- عبد الرحمن العضيبي
- تحرير: غادة الزويد
مقدمة
حينما يتشارك اثنان أو أكثر في مشروع تجاري، فهم يضعون أوقاتهم وطموحاتهم واستثماراتهم على المحك، وهذه الأمور بلا شك قيمة لدينا جدًا، فهل نحن على دراية كافية بالطرق المثالية لنشارك الآخرين؟ وهل تسلحنا وتدرعنا بمعرفة مخاطر الشريك؟
وجود شريك يلتزم بمستهدفات الاستثمار على المدى البعيد ولا يحيد، وإن تعثر المشروع لا ينتهي بفوضى قانونية أو عاطفية، يضيف قيمة حقيقية غير متوهمة أو متصنعة على الشراكة، أمور كثيرة نتمناها ولكننا غالبا بعيدين عنها، العديد من التجارب الناجحة وأخرى تسببت بكوارث حقيقية على أفرادها واختيار الشريك وراء تلك النتائج.
حينما ينتابك شعور الخوف هل ستجد شريكا يكمل نقصك؟
قبل الحرب الأهلية في لبنان ١٩٧٥خرج ثلاثة شركاء من الرياض باتجاه بيروت لاستلام ٣٠٠ صندوق للشاحنات تقدر قيمتها بحدود ٦ مليون دولار ، وصلتهم أخبار غير مؤكدة عن نشوب الحرب الأهلية في لبنان وهم في دمشق، أحدهم تراجع على الفور وعاد للرياض واستمر الآخران حتى وصلا إلى الجهة الشرقية من لبنان وهناك شهدا تبادل إطلاق النيران بين القوات اللبنانية وغيرها من الأطراف المتنازعة، هنا تراجع الثاني وبقي ثالث الشركاء صامدًا واستمر في طريقه حتى قُبض عليه من قبل القوات اللبنانية فأخبرهم بما يريد وأنه يرغب بالتفاوض مع زعيمهم بشير الجميل وبعد تفتيش دقيق نقل إليه قريبا من بيروت، وهنا ابتسم بشير الجميل عندما طلب منه أن يخرج الشاحنات بمقابل ٢٠٠ الف ريال سعودي وهو يقول: كيف تسلمني أتعابي بهذا الوضع! فأخرج له Traveler check من جزمته بالمبلغ، وبسبب الفوضى تمكن جميع السائقين بمساعدته من الهروب من حمى الحرب في أقل من ٢٤ ساعة وبدون مقابل أيضًا، وكان صاحبنا في آخر شاحنة منها عاد منتفعا منه شركاه وسالماً له ماله.
في مثل هذه الأزمات لا تتمنى إلا مثله.
سنجيب في هذا المقال على عدد من الأسئلة:
- ما مدى أهمية وجود الشريك بالنسبة للمشروع؟
- ما واقع الناس في اختيارهم لشريك المشروع؟
- ما القيم أو السمات التي يجب توافرها في الشريك؟
أهمية الشريك
الغايات التي يتطلع لها المستثمرون ورواد الأعمال في الغالب أنها تتجاوز إمكاناتهم، وتتعدى قدراتهم سواء المادية أو المعنوية، لذا فمن البديهي أن يتبنى البشر منذ قديم الزمان مفهوم الشراكة في الاستثمار لما له من منافع كبيرة جدًا لهم في الوصول لأسواق ومنافذ جديدة أو حتى تحييد مخاطر محتملة. فالقوافل التجارية واستئجار السفن لحمل البضائع وعقود المنفعة على الأراضي الزراعية هي من قبيل الشراكات مع اختلاف صورها وأنماطها، وحينما نتحدث عن أهمية الشريك في هذا الإطار فنحن نتحدث عن الشريك المثالي فقط.
