ما سيصبح (LIGO) أو مرصد الموجات الثقالية، وقال في التسجيل الشفوي الذي أجراه معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في عام 2000م: “لم أستطع فهم ما كان ويبر ينوي القيام به، لم أكن أعتقد أنه كان صحيحًا، لذلك قررت أن أفعله بنفسي”.

في البحث عن موجات الجاذبية قال لي رئيس موقع (Ligo’s Hanford) فريد راب: “تحدث معظم الأحداث عبر الهاتف”، هناك اجتماعات أسبوعية لمناقشة البيانات واجتماعات نصف شهرية لمناقشة التنسيق بين الكاشفين مع متعاونين في أستراليا والهند وألمانيا والمملكة المتحدة وأماكن أخرى، قال راب: “عندما يستيقظ هؤلاء الأشخاص في منتصف الليل وهم يحلمون، فإنهم يحلمون بالكاشف”، وأوضح: “هذا هومدى حميمية التعامل معها”، حتى يتمكنوا من صنع الأداة المعقدة بشكل خيالي التي تصورها وايس في الواقع.

كانت طريقة اكتشاف وايس مختلفة تمامًا عن طريقة ويبر، فقد كانت رؤيته الأولى هي جعل المرصد على شكل حرف (L)، حيث تخيل شخصين مستلقيين على الأرض ورؤوسهما تتلامس وتشكل أجسادهما الزاوية الصحيحة، فعندما تمر الموجة الثقالية من خلالها يزداد طول أحدهما بينما يتقلص الآخر وبعد لحظة سيحدث العكس، وعندما توسع الموجة المكان والزمان في اتجاه واحد؛ فإنها بالضرورة تضغطه في الاتجاه الآخر وستقيس أداة وايس الفرق بين هذين الطولين المتقلبين وستقوم بذلك على نطاق هائل باستخدام أميال من الأنابيب الفولاذية،وقال وايس: “لم أكن سأكتشف أي شيء على سطح طاولتي”.

لتحقيق الدقة اللازمة للقياس؛ اقترح وايس استخدام الضوء كمسطرة، فكان يتخيل وضع الليزر في الإنحناء في حرف (L) سيرسل شعاعًا بطول كل أنبوب بحيث تنعكس المرآة في الطرف الآخر، فسرعة الضوء في الفراغ ثابتة طالما أن الأنابيب خالية من الهواء والجسيمات الأخرى، فإن الاشعاعات سوف تتحد عند الانحناء بشكل متزامن ما لم تمر موجة الجاذبية، في هذه الحالة ستتغير المسافة بين المرآة والليزر قليلاً،ونظرًا لأن شعاعًا واحدًا سيغطي الآن مسافة أقصر من الشعاع الآخر المماثل له تماماً؛ فلن يكونا في نفس الطور في الوقت الذي ييجتمعان فيه، فكلما زاد عدم التطابق زادت قوة الموجة، فيجب أن تكون مثل هذه الأداة أكثر حساسية بآلاف المرات من أي جهاز سابق وستتطلب ضبطًا دقيقًا لاستخراج إشارة الضعف المتلاشي من ضجيج الكوكب المنتشر في كل مكان.[8]

كتب وايس تصميمه في ربيع عام 1972م كجزء من تقرير التقدم ربع السنوي لمختبره، ولم تظهر المقالة مطلقًا في أي مجلة علمية فقد كانت فكرة وليست تجربة، ولكن وفقًا لكيب ثورن وهو أستاذ في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والذي ربما يكون معروفًا بعمله في فيلم (Interstellar)، “إنها واحدة من أعظم الأوراق المكتوبة على الإطلاق “، لا يتذكر ثورن قراءة تقرير وايس إلا في وقت لاحق حيث قال: “لوكنت قد قرأتها، لم أفهمها بالتأكيد”، ففي الواقع احتوى كتاب ثورن التاريخي عن نظرية الجاذبية الذي شارك في تأليفه تشارلز ميسنروجون ويلر ونُشر لأول مرة في عام 1973م على تمرين طلابي مصمم لإثبات عدم جدوى قياس موجات الجاذبية بالليزر، قال لي “استدرت على ذلك بسرعة كبيرة”.

