- فارنام ستريت | Farnam Street
- ترجمة: عمر فريد
- تحرير: محمود سيّد
كجزء من سلسلتنا حول القراءة، تتعمّق هذه المقالة في كيفية القراءة باستخدام الإطار الكلاسيكي الذي قدّمه مورتمر أدلر، أستاذ الفلسفة بجامعة كولومبيا.
بإنهاء هذه المقالة، ستتشكّل لديك خطة أو إطار تستخدمه في مستويات القراءة المختلفة وستتمكّن من تطبيقه على الفور.
سنكتشف ونتناول الآتي:
1- كيف نتعلّم أن نقرأ؟
2- كيفية القراءة مُرتبطة بسبب القراءة
3- مستويات القراءة الأربعة:
– القراءة الأساسية أو الابتدائية
– القراءة التصفّحية
– القراءة التحليلية
– القراءة المركّزة/ التلخيصية.
4-القراءة الناقدة أو الواعية
كيف نتعلم أن نقرأ
أنا متيقّن أنك تعرف كيف تقرأ كتابًا، لقد درستَ هذا في التعلىم الأساسي، لكن هل تعرف كيف تقرأ كتابًا بشكل جيد؟
هُناك فرق بين القراءة لأجل الفهم والاستيعاب، والقراءة لأجل تحصيل المعلومات.
لو كنتَ كغالب الناس، فعلى الأرجح أنك لم تفكر كثيرًا في كيفية القراءة بالرغم من كونها تُحدِث أثرًا كبيرًا في تحصيل المعرفة.
يخلِط كثيرون بين معرفة اسم شيء مّا وفهمه، وبالرغم من أنّ معرفة الأسماء قد تكون نافعةً في تنشيط الذاكرة؛ إلا أنّ استحضار الحقائق دون أدنى فهم لها وارتباطاتها لا يُفيدك كثيرًا في الواقع.
ملاحظة مفيدة: ما فُهِمَ بسهولة يُعَدّ من القراءة لتحصيل المعلومات.
فكّر في الصحف، هل تتعلّم شيئًا جديدًا حقًّا؟ هل تعتبر الكاتب هو معلمك والخبير في المجال الذي يكتب فيه؟
على الأغلب لا، ما يعني أنّ القراءة في هذه الحالة للمعلومات، والآراء والانطباعات التي لا تكون إلا ترديدًا لقناعات أخرى، نتظاهر أنها لنا بالأصالة.
ولا يتعلّم معظم الناس شيئًا جديدًا حينما يكون هذا هو أسلوب قراءتهم؛ لن يضع لك حدًّا، أو يجعلك تتطوّر في وظيفتك، ولن يساعدك في تجنّب المُشكلات.
وكما يقول إدچار إلن: “أخذ الملاحظات هو في حقيقته تجربه لمعرفة محل التوافق والاختلاف مع المؤلف، إنه الطريقة الأمثل لإظهار احترامك له”.
تعلُّم شيءٍ مهم يتطلب جهدًا ذهنيًّا، إنه ليس سهلًا، فإن وجدته سهلًا؛ فحينئذ أنت لا تتعلم. ابحث عن كُتّاب أكثر خبرةً ومعرفةً منك في مجال معين، وحين تعمل على تضييق الفجوة المعرفية بينكما؛ تزداد ذكاءً.
كيفية القراءة مرتبطة بسبب القراءة
الغاية وراء القراءة هي ما تحدّد كيفية القراءة، فالطريقة التي تقرأ بها آخر رواية رومانسية ل “دانيلا ستيل”، ليست ذاتها التي يُقرأ بها لأفلاطون.
إذا كنت تقرأ للاستمتاع أو لمجرد الاطلاع على المعلومات؛ فإنك ستقرأ بأسلوب يختلف كثيرًا عما إذا كنت تقرأ للفهم والاستيعاب، فمعظم الناس يحترفون القراءة للاستمتاع أو المعلومات، لكن قليلًا منهم يطوّرون قدراتهم كي يقرؤوا للمعرفة والفهم.
قبل قراءة كتاب، ينبغي أن نتفهّم الاختلاف في مستويات القراءة، وهي تُعتبر مستويات لأنه لا يمكنك التنقّل إلى مستوى إلا بعد اجتياز المستوى الذي قبله؛ فالمستويات تراكمية.