الحوكمة والالتزام:
الشراكة في عمومها تساعد على تحقيق أهم مبادئ الحوكمة التي أشارت لها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والتي ترتبط بشكل مباشر بوجودهم مثل الوضوح والشفافية، وكذلك العدالة في حقوق المساهمين، وهذان المبدآن يسهل تطبيقهما لتحقيق الحوكمة بوجود شركاء ملتزمين، فبدلا من أن تتعامل مع استثمارك وكأنه حسابك الخاص وتخلط التزاماتك الخاصة بالتزامات العمل، ويشعر العاملون معك بفوضى القرارات خاصة فيما يرتبط بمصروفات خارج بنود موازنة المنظمة، وفي أحد أكثر القصص التي عايشتها واطلعت على بعض تفاصيلها كانت لرجل أعمال لديه عدد من الاستثمارات في تسعة قطاعات طبية وصناعية وتجارية … إلخ، وكان يتعامل مع كل تلك الاستثمارات وكأنها كتلة واحد بل كان يقترض للمؤسسة الخاسرة بتمويل بنكي على حساب المؤسسة الرابحة، وفي أحسن حالاته كانت مبيعاته تتجاوز ٧٠٠ مليون ريال في حدود ١٩٠ مليون دولار، يؤسفني جدًا القول أنه انتهى بإيقاف كل السجلات التجارية وأعلنت المحكمة تصفية استثماراته لارتفاع الديون وعدم القدرة على الوفاء بالتزامات المؤسسات.
الشريك يساعدك كثيرًا على الفصل بين المركز الرابح والمركز الخاسر، صحيح أنه يوجد نماذج من رجال الأعمال لديهم القدرة على الفصل ولكنني في حديث مخصص لما يضيفه الشريك على العمل بغض النظر عن الوسائل التي تحقق نفس الغاية بطرق أخرى. ومن نافلة القول أثر هذا الاستقرار على منظومة العمل فالموازنات ذات كفاءة والمخاطر الشخصية محيده، والعاملون في الشركة مطمئنون على مستقبل أعمالهم.
تبادل الخبرات
الشراكة طريقة فعالة جدًا في تبادل الخبرات والمعلومات الناقصة فكل شريك يكمل جزءًا مهما في نشاط الشركة أو المشروع فما تحتاجه الشركات يختلف كمًا ونوعًا فمن خبرات قانونية إلى فنية أو إدارية أو غيرها، ومن المهم أن تكون المعلومات أو الخبرات لها بعد استراتيجي فمثلا: لو أرادت شركة سويسرية تقديم خدماتها في الشرق الأوسط فمن الجيد أن تضم لها شريك يغطي تلك المعلومات والخبرات الناقصة فهي تشكل لها بعد استراتيجي، أما لو كانت هذه الخبرات تستطيع أن تعوضها بتوظيف شخص يمتلك هذه المقومات فهو أفضل إذا كان بمقدورها. فالشراكة من هذا البعد تعتبر خلق قيمة حقيقية في دمج خبرات لأشخاص في مجالات مختلفة من خلفيات متعددة وإعادة توظيفها في كيان واحد.
توسيع دائرة العلاقات والعملاء
إن إضافة شريك على نشاطك يعتبر استثمار في قاعدة من العملاء والموردين وشبكة من العلاقات التي بنيت على مدار سنين، ومن المرجح أن تفوز الشركة بهذه الامتيازات إذا أحسنت التعاون مع شركائها، وهذا لا يتوقف عند بداية الشراكة وإنما يستمر باستمرارها، ومن أنجح التجارب التي شاهدتها مصنع للبطاريات اجتمع في تأسيسه أشهر وكلاء السيارات في المملكة، وبهذا تغلبوا على إغراق السوق بالمنتجات المستوردة وتشاركوا ربح المصنع وحققوا كفاءة بيعيه ممتازة.
تخفيف مخاطر الاستثمار
قد يدور في أذهاننا أن الشريك يخفف من أثر السقوط حينما يقع الاستثمار فقط، والحقيقة أنه ليس هذا فحسب، بل يدافع عنها قبل السقوط بكامل إمكاناته كما ستفعل أنت لو كنت وحدك، فتكون المنفعة مضاعفة والأثر مركب، ومن البديهي أن أثر السقوط والإفلاس يخف كلما زاد عدد المستثمرين.
ولست متأكدًا من أثر العدد في الدفاع عن الاستثمار بشكل كفء، ولكن حينما أستعرض الحالات التي شاهدتها أجد أن الكثرة أضرت بشكل كبير في مواجهة الأزمات، حتى مع وجود الشريك صاحب الحصة المسيطرة في الشركة والذي يعتبر عنصر أمان لغالبية صغار المستثمرين.
وفي البرهان الذي كتبه الباحثان مدكلياني وملر (Modigliani-Miller) عام ١٩٥٨ والذي يشكل الأساس للنظرة الحديثة لبنية رأس المال، كان أحد الشروط المؤثرة على كفاءة التمويل هو أن المستثمرين يتخذون قراراتهم بمنطقية مطلقة، وهذا لا يحدث بالعادة وإنما يراد بهذا الشرط التعرف على حساسية المنظمة للتمويل، وبهذا نعرف أهمية الشريك لهيكل رأس المال.
