الإدارة

أربعة أسباب غير متوقعة لمتلازمة الاحتراق النفسي

  • د. إلين هندريكسن*
  • ترجمة: منار الربّاع القحطاني
  • تحرير: سارة الحفظي

هل أنت عالق في وظيفة تستنزف كل طاقتك بطريقة تجعل إلقاء نفسك في النهر أفضل من الاستمرار فيها؟ في هذا المقال نطرح أربعة أسباب غير متوقعة لمتلازمة الاحتراق النفسي، والذي يمكننا القول أيضاَ أن الأمر كما لو أنك تحترق بالفعل من الداخل من أجل إشباع رغبات الآخرين.

وكما أن “الطماطم” يمكننا تصنيفها في فئة الفواكة أو الخضروات، كذلك الإرهاق أيضًا يمكن القول أنه يمكن تشخيصه كمرض نفسي أو لا؛ ففي أن متلازمة الاحتراق النفسي لا تُصنف في الولايات المتحدة كأحد أنواع الاضطراب؛ فقد أدرجتها السويد ضمن لائحة الاضطرابات النفسية وتظهر في التصنيف عالمي  للأمراض باسم حالة الإرهاق الحيوي (المعروف بالإنجليزية: ICD-10).

سواء كنت تسمي الطماطم بالإنجليزية (Tomato او Tomahto)، فإن متلازمة الاحتراق النفسي أو الإرهاق الحيوي، هي حالة معروفة عند الكثير؛ وهي تتلف الأعضاء الحيوية في الجسد، كما أنها تساهم في ظهور أعراض أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم إلى تعاطي المخدرات.

إذن، كيف تعرف إن كنت تعاني من متلازمة الاحتراق النفسي؟ هناك ثلاثة أعراض واضحة لمتلازمة الإحتراق النفسي. أولًا الإرهاق النفسي وهو ما يدفع للإرهاق الجسدي. و في هذه الحالة فإن الضغط على نفسك بالعمل بشكل كبير والحرص على إنجاز قائمة مهامك سيكون أمراً مستحيل. ثانياً التقليل من شأن الإنجاز الشخصي، مما يعني مزيدًا من الجهد لإنجاز القليل من العمل، وأن تتساءل أحياناً ما الهدف من ذلك. حتى النجاحات تبدو وكأنها هباءً منثورَا. العَرَض الثالث وهو تبدد الشخصية، وذلك عندما تكون ناقما وساخطًا على زملاء العمل والعملاء، وتشعر أنك غريب عنهم؛ فتتذمر بشكل متكرر بقولك “ما خطب هؤلاء الأشخاص؟”، “البلداء!”، أو أي تعبير غير لائق، فإنك قد تعاني التبدد الواقعي.

قد يبدو كل هذا مشابهًا بشكل كبير لأعراض الاكتئاب، ولكن الإرهاق مختلف من حيث إنه مقيد بطابع واحد، وغالبًا ما يكون مرتبطا  بالعمل أو تقديم الرعاية. سيظل الأشخاص المصابون بالاكتئاب يعانون من الاكتئاب سواء وهم جالسون في مجموعة أو منعزلون، لكن أولئك الذين يعانون من الإرهاق غالبًا ما يشعرون بتحسن بمجرد أن يأخذوا إجازة، بعيدًا عن العملاء كثيري الطلبات ومدرائهم الاستبداديين؛ ومن خلال الاستجمام في مكان هادى، أو ممارسة هوايتهم المفضله. بعبارة أخرى، في الاكتئاب ستتبعك سحابة المطر السوداء في كل مكان، ولكن مع الإرهاق فإنها ستُحيط بك في مكان عملك فقط.

وعلى الرغم من أنه من الطبيعي أن يكون لديك مشاعر متناقضة بشأن عملك، إلا أنك بإلقاء نظرة على قوائم مهامك خلال فترة غدائك، أو يراودك شعور لا يقهر بتهشيم الطابعة اللعينة التي لا تعمل= هنا اعلم أنك تجاوزت الحدود، فقد تداخلت أعراض الإرهاق مع أفضل جهودك في العمل.

إذن ما الذي يسبب الإرهاق؟ بعض الإجابات البهدية: إنه هذا السيل الذي لا ينتهي من المهام، وبيئة العمل السامة، أو تكريس النفس بشكل تام للعمل لدرجة لا يتسنى لك معها عيش حياتك الخاصة. من المنطقي أنك ستشعر بالإرهاق عندما يقول لك رئيسك أن عليك العمل حتى وإن كنت متعبا، أوالعميل الذي يستشيط غضباً في وجهك، أو زميل يتحدث بصوت عالٍ حول حياته الخاصة أثناء فترة راحتك. لكن هناك عوامل أخرى قد تتشكل بصورة غير واضحة. لذلك سنعرض أكثر أربعة أسباب مفاجئة للإرهاق.

السبب الأول: الضغط من أجل الأداء

كثيراً ما عندما يكون لدى الرؤساء أو المعلمين أو المدربين معايير عالية، ولذلك فإننا نحاول جاهدين بأن نرفع من قدراتنا لتصل للمستوى المناسب لهم. نحاول كأفراد قدر المستطاع أن نحقق هذه المعايير لأن غيرنا يعتقد بأننا نستطيع تحقيقها.

ولكن في مرحلة معينة، فإن محاولتنا ملاحقة المعايير العالية للآخرين قد تضعف من قدراتنا. وقد أُجريت دراسة على حوالي مئتي رياضي من الجنسية البريطانية وجدت أنه عندما ينخرط الأطفال في ما يسمى بمخاوف الكمال –وهي التي تدفعهم للوصول إلى المعايير المتصورة من قِبل مدربيهم أو آبائهم- فإنها و بشكل سريع وتؤدي بهم لنهاية المطاف بالوقوع في الإرهاق النفسي.

بمعنى آخر، فنحن نبذل الجهد الكامل لإرضاء متطلبات الغير. تقول دكتورة علم النفس “إلين هيندركسن” بأنها تُعاني من الإرهاق والأمر يصدق عليه المثل السائر “خيرًا تعمل شرًا تلقه”، وتعني أنك عندما تبذل جهداً كبيراَ في العمل للحصول على ترقية أو مكافأة ما لا يكون لهذا الجهد في عين رئيسها سوى القليل من التقدير والاعتبار، و يتوقع منها المزيد. بينما قد نُجهد في العمل لإرضاء مطالب رؤسائنا فإنهم ينظرون إلى سعينا الدؤوب على أنه متطلب يجب علينا أن ننجزه.

في بعض الأحيان يكون الضغط علينا ظاهرا، لكن في وقت آخر نكون في الحقيقة “باطنياً” مهيئين للافتراض أن رؤساءنا يتوقعون منا فعل المستحيل، بينما في الواقع نحن أنفسنا نخلق هذا الضغط الوهمي. وإذا كنت مدركا أنك تميل للكمال بشكل مفرط وفقاً لما يميله ضميرك، راجع نفسك.

السبب الثاني: التشاؤم

الميل للنظر إلى العالم بشكل سوداوي؛ وهذا دليل واضح بأنك تعاني من الإرهاق. هناك دراسة في صحيفة الشخصيات والاختلافات الفردية Personality and Individual Differences، أفادت بأن أكثر من ألف مشارك طلبَ منهم قراءة أربعة و عشرين سيناريو قصير، ستةً منها كانت متعلقة بالوظائف، و جميعها كانت غامضة المفهوم و يمكن أن تحتمل نظرة إيجابية أو سلبية. وهي مشابهة تماماَ لمبدأ رسومات الوهم البصري “البطة الأرنب” وأيضًا المرأة الشابة و العجوز باستثاء أنها نصوص مكتوبة. مثلاً “ستلتقي بصديق في المحطة ولم تره منذ سنين. ستتأثر عاطفياً بمجرد التفكير كم قد تغير”.

بعد ذلك، طُلب من المشاركين تقييم مدى المتعة التي شعروا بها في كل مشهد؛ ومن ثم انخفضت ميول الشعور بالقلق والحزن بشأن كيفية تغير الصديق، في حين أن الشعور بالحماس والحنان تجاه الصديق القادم قد كانت أعلى وأكثر حضورا. نظرًا لأن جميع السيناريوهات كانت غامضة، فقد عكست التصنيفات غير السارة ميلًا إلى رؤية نصف الكوب الفارغ، بينما عكست التصنيفات الممتعة ميلًا لرؤية النصف الممتلئ.

إلام يشير هذا؟ اتضح أن التفسيرات المتشائمة -النظر إلى النصف الفارغ- مقترنة بقوة بالإرهاق.

السبب الثالث: تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي بدون هدف

بعد ما طبقت أسلوب مستشارة الترتيب “ماري كوندو” في ترتيب ملابسك ومنزلك، وتساءلت ما إذا كانت طاولة التنس كفيلة بإسعادك، فقد حان وقت للعودة لمواقع التواصل الاجتماعي أثناء العمل.

هناك دراسة في صحيفة Health Psychology وجدت أن مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة في بيئة العمل تساهم في رفع نسبة الإرهاق النفسي عند الأفراد الذين هم أقل تركيزا ذهنياً. لكن من لديهم تركيز أعلى يكون الإرهاق في أدنى مستوايته عندما يستخدمون مواقع التواصل الإجتماعي. لذا أنصحك بالاطلاع على كتاب “حركة ترشيد الاستهلاك الرقمي” و طبق أسلوب كوندو في تنظيم وقتك على مواقع التواصل باستخدام التكنولوجيا التي تُفضلها، طبقها بالتدريج ومن هنا ستبقى اجتماعياً وعلى اتصال بالعالم الافتراضي و في نفس الوقت تتفادى الإرهاق.

السبب الرابع: الشعور بالوحدة، لكن ليس كما تظن

من المتوقع أن تظن أن الأشخاص الذين تثق وتهتم بهم – يمكن أيضًا أن نسميهم “مجموعة الدعم الاجتماعي” والمعروفة في مجال علم الاجتماع- ستفيد كثيرا في تجنُب الإرهاق؛ المفاجئة هي أن كل هذا الدعم غير كاف للجميع.

سلطت دراسة من جامعة “Wayne State” النظر على حراس السجن، ووجدت أن دعم الأسرة والأصدقاء -على عكس ما هو متوقع- لم يؤثر على الإرهاق على الإطلاق. ماذا وجدوا إذن؟ وجدوا أن دعم زملاء العمل يترافق مع انخفاض تبدد الشخصية، وأن دعم المدير يقلل من  الإرهاق العاطفي.

الخلاصة هي أن الإرهاق ليس شيئًا واحدًا مترابطًا، ولا الدعم أيضًا. تمامًا مثلما لا تستخدم آلة صنع القهوة لصنع الخبز (على الرغم من أنه يمكنك على ما يبدو استخدامها لتبخير البروكلي)، من المهم أن يتطابق الدعم الاجتماعي مع احتياجاتك الخاصة؛ قم ببناء دائرة دعم اجتماعي واسعة بقدر ما تشعر أنك بحاجة إليه، بدءًا من أخت زوجك التي تفهم ديناميكيات الأسرة، إلى معلمك في العمل؛ ويمكنك دائمًا طلب النصيحة، إلى أصدقاء الكلية الذين سيكونون دائمًا أكبر المعجبين بك.

هناك عدة أسباب وراء الإرهاق أكثر من الأسباب الأربعة المذكورة هنا، ولكن يكفي أن نقول إن الإرهاق يأتي من بيئة العمل الخارجية والمشاعر الداخلية، مع درجات عديدة من التشتت الاغتراب، وانخفاض التقدير الذاتي، والتساؤل عن سبب عملك هنا.

صدق أو لا تصدق، هذه في الواقع أخبار جيدة؛ فلأسباب عديدة، هناك طرق عديدة لمكافحة الإرهاق..لكن ليس منها تهشيم هذه الطابعة البالية بمضرب بيسبول.


  • د. إلين هندريكسن: أخصائية نفسية إكلينيكية تعمل في مركز القلق والاضطرابات النفسية التابع لجامعة بوسطن، وهي مؤلفة كتاب: “كيف تكون على طبيعتك”.
المصدر
psychologytoday

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى