- مورغان هيوز
- ترجمة: نجوى الشمري
- مراجعة: مصطفى هندي
- تحرير: لطيفة الخريف
هل وصلنا إلى نهاية العالم؟
في صيف عام 2019، انتشرت على الإنترنت سلسلة من العناوين الرئيسية تزعم أننا قد نواجه نهاية العالم/اليوم الآخِر بسبب التغير المناخي بحلول عام 2050، فمع تحول الاحتباس الحراري والاضطرابات المناخية إلى تهديدات وشيكة، يخشى كثيرون أن تكون نهاية العالم قد اقتربت، وأصبحت هي الشغل الشاغل لمجتمعاتنا. على الأقل هذا ما قدمه أستاذ الفلسفة في جامعة ولاية بنسلفانيا البروفيسور “تيد تودفاين” يوم الاثنين 10 فبراير، من الساعة 5 إلى 7 مساءً، خلال محاضرته “ما سبب هوسنا بنهاية العالم؟”
هل نحن حقًّا مهووسون بهرمجدون؟[1] فكّروا بذلك.
يرى تودفاين أن هوسنا يبدو جليًّا في الكتب التي نقرؤها والأفلام والبرامج التلفزيونية التي نشاهدها، فقوائم قراءات الشباب وقوائم الكتب الأفضل مبيعًا ممتلئة بسلاسل الرعب مثل ثلاثية “مباريات الجوع Hunger Games” أوسلسلة “Divergent”. وفي أوج شهرتها حصدت سلسلة “الموتى السائرون The Walking Dead” أكثر من 17 مليون مشاهدة، إضافةً إلى أن أفلامًا مثل “القيامة الآن Apocalypse Now” لها حضور مستمر على منصات جوائز الأوسكار. ولكن بعيدًا عن المواد الترفيهية التي تتخذ من نهاية العالم سياقًا لها، فإن هذا الخوف من نهاية العالم هو انعكاس حقيقي للوقائع والتغيرات الجيولوجية الحالية.
في الماضي، عندما تخيل رواة القصص والأساطير دمارنا، كانت ظواهر طبيعية كالزلازل أو الأوبئة هي المتسببة في فناء الجنس البشري، ولكن على مدار العقود القليلة الماضية، أصبحت الكوارث المناخية التي تسبب فيها الإنسان هي “رؤيتنا المفضلة للنهاية”، وذلك وفقًا لتودفاين. حتى إن ذلك حفز ظهور أسلوب أدبي جديد للخيال يعرف بـ (cli-fi) أو الخيال المناخي، مثل فيلم (بين النجوم Interstellar).
ولكن لماذا انتشر ذلك التصور المفاجئ المرتبط بالتغيرات المناخية لنهاية العالم؟
يقول تودفاين ” من المألوف أن نسمع أن تغير المناخ هو أهم تحدٍ يواجه البشرية”، وقد أشار إلى أن موقع الأمم المتحدة ينص على “أن تغير المناخ هو القضية المصيرية في عصرنا، ونحن الآن نعيش لحظات حرجة”.
من الواضح أن هذا هو توقعنا النهائي لنهاية العالم “في الوقت الحالي”.
أثناء الحرب الباردة، كان الدمار النووي الشامل هو أول مخاوفنا، وفي بداية الألفية تسبب الخلل الحاسوبي (مشكلة العام 2000)[2] بذعر هائل مؤذِنٍ بنهاية العالم، ولكن في كلتا الحالتين لم ينتهِ العالم، وفي الواقع لا يمكننا القول إنه سينتهي الآن.
إن القول بأن تغير المناخ هو أكثر قضايانا إلحاحًا هو أمر مزعج، وقال تودفاين إن هذا يثير غضبه؛ لأنه يقلل من أهمية مشاكل العالم الأخرى مثل العنصرية والفقر وما إلى ذلك وينحيها جانبًا.
“إن أولوية قضايا أولئك الذين دُمِّرت حياتهم وسبل عيشهم ومجتمعاتهم بسبب الصناعات والحفر والتعدين، والاستعمار الاستيطاني، والهجرة القسرية، وعنف الشرطة، واجتماع العنف والقمع هي أمر بالغ الوضوح بالنسبة لي، سواء اتفقوا على أن تغير المناخ هو القضية الحاسمة في عصرنا، أو أن كل الموارد المتاحة يجب أن تحشد للحفاظ على العالم بشكله الحالي”.