حدث تحول ثورن في أحد الغرف في فندق في واشنطن العاصمة عام 1975م، وكان وايس قد دعاه للتحدث إلى لجنة من علماء ناسا، وفي الليلة التي سبقت الاجتماع تحدث الرجلان حيث قال وايس: “لا أتذكر كيف حدث ذلك، لكننا تقاسمنا غرفة الفندق في تلك الليلة”، جلسواعلى طاولة صغيرة وملأوا ورقة بعد الأخرى بالرسومات والمعادلات، قال وايس: “لا يوجد الكثير من الأشخاص في العالم الذين يمكنك التحدث إليهم بهذه الطريقة حيث كان كل منكما يفكر في نفس الشيء لسنوات”، وبحلول الوقت الذي عاد فيه ثورن إلى غرفته كان الفجر قد اقترب.

في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بدأ وايس في تجميع كاشف نموذج أولي صغير بأذرع طولها خمسة أقدام، لكنه واجه مشكلة في الحصول على الدعم من مسؤولي الإدارات، وكان العديد من زملائه متشككين أيضًا، فكان أحدهم وهو عالم فيزياء فلكية وخبير في النسبية مؤثر يُدعى فيليب موريسون؛ يؤيد بشدة الرأي القائل بأن الثقوب السوداء لم تكن موجودة وهي وجهة نظر شاركها العديد من معاصريه نظرًا لندرة بيانات الرصد ونظرًا لأن الثقوب السوداء كانت من الظواهر الكونية الوحيدة التي يمكن نظريًا أن تصدر موجات جاذبية ذات حجم كبير، حيث اعتقد موريسون أن أداة وايس لن تجد شيئًا، حقق ثورن المزيد من النجاح بحلول عام 1981م وكان هناك نموذج أولي قيد التنفيذ في (Caltech) بطول مائة وواحد وثلاثين قدمًا، حيث أشرف عالم فيزياء اسكتلندي يُدعى رونالد دريفير على بنائه مما أدى إلى تحسين تصميم وايس في هذه العملية.

في عام 1990م بعد سنوات من الدراسات والتقارير والعروض التقديمية واجتماعات اللجان؛ أقنع وايس و ثورن و ودريفر المؤسسة الوطنية للعلوم بتمويل بناء (LIGO) أو مرصد الموجات الجاذبية الذي سيكلف المشروع مائتين واثنين وسبعين مليون دولار، أي أكثر من أي تجربة مدعومة من قبل (NSF) وهي مؤسسة أمريكية لاختبار المنتجات والتفتيش ومنح الشهادات أو منذ ذلك الحين، قال وايس: “البدأ في ذلك هو معركة ضخمة”، فكان علماء الفلك في موقف مميت ضده لأنهم اعتقدوا أنه سيكون أكبر إهدار للمال يحدث على الإطلاق، كان العديد من العلماء قلقين من أن المرصد قد يستنزف الأموال من الأبحاث الأخرى.

ريتش آيزاكسون وهو مسؤول البرامج في (NSF) في ذلك الوقت؛ كان له دور فعال في إخراج المرصد إلى النور، قال وايس: “ظل هو والمؤسسة الوطنية للعلوم عالقين معنا وخاطروا هذه المخاطرة الهائلة”.

قال لي إيزاكسون: “لم يكن يجب بناؤها أبدًا”، “لقد كان اثنان من المجانين يتسكعان مع عدم اكتشاف أي إشارة على الإطلاق ويتحدثون عن دفع تكنولوجيا الفراغ وتكنولوجيا الليزر وتكنولوجيا المواد والعزل الزلزالي وأنظمة التغذية المرتدة بأحجام تتجاوز مستوى التقدم الجاري باستخدام مواد لم يتم اختراعها حتى الآن”، ولكن آيزاكسون كان قد كتب في رسالته الدكتوراه أطروحة حول الإشعاع الجاذبي وكان من أشد المؤمنين بالأسس النظرية للمرصد حيث قال: “كنت ذراعا لمجتمع الموجات الجابية داخل قوات الأمن الوطنية”.

في اقتراحهم، حذر فريق المرصد من أن تصميمهم الأولي من غير المرجح أن يكتشف أي شيء، ومع ذلك فقد جادلوا بضرورة بناء مرصد غير كامل من أجل فهم كيفية صنع مرصد أفضل، قال إيزاكسون: “كانت هناك كل الأسباب لتخيل أن هذا سيفشل”، أقنع (NSF) أنه حتى إذا لم يتم تسجيل أي إشارة خلال المرحلة الأولى فمن المحتمل أن يكون التقدم في قياس الدقة الذي نتج عنها يستحق الاستثمار، وبدأ المشروع في أوائل عام 1994م.

لقد استغرق الأمر سنوات لجعل الأداة الأكثر حساسية في التاريخ غير حساسة لكل ما هو ليس موجة جاذبية، تَطلّب تفريغ الأنابيب من الهواء أربعين يومًا من النضح، وكانت النتيجة واحدة من أنقى الأنابيب التي أُنشأت على الأرض على الإطلاق، حيث تبلغ كثافة الأنابيب أكثر من تريليون كثافة الغلاف الجوي عند مستوى سطح البحر، ومع ذلك فإن مصادر التشتيت كانت لا تكاد تُحصى، فكان هناك حركة الرياح في هانفورد أو المحيط في ليفينغستون وحيود ضوء الليزر نتيجة التقلبات في شبكة الطاقة وارتعاش الذرات كل على حدة في المرايا وعواصف رعدية بعيدة، فيمكن للجميع أن يحجبوا موجة الجاذبية ويجب التخلص من كل مصدر أو التحكم فيه، فأحد أنظمة المرصد تستجيب للهزات الزلزالية الصغيرة عن طريق تنشيط نظام التخميد الذي يدفع المرايا بالقوة المضادة الصحيحة لإبقائها ثابتة ويراقب مرصد آخر الأصوات القادمة من السيارات أو الطائرات أو الذئاب المارة.

قال وايس: “هناك عشرات الآلاف من الأشياء الصغيرة الأخرى وأعني حقًا عشرات الآلاف، ويحتاج كل فرد إلى العمل بشكل صحيح حتى لايتداخل شيء مع الإشارة.” عندما يقوم زملاؤه بإجراء تعديلات على المكونات الداخلية للمرصد فيجب عليهم إنشاء غرفة نظيفة محمولة وتعقيم أدواتهم وارتداء ما يسمونه بدلات الأرنب وهي معدات واقية لكامل الجسم لكي لا تستقر خلية من الجلد أو جسيم من الغبار عن طريق الخطأ الأجهزة البصرية البراقة.

تم تشغيل أول تكرار خوارزمي للمرصد أو المرصد الأولي كما يسميه الفريق في عام 2001م، وخلال السنوات التسع التالية قام العلماء بقياس وتحسين أداء أجهزتهم وتحسين خوارزميات لتحليل البيانات الخاصة بهم، وفي غضون ذلك استخدموا النموذج الأولي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومنشأة في ألمانيا لتطوير تقنية أكثر حساسية من أي وقت مضى للمرايا والليزر والعزل الزلزالي، وفي عام 2010م تم فصل أجهزة الكشف عن العمل لمدة خمس سنوات بترقية مائتي مليون دولار، فقد أصبحت الآن محمية جيدًا لدرجة أنه عندما يقوم مدير المرافق في موقع هانفورد بتدوير سيارته هارلي بجوار غرفة التحكم لا يرى العالم الذي يراقب قناة موجة الجاذبية شيئًا، (تم إحياء ذكرى اختبارهذا السيناريو في السجل باسم “Bubba Roars Off on a Motor Cycle”)، و يجب أن يكون التكرار الثاني للمرصد قادرًا في النهاية على مسح مساحة أكبر بألف مرة من الذي قبله.

تم تنفيذ بعض الأعمال الشاقة على المرايا والتي حسب قول ريتزي أنها الأفضل في العالم، ويبلغ عرض كل منها أكثر من قدم بقليل وتزن مايقرب من 90 رطلاً[9] وهي مصقولة في نطاق مائة مليون من البوصة[10] من كرة مثالية وتكلف كل منها نصف مليون دولار تقريبًا، في البداية، تم تعليق المرايا في حلقات من الأسلاك الفولاذية من أجل الترقية وتم إرفاقهن بدلاً من ذلك بنظام البندولات والذي عَزَلهنّ بشكل أكبر عن الهزات الزلزالية، حيث أنها تتدلى من ألياف السيليكا المنصهرة وهو الزجاج بشكل أساسي، وعلى الرغم من قوتها بما يكفي لتحمل وزن المرايا؛ إلا أنها تتحطم عند أدنى حركة، أخبرتني أناماريا إيفلر وهي أخصائية العمليات السابقة في موقع هانفورد حيث قالت: “لقد حدثت حادثة واحدة حيث سقط برغي ورن أحدها واختفى الرنين من فوره”، تكمن ميزة الألياف في نقائها، وقال جيم هوغ من جامعة جلاسكو: “أتعلم كيف عندما تنقر كأساً كريستاليةً سترن بشكل جميل؟، فإن السيليكا المنصهرة أفضل من تلك الكأس؛ إنها مثل نتف الخيط من على آلة الكمان”، إن الملاحظة دقيقة جدًا لدرجة أنه من الممكن لبرنامج معالجة الإشارات الخاص بالمرصد استبعادها وتم التخلص من مصدر آخرللتداخل.

استغرق إعداد المرصد المتقدم وقتًا أطول من المتوقع، ولذلك تم تأجيل تاريخ بدء الأداة الجديدة والمحسّنة بضعة أيام إلى الثامن عشر من سبتمبر من عام 2015م، و تم استدعاء وايس من بوسطن قبل أسبوع لمحاولة تعقب مصدر بعض تداخلات الترددات الراديوية حيث قال: “وصلت إلى هناك وقد شعرت بالرعب”، “كان في كل مكان”، وأوصى ببرنامج إصلاحات لمدة أسبوع لمعالجة المشكلة، ولكن مديري المشروع رفضوا تأخير بدء تشغيل المراقبة الأولى لفترة أطول، فقال وايس: “الحمد لله أنهم لم يسمحوا لي بالقيام بذلك”، “كنت صأصبح غير متصل بالإنترنت عندما تأتي الإشارة”.

في يوم الأحد في الثالث عشر من سبتمبر أمضى إيفلر اليوم في موقع ليفينجستون مع زميل له، حيث أنهى مجموعة من الاختبارات في اللحظة الأخيرة، قالت زميلته: “صرخنا وقمنا بهز الأشياء ونقرنا عليها،وأدخلنا الإشعاع المغناطيسي وقمنا بكل شيء”، “وبالطبع كان كل شيء يستغرق وقتًا أطول مما كان يُفترض”، وفي الرابعة صباحًا مع وجود اختبار واحد لا يزال متبقيًا وهو محاكاة لسائق شاحنة يضرب الفرامل في مكان قريب؛ قرروا حزمها، فقادوا السيارة إلى المنزل تاركين الجهاز لجمع البيانات، فوصلت الإشارة بعد فترة وجيزة في الساعة 4:50 صباحًا بالتوقيت المحلي، حين مرت عبر الكاشفين في غضون سبعة مللي ثانية من بعضهما البعض، فكان ذلك قبل أربعة أيام من بدء الجولة الرسمية الأولى للمرصد المتقدم.

أدت حقيقة اكتشاف موجات الجاذبية في وقت مبكر إلى حدوث ارتباك وعدم تصديق لدى الجميع، حيث قال ريتزي: “لقد أخبرت الجميع أننا لن نرى أي شيء حتى عام 2017 أو 2018م”، و تفاجأت جانا ليفين وهي أستاذة فيزياء فلكية في كلية بارنارد بجامعة كولومبيا وهي ليست عضوًا في التعاون العلمي لمرصد الموجات الجاذبية حيث قالت: “عندما بدأت الشائعات لم أُصدِق!”، “لقد قاموا فقط بإغلاقه!”، وعلاوة على ذلك؛ كانت الإشارة مثالية للغاية تقريبًا، وقال وايس: “ظنَ معظمنا أنه عندما رأينا شيئًا كهذا فإنه سيكون شيئًا يحتاج إلى العديد والعديد من أجهزة الكمبيوتر والحسابات للتخلص من الضوضاء”.، افترض العديد من زملائه أن الإشارة كانت نوعًا من الاختبار.

يضم فريق المرصد مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين تتمثل مهمتهم في إنشاء حقن عمياء؛ أي صنع دليل زائف على موجة الجاذبية كوسيلة لإبقاء العلماء منجذبين في الأمر، وقالت غابرييلا غونزاليس وهي المتحدثة باسم التعاون العلمي وعلى الرغم من أن الجميع يعرف منهم الأشخاص الأربعة في تلك المجموعة “لم نكن نعرف ماذا ومتى وما إذا كان”، وخلال الجولة النهائية الأولى للمرصد في عام 2010م التقطت أجهزة الكشف ما بدا أنه إشارة قوية، وقام العلماء بتحليلها بشكل مكثف لمدة ستة أشهر، و استنتجوا أنها كانت موجة جاذبية من مكان في “الكلب الأكبر” وهي مجموعة نجوم لافتة وساطعة تقع إلى الجنوب من خط الاستواء السماوي في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، وقبل أن يقدموا نتائجهم للنشر مباشرة علموا أن الإشارة كانت مزيفة.

هذه المرة أقسمت المجموعة التي قامت بوضع إشارة مزيفة أنه لا علاقة لهم بهذه الإشارة، فاعتقد ماركو دراغو أن إنكارهم قد يكون أيضًا جزءًا من الاختبار، ولكن ريتزي وهو نفسه عضو في الرباعية؛ كان لديه قلق مختلف، حيث قال: “كان قلقي – ويمكنك تقديم هذا في ظل حقيقة أننا فقط حذرون بجنون العظمة بشأن تقديم ادعاء كاذب – هل يمكن لشخص ما أن يفعل ذلك بشكل ضار؟”،”وهل من الممكن أن يقوم شخص ما بطريقة ما بتزييف إشارة لم نكن نعرف عنها في كاشفنا؟”، اعتبر كلاً من ريتز ووايس وغونزاليس وآخرون، إن كان أي شخص، على دراية كافية بكل من الجهاز والخوارزميات ليخدع النظام ويغطي مساراته، ولم يكن هناك سوى أربعة مرشحين ولم يكن لأيٍّ منهم دافع منطقي، فقال وايس: “لقد استجوبنا هؤلاء الرجال”، “ولا، لم يفعلوا ذلك” وفي النهاية قال: “لقد قبلنا أن التفسير الأكثر منطقية هو أنه حقًا زوج من الثقوب السوداء”.

حددت المجموعات الفرعية داخل التعاون العلمي للمرصد حول التحقق من صحة كل جانب من جوانب الاكتشاف، واستعرضوا كيف تمت معايرة الأدوات وفصلوا رموز برمجياتهم سطراً بسطر وقاموا بتجميع قائمة بالاضطرابات البيئية المحتملة، من التذبذبات في الأيونوسفير إلى الزلازل في المحيط الهادئ، (قال لي ستان ويتكومب وكبير علماء المرصد: “كانت هناك صاعقة برق كبيرة جدًا في إفريقيا في نفس الوقت تقريبًا، ولكن المقاييس المغناطيسية الخاصة بنا أظهرت أنها لم تخلق اضطرابًا كافيًا للتسبب في هذا الحدث”)، وفي النهاية أكدوا أن الاكتشاف قد استوفى الحد الإحصائي لخمسة سيجما المعيار الذهبي لإعلان اكتشاف في الفيزياء[11] وهذا يعني أنه كان هناك احتمال واحدفقط من بين 3.5 مليون أن الإشارة تم رصدها بالصدفة.

أوضحَ الكشف في الرابع عشر من سبتمبر والمعروف الآن باسم (GW150914)؛ عن عدد قليل من الاكتشافات الفيزيائية الفلكية المهمة، في البداية، يوضح أول دليل رصدي على وجود أزواج من الثقوب السوداء وحتى الآن كانت موجودة من الناحية النظرية فقط؛ لأنها بحكم التعريف تبتلع كل الضوء بجوارها مما يجعلها غير مرئية للتلسكوبات التقليدية، أما موجات الجاذبية فهي الوحيدة المعروفة بقدرتها على الهرب من الجاذبية الساحقة للثقب الأسود.[12]

لقد استخرج علماء المرصد كمية مذهلة من الإشارة بما في ذلك كتل الثقوب السوداء التي أنتجتها وسرعتها المدارية واللحظة الدقيقة التي تلامست فيها أسطحها، والمفاجأة أنها أثقل بكثير مما كان متوقعًا، فإذا تأكدت من خلال الملاحظات المستقبلية فقد تساعد في تفسير كيفية تشكل الثقوب السوداء الهائلة الغامضة في قلب العديد من المجرات، وكان الفريق أيضًا قادرًا على تحديد ما يُعرف بالرنين الدائري – الدفقات الثلاث للطاقة التي أطلقها الثقب الأسود الجديد الأكبر حجمًا عندما أصبح كرويًا، حيث قال ليفين: “رؤية حلقة الرنين أمر مذهل”، فهو يقدم تأكيدًا لواحد من أهم تنبؤات نظرية النسبية حول الثقوب السوداء؛ أيّ أنها تشع إضطرابات زمكانية بعيدا في الفضاء بشكل موجات جاذبية بعد أن تندمج.

يثبت الاكتشاف أيضًا أن أينشتاين كان محقًا بشأن جانب آخر من جوانب الكون المادي، فعلى الرغم من أن نظريته تتعامل مع الجاذبية؛ فقد تم اختبارها بشكل أساسي في نظامنا الشمسي وهو مكان به نظام جاذبية ضعيف بشكل ملحوظ، قال وايس: “تعتقد أن جاذبية الأرض شيء كبير عندما تصعد الدرج، ولكن فيما يتعلق بالفيزياء فهي مجرد تأثير سريع ومتناهٍ في الصغر وضئيل للغاية”، ولكن بالقرب من الثقب الأسود تصبح الجاذبية أقوى قوة في الكون حيث تكون قادرة على تمزيق الذرات، وتنبأ أينشتاين بهذا الأمر في عام 1916م، وتشيرنتائج مرصد الموجات الجاذبية إلى أن معادلاته تتماشى تمامًا مع ملاحظة العالم الحقيقي، تساءل وايس: “كيف يمكن أن يعرف هذا من قبل؟” وأضاف “أود أن أقدم له البيانات التي رأيتها ذلك الصباح، لأرى أثرها على وجهه”.

استمر مرصد الموجات الجاذبية بمراقبة الإشارات المرشحة منذ اكتشاف الرابع عشر من سبتمبر؛ على الرغم من أنه لكم يكن أيًا منها دراماتيكيًا مثل الحدث الأول، قال وايس: “إننا سعداء جداً بوجود أنواع اخرى أصغر لأنها تبين أن هذا ليس تأثيراً قوياً”.

