- ديف إليس
- ترجمة: غدي بنت موسى الغامدي
- تحرير: إسراء عمر بدوي
غالبًا ما يُطرح سؤال : “كيف ينبغي أن نعيش؟” في الأزمات وأوضاع الحياة غير المألوفة.
بيد أنّ هذا السؤال لا يحتمل جوابًا بسيطًا وواضحًا -هذا إذا تمكنا من إيجاد الجواب “الصحيح” له في هذا العالم- .
هذا السؤال كالألم الذي يستدعي استجابة تُسَكّنُه بقدر ما تشفيه. ولا تتضح قدرة الفلسفة الأكاديمية على مناقشة مثل هذا السؤال. فكما قال الفيلسوف الأسترالي ريمون جايتا؛ “إن هذا السؤال ينبع من أعماق إنسانيتنا، لذلك جميعنا يسعى للوصول إلى إجابته”.
يغض المجال الأكاديمي طرفه عن الغاية هنا، فيتجاهل العمق ويظن أنّ المشاكل المتعلقة بمعاني الحياة ماهي إلا ألغازٌ منطقيةٌ؛ إمّا أن تُحل بطريقةٍ واحدةٍ في كل زمانٍ، وإما أن تُرفَض باعتبارها مشاكل غير حقيقيةٍ. ومن المنصف أنه في أوقاتٍ مختلفةٍ دعا فلاسفةٌ مثل جيلبرت رايل -ومؤخراً ميكيل بورلي- إلى مراجعة طريقة الأكاديميين في التعامل مع هذا النوع من الأسئلة، وذلك لتكثيف وتوسيع إدراك هذه المفاهيم. إلاّ أن هذا النهج فشل في أن يضع يده على العمق الإنساني الكامن في هذا السؤال، على الرغم من تحسن وعينا تجاه تعقيده وتنوع إجاباته.
حضور الإنسانية والعمق في مثل هذه الأسئلة لا يكون محصورًا في السياق الذي تُطرح فيه؛ بل يمتد إلى أصل هذه الأسئلة، ألا وهو السائل. إنها أسئلةٌ حقيقية، لا يصح أن تُرفض بناءً على صرامةٍ منطقيةٍ ولا أن تُعامل فقط كموضوع شيّق يصلح لندوة.
بالتأكيد ستتعجب إذا سمعت حاسوبًا يسأل: كيف ينبغي أن نعيش؟ بعد أن هزمتَه في الشطرنج، لكنك ربما تجهش بالبكاء لو سمعت زوجةً تسأل زوجها بعد وفاة ابنهما: كيف سنعيش؟
الكلمات ذاتها، والسؤال نفسه، إلا أنّ سؤال الأم يحمل عمقًا نوعيًا وإنسانيةً ليست موجودةً في سؤال الحاسوب، إنه مجرد “شيء” لا يمكن أن يَسأل بطريقة هادفة!
وعلى النقيض؛ فإنه من المهين أن نسمي إنساناً بـ” شيء” والاعتراف بذلك يقودنا حتمًا إلى الإجابة عن السؤال الذي طُرح بعاطفة الأمومة.
الإنسان وحده هو من يسأل هذه الأسئلة في تلك اللحظات؛ إنّ كلمات الأم تحوي عمقاً يكشف خفايا ذاتها، وسؤال الحاسوب ما هو إلا كلماتٌ ببغاويةٌ سطحيةٌ يرددها بمعزلٍ عن معناها في سياقها البشري المعقد. وهذا لا يعني أنّ أجهزة الحاسوب لن تكون ذات وعيٍ وذكاءٍ يومًا ما أو أنّ لغة البشر مقصورةٌ عليهم؛ بيد أنّ هذا أقرب إلى ملاحظة فيتجنشتاين حين قال: “حتى لو تحدث الأسد، فلن نفهمه”. مما يعني أن شكل اللغة يعكس السياق الاجتماعي المعقد لحياة المتحدث، وبالتالي مقدار تشابه حياة المستمع مع حياة المتحدث هي ما يحدد مقدار إدراكه للمقصود من الحديث.
سنفترض أنّ حياة الحاسوب قد تكون ذات بُعدٍ واحدٍ بسبب افتقارها للعمق، وحتى لو كان فيها شيءٌ من العمق فلا يمكننا لمسه أو التواصل معه بلغة البشر، وهذا ببساطةٍ لأننا نختلف عنه بكثير. فالإنسانية التي تعزّز عمق لغتنا لا يمكن مضاهاتها ببعض رقائق السليكون أو الأسلاك النحاسية، والعكس صحيح.
هذا العمق في تركيب الإنسان هو المقصود عندما نناقش مواضيع كالإنسانية والنفس والروح، فعند محاولة استكشاف هذه المواضيع يجب أن نستخدم لغةً تعكس عمق هذه الحالة، أيّ: اللغات الروحية.
ما ينبغي فهمه هنا هو أنّ استخدامنا لهذه اللغات لا يعني بالضرورة وجود الروح والنفس أو وجوب الإيمان بهما.
غالبًا ما يساء فهم الأسئلة المتعلقة بمعنى الحياة من أولئك المستعدين للتفكير فيها على أنها أسئلةٌ مباشرةٌ تتطلب إجاباتٍ موضوعيةٍ وحقيقيةٍ. فعلى سبيل المثال، تأمّل ما يعنيه الملحدون بـ”الروح” عندما يدحضون الافتراض الذي يؤكد وجودها، مقارنةً بما أعنيه عندما أصف العبودية بأنها “مدمرةٌ للروح”. ما إن يجادلني الملحدون في أنه لا يمكن أن تُدَمّر الروح لأنها غير موجودة؛ حتى أقول لهم أنهم يفتقدون للمعنى لإفراطهم في الحرفية. لأنه إذا أَقحمتَ عبارة “العبودية تدمر الروح” في سياق إدراكي بحت؛ فستُحَرِّف ما أقصده وقد تمنعني من قوله للأبد.
أريد أن أعبر عن عمق التجربة التي أخوضها، هي ليست بيانًا حول وجود الأرواح من عدمه، فهذه التجربة لا تتأثر بذلك. هذا النوع من معاني اللغة الروحية يوجد في بُعد آخر بعيدًا عمن لا يدركون سوى المعنى الحرفي (بغض النظر عن إلحادهم)، وهذا البُعد يتحقق عندما نُعبِّر عن المعاني المُبَطّنة اللاواعية من خلال لغتنا، التي تصف إنسانيتنا تجاه بعضنا البعض.
عند التفكير في سؤال “كيف ينبغي أن نعيش؟” علينا أولًا التفكير في كيفية طرحه، هل هو سؤال معرفي إدراكي يبحث عن الحقيقة؟ أم أنه غير معرفي، لاواع، يبحث عن تفسيرٍ لحالة الإنسان الروحية في موقفٍ معين؟
ما أعرفه، أن هذا السؤال يُطرح كثيرًا في أوقات الأزمات واليأس والحب والفرح لأنه يُعبّرعن شعورنا بالإنسانية ويُعرّفه أيضًا.
اقرأ ايضاً: برد اليقين