تعاون المتنافسين لتنظيم السوق
كأحد أشكال الشراكات هو أن يجتمع المتنافسين في كيان واحد لتحقيق منفعة مشتركة فسوق الطيران في العالم من الأسواق عالية التنظيم، وأحد الأسباب يعود لتأسيس الاتحاد الدولي للنقل الجوي في عام ١٩٤٥ (International Air Transport Association) IATA وعضوية هذا الاتحاد متاحة لكل شركة طيران لها رحلة دولية أو أكثر، وأهم الأعمال التي يقوم بها تنسيق العمليات وحل المشكلات المشتركة بين شركات الطيران، والتي تعجز عن القيام بها شركة وحدها مثل توحيد المصطلحات في القطاع كأسماء البلدان والأقاليم والمدن و الترقيم وكذلك قوانين الملاحة الجوية وغيرها .
يفيد تعاون المتنافسين أو ما يطلق عليه (Coopetition) في اختصار الجهود وتنظيمها وإعادة التوجيه والتطبيق بتكاليف منخفضة، ولا شك أن هذا يعود بالنفع على القطاع بأكمله.
رشد القرارات
حينما تكون الشركة مملوكة لفرد غالبًا ما تتعرض لفوضى القرارات بحكم المرجعية المنفردة في مصدرها، ولذلك تجد أن الشراكات لا تنجح في الغالب إلا بوجود أهداف واضحة أو شبه واضحة يتفق عليها الشركاء، ثم يدفعونها بقوتهم لإعطائها الفرصة والزخم لتحقيق تطلعاتهم، هذا الإطار يعتبر قيدًا مرجعيًا على غالب القرارات.
في أحد الشركات التي أسستها حديثا وفي أول طلب شراء كمية كبيرة من منتجاتنا سيقوم العميل بدفع ٢٥٪ مقدما والقسط الباقي بعد شهرين، كادت الشركة تفلس حرفيا بسبب هذا العميل الذي اكتشفنا أنه يبدل القبعات بين عدد من الموردين ولديه خمس قضايا في محكمة التنفيذ، ومع الجهود المشتركة للشركاء أثمرت بوضع سياسة واضحة لمبيعات الآجل في الشركة وتكوين لجنة تختص بهذا الشأن هنا تعرف أثر الشريك في نمو وازدهار العمل، قل مثل ذلك في إدخال منتج جديد أو فتح أسواق جديدة أو تعيين كبار التنفيذيين إلخ.
القيم المشتركة
لو نتأمل (هرم ماسلو) للحاجات الإنسانية بداية من الحاجات الفسيولوجية وانتهاء بتحقيق الذات فبحسب تقديره، سيتحرك الناس ويعملون بناء على موقعهم في الهرم، فالربح والمادة ليست الهدف والدافع الوحيد للاستثمار. وهناك العديد من الأمثلة منها ما هو عميق جدًا وذو أثر بالغ في حياة الناس ومنه ما هو سخيف وسطحي. يندفع أحد رجال الأعمال بكل ما أوتي من قوة لتأسيس استثمار بمليارات الريالات لغاية الأمن الغذائي في بلده، وآخر يستثمر في الصحة أو التعليم لغايات نبيلة وقيم ذات أثر في مجتمعاتهم، وفي المقابل تجد ابن لأسرة ثرية يؤسس مطعم أو كوفي شوب لغرض التظاهر بالعمل والنجاح. وهناك من يمثل الحاجة للأمان في (هرم ماسلو) بعربته متجولاً في الأسواق والتجمعات البشرية. جميع المستثمرين يبحثون عن فرص النمو وتحقيق الأرباح بلا شك، ولكن هناك قيم أخرى لا تقل أهمية عنها مثل التأثير والتنمية والمشاركة المجتمعية والفخر والسلطة وسد الثغرات وتحقيق الأمان والتكامل الرأسي أو الأفقي وغيرها. ومن أهم مزايا الشراكات، هو أن تجد من يعينك على تحقيق قيمة مشتركة مع الالتزام بالمنفعة المادية.
واقع الشراكات
بالنظر إلى الشراكات التي نراها في السوق تجنح لتركيبة عاطفية في اختيار الشركاء، فزملاء الكلية تخرجوا سويًا وحتى يوثقوا روابط الصداقة بينهم، يؤسسون عملاً تجاريًا يتم فيه امتحان صداقتهم بشكل أقسى مما تصوروه، حينما كان يغضب أحدهم على مزحة يرى الآخر أنه تجاوز فيها حدوده! وآخر يلتقي برجل أعمال في الطائرة وبمعرفة عابرة يؤسس عملاً ويبني حلماً وطموحاتٍ يفني بها سنوات من عمره! وشقيقان يعرفان مدى تعارض شخصياتهم بعمق ومع ذلك يخوضون تجربة الشراكة المحكوم عليها مسبقًا بالفشل!
يبدأ التعثر المالي في شركة ما، فيضطر المالك لشراكة شخص لا يناسبه ولا يوافقه، بل أبعد من هذا قد يكون غاية الشريك الجديد تدمير ما بناه المؤسس. قد شاهدت الكثير من الأمثلة في حياتي وكذلك أنت عزيزي القارئ، شراكات نشأت بدوافع عاطفية فتسير عجلى لنهايتها، ومن الإنصاف القول ليس الجميع كذلك فهناك شركات بدأت رحلتها بصداقة أو صدفة أو قرابة ومع ذلك حققت نجاحات باهرة، ولكن السبب وراء تلك النجاحات في تقديري، هو التكامل الحقيقي بينهم بشكل مثالي وقدراتهم العالية في حل المشكلات والدفع بعجلة الشراكة قدما وغيرها من الصفات التي سنتطرق لها لاحقا.
ولو أردنا تقسيم واقع الشراكات التي نراها فهي غالبا لا تخلو من أن تكون:
– اختيار من خلال السياق كشراكة العائلة والأصدقاء والجيران وزملاء الدراسة.
– اختيار عاطفي كشراكة من تحبه وتريد أن تنفعه ماديا أو من تتوهم قدراته وعلاقاته وإمكاناته.
– اختيار المضطر مثل الديون المنتهية بشراكة أو شراكة المسؤول أو البعد المكاني الموجب للبحث عن شريك قريب من مقر العمل.
– التاريخ الاستثماري مثل الصناديق الاستثمارية أو المستثمرين المستقلين.
– اختيار المكمل ليس فقط بالمال وإنما بالقيم التي يضيفها على الشراكة.
سمات الشريك
فخ كاريزما الشريك
نتعرض لمغالطات كثيرة حينما يبهرنا الحضور الطاغي لشريك محتمل مميز في شخصيته ولكنه لا يعد قيمة مضافة على الشراكة خصوصا إذا ما كنا نبحث عمن يكمل النقص. مهم أن ترتبط في تجارتك واستثمارك بشريك يتسم بشخصية سوية، قادر على أن يفهم نفسه ونفسيات الآخرين بشكل جيد، يمتلك إدراكا سليما للواقع، خاليًا من التخلف العقلي، وما يلحق به من قصور في القدرات، قادر على ضبط النفس والتحكم في انفعالاته إلى غير ذلك من سمات الشخصية السوية. يبادلك الاهتمام في الغايات الربحية والحصص السوقية وقيادة السوق والتأثير فيه كما يشاطرك الطموح إن لم يكن أعلى منك. احرص على أن يكون الشريك يكمل نقصًا ظاهرًا فيك، ويصعب تكميله بموظف داخل الشركة كقدرته على فتح أسواق جديدة أو خبرة ممتازة في جوانب التشغيل والعمليات أو غيرها من احتياجات الشركة الاستراتيجية. تنجح علاقة الشريكين ببعضهما إذا كانت تنطوي على التزام للمدى البعيد فحينها تكون لديهم دفاعيات فائقة الكثافة لمواجهة العقبات وتقلبات العمل صعودا وهبوطا وهذا ملاحظ بشكل ظاهر في الشركات العائلية التي حافظت على قيمها منذ فترات طويلة وما زالت الأجيال ملتزمة بها. أخيرًا، أود القول بأنه يتوجب علينا اختيار الشريك في أحسن حالاتنا تجنبًا لاختياره بقرارات متعجلة لا تراعي مصلحة العمل، كما أنه من المهم جدًا توثيق الشراكة بطريقة تحفظ فيها حقوق الأطراف، وبما أن الأشجار تنمو بسقيها ورعايتها فنمو الشراكات يغذيها الشفافية والإفصاح.