المعضلة التي لا يبدو أن لها حلًّا هي أن الضعفاء من “الفقراء والنساء والأطفال، وكبار السن، وغير البيض، والنازحين والسجناء” حسب قائمة تودفاين هم أكثر من سيتأذى ويعاني في مواجهة انهيار المناخ. ولعل السبب الرئيسي في أن العالم يضع هذه المشكلة على رأس أولوياته هو أن الإبادة المناخية لن تفرق بين غني وفقر وقوي وضعيف، وهناك أدلة لا يمكن إنكارها على أنها تهديد حقيقي.
وبحسب تودفاين، فقد أظهرت الدراسات أننا تسببنا بالفعل في اضطراب مزمن للمناخ لن يتغير حتى الألفية القادمة على الأقل، والعواقب ستكون كارثية: من ارتفاع مستويات البحار، وانتشار المجاعات، والأوبئة، والهجرة الجماعية، والتغيرات المناخية غير الطبيعية.. والقائمة تطول.
ليس هذا وقت التنظير والنحيب على دمار كوكبنا، إنه وقت المطالبة باتخاذ الإجراءات. إن الجهود الفردية لمكافحة تغير المناخ -مثل تقليل الانبعاثات الكربونية، واستعمال الألواح الشمسية وما إلى ذلك-هي مهمة جدًا، ولكنها للأسف ليست كافية لحل المشكلة.
يقول تودفاين: “إن التغير المناخي كالمحيط، لن يجدي معه أن يساهم كل فرد بقطرة، لأن الأرقام ضخمة للغاية، ولا يمكن للجهود الفردية أن تحل المشكلة”
ويرى تودفاين أن الحل المطلوب للتغير المناخي مماثل للخطوات التي اتُخذت للتعامل مع استعمال البنزين المحتوي على الرصاص. فبمجرد اكتشاف التأثيرات البيئية، لم يعد الأمر متروكًا لكل قائد سيارة أن يختار إذا شاء تركيب مرشحات لسيارته، فلن يجدي هذا نفعًا، وعوضًا عن ذلك فقد أصبح البنزين المحتوي على الرصاص مخالفًا للقانون (مع بعض الاستثناءات) وبعد سنة معينة، تعين على كل سيارة تركيب مرشحات.
وأوضح تودفين “لقد كان لدينا حل مؤسسي لأنها مشكلة جماعية”. ففي قمة العمل المناخي لعام 2019، كان لدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وجهة نظر مماثلة، قائلًا: “نحن بحاجة إلى المزيد من الخطط الملموسة والمزيد من الطموح، إننا بحاجة لدعم كثير من البلدان والشركات؛ نحن بحاجة إلى جميع المؤسسات المالية، العامة والخاصة، لأن تختار الاقتصاد الأخضر مرة واحدة وإلى الأبد”.
لقد حان الوقت للتركيز على حل جماعي لتغير المناخ؛ لأنه في النهاية، لا يجب أن يكون نهاية العالم
اقرأ ايضاً: هل نهاية العالم أقرب للخيال من نهاية الإنترنت؟
[1] – هرمجدون/ أرمجدون هي معركة نهاية العالم وفقًا للكتاب المقدس، وأصبحت علمًا على أي سيناريو يجسد نهاية العالم. (المراجع)
[2] – خشى مستخدمو الكمبيوتر والمبرمجون من توقف أجهزة الكمبيوتر عن العمل في 31 ديسمبر 1999، وذلك بسبب أن المبرمجين استخدموا رموزًا مكونة من رقمين لتمثيل السنة، على سبيل المثال، بدلًا من كتابة عام “1960”، استخدموا فقط “60”، كان السبب الرئيسي وراء ذالك هو توفير مساحة تخزين حيث كانت مكلفة للغاية، بالإضافة إلى ذلك، لم يتوقع المبرمجون أن تستمر البرامج حتى نهاية القرن، عندما اقتربت الألفية الجديدة، أدرك خبراء الكمبيوتر أن البرنامج سوف يتعرف على “00” اعتبارًا من عام 1900 بدلًا من عام 2000، وشكل هذا الإدراك خطرًا على العديد من المؤسسات مثل البنوك وشركات التأمين والمستشفيات والدوائر الحكومية التي اعتمدت على أجهزة الكمبيوتر في توفير الوقت والتاريخ الدقيقين، عدد الأجهزة الحاسوبية التي فشلت بالرغم من الاجراءات الإصلاحية لحل هذه المشكلة عندما انقلبت الساعات عام 2000 غير معروف ؛ ويُعزى ذلك إلى تحفظ المنظمات على الإبلاغ بوجود المشكلة في أنظمتها. (المراجع)