مستويات القراءة:
1- القراءة الأساسية أو الابتدائية
وهذا المستوى هو الذي نتعلّمه في المدرسة الابتدائية، وتُعَدّ قراءتك لهذا المقال منه.
2- القراءة التصفّحية
لقد عُلّمنا أنّ تصفّح الكتب وقراءتها سريعًا؛ مُضرّ بعملية الفهم، وهذا ليس صحيحًا بالضرورة، فاستخدام هذه الطرق بفعالية يُعين على زيادة الفهم.
تُتيح لنا القراءة التصفّحية الاطلاع على تصوّر طريقة المؤلف ومعرفة مدى استحقاق الكتاب لقراءة عميقة.
يوجد نوعان فرعيان من القراءة التصفّحية:
- التصفّح المنظّم: ويُقصد به فحص سريع للكتاب من خلال:
~ قراءة المقدمة
~ دراسة محتويات الكتاب
~ الاطلاع على الفهرس
~ قراءة المحتوى الداخلي
ينبغي أن تُكسبك هذه الخطوات معرفةً كافيةً لفهم فصول الكتاب، وضروريةً لمناقشة المؤلف.
اقرأ هنا وهناك، لكن لا تتجاوز فقرةً أو اثنتين إطلاقًا.
يُعينك التصفّح في اتخاذ قرار شديد الأهمية: هل يستحق هذا الكتاب بذل المزيد من وقتي وتركيزي؟ إن كانت الإجابة لا، اتركه.
- القراءة السطحية
هذه القراءة عندما تقرأ فحسبُ؛ لا تدخل في نقاش، ولا تسعى لمعرفة معاني الأشياء، ولا تكتب فوائد وملاحظات على الهوامش، وإن لم تتمكّن من فهم شيء تتجاوزه.
الصورة التي تتكوّن لديك من خلال هذه القراءة العابرة ستُساعدك مستقبلًا حينما تبذل المزيد من الجهد في قراءة الكتاب.
ومن ثَمّ يظهر أمامك قرار آخر: لديك الآن فكرة عن الكتاب بعد أن فهمت محتوياته وتكوينه، فهل تريد أن تفهم الكتاب ذاته؟
تمنحك القراءة التصفّحية ملخّصًا ومختصرًا، وهذا ما نحتاجه أو نريده أحيانًا، وأحياناً أخرى نتطلّع إلى المزيد من الفهم.
3- القراءة التحليلية.
فرانسيس بيكون قال ذات مرة: “بعض الكتب يُتذوّق، وبعضها يُبلع فورًا، وقليل منها يُقلَّب ويُهضَم”.
فكّر في القراءة التحليلية على أنها ذلك التقليب والهضم، فهي تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد، فالقراءة التحليلية هي قراءة القراءة من داخله لا من أطرافه كما هو حال باقي مستويات القراءة.
إن كانت القراءة التصفّحية هي الأفضل حينما تكون على عجلة؛ فإنّ القراءة التحليلية هي الأفضل إن أردت التعمّق وبذل الوقت.
في هذه القراءة، تبدأ في تنشيط عقلك والتعمّق للقيام بالجهد اللازم لفهم ما يُقال، وأنصحك بشدة أن تستخدم الملاحظات والتدوينات كي تفهم مراد المؤلف.
توجد أربع قواعد للقراءة التحليلية:
– صنّف الكتاب وفقًا لنوعه ومادته.
– حدّد موضوع الكتاب وما يتناوله باختصار شديد.
– رقّم فصوله الرئيسية بنفس ترتيبها وترابطها، ثم وضّح الفصول الجزئية كما في الكتاب بالجُملة.
– حدّد المشكلة التي يُحاول المؤلف حلّها.
وفي الأغلب، ستلاحظ أنه بالرغم من أنّ هذه القواعد تبدو سهلةً، لكنها تتطلّب جهدًا كثيرًا. ولحُسن الحظ، القراءة الاستكشافية قد هيّأتك وأعدّتك لذلك.
بعد القراءة التصفّحية، ربما تستطيع فهم الكتاب وآراء مؤلفه، لكن هذا لا يعني فهمك لموضوع الكتاب الأشمل والأوسع، وحتى يمكنك ذلك لا بدّ من القراءة المُقارَنة لعدة كتب في نفس الموضوع لتستخلص وتُنقّي المعرفة.
4- القراءة الناقدة
وتُعرف أيضًا بالقراءة المُقارِنة، وتُعَدّ أكثر القراءات المرغوبة والصعبة من بين باقي الأنواع.
يتضمّن هذا النوع قراءة الكثير من الكتب حول نفس الموضوع وإجراء مُقارنات ومُغايرات بين الأفكار، والمصطلحات، والخلافات.
وتُنجَز هذه المهمة من خلال: تحديد الأجزاء ذات الصلة والمهمة، وترجمة المصطلحات، واستدعاء وتأطير الأسئلة التي تحتاج إجابة، وتعريف الإشكالات، ومراجعة الردود عليها.
ليس الهدف من هذا النوع تكوين فهم إجمالي لكتابٍ مّا، لكنه فهم المادة جيدًا وتكوين معرفة عميقة بالموضوع، ومن ثَمّ فإنّ غاية هدف هذا النوع هو تحديد فجواتنا المعرفية وسدّها.
هناك خمس خطوات للقراءة المركزة:
– اختيار الكتب المناسبة.
تحتاج أن تجد الكتب المُلائمة ثم الأجزاء والفصول القادرة على إشباع حاجاتك المعرفية؛ لذا فإنّ الخطوة الأولى هي إجراء قراءة تصفّحية لسائر الكتب التي ترى أنها ذات صلة.
– الربط بين المؤلف والمصطلحات
في القراءة التحليلية يتعيّن عليك معرفة الكلمات الرئيسة وكيف يستخدمها الكاتب، وهذا سهل لا يتطلّب الكثير، لكن الأمر يزداد تعقيدًا حين يتعدّد المؤلفون ويكون لكل منهم مصطلحات ومفاهيم يستخدمها ليضبط نقاشه، ومن ثَمّ فإنّ مسئولية ضبط وتحرير المصطلحات تقع على عاتقك، ولا بد من استبدال لغتك بلغة المؤلف، وباختصار: هذا تمرين على الترجمة والتلخيص.
– توضيح الأسئلة
بدلًا من التركيز على المُشكلات التي يحاول المؤلف حلّها؛ ينبغي أن تعتني بالأسئلة التي تريد إجاباتها، فكما أننا لا بُدّ وأن نُنشئ مصطلحاتنا الخاصة؛ كذلك ينبغي أن نُنشئ العلاقات والروابط بينها من خلال التركيز على أسئلتنا التي يُجيب المؤلف عنها.
من المهم إذن جعل الأسئلة في هذا الشكل كي يمكننا القول إنّ كل أو أغلب المؤلفين يقدّمون إجاباتٍ، وقد لا نحصل على إجاباتٍ لأسئلتنا لأنها لم تكن أسئلةً في نظر المؤلفين.
– تعريف المُشكلات
إن سألت سؤالًا واضحًا ووجدت إجاباتٍ متعدّدةً؛ فقد حدّدت المشكلة، الإجابات المُتعارضة -كما تصفها بمصطلحاتك الخاصة- ينبغي أن تُرتَّب حسب علاقتها وفقًا لعلاقة بعضها ببعض، تفهُّم وجهات نظر متعدّدة في قضية واحدة يساعد في تكوين رأي سديد.
– تحليل النقاش
من الخطأ توقّع الحصول على إجابة غير مُتنازع فيها لأيٍّ من أسئلتنا، لأنّ الإجابة بحدّ ذاتها هي تنازع الإجابات المتعارضة، فالهدف هو النقاش الذي يحدُث مع أولئك المؤلفين، وحينها تستطيع تكوين وجهة نظر عن علم ودراية.
كيف تكون قارئًا طموحًا؟
ليست القراءة إلا طرح الأسئلة الصحيحة بالترتيب الصحيح والسعي لنيل الإجابات.
ثَمّة أربعة أسئلة رئيسية لا بد منها مع كل كتاب:
1- ما موضوع الكتاب؟
2- ماذا يتناول الكتاب تفصيلًا؟ وطريقة تناوله.
3- هل الكتاب صحيح كليًّا أو جزئيًّا؟
4- ماذا يتضمّن الكتاب؟
وختامًا، قد تبدو هذه الخطوات عملًا شاقًّا، وهي كذلك، ولا يفعلها كثيرون، وهذا ما يجعلك متميّزًا.