عمليا؛ كل ما هو معروف عن الكون قد أتى للعلماء عن طريق الطيف الكهرومغناطيسي، فقبل أربعمائة عام بدأ جاليليو استكشاف عالم الضوء المرئي باستخدام تلسكوبه، ومنذ ذلك الحين دفع علماء الفلك أدواتهم إلى أبعد من ذلك، وقد تعلموا أن يروا بواسطة الموجات الراديوية والميكروويف و الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة جاما ليكشفوا عن ولادة النجوم في سديم كارينا و ثوران الينابيع الحارة على القمر الثامن لزحل وتحديد مركز مجرة درب التبانة ومواقع الكواكب الشبيهة بالأرض من حولنا، ولكن أكثر من خمسة وتسعين في المائة من الكون لا يزال غير مكتشف بالنسبة لعلم الفلك التقليدي([13])، وقد لا تضيء موجات الجاذبية ما يسمى بالطاقة المظلمة التي يُعتقد أنها تشكل غالبية هذا الغموض ولكنها ستمكننا من مسح المكان والزمان كما لم يحدث من قبل، قال ريتزي: “هذا نوع جديد تمامًا من التلسكوبات” وأضاف “وهذا يعني أن لدينا نوعًا جديدًا تمامًا من علم الفلك لاستكشافه”، وعلّق ليفين: “إذا كان ما شاهدناه من قبل فيلمًا صامتًا؛ فإن موجات الجاذبية تحول كوننا إلى جهاز ناطق”.

وكما يحدث؛ فإن الترددات الخاصة للموجات التي يمكن أن يكتشفها مرصد الموجات الجاذبية تقع في نطاق سمع الإنسان مابين حوالي خمسة وثلاثين ومائتين وخمسين هرتز، و كان الصوت هادئًا للغاية بحيث لا يمكن سماعه بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى الأرض، وكان المرصد قادرًا على التقاط عشرين جزء من الثانية فقط من اندماج الثقوب السوداء التي استمرت عدة مليارات من السنين، ولكن مع بعض المعالجة الصوتية البسيطة يبدو الحدث وكأنه انزلاق، قال وايس: “استخدم الجزء الخلفي من أصابعك، وأظافرك، وقم بتمريرها على طول البيانو من أدنى مستوى (A) حتى منتصف (C)، وستحصل على الإشارة الكاملة”.

تبعث المصادر السماوية المختلفة أنواعها الخاصة من موجات الجاذبية مما يعني أن المرصد وما بعده قد ينتهي بهم الأمر إلى سماع شيء مثل الأوركسترا الكونية، قال ريتزي: “النجوم النيوترونية الثنائية تشبه البيكولوس” وأضاف أن النجوم النابضة المعزولة قد تصنع شيئاً أحادي اللون مثل المثلث وسوف تملأ الثقوب السوداء قسم الوتر وتعمل من جهير مزدوج إلى أعلى اعتمادًا على كتلتها، وأضاف أن المرصد لن يكون قادرًا إلا على اكتشاف صوت كالكمان، فموجات من الثقوب السوداء فائقة الكتلة مثل تلك الموجودة في مركز درب التبانة؛ يجب أن تنتظر أجهزة الكشف المستقبلية بحساسيات مختلفة.

العديد من هذه الكواشف هي في مراحل التخطيط أو قيد الإنشاء، بما في ذلك (Einstein Telescope) وهو مشروع أوروبي سيكون طول أذرعه تحت الأرض أكثر من ضعف طول مرصد الموجات الثقالية وكوكبة فضائية من ثلاث أدوات تسمى إليسا (أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية بدعم من وكالة ناسا مهمة باثفايندر في ديسمبر) وكواشف أخرى قيد التشغيل بالفعل بما في ذلك التلسكوب ثنائي الرأس والذي على الرغم من الإنذار الخاطئ الأولي؛ قد لا يزال يكتشف أصداء موجات الجاذبية مرة أخرى في تاريخ الكون، ويأمل ريتزي أن تحفز النغمة مزيدًا من الاستثمار في هذا المجال.

انتهت الجولة الأولى للمراقبة مرصد الموجات الثقالية المتقدم في الثاني عشر من يناير، وبدأ إيفلر وبقية فريق التكليف منذ ذلك الحين جولة أخرى من التحسينات، فإن المرصد يتقدم ببطء نحو حساسيته القصوى في غضون سنتين أو ثلاث سنوات، وقد تسجل الأحداث علىأ ساس يومي وتلتقط المزيد من البيانات في هذه العملية، وسيعود عبر الإنترنت مرة أخرى بحلول أواخر الصيف ويستمع عن كثب إلى الموسيقى التصويرية السماوية التي بالكاد نتخيلها، قال ثورن: “نحن نفتح نافذة على الكون تختلف اختلافًا جذريًا عن جميع النوافذ السابقة لدرجة أننا نجهل ما سيحدث” وأضاف: “لا بد أن تكون هناك مفاجآت كبيرة”.


[1] هذا رابط فيه محاكاة النظرية: Warped Space and Time Around Colliding Black Holes – YouTube  (المحرر)

[2] هذه وجهة نظر الكاتبة المبنية على نظرية التطور الدارويني، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع.

[3] هي نتيجةٌ نظريةٌ للنسبية العامة، حيث يكون تأثير الكتلة على نسيج الزمكان كتقعر فيه، مع حركة الجسم يولد ذلك موجات مستعرضة تنتشر من المصدر عبر الزمكان، نظرا لضعف هذه الأمواج جداً، نحتاج لرصدها أجسامًا ثقيلة متحركة بسرعات كبيرة. (المحرر)

[4] هو تردد لحظي معتمد على الزمن، أي: نبضة موجية لحظية ترددها يتصاعد لقمة ثم ينخفض فتتشكل تلك الزقزقة أو (الصيحة)، والتسمية نتيجة محاكاة ذلك صوتياً (هو ليس صوتاً لكن نظيره في الصوت يُسمع كذلك) كما هو موضح في الصورة

وتجد هنا المحاكاة الصوتية: https://youtu.be/QyDcTbR-kEA?t=11 (المحرر)

[5] قرابة 3000 كم.

[6] لا نشعر بها بالتعريف المألوف اليومي للقوة مثل الدفع والسحب، لكن مثلًا الألوان التي نراها أكثرها مصدرها ذرّي (انتقالات داخلية لإلكترونات الذرة) وبهذا نعلم أنّ طرق الشعور بالقوة متعددة، فحساسية العين (الكهرومغناطيسية) تختلف عن الأذن (الميكانيكية)….الخ. (المحرر)

[7] علينا أن نتذكر أن ما يبحث عنه هي موجات (زمكانية) أي أن الزمان والمكان نفسه هو الذي يتموج وليس مجرد وسطٍ حاوٍ لموجةٍ ما. (المحرر)

[8] الغاية من هذا التصميم إحداث تداخل بين شعاعي ليزر متماثلين صار بينهما فرق في الطور نتيجة حركة المرآة العاكسة فيكون نمط التداخل دالا على موجات الجاذبية وطريقة لقياس بعض خصائصها، الفكرة مستلهمة من مقاييس التداخل مثل فابري بيرو أو مايكلسون. (المحرر)

[9] قرابة 40 كغ.

[10] أي ربع نانوميتر

[11] سيجما (σ) رمز للانحراف المعياري للبيانات، إن كان توزيعها طبيعيًا فإنّ ثلث البيانات سيتوزع حول الوسط الحسابي (المنطبق على المنوال) على بعد انحراف معياري واحد، في حالة خمس انحرافات معيارية (5σ) فإن هذه الفترة ستشمل 99.98% من البيانات، وهذه دقة عالية جدًا. (المحرر)

[12] لأن الثقب الأسود ثقب في الزمكان وهو يجذب المادة والطاقة، أما الزمكان فمحيط به وهو ثقب فيه والاضراب (التموج) الناتج عن حركته ينتشر فيه، فالزمكان سبب الجذب لا يُجذب! (المحرر)

[13] وتلك هي المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي لا تتفاعل مع الفوتون. (المحرر)

المصدر
newyorker

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى